المحامي محمد احمد الروسان يكتب: الليبراليون الرضّع وجغرافية الدعاية الإسرائيلية … العملية العسكرية البريّة أقرب الى روليت روسية

 المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 14/10/2023 م …




*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …

  • كما هي مصر هِبة النيل: فانّ إسرائيل هِبة بريطانيا وأمريكا …

إنّ الدعاية الإسرائيلية، لها جغرافية خاصة بها: تقوم على محاولة طمس، ما يتعرض له الفلسطينيون في غزّة والتي تباد، والضفة الغربية المحتلة، والتي يراد ضمها للكيان، وتضخيم ما يصيب الإسرائيليين، الذين يغتصبون أرضنا فلسطين، وهذه دعاية ممجوجة، يرددها الموالون لإسرائيل، لتبرير تدمير الجيش الإسرائيلي لغزة.

فليدقق الجميع على دعاية إسرائيل، التي لها جغرافيتها الخاصة بها، المصممة بعناية، تجعل الغرب، ذوي القلوب الرقيقة، الليبراليون الرضّع، المدللون القاطنون في بيوت غربية آمنة، يدركون مدى الرعب الذي خلفته، عملية حماس في 7 تشرين 2023 م العبور الثاني، ومقتل ما يزيد عن 1500 إسرائيلي، وسقوط آلاف الصواريخ على إسرائيل، ومدى القلق الذي ينتاب من يقطنون قرب غزة.

ما يريده الإسرائيليون، هو جعل الغرب ينسى كل قتلى الفلسطينيين في الحرب الحالية على غزة، ويتعاطف مع الإسرائيليين، على خلفية ما أصابهم في 7 تشرين 2023 م. وما زالت العملية العسكرية الإسرائيلية الغاشمة والبربرية مستمرة على غزّة، ولم تسفر النتائج عن وضع حاسم، فالهجوم البربري الإسرائيلي ما زال مستمراً، ومقاومة حركة حماس وباقي الفصائل ما زالت مستمرة، وعلى خلفية تزامن حركة المسار العسكري مع المسار الدبلوماسي، فإنّ سيناريو النزاع العسكري – الأمني – الدبلوماسي – الإعلامي، أصبح يحمل دلالة واضحة، لجهة أن المشهد النهائي سيكون عسكرياً – دبلوماسياً – أمنيّاً، بمعنى: أنّ الخارطة الأمنية النهائية، ستكون هي العامل الحاسم في إنهاء مواجهة حماس وباقي الفصائل – “إسرائيل”.

سؤال: العملية العسكرية الإسرائيلية: الجهد الرئيسي: إلى أين؟

بعد مرور أسبوع، وبدء الأسبوع الثاني، يشير تحليل الأداء السلوكي العسكري الإسرائيلي إلى الآتي:

استنفدت القوّات الجوية الإسرائيلية، والأمريكية التي تدير العدوان على غزّة: “بنك الأهداف”، بل هي لم تملك بنك أهداف من أساسه، وصارت تقصف بشكل عشوائي، بل قصف سجّادي، وبكلمات أخرى: لقد أنجزت الطائرات الإسرائيلية والأمريكية، قصف كل الأهداف التي كانت محددة سلفاً، ضمن “جدول أعمال” الطيران الإسرائيلي، وتقول التسريبات العسكرية أن الأهداف التي كانت محددة يبلغ عددها 2000 هدف، وقد أنجزت الطائرات الإسرائيلية قصفها، وبرغم ذلك استمرت عملياتها، وحتى الأمس بلغ إجمالي الأهداف التي استهدفتها الطائرات حوالي 2250 هدف داخل القطاع، أي بزيادة 250 هدف عن الخطة.

وبتحليل الأهداف الزائدة، نرى أن القصف الجوي الإسرائيلي دخل مرحلة الضعف، بسبب فقدان “الأهداف النوعية” العالية الجودة، كمقرات وقواعد وبنيات حركة حماس، وأصبحت أهداف القصف، تتضمن المنازل وربات المنازل وما شابه ذلك.

وقد حذر بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين، من استمرار القصف الإسرائيلي، للأهداف التي لا تتميز بالجودة النوعية، سيترتب عليه الإضرار بموقف إسرائيل، وبالذات فيما يتعلق بالسخط الإقليمي والدولي، والانتقادات التي بدأت تظهر بواسطة المنظمات الدولية والمنظمات التطوعية غير الحكومية، وأشار بعض الخبراء الإسرائيليون، أن استمرار القصف بهذه الطريقة، سيتيح لحماس تحقيق التفوق في مسرح الحرب النفسية تماماً، على غرار ما حدث مع حزب الله، ولن تؤدي الخسارة في مسرح الحرب النفسية، إلاّ إلى إلحاق الأضرار بالمصالح الإسرائيلية.

والقوّات البرية الإسرائيلية، أصبحت تواجه مغامرة اقتحام القطاع، والدخول في نفق مخاطرة حرب الشوارع مع حركة حماس، وبقية المسلّحين المقاومين الفلسطينيين المتمركزين في القطاع، وبسبب فشل القوّات الجوية الإسرائيلية في القضاء على قدرات حماس العسكرية، فإن عملية تمهيد مسرح غزة عن طريق القصف الجوي السجّادي، يمكن القول: بأنّها قد فشلت، ولم يعد من سبيل أمام القيادة السياسية الإسرائيلية سوى خيار إيقاف العملية العدوانية البربرية، والتحول نحو الدبلوماسية، بما يعرّض القوات الإسرائيلية، إلى تكبد الخسائر الكبيرة، مع عدم وجود مؤشرات، تفيد لجهة أن الاقتحام العسكري، سيحقق الهدف النهائي الذي تسعى العملية العسكرية لتحقيقه، وهو القضاء النهائي على حركة حماس وباقي الفصائل، وإعادة وضع القطاع تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما يتيح لإسرائيل، استخدامه كورقة في مفاوضاتها مع الفلسطينيين لاحقاً، وتحقيق التنازلات تلو التنازلات من قبل السلطة الفلسطينية سلطة أوسلوا المتهالكة والمنبطحة والمتساوقة مع المنظومة الأمنية الإسرائيلية.

وبرغم أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الأمريكية، تستهدف حالياً مناطق شمال قطاع غزة، فإنّ العمليات الدبلوماسية الجارية على خط القاهرة – رام الله – تل أبيب – واشنطن – باريس – الأمم المتحدة، تركز جميعها على استهداف مناطق جنوب القطاع، وتحديداً مناطق الحدود المصرية – الإسرائيلية، وبكلمات أخرى، فإنّ هذا معناه: أن تستخدم إسرائيل الوسائل العسكرية، في استهداف قدرات حركة حماس من خلال المواجهات الدائرة في شمال القطاع، بمقابل: أن تستخدم إسرائيل، قدرات حلفاءها في القاهرة ورام الله وباريس وواشنطن، لجهة استخدام الوسائل الدبلوماسية في استهداف مناطق جنوب القطاع.

وتقول المعلومات والتسريبات، بأنّ تل أبيب تريد الحصول على المزايا الآتية في مناطق جنوب القطاع: الإشراف الدولي على معبر رفح، والشريط الحدودي الفاصل بين القطاع ومصر، وإعداد منطقة عازلة بين الشريط الحدودي ومناطق جنوب القطاع، وعلى طول الشريط الحدودي البالغ 11 كيلومتراً.

وتقول المعلومات، بوجود خلافات بين القاهرة وتل أبيب، فالقاهرة ترفض وجود المراقبين الدوليين في الجانب المصري، وإسرائيل تصر على ذلك، إضافة إلى تمسكها بحقها في فرض الرقابة على المنطقة العازلة، بين خط الحدود وبقية أراضي غزة.

وعلى خلفية خلافات خط القاهرة – تل أبيب، يتوقع إمّا أن توافق القاهرة على المقترح الإسرائيلي، خاصة أنّ واشنطن تقف إلى جانب إسرائيل، أو ترفض القاهرة، وفي هذه الحالة على الأغلب، أن تقوم القوات الإسرائيلية بتصعيد عملياتها العسكرية، بحيث تتضمن العملية العسكرية محوراً رئيسياً جديداً، يتضمن شن عمليات واسعة على طول الشريط الحدودي، تكون مصحوبة بعمليات هدم وتجريف المنازل والبيوت الموجودة، على طول هذا الخط(وهذا ما يجري الان على الواقع الميداني، عبر القصف السجّادي ولجلّ قطاع غزّة) وبعد اكتمال هذه العملية العسكرية، ستسعى إسرائيل إلى فرض الأمر الواقع على مصر.

ولكن، برغم كل ذلك، فإنّ الأمر، سيكون مجرد تحصيل حاصل، طالما أنّ المقاومة الفلسطينية المسلّحة، ستزداد ضراوةً على ضراوة، وسوف لن يستطيع الإسرائيليون إيقاف حرب الاستنزاف في قطاع غزة.

