بين كُمْون الدُّر بجمال الضاد وسكون تاء التأنيث في العربية من ناحية، وضمير التشييء والتجميد (it) في الانجليزية ولغات الاستعمار، من ناحية اخرى! / الياس فاخوري

الياس فاخوري ( الأردن ) – الجمعة 8/12/2023 م …

(==) حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …




ابدأ بغنى اللغة العربية وسحرها الذي يخطف الالباب .. ببلاغتها كعلم المعاني (الخبر، الإنشاء، التقديم والتأخير، الحذف والذكر، التعريف والتنكير، القصر، الفصل والوصل)، وعلم البيان (التشبيه، المجاز، الكناية)، وعلم البديع (المحسنات المعنوية، المحسنات اللفظية) .. وها هو أمير الشعراء، احمد شوقي، يغنيني عن الغوص والإسهاب اذ يقول:

إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِناً//

جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضادِ//

وكذلك يفعل شاعر النيل، حافظ ابراهيم:

أنا البحرُ فى أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ//

فَهَلْ سَأَلُـوا الغَـوَّاصَ عَـنْ صَدَفَاتـى؟//

ولكن الا يمكن لذلك ان يجعل من جمال اللغة العربية ودرّها وضادها وصدفاتها تعويضاً او بديلا جمالياً للفعل!؟ بلى يُمكن وأكثر، ف”إن من البيانِ لسِحرًا” كما روى البخاري!

واستدراكاً للاستدراك، ف”إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ” (الفجر –  14)، اذ “كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (الصف – 3)! وهكذا لا بد من تجسير الهوة بين التخطيط والتنفيذ، بين النية والفعل، بين القول والعمل!

اما لمن يغمز الى تسكين تاء التأنيث وإقصائها عن الاعراب، فنحيله الى قوانين نيوتن الأربعة للحركة والجاذبية وما قبلها وما بعدها انسجاماً او تحدياً حيث تتحرك تاء التأنيث وتُحرّك الكون معها من مريم، والزهراء، وخديجة، وعائشة، وخولة، وحفصة، وزينب، واية، واسماء، وميمونة، وكافة أٌمّهات وبنات وزوجات “المؤمنين” الى جميلة، وناديا، ودلال، وسناء، وليلى، وآمنة، ولويزة، ويسار، ووفاء، وآيات، وديانا، وعهد، وغزة، والقدس، وجنين .. و،و،و .. القائمة تطول عصيةً على الانتهاء.

وهذا المتنبي يكفينا مئونة التوسع والإطناب اذ يقول:

وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا//

لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ//

وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ//

وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ//

ويؤيّده احمد شوقي بقوله “والحضارة برقيها أنثى”، وكذلك العدالة، والحياة، والجنة، والصحة، والمعرفة، والحرية، واللغة، والمحبة .. اما الكاتب الجزائري محمد ديب فيضيف: “لولا البحر، ولولا المرأة، لبقينا يتامى، فكلاهما يغطينا بالملح الذي يحفظنا” .. وكذلك يفعل الكاتب السوداني الطيّب الصالح: “إن الحضارة في رأيي، هي أنثى، وكلّ ما هو حضاري هو أنثوي”!

اعود الان لضمير التشييء والتجميد (it) في الانجليزية ولغات الاستعمار!

يجمّدون (يُحيلون جماداً) بضمير التشييء والتجميد (it) بعض الكائنات كأن لا نمو ولا حياة لها، ويُشيّؤون الحضارة، والثقافة، والعلم والمعرفة، والمدرسة، والجامعة، والشجر، والبحر، والارض، وألسماء، والوطن، والامة، والحيوان، والنبات، ويفقدونها الذات والروح والمعنى والقوة ويرمون بهما الى الاغتراب والعبودية والعزلة والاقصاء .. يخلقون صدعا وهوة بين الانسان والطبيعة ويَقْصرون الحياة والحيوية والعاقلية على الانسان، وأكاد اجزم، على إنسانهم فقط.

اما العربية فلا تعترف بأدوات وضمائر التجميد والتشييء (it) وتعيد للكائنات المصلوبة أعلاه ذاتها او حياتها او نموها او حيويتها فتشير الي ايٍ منها بالضمير “هي” او “هو”!

فهل ننتفض على “تجميدنا”  ونُجَسّر الهوة بين القول والفعل فنرسم خرائطنا بأيدينا على ساعة السابع من اكتوبر/تشرين الاول؟

وأختم، بتصرف المتنبي، مخاطباً “ديانا”:

لكِ الخلود “في كَرَمِ الخِلالِ”//

وإسرائيل “تَؤولُ إِلى زَوالِ//

صَلاةُ اللَهِ خالِقِنا حَنوط//

عَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ//

كَأَنَّ المَوتَ لَم يَفجَع بِنَفسٍ//

لِأَوَّلِ مَيتَةٍ في ذا الجَلالِ//”

..

يا امرأةً تجسد كل أمجاد المقاومة الابية ..

الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين ..

نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..

 

الياس فاخوري

كاتب عربي أردني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا