صدق رسول الله حين وصفنا بأننا (غثاء كغُثاء السيّل)!! / سماك العبوشي

سماك العبوشي ( العراق ) – الأربعاء 06/12/2023 م …

كلما أنعمت النظر في أحوالنا نحن العربَ خاصة، والمسلمين عامة، وحاولت أن أجد تفسيراً منطقياً لسوء مآلنا وإلى ما وصلنا إليه من ضعف ووهن وانحطاط، فإنه سرعان ما يقفز إلى ذهني حديث نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي وصلنا عن طريق ثوبان، والذي تضمن وصف ورسم أحوال العرب والمسلمين في آخر الزمان، ونحن فعلا في آخر الزمان لجملة أسباب لا داعي لذكرها الان في هذا المقال!!




في الحديث عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “يُوشِك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهْن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.

أجل … ما أصدق ما قاله رسولنا الكريم الذي أعطي جوامع الكلم، عليه أفضل الصلاة والتسليم في وصف أحوالنا، وضعفنا ووهننا في آخر الزمان، حيث رأينا بأم أعيننا وقد تداعت علينا أمم الأرض المستكبرة وغير المستكبرة على حد سواء، فراحت تنهش فينا، وتضع مخالبها في أجسادنا وتمزقنا شر ممزق، برغم كثرتنا وما نمتلكه في أيدينا من خيرات كثيرة حباها الله تعالى لنا!!

وفي مقابل ذاك الحديث الشريف الذي ذكر حالة ضعفنا ووهننا بين الأمم، فقد ذكر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) في حديث شريف آخر طائفة من المسلمين بأرض طاهرة وصفها بأرض الرباط وسماها باسمها الصريح، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “أول هذا الامر نبوة ورحمة، ثم يكون ملكا ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحُمُر فعليكم بالجهاد، وأن أفضل جهادكم عسقلان، وأن أفضل رباطكم عسقلان”، وعسقلان لمن لا يعرفها فهي مدينة في جنوب فلسطين، مطلة على البحر الأبيض المتوسط، وهي كانت جزءً من أرض غزة العزة والكرامة قبل أن يحتلها العدو الغاشم ويقتطعها لنفسه!!.

إذن … فأبناء غزة العزة وبمن يقودهم في جهادهم الآن وثباتهم يستحقون أن ينطبق عليهم وصف القلة الصابرة المرابطة من أمة محمد في أرض عسقلان والتي وقفت بعزة وشمم وكبرياء بوجه هذا التهافت الاممي غير المسبوق عددا وعدة، فطوبى لغزة وأهلها، وطوبى لمن يقود معركتها الملحمية الأسطورية في هذه الفترة العصيبة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية.

 

وعودة أخرى الى حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي ورد ذكره في مستهل مقالي والذي تحدث عن الوهن وتداعي الأمم علينا، أقول تبيانا وشرحا: أتعلمون ما طبيعة وملامح الوهن ذاك الذي ذكره النبي بحديثه الشريف!؟

سأضرب لكم أمثلة:

اليس بربكم هو وهنا وخذلانا وانتكاسة للنظام العربي الرسمي برمته، حين يرى ذبح شقيقتهم الصغرى (غزة) من الوريد الى الوريد فيما يقف برمته، إما متفرجا صامتا، أو أنه يمارس كعادته فن الشجب والاستنكار!!؟

فأي ذل وأي عار هذا!؟

أليس هذا وهنا وضعفا فينا، وبأننا كغثاء السيل الذي أشار اليه رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف!!؟

وأليس صبر وثبات ورباط أبناء غزة هو عين ما ذكره نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف الثاني!!؟

 

ثم بربكم …

اليس هو خذلانا وانتكاسة للنظام العربي برمته، حين تنادى قادته بعد شهر كامل من الاعتداء الصهيوني الوحشي ( قصفا جويا وبحريا وأرضيا ثم اجتياح بري) على غزة، فالتقوا بقمة الرياض التي وصفت بـ (الطارئة العاجلة !!)، وتبادلوا الخُطَب وكلمات الشجب والاستنكار (كعادتهم دوما) في قاعة اجتماعات مرفهة مزركشة لتريح أعينهم وأعصابهم، ومعبقة بأطيب العطور والرياحين لتنعش أنفاسهم وصدورهم، ثم خرجوا في ختامها بقرارات هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع، بل والأدهى من كل هذا أنه لم يكن لهم أي تأثير على موقف دول العالم الأخرى، فانطبق عليهم جميعا دونما استثناء وباستحقاق فريد منقطع النظير – وللأسف الشديد – المثل العربي الشهير القائل: (إن حَضَر لا يُعَدُ، وإن غاب لا يُفتقد)، أو المثل العراقي الدارج ( تي تي تي تي ، مثل ما رحت جيتي)!!؟

فأي ذل وأي عار هذا!؟

أليس هذا وهنا وضعفا فينا، وبأننا كغثاء السيل الذي أشار اليه رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف!!؟

وأليس صبر وثبات ورباط أبناء غزة هو عين ما ذكره نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف الثاني!!؟

 

