الياس فاخوري يكتب: من شرم الشيخ الى جدة: لِنَكُن ضَوارِيا .. ومن منظمة التجارة العالمية والدولار إلى مجموعة بريكس (5 + 13) والعملة الوطنية – بعيداً عن حضن الشيطان!




الياس فاخوري* ( الأردن ) – السبت 10/6/2023 م …
* * ملاحظة من المحرر:
حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا الراحلة الكبيرة المفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …
إبان الاحتلال الأميركي للعراق وبرؤية استراتيجية، خاطب الرئيس بشار الأسد قمة شرم الشيخ العربية يوم 27/2/2002 كاشفاً الاقنعة عن المصطلحات التي كانت تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية والغرب الامبريالي بكليته، ومحذراً من مخاطر تقديم التسهيلات وإعطاء الشرعية لاحتلال العراق وتدميره .. يومها اوضح الرئيس الأسد وعرّى تلك المصطلحات والعبارات الرنانة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية أو التنمية باستخدام الحرب التي كانت تتوسلها دول المحور الصهيوامريكي، وفضح خططهم إخضاع العالم بالسيطرة على المنطقة العربية، ونهب ثرواتها النفطية والغازية والمعدنية، وإعادة رسم الخريطة كما يناسبهم بدءاً من احتلال العراق وتدمير بنيته التحتية وصولاً لكل الدول العربية وان على مراحل .. وتبيّنت صحة ما جاء به الرئيس الأسد بالاعتراف اللاحق لعدد من المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم كولن باول، بزيف ادّعائاتهم عن امتلاك العراق أسلحة كيميائية كما اتضحت حقيقة وجوهر وغاية سياسة الحروب الاستباقية في السيطرة على العالم، وتعزيز الهيمنة الأميركية كقطب أحادي بعد ان أفشلوا تلك القمة في درء الخطر عن العراق، وقاموا باحتلاله وتدميره بحجج واهية .. وبقي الموقف السوري من حركات المقاومة وراء الصدام السوري الأميركي حيث كان هذا الموقف في أول إملاءات كولن باول التي رفضها الرئيس الأسد رغم سقوط بغداد واحتلال العراق.
 
وفي قمة جدة العربية يوم 19/5/2023 اكّد الرئيس الأسد ضرورة البحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نَغرق ونُغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب .. وأضاف اننا اليوم أمام فرصة تبدل الوضع الدولي الذي يتبدى بعالم متعدد الأقطاب .. هي فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي.. وهو ما يتطلب إعادة تموضعنا في هذا العالم الذي يتكون اليوم كي نكون جزًءًا فاعلًا فيه مستثمرين في الإيجابيات الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة وصولا إليها.. هي فرصة لترسيخ ثقافتنا وتعريف هويتنا العربية ببعدها الحضاري وهي ُتُتهم زورًا بالعرقية والشوفينية بهدف جعلها في حالة صراع مع المكونات الطبيعية القومية والعرقية والدينية فتموت وتموت معها مجتمعاتنا بصراعها مع ذاتها لا مع غيرها .. العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم.. لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة اخوانية منحرفة .. ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتماعتنا النامية، هنا يأتي دور جامعة الدول العربية باعتبارها المنصة الطبيعية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها عبر مراجعة الميثاق والنظام الداخلي وتطوير آلياتها كي تتماشى مع العصر.
وأردف الرئيس الأسد متابعاً ان العمل العربي المشترك، نحو السلام في منطقتنا للتنمية والازدهار بدلا من الحرب والدمار، بحاجة لرؤى واستراتيجات وأهداف مشتركة نُحَوِّلُها لاحقًا إلى خطط تنفيذية .. بحاجة لسياسة موحدة ومبادئ ثابتة وآليات وضوابط واضحة لننتقل من رد الفعل إلى استباق الأحداث ولتكون الجامعة متنفسًا في حالة الحصار لا شريكاً به، ملجأً من العدوان لا منصةً له.
 
فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى .. وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا ..
جزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني شآم، وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ شآمُ .. وستُطل شمس غرناطةَ علينا، بعد يأس ولسوف تزغرد ميسلون!
 
