من غزوة الخندق بأحزابها الى جنينغراد وفلسطين بحطّينها! / الياس فاخوري

الياس فاخوري ( الأردن ) – الإثنين 26/6/2023 م …



* حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …

 في غزوة الخندق سنة 5 للهجرة، بدأ عمرو بن ود يدعو للمبارزة، وكان من اشجع فرسان قريش – يُعدّ بألف فارس، فلمّا أكثرَ النداء وأهانَ المسلمين بقوله: “ولقد بححتُ من النداء بجمعهم هل من مبارز”، قام اليه علي بن أبي طالب – كرّم الله وجهه – بعد استئذان الرسول الكريم، والقاه الى حتفه .. وفيها قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): “ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين”، أي الجنّ والإنس.(الحلي، نهج الحق وكشف الصدق).
 
كما نظم “هذه المنقبة والكرامة العلوية بشعره الرقيق الأنيق” الصحابي حسان بن ثابت، شاعر الرسول الكريم قائلاً : 
 
جبريـل نادى معـلـنـــــاً ***** والنقع لـيــس بـمـنجـلي 
والمسلمون قـد احـدقـوا ***** حـول النبيِّ المـرسـل ِ 
لا سـيـفَ إلا ذو الفـقـار ***** ولا فـــتــى إلا عــلي”
 
وما انفك الصحابة الكرام يروونها “حتى بلغتنا عبر الأجيال في صورة رائعة رائقة ، تخلب العقول وتخطف الأبصار، رغم تعتيم الأعداء وخوف الأحباء من سيوف الظالمين” .. ولقد وجد “نداء جِبْرِيل” هذا آذاناً صاغيةً وقلوباً واعيةً لدى فتيان فلسطين الذين لم ولن ينسوا – كما توهم بن غوريون وصحبه – فلسطين من النهر الى البحر ومن الناقورة الى ام الرشراش، واندفعوا لملاقاة العدو الصهيوني دون نكوص ونصب اعينهم سورة الانفال (15 و16):
 
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)”
 
فكلهم “علي” وسيوفهم جميعاً “ذو الفقار” .. وفي 23 أيار 2023 بالذات تُكرر صحيفة “يديعوت أحرونوت” العنوان الرئيسي لصحيفة “معاريف” الصادرة بتاريخ 23 أيار 2000: “انهم على السياج” (يَكفينا القرآن الكريم: المائدة – 56 والمجادلة – 22 عناء الحظر بالتسمية!)
 
 
نعم، جاءت مناورة المقاومة يميناً، بعد هذا اليوم لن نبكي، ولن يسحقنا لا جرحٌ ولا يأسُ .. نزرع اقدامنا في الوطن، في ارضنا فلسطين من النهر الى البحر ومن الناقورة الى ام الرشراش، ونزرع عيوننا “في درب السّنى والشمسْ”، كما بشَّرتنا “فدوى طوقان” فالردّ لن يكون بالنار فقط، بل بالنار للعبور ودخول الجليل لتحريره بالبيان والتبيين لقدرات غير مسبوقة في اختراق العقل الصهيوني وقض مضاجعه بالقدرة العملية على الوصول الى الملاجئ والحصون .. كما انها تشكل تراكماً لثقافة المواجهة مع المحتل بالدم الوطني .. ثقافة المقدرة لدى الشباب العربي عموما، والشياب الفلسطيني على نحو خاص .. وهنا لا بد من العودة لاستشهاد “ديانا” ببعض أقوال الزعيم انطون سعادة مثل: “إن فيكم قوة لو فُعِّلت لغيرت وجه التاريخ” و”مارسوا البطولة، ولا تخافوا الحرب”، ولعل هذا ما يحصل في فلسطين – في حروب غزة والضفة تأكيداً لوحدة الساحات حيث تُبتدع وتتكون أشكال “مقاومة” لم يستطع الاحتلال وقواه الاستخبارية وداعميه تفهم عزيمة صُنّاعها او زُرّاعها على تحرير فلسطين – كل فلسطين، وبشهادة المؤرخة آفيفا تشومسكي، الابنة الكبرى لناعوم تشومسكي، ترى “ديانا” اننا في حقبة “تتشكل فيها أجيال من نوع آخر، وغير قابلة للتعليب” .. لعلهم أبناء العبور، أبناء الله في الميدان .. كلهم “علي” وسيوفهم جميعاً “ذو الفقار”!
هم ادركوا ان دولة يهوة/اسبارطة الجديدة لن تتوارى بالديبلوماسية والرايات البيضاء، “وليـسُـوا بغيرِ صَليلِ السُّيوِف .. يُـجِـيـبُـونَ صَوتاً لنا أو صدى” كما أخطرنا علي محمود طه، وكما اثبت ذلك أبناء الله في الميدان “بسيف القدس المسلول” و”ثأر الاحرار” و”حسان”، و”كتائب أحرار الجليل” و”كتيبة الرضوان”، و“قسماً قادرون وسنعبر”، و”جنينغراد” ف”جنيبلسغراد”، ووحدة الساحات، ووحدة الجبهات كأمثلة على ” .. ـجَــرِّد حُــسَــامَـكَ مـن غِـمـدِهِ .. فــليـس له بَـعـدُ أن يُـغـمَـدا” .. وها هو الشارع “الإسرائيلي” يهتز خوفاً وارتياعاً من تفكك الكيان الصهيوني نظراً لنجاح المقاومة الفلسطينية في تغيير قواعد اللعبة والانتقال من حقّ الدفاع إلى المواجهة .. ويرعبهم صراع الأجنحة وضبابية الرؤية لدى الطبقة الصهيونية الحاكمة، الى جانب سقوط “لعبة التتبيع” في الشارع العربي، وقد رأينا ذلك في اكثر من محطة في الآونة الأخيرة!
 