وفي محاولة لقراءة، الوضع الميداني اللاّيقيني، في حرب غزة والمقارنة بين وضع حماس وحزب الله، أقول:

تندلع المعارك والحروب، وتقوم الجيوش بتنفيذ العمليات العسكرية البرية والبحرية والجوية، وبعد أن تتوقف العمليات كلّها، تبدأ النتائج الميدانية في الظهور، لجهة الكشف عن حسابات الربح والخسارة، التي تعقبها مباشرة عملية الانتقال من الحسابات العسكرية إلى الحسابات السياسية، على أساس اعتبارات، أنّ الربح عسكرياً، سيكون الأكثر احتمالاً لجهة تعظيم الأرباح السياسية، وأن الخاسر عسكرياً سيكون الأكثر احتمالاً لجهة تعظيم الخسائر السياسية.

ويقول القادة الإسرائيليون المنهزمون(وهم كاذبون يتنافخون – العبور الثاني في 7 أكتوبر 2023م خير دليل على ذلك)بأنّهم أعدوا العدة، للقضاء على حركة حماس، وأكدوا رهانهم على النجاح، على أساس أنهم رتبوا أوراق العملية، بما يتيح تفادي سلبيات أداء القوات الإسرائيلية في حرب صيف العام 2006م أمام حزب الله بجنوب لبنان، والتي جلبت لإسرائيل الهزيمة، الأزمة السياسية، استنفاد صيغة تفوق قوة الردع الإسرائيلي.

وبالمقابل يقول: قادة حماس المنتصرون – الجناح العسكري(دع عنك الجناح السياسي، الذي علم بالعبور الثاني 7 تشرين 2023 م من وسائل الأعلام)بأنّهم أعدوا العدة، من أجل تكرار سيناريو هزيمة جنوب لبنان بالجيش الإسرائيلي، إذا حاول القيام باقتحام القطاع بريّاً، إضافة إلى أنّ تصريحات قادة حماس – الجناح العسكري، تفيد لجهة: أنّ الحركة قد رتبت أوراقها جيداً، لخوض غمار المواجهة الحاسمة مع القوات الإسرائيلية، داخل القطاع وليس خارجه.

فهل يستطيع الجيش الإسرائيلي، تفادي تكرار سيناريو هزيمة جنوب لبنان، أم أن حركة حماس ستستطيع تكرار هذا السيناريو، بما يؤدي لا إلى إلحاق الخسائر العسكرية والبشرية بالجيش الإسرائيلي فقط، وإنما تقويض أركان النظام السياسي – الأمني – الإسرائيلي، مما يدخل الساحة السياسية الإسرائيلية في مرحلة الفوضى الشاملة.

وحالياً تقف القوات البرية والبحرية، متمركزة في المناطق المحيطة بقطاع غزة، ما عدا جانب حدود غزة – مصر المطلة على مدينة رفح المصرية، وهو الجانب الذي أقامت فيه القاهرة “جدارها العازل”، على النحو الذي يدخل ويندرج ضمن تقديم المساندة، لترتيبات العملية العسكرية الإسرائيلية لأنّه: أتاح للقوات الإسرائيلية، الاكتفاء بتطويق القطاع من ثلاثة جوانب، وقطع على قطاع غزة هامش المناورة والحصول على الإمدادات عبر الجانب المصري، كما أنّه أتاح لتل أبيب، مزايا توظيف واستغلال دبلوماسية القاهرة في الضغط على حماس، والسكان الفلسطينيين الغزاويين، بحيث لن يكون أمامها، سوى القبول بالشروط المصرية، التي هي بالأساس شروط غير مصرية، أو مواجهة القوّات الإسرائيلية.

وبرغم تشدد النظام المصري، في الضغط على حركة حماس والسكان الفلسطينيين، فإنّ موقف هذا النظام ما يزال قابلاً للانكسار والتراجع في أي لحظة، ليس بسبب تعاطف القاهرة مع الفلسطينيين، ولا بسبب توتر العلاقات على خط القاهرة – تل أبيب، وإنما بسبب تزايد المعارضة المصرية الداخلية، وبكلمات أخرى: كلما تزايدت موجات الغضب والاحتجاج في الشارع المصري، كلما قلّل النظام المصري من شدة إحكام إغلاق الحدود والمعابر مع غزة.

