حرب الإبادة على غزة والفشل الكبير للأمم المتحدة

الأردن العربي –  الأحد 19/11/2023 م …




وأخيرا، وبعد 40 يوما من حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على المدنيين في غزة، وبعد بلوغ عدد الضحايا من الفلسطينيين بين شهيد وجريح ومفقود نحو 45 ألفا، 70 في المئة منهم من الأطفال والنساء، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2712 (2023) والمتعلق بحماية الأطفال والمدنيين والمستشفيات وإدخال المساعدات الإنسانية لجميع أنحاء غزة ووقف مهاجمة المستشفيات والمدنيين والدعوة إلى إطلاق الرهائن بدون قيد أو شرط. وحصل مشروع القرار على 12 صوتا إيجابيا بينما صوتت كل من روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بـ«امتناع» كل لأسبابه. فشل ذريع ألا يستطيع الجهاز المكلف بالسلم والأمن الدوليين أن يلتقي على قرار الحد الأدنى إلا بعد 40 يوما من المجازر.
وسنحاول في هذا المقال أن نتابع كيف تصرفت الأمم المتحدة إزاء حرب الإبادة هذه.

بين المسؤولين والأجهزة الرسمية

يجب أن نفرق في البداية بين نوعين من الأمم المتحدة- دائرة الموظفين الرسميين ورؤساء الوكالات والصناديق والبرامج والمنظمات المتخصصة ويقف على رأس هذه المنظومة الأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء المنظمات المتخصصة مثل اليونسيف واليونسكو والرؤساء التنفيذيين لمكتب منسق الشؤون الإنسانية ووكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي وصندوق الأمم المتحدة للسكان وغيرها الكثير.
والدائرة الثانية هي الأجهزة الرئيسية للمنظمة الدولية والخاضعة لإرادة الحكومات والتي تتصرف بناء على تعليمات من حكومات بلادها وأهمها على الإطلاق مجلس الأمن والجمعية العامة ثم مجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية.
كل ما يصدر عن الأجهزة الرئيسية يكون خاضعا للتوافقات والتعارضات بين الدول الأعضاء، أما دائرة الموظفين الدوليين ورؤساء الأجهزة والوكالات والمنظمات المتخصصة فعلى العكس تماما، ممنوع عليهم أن يعبروا عن رأي أي حكومة أو جهة رسمية ويجب ألا ينطقوا إلا بما تمليه عليهم ضمائرهم بشرط ألا تتعارض مع الولاية أو التفويض الممنوح للمنصب وليس للشخص. وقد حدث في الماضي القريب والبعيد أن يجد المسؤول نفسه في حالة تعارض كامل بين الولاية الممنوحة له في المنصب وبين قناعاته الشخصية فيقدم استقالته وينتصر لضميره، وكان آخر هؤلاء المستقيلين كريغ مخيبر، رئيس مكتب نيويورك للمفوضية السامية لحقوق الإنسان الذي قدم استقالته يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 2023 احتجاجا على مواقف الأمم المتحدة من الحرب على غزة.
وسأبدا باستعراض مواقف المسؤولين الأممين الأهم لنرى كيف أنهم تخاذلوا وجبنوا وتماهوا مع الموقف الإسرائيلي إلا قلة قليلة منهم.

الأمين العام وكبار المسؤولين

تكررت في بيانات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش وكبار المسؤولين الدوليين، بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر مجموعة مواقف وكأنها أمليت عليهم إملاء. وقد بدأها غوتيريش وسار على خطاه كل المسؤولين الكبار، وهذه النقاط هي:
– ضرورة إدانة حركة حماس بالاسم واعتبار ما قامت به عملا إرهابيا غير مبرر؛
– التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس؛
– عدم ربط ما حدث يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر بالوضع العام في غزة أو في فلسطين، فلا ذكر للحصار ولا الاحتلال؛
– عدم المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار أو حتى هدنة إنسانية؛
– المطالبة بإطلاق الرهائن دون قيد أو شرط؛
– وأخيرا لا بأس من ذكر ضرورة اتباع قوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني؛
وسأتتبع بعض المواقف لكبار المسؤولين وأولهم أنطونيو غوتيريش.