وبالعودة لما نظّرت له “ديانا فاخوري” بخصوص محاولة كتلة عدم الانحياز تحدّي نظام القطبية الثنائية بتشكيل قطبٍ ثالثٍ .. ورغم وجود قادة كبار لتلك الكتلة كجمال عبد الناصر ونهرو وتيتو وأحمد سوكارنو، إلا أنها سرعان ما تقلَّصت إلى مجموعة دولية نمطية اختصرت مسيرتها بإصدار البيانات .. وسقط نظام القطبية الثنائية بضربات نظام القطب الأوحد بقيادة الولايات المتحدة والذي اعتبره فوكوياما نهاية التاريخ، ولا مستقبل أفضل بعده! واليوم  تتحدث المؤرخة الأميركية آن د. غوردون (Ann D. Gordon) عن “لاهوت الأمبراطوريات” حيث “بدأنا الدخول الى ما بعد الايديولوجيا، والى ما بعد التاريخ”. ثم تضيف انها تخشى أن نكون قد بدأنا الدخول الى ما بعد العالم”. هل من يتخيل الكرة الأرضية تراقص العدم Waltz and Tango؟ وكى لا نضطر للتسلل “عراة الى حيث ينتظرنا الشيطان بفارغ الصبر”، ترى آن د. غوردون ضرورة وضع ضوابط أو آليات قانونية أو فلسفية للحد من هيستيريا القوة” ربما عن طريق مؤتمر دولي لاعادة أحياء المعاهدات التي تم ابرامها ابان حقبة الحرب الباردة وما بعدها، وهذا اضعف الإيمان!
وكانت “ديانا فاخوري” قد اشارت ل“قمة الصين-آسيا الوسطى” ومعها “قمة جدة العربية” تأكيداً لبدء أفول التأثير الغربي وانعتاق دول وشعوب العالم من أكاذيب وأوهام المساعدت الغربية، وتَفتُّح العيون والشفاه على نهب الثروات واستمرار زرع بذور الفرقة والشقاق بين الصفوف فنبقى جميعاً خاضعين خانعين اذلاء مستسلمين لإمرة أطماعهم وجشعهم! وعلى الضفة الاخرى، تنعقد قمة مجموعة السبع المؤلفة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان في مدينة هيروشيما في اليابان .. قِمّتان للسلام والتآخي، وثالثة لمواصلة الهيمنة والتسلط ولو بالحروب ناعمةً او خشنة، باردةً او نووية .. انها دول استعمارية طالما قاست البشرية من دموية حروبها ووحشيتها كما كتبت “ديانا” وكررت، وهي ما انفكت تسعى لمواصلة تعسفها وطغيانها بكل غطرسة وتجبّر – تعطيل وارباك مخرجات قمة جدة، واتفاق بكين السعودي الإيراني ان هي الا مجرد أمثلة!
 
قمّتان ومكانان ورمزية تشي بالجوهر: قمّة مجموعة السبع للهيمنة والاستبداد والتسلح والحروب في هيروشيما اليابان .. و”قمة الصين-آسيا الوسطى” للسلام والتآخي والتعاون والتعاضد في شيآن (تشانغان) الصين .. قمة التوحش الامبريالي والجشع الرأسمالي بالحروب والدمار نووياً خشناً واقتصادياً ناعماً .. وقمة التقاء الحضارات والتنمية والبناء نحو تشكيل أقطاب حقيقية متناغمة ومتفاهمة على الغايات والوسائل تآزراً وازدهاراً!
 
“ديانا” تسكن ذاكرة المقاومة والجمال لتهزم الموت روحا نقيّا كالسَّنا .. وها هِيَ أعمال المقاومة في تصاعد مستمر .. فقد جرى تسجيل 21 عملا مقاوما، أدت لوقوع 3 إصابات في صفوف الاحتلال خلال الـ 24 ساعة الأخيرة في الضفة الغربية وحدها ليعلن قائد شرطة الاحتلال السابق الانهيار التام للشرطة الاسرائيلية ويدعو لإقالة بن غفير قبل أن يزداد الوضع سوءاً!
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون .. 
 
* الياس فاخوري
كاتب عربي أردني

قد يعجبك ايضا