وبرغم حشد إسرائيل، للمزيد من القوات والعتاد، فإن القيام بالانتقال من مرحلة الحصار العسكري والهجوم الجوي إلى مرحلة الاقتحام البري، وربما الإنزال الجوي والبحري، ما يزال أمراً مشكوكاً فيه بسبب: إدراك الإسرائيليين أن احتمالات تكرار سيناريو هزيمة لبنان ما زال قائماً، وإذا فشل الاقتحام العسكري، أو تورطت القوات في عملية عسكرية طويلة، فإن المكاسب السياسية التي حصل عليها ائتلاف حكومة نتنياهو أيّاً كانت – ستتحول إلى الخسارة في الانتخابات الإسرائيلية القادمة.

أمّا بالنسبة لحركة حماس، فإنّها تواجه حالياً الموقف الآتي: الخسائر الميدانية الناتجة من جراء القصف الإسرائيلي المركز على قطاع غزة، والمكاسب السياسية الناتجة من التحولات الإيجابية في الرأي العام الدولي والإقليمي.

بالنسبة لإسرائيل تواجه حالياً الموقف الآتي: الخسائر في العنصر البشري، وفي الميدان وضرب هيبتها، وخسائرها في مسرح الحرب النفسية، بسبب تزايد الرأي العام المعادي لها، والمكاسب في مسرح قطاع غزة، بسبب عمليات التدمير والتخريب الواسعة التي نفذتها عمليات القصف الإسرائيلي.

ونلاحظ أنّ نفس أو ما يشبه هذا السيناريو، حدث في صيف العام 2006م، عندما خسرت إسرائيل نتيجة الحرب النفسية التي ربحها حزب الله في نهاية الأمر، برغم أن الدمار والخراب، الذي ألحقته القوات الإسرائيلية بلبنان، كان يفوق الدمار والخراب الذي ألحقه حزب الله بإسرائيل في ذلك الوقت.

الفرق الرئيسي بين مواجهة حزب الله – إسرائيل، ومواجهة حركة حماس – إسرائيل يتمثل في الآتي: كانت قوات حزب الله، تتمتع بحرية الحركة والمناورة والعمق الواسع الذي يشمل كل الأراضي اللبنانية، وذلك على النحو الذي أتاح لقوات حزب الله عمق الانسحاب، وتأمين المؤخرة، إضافة إلى تأمين خطوط الإمداد، وهو ما لا تتمتع به حماس حالياً.

وتتمتع حركة حماس بتأييد كامل السكان الموجودين في قطاع غزة، إضافة إلى إمكانية خوض ما يعرف بقتال الشوارع ضمن المسرح الذي تعرفه حماس، وعلى الأغلب أن تكون قد قامت بترتيبه جيداً، لخوض المواجهة الحاسمة مع القوات الإسرائيلية، وهو ما لم يكن حزب الله يتمتع به، حيث كانت قوى 14 آذار، تقوم بدور الطابور الخامس العلني وقت الحرب، إضافة إلى أن القتال مع القوات الإسرائيلية، لم يكن قتال مدن، وهو الأمر الذي أتاح للإسرائيليين، تفادي تكبد المزيد من الخسائر، والاكتفاء بالمواجهات “القتالية التعرضيّة” من عناصر حزب الله اللبناني، في أودية وأحراش الجنب اللبناني.

وعموماً برغم المزايا النسبية، التي يتمتع بها كلا الفريقان، والتي تتيح التفوق في أحد الجوانب، فإنّ عوامل القوة والضعف بين الطرفين، تتميز بعدم التماثل: الوضع الدفاعي لعناصر حماس، يمثل عامل قوة متفاقمة، في حالة قيام القوات الإسرائيلية بالاقتحام البري، والوضع الهجومي الجوي: يمثل عامل القوى للقوات الإسرائيلية، طالما أن حركة حماس لا تملك وسائط الدفاع الجوي الفاعلة، في التعامل مع الطيران الإسرائيلي – اللهم ما ندر من وسائل غير فاعلة.

وتستطيع حماس حالياً، تفادي صدمات الخسائر، عن طريق تأمين عناصرها ومعداتها من خطر القصف، وهو أمر سهل القيام به، وفقط ستواجه مشكلة في تأمين السكان المدنيين، الذي سيؤدي سقوط المزيد منهم، إلى دعم موقف حماس في المواجهة النفسية، ويضعف موقف إسرائيل عالمياً، وعموماً ستكشف الأيام القادمة، عن طبيعة التطورات الميدانية، ومدى تأثيرها على توازن القوى بين الطرفين في المواجهة، بحيث يتضح لنا من الأقرب إلى الربح، ومن الأقرب إلى الخسارة.

