دور مصر ضرورى لانتصار غزة / مجدى حسين

مجدى حسين ( مصر ) – الأربعاء 1/1/2023 م …




من القوانين التى تحكم حركة التحرر الوطنى من الاستعمار توفر قاعدة إسناد وعمق استراتيجى للحركة الوطنية المسلحة . لا تخضع بلاد كبيرة بحجم الصين والهند وحتى مصر عندما كانت خاضعة للاحتلال لهذا القانون ، لأنها بلاد كبيرة من حيث عدد السكان والمساحة ولديها بطبيعتها عمق استراتيجى داخلى ومخزون بشرى . ولكن فى البلاد الصغيرة من حيث عدد السكان والمساحة وفى وجود مستعمر متفوق فى التكنولوجية العسكرية ، وعندما تلجأ هذه البلاد لأسلوب حرب العصابات فإن من شروط النصر عادة توفر جبهة إسناد ودعم وإمداد وعمق استراتيجى فى دولة أو أكثر على حدودها . وقد رأينا هذا بوضوح فى معركة فيتنام ضد القوة العظمى الأمريكية التى أرسلت قرابة 200 ألف جندى مع كل الأساطيل البحرية والطائرات الحربية الممكنة . فكانت فيتنام الشمالية المستقلة عمقا استراتيجيا لفيتنام الجنوبية المحتلة ، وعندما بدأت أمريكا عدوانها الجوى الوحشى على فيتنام الشمالية ، أصبح العمق الاستراتيجى للثوار فى فيتنام الجنوبية ولكل فيتنام الشمالية الاتحاد السوفيتى والصين .

ومن أهم أسباب نجاح وازدهار تجربة حزب الله فى لبنان كحركة تحرر وطنى ضد الاحتلال الاسرائيلى ، وجود سوريا على حدود لبنان كقاعدة إسناد ودعم وإمداد وعمق استراتيجى . إن قاعدة الاسناد الحقيقية والأساسية هى إيران ولكنها بعيدة عن حدود لبنان ، وكانت سوريا هى حلقة الوصل . وهذا هو السبب الجوهرى لقيادة الغرب عملية تحشيد عالمية تحت شعارات اسلامية وديموقراطية ضد النظام السورى واستنادا لأموال خليجية بلغت 2 تريليون دولار حسب قول وزير خارجية قطر السابق . فلا قطر ولا السعودية ولا الامارات يسعون لإقامة نظم اسلامية ولا ديموقراطية وإلا لبدأوا بأنفسهم وإلا لسعوا للتحرر من التبعية لأمريكا واسرائيل .

الفارق فى التسليح بين المقاومة اللبنانية والفلسطينية هو الفارق بين الموقف السورى وبين الموقف الرسمى المصرى فى مجال الاسناد . الفارق لصالح المقاومة اللبنانية بطبيعة الحال والتى تخشى منها اسرائيل منذ عام 2006 . كذلك الفارق فى التسليح بين المقاومة الفلسطينية فى غزة والمقاومة الفلسطينية فى الضفة الغربية لصالح التفوق فى غزة يرجع للفارق بين موقف النظامين الأردنى والمصرى فى مجال مستوى التسامح وغض الطرف فى مجال التهريب للأراضى الفلسطينية .

ولكن الموقف المصرى الرسمى لم يرتق إلى مستوى التنسيق الاستراتيجى كذلك الموجود بين سوريا وحزب الله .

وغزة لها وضع خاص فلا حدود لها إلا مع مصر وهى حدود قصيرة يمكن السيطرة عليها ، وهى تحتاج للاسناد ليس فى السلاح فحسب بل لكل احتياجات الحياة . ونتيجة سيطرة اسرائيل على كل المعابر فهى تحدد ما الذى يدخل وبأى كمية ؟ حتى المعبر المصرى كرم أبو سالم الذى يدخل البضائع لغزة فهو معبر مصرى اسرائيلى . وتم الاتفاق على أن يكون معبر رفح للأفراد فحسب . وبغض النظر عن الفزلكات القانونية التى يرددها الاعلام الرسمى ، فى زمن انتهاك القانون الدولى إلى حد أن أستاذا للقانون الدولى فى الجامعة اللبنانية قدم مؤخرا اعتذارا لكل طلابه عما درسه لهم طوال سنوات عن ما يسمى القانون الدولى الذى لا يحترمه أحد خاصة القوى المتجبرة . بغض النظر عن الفزلكات القانونية حول المعبر وسأرد عليها فى مرة أخرى . فأنا أتحدث الآن عن مصلحة مصر الوطنية . والمبادىء بطبيعتها لا تتجزأ فلا يمكن أن تتعارض مصلحة مصر مع قيامها بالواجب الانسانى والعروبى والاسلامى تجاه أطفال غزة .

من مصلحة مصر أن تصمد المقاومة وأن تظل شوكة فى ظهر الكيان الصهيونى الذى قطع عنا المياه فى منابع النيل وجعلها تحت سيطرة النظام الاثيوبى العميل لنفس الحلف الصهيونى الأمريكى الذى يذبح النساء والأطفال فى غزة ومن قبل فى العراق وأفغانستان ولبنان والصومال وكلما رأى أن مصلحته فى إبادة شعوبنا يبديها بلا تردد ثم يبحث عن أى حجة يقولها .

