سيف دعنا: مقاومة أكثر تعني فقراً أقل

 




سيف دعنا ( فلسطين ) – السبت 15/7/2023 م …

“مقاومة أكثر.. فقر أقلّ” شعارٌ قابل للتطبيق على الرغم من الضغوطات والتضييقات والحصار، في ظل تعاظم قدرة المقاومة في لبنان.

منذ انتصار تموز، كرّست المقاومة معادلة الردع العسكري التي لم يتمكّن الاحتلال من تغييرها طوال السنوات الماضية. لجأت “إسرائيل” إلى الولايات المتحدة لتضييق الخناق على الجبهة الاقتصادية، لذلك، سعت المقاومة إلى تكريس معادلة ردع، توفّر بيئة مناسبة ومناخاً اقتصادياً للازدهار، فكيف يمكن أن يكون شعار “مقاومة أكثر.. فقر أقل”، فاعلاً في لبنان.

في الذكرى الـ 17 لانتصار لبنان في حرب تموز 2006، يتعرّض لبنان اليوم لحرب جديدة ذات طابع اقتصادي سياسي شامل بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول العربية والأجنبية مع شريكٍ أساسي يتمثل بـ “إسرائيل”.

في عام 2019 و منذ بداية الحراك الشعبي في لبنان، عملت واشنطن على ربط مسار الانفراج الاقتصادي في لبنان بنزع سلاح المقاومة، وهذا ما حاولت عدد من المنظمات المملوكة من الولايات المتحدة العمل عليه ومحاولة تكريسه في الشارع.

المقاومة اللبنانية رصيد تفاوضي هائل

 أستاذ علم الاجتماع في جامعة ويسكنسون في شيكاغو، سيف دعنا، قال للميادين نت: “أطلقتُ شعار مقاومة أكثر فقر أقلّ أثناء “احتجاجات” 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 في لبنان استناداً إلى مُسلّمة تُمثّل قاعدة أساسية في التفكير في الاقتصاد السياسي. وبما أنّ المنظومة الدولية هي وحدة واحدة (أي أنّ كل العالم مُترابط ويُؤّثر ويتأثّر ببعضه ولا توجد دول جزر ومعزولة يمكنها أن تُخطط وتُنفّذ بمعزلٍ عن تأثيرات إقليمها وعالمها) لا يُمكن حتى مجرّد التفكير في التنمية واقتراح حلول للفقر وغيره من المشاكل الاقتصادية بمعزلٍ عن تأثير موازين القوى الإقليمية والدولية”.

وأشار دعنا إلى أنّ “العالم وحدة واحدة هو بالضبط ما يُمكّن القوى الاستعمارية المهيمنة في الخارج وأتباعها في الداخل من تحصيل فائض القيمة (أو النهب باختصار) وتحويله إلى الخارج عبر آليات متعددة بعضها يبدو قانونياً كالتجارة المؤسسة على التبادل غير المتكافئ للقيم (أي أنّ دول الجنوب تنتج وفق حاجات الخارج حتى تستطيع تحصيل العملة الصعبة من جهة، وتتبادل السلع بآليات تضاعف من قيمة سلع الخارج (المقبلة من الغرب تحديداً) عدّة مرّات وفي الوقت ذاته تُقلّل من أسعار السلع المنتجة في دول الجنوب. وهذه آلية نهب في الجوهر”.

ومن هنا، لفت دعنا إلى أنّ قدرة “أيّ بلدٍ على إنجاز أيّ مشروع تنموي والتعامل مع الأزمات والمشاكل الاقتصادية تعتمد على قدرته التفاوضية مع الخارج. أيّ كلما كنت أقوى بالمعنى الشامل للقوة، كلما كانت قدرتك على التفاوض وتخفيف حدّة تأثير الخارج مُمكنة أكثر. أما إذا كنت ضعيفاً فلن يكون بإمكانك إلا تنفيذ الشروط التي تفرضها موازين القوى. وكلما كنت أقوى، كلما كان بإمكانك إمّا فك الارتباط “نسبياً” مع الخارج أو تخفيف تأثيره.

في حالة لبنان تحديداً، القوة الوحيدة التي تُواجه تأثيرات الخارج، ويجب اعتبارها رصيداً تفاوضياً هائلاً هي المقاومة، وكلما كانت المقاومة أقوى كلما كانت قدرة لبنان، أو أيّ بلد في الجنوب، التفاوضية وإمكان النجاح أكبر. 

ثمن المقاومة دائماً أقل من ثمن الخضوع

وعن الدليل على صحة شعار “مقاومة أكثر.. فقر أقل”، أوضح دعنا أنّ ما نعرفه جيداً من التجارب التاريخية، هو أنّ الدول القوية اكتسبت قوة نسبية مقابل غيرها، ونجحت في بعض الأحيان في تحديد شروط تفاعلها مع من تتحكّم بهم، سواء عن طريق وسائل الحكم المباشر (الاستعمار، الإمبراطوريات)، أو الإشراف غير المباشر (ما نسميه اليوم الاستعمار الجديد)، أو من خلال التأثير غير المتكافئ على السياسات الداخلية للآخرين (الهيمنة).

والأمر الذي نعرفه أيضاً، أنّ مدى قوّة الطرف الآخر كانت عاملاً أساسياً في التخفيف (بالحد الأدنى) من تبعات تحكّم الخارج بمصيرهم، من هنا يمكن القول إنّ شعار “مقاومة أكثر.. فقر أقلّ” مُجدٍ في منع التحكّم في لبنان.