والحرب على غزة، غارات مكثّفة بقصف سجّادي، تمهّد لعملية برية محتملة، ويصرخ قادة اليمين في إسرائيل، مطالبين حكومتهم، بأن تسمح للجيش، بأن يحقق الانتصار على المقاومة الفلسطينية في غزة، ويعلن قادة الجيش، وبعض قادة الحكم، أن تطور متطلبات المعركة، قد يدفع إلى الانتقال من العملية الجوية الجارية، التي لم تحقق حتى الآن هدف وقف إطلاق الصواريخ، إلى العملية البرية، التي لا أحد يريدها، لكنها قد تقع.

ويحاول عدد من القادة الإسرائيليين المنهزمين، في إطار التهديد، تكرار الحديث عن العملية البرية، وكأن الحرب الجوية والبحرية الدائرة، هي لعبة أطفال مقارنة بالحرب البرية، وفي ظل تصاعد المعركة واستمرار تفاقمها، تجمع لجنود الاحتلال الإسرائيلي وآلياته على الحدود مع غزة، وانعدام الوسطاء لتحقيق وقف لإطلاق النار، فإن الحديث عن الحرب البرية يزداد اتساعا، وقد قرر المجلس العسكري الجديد، في حكومة الطوارئ الى خلع القفازات، وتوسيع نطاق العمليات الجوية، وصولا إلى استهداف بيوت المقاومين وعائلاتهم، فضلا عن استهداف منشآت الحكم، ومرابض الصواريخ.

لكن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بشكل أساسي، زادتا، ليس فقط من كثافة النيران، وإنما أيضا من مدى الصواريخ، فتشوشت الحياة اليومية لغالبية الإسرائيليين تقريباً، بعدما أصبح ما لا يقل عن خمسة ملايين إسرائيلي في مرمى النيران.

وخلافا لما هو قائم في قطاع غزة، حيث لا توجد أية ضغوط على حماس، فإنّ ضغوطاً كبيرة تمارس على الحكومة الإسرائيلية من جهات عدة، لكن أبرز هذه الضغوط، تأتي من اليمين المتشدد، وتسعى هذه الضغوط إلى توجيه أوسع ضربة والإطاحة بحكم حماس عن طريق إعادة احتلال غزة.

ويحاول بعض العسكريين المتخوفين من عواقب الحرب البرية التأكيد: أنّه لا يزال بوسع إسرائيل مواجهة حماس والصواريخ عبر الحرب الجوية المتصاعدة، واستخدم الجيش في سبيل ذلك أسلوب، تغطية أجواء القطاع بأكثر من 100 طائرة لقصف مواقع الإطلاق وهي بالمناسبة طائرات أمريكية وقادتها كذلك، بغرض منع الصواريخ من التساقط على المستوطنات الإسرائيلية، ولكن كثافة القصف، والغارات الإسرائيلية، لم تمنع استمرار اطلاق الصواريخ وتصعيدها، ما جعل الحملة الجوية موضع تساؤل، وهذا ما قاد عدداً من المعلقين للتساؤل عن الخطوة المقبلة: عملية برية أم وقف إطلاق نار؟

 وبحسب معلقين كثر في إسرائيل، فإن حكومة بنيامين نتنياهو لا تريد هذه الحرب، لاعتبارات مختلفة، أهمها أنها تدخل مئات الآلاف إلى الملاجئ، ففي غزة ما لا يقل عن ثلاثين ألف صاروخ ويزيد، يبلغ مدى المئات منها أكثر من 200 كيلومترا، والعشرات منها أكثر من 400 كيلومترا، والأهم أن في غزة، عزم كبير على المواجهة واستمرار الاشتباك، ما يعني أن المعركة ستكون طويلة.

ويقرر رئيس الاستخبارات العسكرية الحالي، أن أسبوعين مواجهة، هو ما يحدد قدرة الجمهور الإسرائيلي، وهناك من يؤكد: أن نتيجة المواجهة الحالية حتى الآن هي التعادل، وأن المخرج من ذلك هو المعركة البرية.

ولذلك: فإنّ ذهاب إسرائيل إلى المعركة البرية يبدو حتى الآن، أقرب إلى روليت روسية، وهي ذهاب حتى النهاية من جانب إسرائيل، على أمل أن تتراجع حماس أولا، ولكن كل الخبراء العسكريين، يشددون على أنه حتى الآن لا تظهر علامات تراجع من جانب حماس.