عندما كانوا يبيدون الشعب العراقى كانت هناك وثيقة عقائدية تدرس فى الجيش الأمريكى تقول : إن إلهنا أرسل ابنه يفتدى به البشر أما إلهاهم فقد أمر ابراهيم بذبح ابنه .

والآن فى اسرائيل يقولون إن كل سكان غزة شركاء لحماس وبالتالى يستحقون الذبح جميعا وكلهم أهداف شرعية حتى النساء والأطفال . وقال أحد الحاخامات إن الطفل الفلسطينى سيكبر وسيحاربنا . والتوراة التى كتبوها تقول لهم أن من حقهم أن يستبيحوا الغوييم أى الأغيار أى كل غير اليهود لأنهم أشبه بالبهائم ، واليهود هم شعب الله الوحيد المختار .

أى مصرى يمكن أن ينحاز للدفاع عن بقاء كائنات مشوهة هكذا على حدودنا وأن يسمح لها بإعادة احتلال غزة بعد إبادة 2 مليون وثلث المليون فلسطينى . ولا سبيل للقضاء على حماس وغيرها من فصائل المقاومة إلا بالحصار الخانق . أما فى المواجهة المسلحة فهم يفشلون كل يوم كما ترون فى الغزو البرى . الحل وهم يقولونه علنا فى إعلامهم هو فى إحكام الحصار على غزة بدون كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا أكل فيموت من لم يمت بالقصف الجوى ، ويضطر المجاهدون أن يخرجوا من الخنادق والأنفاق بعد أن تنتهى ذخيرتهم . أى أن يستسلم الجميع فيعيشوا عبيدا عند اسرائيل لأنهم منزوعى السلاح . أو يطردونهم لمصر التى تخشى توطين الفلسطينيين فى سيناء

إن الذى يرفض التوطين حقا وكلنا فى مصر وفلسطين نرفضه إن الذى يرفض التوطين يعلم أن الحل الأساسى له هو دعم صمود غزة بكل أسباب الحياة وحتى بالسلاح .

ولا أتصور أن هذه الصورة السوداوية التى ذكرتها عن الحصار المحكم على غزة حتى الموت ستحدث فى واقع الأمر ولكن أقول لكم ما يقولونه فى اعلام اسرائيل ، هكذا يفكرون . وأيضا لأقول لمصر الرسمية إن الخضوع لمساومات مع اسرائيل حول كيفية استخدام معبر مصرى فلسطينى ، هو مساومة حول السيادة ، وصلت إلى حد التسامح مع ضربات عسكرية اسرائيلية للمعبر 4 مرات وإصابة 9 جنود مصريين أمام معبر كرم أبو سالم ، وإصابة 4 جنود مصريين قبل ذلك كما قال وزير الخاجية شكرى . لا أدعو للتهور فى دخول الحرب ولكن أدعو للاستعداد لها لأنها أصبحت لا مفر منها . ولكن أدعو بالتأكيد للرد على هذه الانتهاكات بشكل محسوب . وأيضا بقرارات سياسية تمس العلاقات التى أصبحت وكأنها مقدسة مع هؤلاء القتلة . حتى الآن اسرائيل تفتش كل ما تدخله مصر لغزة وتراجع أسماء المصابين فى حالات حرجة الذين يدخلون للعلاج فى مصر بدءا من اليوم . ومن ضمن 400 اسم وافقت اسرائيل على 80 فحسب ، مات منهم 10 على المعبر لأن حالتهم حرجة ولا يحتملون كل هذه المراجعات الصهيونية التى تأخذ وقتا . وبغض النظر عن النواحى الانسانية إن كان يمكن التغاضى عنها ! فهذا انتهاك غير معقول للسيادة المصرية ، وهذه آخرة الالتزام بكامب ديفيد .

هل مصر أصبحت لا يمكن أن تعيش بدون صداقة هؤلاء المجرمين ؟

راجعوا فيديو أصدرته المخابرات المصرية مؤخرا عن تعمد اسرائيل وأمريكا قتل المصريين بالسرطان وشتى الأمراض على مدار سنوات على يد التطبيع الزراعى مع اسرائيل من خلال العميل يوسف والى .

لقد قتلونا بالآلاف المؤلفة وبالأمراض القاتلة والمزمنة فى ظل معاهدة السلام قبل أن يقتلوا اليوم 4 آلاف طفل فلسطينى .

إن التقدم البطىء فى أسلوب عمل المعبر واستمرار منع الوقود يؤدى إلى السيناريو الأسود الذى تحدثت عنه وهو موت غزة تماما . ولكنه لن يحدث حتى إذا استمرت مصر الرسمية فى هذه الحسابات المؤسفة والمؤلمة . وإذا ظلت الدماء والمشاعر جافة فى شرايينها وأوصالها فإن الانقاذ سيأتى من اليمن ولبنان وباقى محور المقاومة إن شاء الله . بحيث يتم هد الكيان الصهيونى وفتح الأبواب من كل الجهات على غزة والضفة وفلسطينى الداخل .

من غير المعقول ألا تشارك مصر فى هذا المشهد التاريخى .

ولكن تذكروا التحذير الالهى

قد يعجبك ايضا