الامتثال الصارم
للقانون الإنساني الدولي

غوتيريش لم يذكر في بياناته المتتالية أي وقف إطلاق نار ولا هدنة إنسانية إلا بعد مجزرة المستشفى المعمداني يوم الثلاثاء 17 تشرين الأول/أكتوبر، وهو اليوم الحادي عشر للمجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
فمنذ اللحظة الأولى للهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصدر الأمين العام بيانا شديد اللهجة وتبعه أربعة بيانات متتالية: وصف العملية بالإرهاب، وأدانها بأقسى العبارات، وطالب بإطلاق سراح الرهائن، وذكر حق إسرائيل بالدفاع عن النفس. لكنه كان يذكر إسرائيل بأن العمليات العسكرية يجب أن تتم بالامتثال الصارم للقانون الإنساني الدولي.
في يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر ألقى الأمين العام بيانا في جلسة مجلس الأمن التي عقدت على مستوى وزاري تحت رئاسة وزير خارجية البرازيل، ماورو فييرا، وتجرأ يومها وقال جملته الخطيرة بالنسبة للكيان: «إن ما حدث يوم 7 أكتوبر لم يأت من فراغ» ثم تحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني لمدة 56 سنة من الاحتلال وبناء المستوطنات وتدمير الاقتصاد ونهب الأرض. فقامت الدنيا على رأسه وطالبه السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة بالاستقالة قائلا: «لقد فقدتَ بوصلتك الأخلاقية، ولا يمكنك أن تظل أميناً عاماً، ولو لدقيقة أخرى». لكن الأمين العام بعد هذا الهجوم تراجع كثيرا وبدأ يخفف من لهجته وهو يرى آلاف المدنيين يموتون في قطاع غزة. تغيرت نبرته بعدها وأصبحت بياناته كأنها نوع من الاعتذار. ففي كل بياناته اللاحقة يبدأ بالتذكير بما حدث يوم 7 أكتوبر ويستخدم لغة قاسية مثل: «الإدانة الشاملة للأعمال الإرهابية التي ارتكبتها حماس والتي لا يمكن تبريرها ولا يمكن أن تنسى مناظر المدنيين الذي قتلوا أو شوهوا وتم جرهم إلى الأسر». ولم يذكر ولو مرة واحدة اسم إسرائيل عندما يتحدث عن قتل المدنيين وكأن الفاعل مجهول.
ثم قام بلقاء عائلات بعض المخطوفين في مكتبه وممثله تور وينيسلاند في الأرض المحتلة زار عائلات في غلاف غزة. ولكن أحدا منهم لم يلتق ولا بعائلة فلسطينية واحدة. والأخطر أنه عاد وتبنى الرواية الإسرائيلية في بيانه يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر حيث اتهم حماس بـ«استخدام المدنيين كدروع بشرية» وهذا يعطي الكيان المبرر للاستمرار.
لقد زاد عدد الضحايا من الأطفال فقط عن 4500 طفل واقتحمت المستشفيات وقصفت خزانات المياه والألواح الشمسية وصهاريج الغاز وتوقفت أعمال الحاضنات للأطفال الخدج بسبب نقص الكهرباء ولم نسمع لغاية هذه اللحظة كلمة «إدانة إسرائيل».