ويجري الحديث ليس فقط عن عملية برية كاملة في القطاع، وإنما أيضا عن صيغ جزئية، مثل تقطيع أوصال غزة، كما كان يحدث في الماضي، أو احتلال مناطق محاذية للحدود وتنفيذ عمليات برية محدودة عبر اقتحامات، ويقول معلقون إسرائيليون، إنه رغم كل الكلام في الجيش عن عملية برية، إلا أن سوء المواد الاستخبارية، وكثرة الأنفاق، تجعل الإقدام على مثل هذا العمل ليس مجرد نزهة، والأهم: أن العملية البرية، لن توفر على الأقل طوال أسابيع الأمن، لا للمستوطنين الإسرائيليين، ولا للجنود الذين قد يضطرون إلى الغرق من جديد في رمال غزة.

وتصرخ إسرائيل طوال الوقت، بأنها على استعداد لخوض الحرب البرية، وهي تعرض دباباتها وتدريبات جنودها، وتطلق التهديدات على لسان قادتها العسكريين، لكن خبراء يرون: أنّ هذه التهديدات والاستعراضات، تشهد على ضعف النية للتنفيذ، ومع ذلك يشدد نتنياهو: على أنّه طلب من الجيش الاستعداد لكل الإمكانيات، وهو يقصد العملية البرية، أما وزير الدفاع المجنون، فيشدد، على أنّ كل يوم يمر، يقرّب إسرائيل من الاجتياح البري للقطاع، ولكن جلّ الخبراء العسكريين هناك يقولون: ولهذا من المنطق أن نفرض، أنّ العملية البرية إذا استقر الرأي عليها، وحينما يستقر، لن تسعى إلى احتلال القطاع وتحطيم حماس، بل ستكتفي بأهداف أكثر تواضعا يمكن تحقيقها، وهي مضاءلة عدد رشقات الصواريخ أو ضرب منظومات إستراتيجية لحماس، يصعب علاجها من الجو فقط – اذاً الهدف تافه من زاوية إسرائيلية عسكرية.

والقوات البرية أصبحت موجودة في مناطق استعدادها، واجتازت تدريباً مركّزاً في السابق، وأُجيزت الخطة، والأمر العسكري موجود، وفي اللحظة التي يستقر فيها رأي المجلس العسكري الجديد، على الانتقال إلى المرحلة البرية، سيُحرر الزناد، والدخول إلى المنطقة، التي تفصل بين الجدار الحدودي والمنطقة المأهولة من غزة، هو أسهل أجزاء العملية البرية، فالحركة سريعة تصاحبها نيران ثقيلة وتغطية جوية، أما غزة المدنية في مقابل ذلك، فهي مبنية مثل شرك، وهنا تبدأ الحرب الحقيقية من فوق الأرض ومن تحتها، فمن تحت البيوت توجد مدينة تحت الأرض من أنفاق، قد تحاول حماس خطف مزيد من جنود عن طريقها.

كما هي مصر هِبة النيل، فإنّ إسرائيل هِبة بريطانيا، فلندن التي ابتدعت فكرة وطن قومي للطائفة اليهودية في فلسطين، بذلت جهوداً دبلوماسية وعسكرية ودعائية هائلة، لفرض المشروع، بمحض القوّة، على التركيبة الديموغرافية للمنطقة، وجهّزت خلال ثلاثة عقود من الاحتلال(سُمّي حينها انتداباً) البنية التحتية للدولة العبرية، التي أُعلن قيامها رسمياً في عام 1948م، وقد استمرّت العلاقة حميمية بينها وبين ربيبتها الصهيونية منذ ذلك الحين، وإن أخلت مكان الصدارة تدريجياً للولايات المتحدة، بعد العدوان الثلاثي الفرنسي – البريطاني – الإسرائيلي على مصر في عام 1956م.

ولعلّ كثيرين، لا يُدركون أن مستوى العلاقات العسكرية بين الطرفين، يصل اليوم إلى ما يمكن وصفه بالشراكة الاستراتيجية الكاملة، تدريباً وتسليحاً ومناورات وعمليات مشتركة، فضلاً عن التعاون الاستخباري الكثيف في ما يتعلّق بالمناطق الساخنة في الشرق الأوسط – وخصوصاً سوريا ولبنان، والتنسيق الأمني والدعائي في أوروبا، والتشبيك مع دول الخليج، وتلتزم الصحافة البريطانية صمتاً مطبقاً في شأن تفاصيل تلك الشراكة، على رغم أن أيادي النظام الملكي البريطاني، تقطر من دماء الفلسطينيين والسوريين والعراقيين واليمنيين، فضلاً عن توفيره مظلّة حماية وأمان فولاذية، للسلالات العربية الحاكمة الحليفة له.