ثم بربكم أتساءل …

اليس هو وهنا وخذلانا وانبطاحا وانتكاسة للنظام العربي الرسمي برمته أن ترى بأم عينيك قيام دول الاستكبار العالمي مجتمعة (أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا) تعلن مساندتها ودعمها للكيان الغاصب جهارا نهارا وعلى رؤوس الاشهاد، وترسل له آخر ما توصلوا إليه من ابتكارات القتل والتدمير في مخازنهم، لقتل أبناء غزة وترويعهم وتدمير منشأتهم، في وقت يقف قادة الأنظمة العربية مكتوفي الايدي، سليبي الإرادة، لا يستطيعون – برغم مناشدات الأمم المتحدة وأمينها العام – فتح معبر رفح (المصري!! – الفلسطيني) لإدخال بعض المساعدات الإنسانية كالغذاء والدواء الا بالقطارة وبعد حصولهم المسبقة على موافقة دولة الاحتلال!!؟

فأي ذل وعار هذا بربكم!؟

أليس هذا وهنا وضعفا يتلبسنا، وبأننا كغثاء السيل الذي أشار اليه رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف!!؟

وأليس صبر وثبات ورباط أبناء غزة هو عين ما ذكره نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف الثاني!!؟

 

وأستمر بطرح تساؤلاتي:

كيف يحلو لقادة الأنظمة العربية أن يضعوا رؤوسهم على وسائدهم الحريرية الوثيرة ليلا لينالوا قسطا من الراحة فيما ترتكب المذابح والقتل والتهجير المستمر لأبناء جلدتهم من أبناء غزة!؟

بل …  

وكيف يطيب لقادة الأنظمة العربية أن يهنأوا بما لذ وطاب من مأكل ومشرب، فيما يتضور أبناء جلدتهم في غزة العزة جوعا ويفتقرون لرغيف خبز يسد رمقهم، ولشربة ماء تطفئ ظمأهم!!؟ 

فأي ذل وعار هذا بربكم!؟

أليس هذا وهنا وضعفا قد تلبسنا، وبأننا كغثاء السيل الذي أشار اليه رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف!!؟

وأليس صبر وثبات ورباط أبناء غزة هو عين ما ذكره نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) بحديثه الشريف الثاني!!؟

 

ولكن …

حديثنا عن باقي ملامح الوهن والضعف في أمتنا العربية والإسلامية للأسف الشديد لم ينته بعد، فللوهن والذل والمهانة صور ومشاهد أخرى تتعدى وتفوق ما تحدثنا عنه آنفا، هذا الذل والعار والشنار يتمثل في أن الأنظمة العربية كانت ومازالت وستبقى سوقا مفتوحة – سواء بإرادتها أو بغير إرادتها – لاستيراد السلاح العالمي، وما يعني ذلك من إنعاش خزائن الدول والشركات المُصدِّرة للسلاح بعشرات المليارات من الدولارات سنويا!!

قد نجد تبريرا معقولا لهذه الاستيرادات من الأسلحة السنوية لو كنا نستخدمها في التهيؤ والاستعداد والدفاع عن قضايانا القومية والإسلامية، غير أن الأمر للأسف الشديد غير هذا، فالأنظمة العربية لا تهدف بشرائها لهذه الترسانة من الأسلحة من الغرب إلى تجهيز جيوشها لخوض حروب قومية عروبية وشيكة، وإنما تهدف هذه الأنظمة العربية إلى تعزيز الموقف الجيوسياسي والتنافسي للدول فيما بينها، علاوة على تعزيز علاقاتها بالدول العظمى المُصدِّرة للسلاح، وصاحبة النفوذ في المنطقة، وفي أحيان كثيرة تسعى لتأمين الأنظمة الحاكمة لنفسها وحماية مصالحها من أي تهديد جماهيري مُحتمَل!!.

إن لم تكن الأسلحة لصد العدوان عن دولكم وشعبكم، وعن أبناء جلدتكم من أبناء العروبة والإسلام ومساندتهم فما حاجتكم إذن لكل هذه الترسانة من الأسلحة التي لابد وان ستنتهي وقت صلاحياتها ويصيبها الصدأ جراء خزنها دون استخدام في معارك الذود عن حياض الامة العربية وشرفها وكرامتها، فتكونوا بذلك كمن ألقى بأمواله الى البحر رعونة وسفها، وهذا لعمري هو الوهن بعينه الذي ذكره نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو يمثل السفه وقلة الحيلة وعدم التدبر، فحين تمتلك وسائل الدفاع عن الامة غير أنك لا تقوى ولا تجرؤ على استخدامها فهذا هو الوهن والضعف والانكسار بعينه!!

ختاما أقول:

كانت من صفاتنا نحن العرب قبل الإسلام والتي كنا نفتخر ونزهو بها: الشجاعة والأنفة وعزة النفس، ثم جاء الإسلام فأسس عليها ونمّاها وبلورها وعظمها ورفع من قدرها… فما بالكم اليوم فقدتم صفات وخصال أجدادكم، سواء ما كان منها قبل الإسلام أو ما بعده!!

قال تعالى في محكم آياته من سورة محمد، الآية 7: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ “.

وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي أوتي جوامع الكلم حين وصفنا بأننا غثاء كغثاء السيل!!

قد يعجبك ايضا