الحصار يعرض حياة المدنيين للخطر

أما مفوض حقوق الإنسان فولكر تورك فقد أصدر بيانين حول أحداث غزة. وكان بيانه الأول متوازنا، وهو الوحيد الذي دعا في بيانه الأول لوقف العمليات العسكرية فوراً التي تستهدف المدنيين والهجمات التي من المتوقع أن تتسبب في مقتل وإصابة المدنيين بشكل غير متناسب أو إلحاق أضرار بالمعالم المدنية. كما رفض الحصار الذي يعرض حياة المدنيين للخطر من خلال حرمانهم من السلع الأساسية لبقائهم وهو محظور بموجب القانون الإنساني الدولي. وفي بيان ثانٍ عاد ووضع اللوم على حماس وأدان ما قامت به. يبدو أنه قد تسلم إحدى الرسائل التقريعية. ثم أصدر بيانا ثالثا حول مجزرة مستشفى المعمداني قائلا «إنه أمر غير مقبول أبدا» وطالب بمحاسبة المسؤولين عن المجزرة.
رئيسة منظمة التربية والعلوم والثقافة، أودري أزولاي، في عالم آخر. كل ما سمعناه منها التعبير عن قلقها لمقتل تسعة صحافيين، حيث حذرت من التداعيات الخطيرة على سلامة الصحافيين في خضم أحداث غزة، ودعت جميع الأطراف الفاعلة إلى احترام القانون الدولي وتنفيذه بدون تأخير. وقالت إن 9 صحافيين قُتلوا أثناء أداء واجبهم منذ أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة. ووصفت أزولاي هذه الحصيلة بأنها «فادحة». لكن المؤتمر العام لمنظمة «اليونسكو» اعتمد يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر مشروع قرار قدمته مجموعة من الدول العربية لحماية التعليم والتراث الثقافي والصحافيين من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ودعا القرار المديرة العامة لليونسكو إلى أن ترصد بفاعلية الوضع في غزة من أجل ضمان المشاركة المباشرة للمنظمة في تنفيذ الإجراءات ذات الصلة، التي تقع ضمن ولايتها وتنظيم اجتماع إعلامي، وأن يتم تعزيز مكتب اليونسكو الفرعي في مدينة غزة من أجل تلبية الاحتياجات في مجالات اختصاصها، على أن يتم تقديم تقرير إلى المجلس التنفيذي في دورته 219 بشأن تنفيذ برنامج اليونسكو للمساعدة الطارئة في غزة.

نكبة أخرى

المرأة الشجاعة هي فرانشيسكا ألبانيز، مقررة حقوق الإنسان المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان في الأرض المحتلة منذ عام 1967 فقد ذكرت في بيانها ما حصل للفلسطينيين عام 1948 قائلة: «هناك خطر جسيم بأن ما نشهده قد يكون تكرارا للنكبة عام 1948 والنكسة عام 1967 ولكن على نطاق أوسع. يتعين على المجتمع الدولي فعل كل شيء لمنع حدوث ذلك مرة أخرى». وقالت في بيانها إن مسؤولين إسرائيليين «دعوا علنا إلى نكبة أخرى، مثل ما حدث عامي 1947 و1949 حيث طرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم أثناء الأعمال العدائية التي أدت إلى إنشاء دولة إسرائيل. وقالت المقررة الدولية: «إن إسرائيل قامت بالفعل بالتطهير العرقي الجماعي للفلسطينيين تحت ضباب الحرب. ومرة أخرى باسم الدفاع عن النفس، تسعى لتبرير ما قد يصل إلى التطهير العرقي».
البيان الأسوأ الذي صدر عن مسؤولة أممية، الكينية أليس وريمو نديريتو، المستشارة الخاصة لجريمة الإبادة البشرية. وإذا قرأت البيان وليس لديك أي خلفية تظن أن الفلسطينيين يشنون حرب إبادة بشرية على الدولة المسكينة المسالمة إسرائيل. وجاء في بيانها «تدين المستشارة الخاصة بأشد العبارات الأعمال الإرهابية المتعددة والمنسقة التي وقعت صباح السابع من أكتوبر والهجمات التي شنتها حركة حماس والتي تستهدف بشكل واضح المدنيين في الأراضي الإسرائيلية، وتعرب عن تعازيها لعائلات جميع الضحايا. كما تدين أخذ رهائن إسرائيليين من قبل حماس. وتشعر المستشارة الخاصة بقلق خاص إزاء استمرار حماس في إطلاق الصواريخ بشكل عشوائي داخل الأراضي الإسرائيلية، وإزاء الخسائر في أرواح المدنيين نتيجة القصف الإسرائيلي لقطاع غزة». ولاحظ الجملة اليتمية التي ألحقتها بعد كل تلك التفاصيل في إدانتها للجانب الفلسطيني حيث تشعر بالقلق إزاء الخسائر في الجانب الفلسطيني. بعد ذلك اختفت تماما. ولشدة انحياز البيان وقع حوالي 50 من موظفي الأمم المتحدة، بمن فيهم فلسطينيون، على رسالة موجهة إليها مباشرة يدينون ما جاء في البيان الذي أصدرته يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر. وفي الرسالة التي نشرت يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر، قال الموظفون إنهم «منزعجون للغاية ومصابون بصدمة شخصية بسبب القصف والتصعيد الأخير للعقاب الجماعي في غزة. نحن نشعر بالانزعاج والقلق بنفس القدر إزاء التهديد النشط لحياة الآلاف من زملائنا وملايين الفلسطينيين المقيمين في غزة».