اما وحدة الساحات – وحدة الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني المحتل وغزة، ومثلها وحدة الجبهات – جبهة فلسطين وجبهة لبنان وجبهة سورية، وصولاً لجبهات أخرى كمصر والأردن، وربما العراق وإيران فتستند بقوة إلى حقائق تجعلها قدراً قضى بالتصدي لمغتصبي حقوقهم التاريخية الثابتة.
ادرك أبناء العبور، أبناء الله في الميدان – وكلهم “علي” وسيوفهم جميعاً “ذو الفقار” –  ادركوا جدّية أرييل شارون وفداحة استخفافه عندما وصف “المبادرة العربية للسلام”، التي أطلقها القادة العرب في بيروت يوم 28 آذار عام 2002، بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به – أرضى ويغضب قاتلي فتعجبوا = يرضى القتيل وليس يرضى القاتلُ! 
 
نعم، لم تعبأ دولة الكيان ببلاغة البيانات عن تفعيل المقاطعة العربية وما برحت تتحدى وتقضم ونحن ننحني و نغض .. غيّرت الجغرافيا، والديموغرافيا في الضفة الغربية بما فيها القدس وفي الجولان، وصادرت الأراضي، واستولت على المياه، وفرضت الحصار الوحشي على مناطق باكملها، وهجّرت، واعتدت، وزرعت المستوطنات، ورمت الأحرار في السجون والمعتقلات .. ازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 100,000 قبل المبادرة العربية ليتجاوز ال 500,000 بالإضافة الى 300,000 في القدس الشرقية حالياً. كما تعمل دولة الكيان على بناء 7,300 وحدة سكنية في الجولان السوري المحتل ليصل عدد المستوطنين الى 50,000 خلال 5 سنوات. ثم ألم يرفع وزير المالية الإسرائيلية مؤخراً خارطة تضمّ فلسطين المحتلة والأردن ليشكل عدواناً وتهديداً مباشراً للأردن ويضرب عرض الحائط بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين!؟ الم تصادق حكومة الكيان يوم 18 من الشهر الحالي على تسريع الاستيطان في الضفة الغربية من ستة مراحل الى مرحلتين فقط الامر الذي يُعد تصعيداً خطيراً لضمّ الضفة الغربية بكاملها!؟
وكم ذكرت “ديانا فاخوري” وذكّرتنا بجدّية وخطورة مكائد الاغتصاب عند زعماء الصهاينة – بعض الأمثلة:
 
 أرييل شارون: “إنّ إسرائيل لم تضع في بالها التخلي عن الضفة الغربية. فهي جزء لا يتجزأ من إسرائيل، ولم تخطر في بالي فكرة التنازل عن الضفة الغربية.”
 
نتنياهو: “إنّ استمرار سيطرة إسرائيل على الجولان، يعتبر عنصراً حيوياً للمحافظة على السلام”… و “إنّ المطالبة بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية، تتعارض كلياً مع السعي لتحقيق سلام حقيقي، إذ أنّ وجودها يضمن حالة عدم استقرار ونزاع مستمر يؤدّي في النهاية الى حرب حتمية”… وأنه “لكي تستطيع “إسرائيل” الدفاع عن مدنها، يجب عليها أن تحتفظ بالسيطرة العسكرية على كلّ منطقة الضفة الغربية… وفي الشرق الاوسط يتقدّم الأمن على السلام ومعاهدات السلام، وكلّ من لا يدرك ذلك، سيظلّ دون أمن ودون سلام.”
 
إسحق رابين: “إنّ من ينزل عن هضبة الجولان، يكون قد تخلى عن أمن إسرائيل.”
ادرك أبناء العبور، أبناء الله في الميدان – وكلهم “علي” وسيوفهم جميعاً “ذو الفقار” –  ادركوا ذلك كله وأدركوا ان “الساعة في القدس قتيلاً وجريحًا ودقيقهْ”، وان درب الجهاد درب الفلاح فاقبلوا ولم يدبروا .. حوربوا ولم يخضعوا .. لم يخشوا العدى وبكل حزمٍ  أقدموا .. فيا هادي الثقلين، هل من يُبَشِّرُهم ب”الصف – 13” لنقرأ باسمك: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ”!
قرأتها “ديانا” وهزمتك، يا موت، وانتصرت روحا نقيّا كالسَّنا .. انتصرت ب”ابناء العبور” لتشيــر إلـى الدنيـا بوجـهٍ ضـاحكٍ — تملأ الندى بشاسةً وهدىً، وتطلـع عـلى الـوادي شُـعاعَ رجاء ..
 
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون .. 
 
الياس فاخوري
كاتب عربي أردني

قد يعجبك ايضا