دعنا قال “صحيحٌ أنّ من يقاوم قد يتعرّض لحصارٍ وضغوط، ولكن من لا يقاوم يتعرّض لنهبٍ وإفقار أكثر (برغم الحصار والعقوبات على لبنان، إلا أنّه لولا قدرته التفاوضية مع الخارج بسبب المقاومة، لكانت ظروفه أسوأ من من مصر والأردن والسودان مثلاً”.

السؤال هنا: هل من لا يقاوم من دول الجنوب (والدول العربية) وينفّذ شروط الغرب والمؤسسات المالية الدولية (كالبنك الدولي وصندوق النقد) هل هو في ظروفٍ أفضل (مصر نموذجاً)؟

الأهم، أنّ المقاومة هي عملية طويلة المدى، بمعنى أنّ المقاومة هي رصيدٌ للمستقبل سيحصده من يقاوم، ولن يحصل عليه من يستكين ويرضخ – لهذا بالضبط يقال إنّ ثمن المقاومة دائماً وأبداً أقلّ من ثمن الخضوع، فالحصار والعقوبات لن يستمرّا إلى الأبد، خصوصاً إذا كانت المقاومة أقوى.

تعزيز النشاط الاقتصادي أسهل في ظل وجود مقاومة

وعن حديث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أكثر من مرّة عن الاعتماد على الذات ولا سيما من الناحية الاقتصادية، أشار دعنا إلى أنّ “حديث السيد نصر الله عن الاعتماد على الذات، وتعزيز النشاط الاقتصادي الإنتاجي المحلي (زراعة، صناعة، إلخ)، يتوافق تماماً مع أهم نظريات الاقتصاد السياسي.

الفكرة هنا بسيطة: إحدى آليات النهب هي التبادل اللامتكافئ للقيم، وهذا يعتمد على القوّة السياسية للأطراف جميعاً. مثلاً، الناس تطالب محقّة بالخبز، لكن الخبز والطعام وغيرها من الاحتياجات إذا لم تكن منتجة محلياً، أو تُشترى بالعملة المحليّة، أي خبزٌ يُشترى بالدولار من الخارج (من أميركا أو بعملتها)، من ريعٍ تَحَصّل في سياق الجغرافيا السياسيّة للبنان والمنطقة وشروطها.

لهذا، فحتى مُجرّد قُدرة أيّ بلدٍ على الزراعة والصناعة لتلبية بعض الحاجات المحلية مُشروطة بمدى قوّة البلد على مواجهة الخارج وتخفيف الاعتماد عليه الذي ستتضرّر قدرته على النهب من أيّ نشاط إنتاجي محلي.

من هنا، كانت دعوة السيد نصر الله لتعزيز نشاط الإنتاج المحلي ليست فقط في محلّها، ولكن هي ممكنة جداً بسبب وجود مقاومة تجعل قدرة الخارج على منعها أصعب.

بوصلة مستقبل العالم تؤشّر شرقاً

وعن دعوة السيد نصر الله للتوجّه شرقاً في خطابات متعددة، قال أستاذ علم الاجتماع في جامعة ويسكنسون في شيكاغو، سيف دعنا، للميادين نت إنّه يُمكن فهم التوجّه شرقاً، في سياقٍ استراتيجي أبعد وأعمق كثيراً من مجرّد حلّ أزمات آنية في لبنان فقط، وأبعد حتى من سياق تَغَيُّر وتَغْيير المنطقة أيضاً، بل تَغَيُّر وتَغْيير العالم كذلك، ويمكن أن نقرأ فيها استعادةً وإحياءً لروح عمل المفكر العربي الفذ أنور عبد الملك (عالم سياسي مصري فرنسي، كان عروبياً وماركسياً 1924 – 2012)، كتاب “تغيير العالم”.

فالتحوّل شرقاً في هذه اللحظة التاريخية بالذات، هو خيارٌ استراتيجي يتضمّن ما هو أبعد كثيراً من السياسة والاقتصاد والأزمات الحياتية الراهنة، كما نعرفها في بلادنا.

هو خيارٌ استراتيجي أساسه استنتاج عميق جوهره أننا لا نعيش فقط مرحلة أفول الهيمنة الغربية، بل أيضاً، وبالضرورة نتيجة لذلك، أنّ العالم على أبواب انقلابٍ تاريخي سينتج منه عالم جديد مركزه، كما تشير كل المؤشرات شرقيّ.

وشدّد دعنا على أنّ “هذه الدعوة هي دعوة للانتساب للمستقبل وتجاوز الماضي، وتستند كذلك إلى رؤية عميقة حول مسارات النظام العالمي المحتملة وموقعنا فيها. هكذا، يتوجّب أن تتحدّد، الآن، خياراتنا كشعوب، وكأمّة، وقوى مقاومة، إنْ كنّا حريصين فعلاً على مستقبل شعوبنا. بكلّ المقاييس المعتمّدة، وبحسب كل الاحتمالات الممكنة، ووفق أحدث وأدقّ وأنضج السرديات التاريخية التي تلقى قبولاً أكثر كلّ يوم وتؤسّس لاستشراف المستقبل، وتتحدّى السردية الغربية التي تقوم على أساسها الهيمنة الغربية.

لذلك، فإنّ بوصلة مستقبل العالم لا تؤشر إلّا شرقاً. أما من سَيُصرّ على الانتساب للماضي ومحاربة المستقبل، فهؤلاء سيكون عليهم، لسوء حظّهم، أن يتعلّموا درساً قاسياً في التاريخ، مفاده أنّ “الحركة التاريخية لا يجدي معها القمع عندما تستوفي شروطها”.

 

 

قد يعجبك ايضا