تهجير قسري

مارتن غريفيثس، منسق الشؤون الإنسانية، الذي من المفترض ألا يدخل في السياسة، بدأ بيانه الأول مؤكدا أنه يدين ما قامت به حماس ثم انتقل إلى موضوع الرهائن قائلا: «أود أن أؤكد أولا أن أخذ الرهائن من إسرائيل- والكثيرون منهم أطفال ونساء وكبار في السن ومرضى- غير مقبول وغير قانوني». واعتراضه كان على طلب ترحيل سكان شمال غزة إلى جنوبها قائلا: «لا يمكن أن تطلب من الناس الابتعاد عن طريق الخطر بدون مساعدتهم على ذلك وعلى أن يذهبوا إلى مكان يختارونه تتوفر به المساعدة الإنسانية التي يحتاجونها». ثم قرر أن يذهب إلى مصر للمساهمة في جهود جمع المواد الإنسانية الضرورية والعمل على إيصالها للمحاصرين. التقى غريفيثس في القدس بالعائلات الإسرائيلية من ذوي الأسرى أما العائلات الفلسطينية فلا مكان لها في أجندته مثله مثل تور وينيسلاند.
فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، خاطب أعضاء مجلس الأمن عدة مرات وألقى كلمة مؤثرة في القمة العربية الإسلامية في الرياض. وفي كلمته في مجلس الأمن يوم 30 تشرين الأول/أكتوبر بدأ كالعادة بإدانة الهجمات المروعة التي شنتها حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر والتي وصفها بأنها «صادمة» لكنه أسهب في الحديث عما يجري في غزة من دمار «القصف المتواصل من القوات الإسرائيلية على غزة أيضا يثير الصدمة. إن مستوى الدمار غير مسبوق». وأكد عدم وجود مكان آمن في غزة. وتطرق إلى أوامر الإجلاء التي تصدرها القوات الإسرائيلية للمدنيين بالتوجه جنوبا «هو تهجير قسري». وفقدت الأونروا 103 موظفين كلهم من الفلسطينيين وأقيمت لهم وقفة تأبين في مقر الأمم المتحدة دون كلمات رثاء وتم تخفيض علم المنظمة إلى المنتصف كنوع من الحداد.