وبحسب الاستراتيجية العسكرية الجديدة للمملكة المتحدة، والتي حُدّثت من قِبَل فريق حكومة سوناك، وقبله بوريس جونسون، فإنّ إسرائيل تظلّ شريكاً استراتيجياً رئيساً، وكان القادة العسكريون في الدولتين قد وقّعوا، قبل تحديث تلك الاستراتيجية بأشهر، اتفاق تعاون لإضفاء طابع رسمي على العلاقات في مسائل الدفاع ودعم الشراكة العسكرية المتنامية بين إسرائيل والمملكة المتحدة وتعزيزها، فالجيشين: البريطاني والإسرائيلي، يدمجان قدراتهما في المجالات البحرية والبرّية والجوية والفضائية، إلى جانب الحرب الإلكترونية والتطبيقات الكهرومغناطيسيّة.

وبحسب مواقع متخصّصة، ترصد الأنشطة السرّية للحكومة البريطانية، فإنّ الأنشطة التدريبية المشتركة بين البلدين، مسألة روتينية للغاية، وإن تراجعت وتيرتها نسبياً، لأسباب لوجستية بحتة، مرتبطة بجائحة كوفيد-19 ،هذا وقد تلقّى ضبّاط إسرائيليّون، تدريباً عسكرياً متقدّماً في المملكة المتحدة، في دورتَين على الأقلَ خلال العام الحالي 2023 م، فيما يستمرّ طيّارو سلاح الجوّ الملكي البريطاني في الاستفادة من تدريب طيران افتراضي، تشارك في إدارته شركة الأسلحة الإسرائيلية البيت سيستمز، ويتمّ تقديمه في القواعد الجوّية البريطانية كافة.

وتتولّى بريطانيا بشكل نشط، ومنذ عقود، تعزيز القدرات القتالية النووية لإسرائيل، ولهذه الشركة الإسرائيلية مقرّ رئيس إقليمي في مدينة أولدهام، شمال شرق مانشستر، وهي تنتج عبر أحد فروعها بالقرب من مدينة برمنغهام، محرّكات للطائرات بدون طيار، فضلاً عن أجزاء أخرى في سبعة مصانع، تتوزّع حول الجزيرة البريطانية.

وتفيد معلومات، بمشاركة طيّارين بريطانيين وأمريكيين، بجانب إسرائيليين، يقودون طائرات إف – 15 واف 16 الأميركية الصنع، وهي التي تتولّى الجزء الرئيس من طلعات قصف قطاع غزّة هذه الأيّام، وفي مناورات جوّية مع البريطانيين سابقاً، كما في مناورات تدريبية أوروبية تضمّ إليهما كلّاً من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، إضافة إلى مشاركتهم زملاءهم الأميركيين في مناورات سلاح الجوّ الإسرائيلي التي تجري شرق المتوسط.

وفي المعلومات: يداوم ضبّاط إسرائيليون، بشكل دوري، في قاعدة وادنغتون الجوّية، التي تُعدّ مركز العمليات الرئيس لأسطول الطائرات البريطانية المتخصّصة في التجسّس، وقد حلّ قائد سلاح الجوّ الملكي، ضيفاً على نظيره الإسرائيلي قبل شهرين من الان وبزيارة سرية، وقال للصحافيين قبل أقل من شهر: لقد تشرّفت بزيارة القوات الجوّية الإسرائيلية، واحتفينا بتراثنا المشترك، وشراكتنا الدائمة، واستكشفنا العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك.

وما ينطبق على التعاون بين الطرفين في القتال الجوّي، يماثله وقد يفوقه التعاون بينهما في مجال البحر، حيث تشارك القوات البحرية الملكية سنوياً، في مناورات التدريب التي تجريها القطعات الإسرائيلية قبالة شواطئ فلسطين المحتلّة.

 

ويوجد أكثر من عشرين ضابط بريطاني، على الأقلّ، بشكل دائم في إسرائيل، بما فيها الأراضي الفلسطينية المحتلّة في الضفة الغربية، عدا عن الطاقم المكلّف بالملحقيّة العسكرية، وأمن البعثة الدبلوماسية للمملكة المتحدة لدى تل أبيب.

