التحولات الثورية الجذرية في التاريخ تصنع بالدم / كمال خلف




كمال خلف ( فلسطين ) – الجمعة 13/10/2023 م …

الشارع العربي وقد تم الاشتغال عليه لعقود، وبشكل محموم ومركز خلال العقد الماضي تحديدا، لينشغل بكل ما يبعده عن فلسطين، ويقطع حبل المشيمة مع تاريخ الصراع مع إسرائيل الذي جرى العبث بمحتواه ومجريات احداثه بشكل متعمد، لتجريم الضحية وتبرئة الاحتلال، ونزع الرابطة القومية، والروح الجماعية تلك القوية لدرجة استشهاد مقاتلين من كل الدول العربية في معارك وحروب من اجل فلسطين.

 لقد انهار العالم العربي الذي عرفناه بشكل دراماتيكي مأساوي في العشر سنوات ونيف الماضية، استسلمت فئة من نخبته الفكرية والثقافية للابتزاز المادي، وعملت في خدمة منظومة سياسية دفعت المنطقة العربية نحو خيار التسليم للإرادة الامريكية والغربية، وفق نظرية مضلله فحواها شرق أوسط جديد نابذ للنظريات والممارسة السياسية التقليدية القديمة والتي وصفت باقذع الاوصاف مثل “العدمية والخشبية”، ووفق هذا المضمون الذي برز على انقاض دول عربية ممزقة يعيث فيها الإرهاب والجوع والاقتتال الداخلي والاستباحة للقوى الخارجية، وبمساعدة إمكانات مالية ضخمة سخرت الاعلام والنخب بكل اصنافها ” فكرية، ثقافية، رياضية، فنية.. الخ ” بدأ التنظير مع خطوات عملية لما عرف ” باتفاقات ابراهام – طرح صفقة القرن – تهميش القضية الفلسطينية – تشويه صورة شعبها وتاريخ نضالاته، شيطنة وعزل وتجريم كل تيار او حزب او دولة او اعلام يطرح قضية فلسطين ويدعو لخيار مقاومة الاحتلال. “

طوفان الأقصى” واسطورية بطولات قادته، ومشاهد اذلال جيش الاحتلال، ولاحقا دماء الأبرياء في غزة، وحجم المحرقة التي ترعاها الإدارة الأمريكية وشركاؤها الغربيون، جعلت كل تلك المنظومة تنهار في سبعة أيام. نهض الشارع العربي من المحيط الى الخليج، ليقف مع فلسطين ومع خيار المقاومة وضد الاحتلال، صوت الشارع العربي كان اقوى من ان تخفيه او تكبته أنظمة او جماعات متصهينة فتح لها الفضاء والشاشات ووسائل التواصل لتملأه قيأ وعفنا فكريا. صوت الشارع العربي المنهك من الظلم والجور والجوع والحرمان، كان واضحا وكاشفا بشكل جلي بان تلك الأنظمة لا تعبر عن مكنوناته وان تلك النخبة المتصهينة فشلت في تدجينه وحرف انتمائه وقتل ضميره.

 المقاومة الفلسطينية رغم محاولات عزلها وشيطنتها ونبذها من قبل النظام الرسمي العربي، هي من تمثل اليوم الشعوب العربية، وهي من تقف الجماهير العربية خلفها وتساندها وتهتف لها.

 الشارع العربي في المظاهرات، وعبر وسائل التواصل، وعبر الشاشات هو من يرد على تصريحات البيت الأبيض الوقحة والفاشية والعنصرية، وهو من يبصق في وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته بينما ترتبك النظم الرسمية وتصدر بيانات باهته. وهي على الأرجح غير مدركة لحجم التحول واثاره.

هذا ليس بسيطا، ولا يظنن احد انها لحظة عاطفية عابرة.

تداعيات يوم السابع من أكتوبر، ستكون كبيرة وجارفة، ان وصفها بنقطة التحول وصف دقيق، لكنه لن يكون تحولا في موازين قوى الصراع مع إسرائيل فحسب، ولا لحظة فارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية منذ بدء الصراع مع إسرائيل قبل اكثر من خمسة وسبعين عاما فقط، ولا بداية النهاية لمشروع إقامة دولة اسرائيل على ارض عربية وحسب. رغم ان المنظومة الغربية المتوحشة تحاول تركيب ارجل من خشب لها لتطيل عمرها. بل ثمة تداعيات قد تتجاوز هذا التحول الاستراتيجي الهام المرتبط بالصراع الى شكل البيئة السياسية العربية، ومستقبل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، ان قوى في المنطقة ستكون مجندة لطرد الأمريكيين وعملائهم  كما طردت شعوب افريقيا فرنسا مهما كان الثمن.

وقوف الرئيس الأمريكي جو بادين ووزير خارجيه وبقية عصابة الاجرام الدولي مع إسرائيل وتشجيعها على مواصلة حرق الأبرياء وقتل الأطفال وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وتهديد أي طرف يحاول انقاذ الأبرياء ووقف المجزرة، هو فاشية منحطة ولحظة انكسار تاريخي لقيادة المنظومة الغربية للعالم.فضلا انها بالمباشر وضعت الإدارة الامريكية والمنظومة الغربية في حالة عداء مطلق مع المنطقة العربية كلها وليس مع الشعب الفلسطيني، وعليهم ان يدركوا ان لهذا ثمن.

ان الدماء والضحايا وهول الدمار، وخطورة الاحداث، ووقاحة الموقف الأمريكي وانكشافه كشريك بل قائد فعلي للمذبحة في غزة، يدلل على فرادة اللحظة من التاريخ. إسرائيل هزمت في ساعات، وانكشفت عورة جيشها وهشاشة قوتها، وفشل قادتها. ولابد من التعويض وترميم الصورة بسرعة وهذه مهمة واشنطن والغرب.  تتحول إسرائيل بهذا المعنى الى أوكرانيا ثانية على اكتاف الغرب، تطلب حماية، واسلحة واموال، وذخائر لتجنب الهزيمة المدوية.

ولا يعتقدن احد ان مجرد وصول حاملات الطائرات الامريكية وتسابق المسؤولين الأمريكيين لتهديد قوى المقاومة في المنطقة يحسم المسألة و يطلق يد إسرائيل بلا حدود او قيود، القوات الامريكية في منطقتنا قد لا تجد هي ذاتها من يحميها وهي تبحث عن طريق للخروج.

نتمزق الما على ضحايا المحرقة في غزة، ولكن بذات الوقت ندرك ان التحولات الجذرية والثورية في التاريخ وهزيمة ابشع احتلال عرفه تاريخ البشرية لن ينجز دون تضحيات ودماء. وان ما يفعله الغرب لن يمر بالتقادم او ينسى لأجيال وسوف يرتد عليه.

ولدينا اليقين الجازم والحاسم بلا لحظة شك واحدة، ان إسرائيل لن تنتصر وهي في طريقها الى الهزيمة الكبرى التي باتت قريبة اكثر مما نتصور.

قد يعجبك ايضا