حماية المدنيين

المديرة التفنيذية لليونسيف كاثرين راسل، ألقت كلمة مؤثرة في مجلس الأمن ناشدت فيها الأعضاء اعتماد قرار على الفور يُذكر الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي وضرورة حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق وإطلاق سراح جميع الأطفال المختطفين والمحتجزين بشكل فوري وآمن، ويحث الأطراف على توفير الحماية الخاصة للأطفال التي يستحقونها. وشددت راسل على ضرورة أن يعطي المجلس الأولوية لأزمة النزوح التي تتفاقم في الوقت الراهن. وأضافت أن أكثر من 3400 طفل قتلوا في غزة، بينما أصيب 6300 طفل آخر منذ بدء التصعيد، وهو ما يعني أن أكثر من 420 طفلا يُقتل أو يُصاب يوميا في غزة. وقالت «إن هذا الرقم يجب أن يزلزل أعماق كل واحد منا».
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، قال في كلمة قوية أمام مجلس الأمن الدولي يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر إنه يتفهم الشعور بالغضب والحزن والخوف لدى الشعب الإسرائيلي بعد الهجمات المروعة والهمجية وغير المبررة من حماس وغيرها من الجماعات المسلحة ضد مدنيين إسرائيليين في 7 تشرين الأول/أكتوبر التي أدت إلى مقتل 1400 وجرح 7000. لكنه يتفهم أيضا مشاعر الغضب والحزن والخوف لدى سكان غزة الذين عانوا بالفعل من 16 عاما من الحصار ويواجهون الآن دمارا يلحق بأسرهم ومنازلهم ومجتمعاتهم وحياتهم. وذكر أن الوضع على الأرض يستحيل وصفه. وقال إن أكثر من 10.800 شخص قد قُتلوا في غزة، يمثل النساء والأطفال 70 في المئة منـــهم ـ وقال إن طفلا يُقتل كل 10 دقائق في غزة في المتوسط. وإن منظمة الصحة العالمية وثقت- منذ 7 أكتوبر- وقوع أكثر من 250 هجوما على الرعاية الصحية في غزة والضفة الغربية. وأكد أن نصف مستشفيات غزة وثلثي مراكز الرعاية الصحية الأولية بها خارج نطاق الخدمة، وحتى المرافق الأخرى فتعمل بما يتخطى أقصى قدراتها الاستيعابية. وقال إن القطاع الصحي في غزة منهار، وأشار إلى مقتل أكثر من 100 من موظفي الأمم المتحدة في غزة.
الغائبان الكبيران في هذه المجزرة هما كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الذي جاء إلى معبر رفح ليدين حركة حماس بأقسى العبارات ويتكلم عن المحرقة اليهودية، ويخرج دون أن يدين ما يحدث في غزة أو أن يعد بملاحقة مجرمي الحرب، كما فعل في أوكرانيا. والثاني هي فرجينيا غامبا، ممثلة الأمين العام للأطفال والنزاعات المسلحة، والتي حذفت اسم إسرائيل من قائمة العار للسنوات الأربع الماضية. اختفت عن المسرح تماما وكأن الأمر لا يعنيها.
مجلس الأمن والجمعية العامة

عقد مجلس الأمن عشرة اجتماعات حول غزة، بعضها مغلق للمشاورات وبعضها على مستوى وزاري. وتم التصويت على أربعة مشاريع قرار كلها فشلت: مشروع قرار برازيلي أطاح به الفيتو الأمريكي، ومشروعي قرار قدمتهما روسيا ولم يحصل أي منهما على الحد الأدنى المطلوب لاعتماده بسبب التكتل المعادي لروسيا داخل مجلس الأمن، ومشروع قرار أمريكي يركز على إدانة حماس وحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، أطاح به فيتو مزدوج روسي صيني. بعد ذلك انتقل الموضوع إلى الجمعية العامة والتي استمعت إلى 105 خطابات على مدى يومين ثم صوتت على مشروع قرار عربي بسيط يدعو لهدنة إنسانية فورا والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية ووقف إخلاء الفلسطينيين من بيوتهم وطردهم داخل غزة أو خارجها. واعتمد القرار الذي تقدمت به المجموعة العربية برئاسة الأردن تحت عنوان: «حماية السكان المدنيين الفلسطينيين» وذلك بغالبية ثلثي الأصوات وهو الحد الأدنى المطلوب لاعتماد قرار تحت بند «متحدون من أجل السلام». وقد صوت لصالح القرار 121 (العراق عاد وغيّر صوته من امتناع إلى نعم) وضده 14 بينما صوتت 45 دولة بـ «امتناع».
وأخيرا عاد الموضوع إلى مجلس واعتمد الأربعاء مشروع القرار المالطي ليصبح القرار 2712 (2023) والذي لم يغير الواقع على الأرض في شيء، فقد رفضه الكيان الصهيوني فورا قبل أن تنتهي الجلسة، ليثبت مرة أخرى أنه كيان فوق القانون وفوق المساءلة. إنه استخفاف بالأمم المتحدة وآلياتها ومسؤوليها ونظمها وهيبتها. فهل بقي من سبب لاستمرار المنظمة الدولية على هذه الشاكلة المهينة التي تسمح لدولة مارقة أن تكسر هيبتها وتدوس على قراراتها وتنفذ حرب إبادة جماعية أمام عيون العالم من دون خوف أو تردد أو ندم؟

قد يعجبك ايضا