ومن المعروف، أنّ كوادر بريطانيين، يساعدون المنسّق الأمني الأميركي، الذي يتولّى ضمان التزام القوات التابعة للسلطة الفلسطينية، بالتعاون الأمني مع الأجهزة الإسرائيلية، وعلى الرغم من أن معظم تسليح جيش الاحتلال، هو أميركي المنشأ، إلّا أنّ هناك تبادلاً مستمرّاً، لشراء الأسلحة بين البريطانيين والإسرائيليين، ويقدَّر حجم صادرات لندن السنوية من المنتجات العسكرية إلى إسرائيل، بحدود 1000 مليون جنيه إسترليني(حوالى 1400 مليون دولار أميركي)، فضلاً عن تزويدها الكيان، بالمكوّنات المستخدمة في تصنيع وصيانة الطائرات المقاتلة الأميركية الصنع، من مثل أنظمة إطلاق الصواريخ لمروحيات أباتشي، وشاشات العرض الرأسية لطائرات إف -16، وهذا ولا تفرض المملكة المتحدة، أيّ شروط على منح تصاريح تصدير الأسلحة والمعدّات إلى دولة الكيان، أو على طريقة استخدامها، وكذلك الحال مع أمريكا إزاء الكيان، وفي المقابل، تشتري بريطانيا من إسرائيل، معدّات للقتال البحري، وطائرات من دون طيّار.

وبينما ترفع بريطانيا عقيرتها عالياً، ضدّ حصول إيران على قدرات عسكرية نووية، تتولّى في المقابل، بشكل نشط ومنذ عقود ، تعزيز القدرات القتالية النووية لإسرائيل، بما في ذلك تزويدها بتقنيات الغوّاصات النووية، والمواد المشعّة اللازمة لتصنيع الرؤوس النووية: كالبلوتونيوم واليورانيوم، ويقدّر متخصّصون امتلاك إسرائيل لـتسعين رأساً نووياً على الأقلّ، لا تقلّ كفاءة كلّ منها عن القنابل التي ألقاها الأميركيون على هيروشيما وناغازاكي، ولكن المجال الأوسع للتعاون البريطاني – الإسرائيلي يظلّ، بالطبع، العمليات الاستخبارية التي يلفّها ستار سميك من السرّية.

وكان إدوارد سنودن، قد سرّب وثائق سرّية أميركية، في عام 2014م، أظهرت تعاوناً وثيقاً لجهاز التجسّس على الإشارات البريطاني، المعروف باسم GCHQ، مع نظيرَيه الأميركي والإسرائيلي، ما يعني أن كلّ ما يهمّ الجانب الإسرائيلي من معلومات حسّاسة، يتمّ نقله غالباً من دون قيود من الأجهزة الأميركية والبريطانية، التي تتولّى مراقبة جميع أشكال الاتصالات عبر العالم، وتحدّث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، علناً، مرّات عديدة، بامتنان، عن هذا التعاون الثلاثي: الذي مكّن إسرائيل في مناسبات عديدة من تجنّب خسائر ممكنة في الأرواح، ولكن فشل هذا التعاون في رصد العبور الثاني في 7 تشرين 2023 م.

وقبل موجة التطبيع الأخيرة لدول الخليج مع الكيان العبري، قدّم الوجود البريطاني، سواء كجاليات ضخمة أم كتعاون رسمي وتجاري وعسكري، للإسرائيليين، مظلّة ورصيداً للتغلغل في مفاصل الأنظمة الحاكمة هناك، وللقوات البريطانية، كذلك، وجود عبر وحدات عسكرية تسمّى الوحدات الثقافية، يتولّى تدريبها أكاديميون(بعضهم عرب) في كلّية الدراسات الشرقية في جامعة لندن، تنفّذ مهمّات جاسوسية ودعائية لإحباط روح المقاومة، عند السكّان المحلّيين، انطلاقاً من قاعدة إقليمية لها في المنطقة.

وبحسب ضابط بريطاني سابق،  فإن جهود: الوحدات الثقافية البريطانية هناك، تشمل بشكل رئيس سوريا في هذه المرحلة، إضافة إلى لبنان وفلسطين المحتلّة، وكذلك الأردن رغم أنه حليف للغرب، كما أن ثمّة تعاوناً أكيداً في هذا الشأن مع الإسرائيليين.

عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

[email protected]

هاتف منزل \ عمان : 5674111  

خلوي:0795615721

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا