تجارة الشاي، الاستغلال الفاحش والربح المفرط / الطاهر المعزّ

الصين أكبر الدول المنتجة.. تجارة الشاي تصل 33 مليار دولار سنويا

الطاهر المعزّ ( تونس ) – الخميس 8/6/2023 م …  

تقديم




تقدر قيمة تجارة الشاي العالمية بـ 200 مليار دولار سنة 2020 ومن المتوقع أن تصل إلى 318 مليار دولار بحلول سنة 2025، بينما يكسب 55 ألف عامل في مزارع الشاي الهندية أقل من 3 دولارات في اليوم، وأظهر تقرير نُشِرَ سنة 2019 أن حصة العاملين لا تصل إلى 3% من الإيرادات السنوية، وكشف تقرير آخر صادر عن منظمة أوكسفام (2019 كذلك) أن المتاجر الكبرى والعلامات التجارية تتلقى 93,8% من سعر كيس الشاي في الولايات المتحدة، بينما يحصل العمال على 0,8%، والوضع ليس أفضل في الهند، ثاني أكبر منتج للشاي، أو في الدول الأوروبية المُصنّعة والمُستهلكة للشاي.

في الهند، تعد ولايات آسام الشمالية والبنغال الغربية أكبر منتجي الشاي في البلاد، كما تنتج ولايات كيرالا وتاميل نادو وكارناتاكا في الجنوب كميات كبيرة من المحصول الذي تختلف نوعيته وجودته، وعلى سبيل المثال، يُعتَبَرُ إنتاج منطقة “دار جيلينغ” ذا جودة عالية، ولا يتم إنتاجه وبيعه بكميات كبيرة، وتحاول الحكومة الهندية والعلامات الشهيرة لإنتاج وصناعة الشاي، مثل إنتاج منطقة “دار جيلنغ” تسويقه دوليًا مع حماية العلامة التجارية، أي إن هذه الشركة الإحتكارية تعتبر الشاي الهندي ذي النوع الرفيع من ابتكارها، أو “ملكِيّتُها الفكرية”، بتواطؤ من الحكومات المتعاقبة بالهند.

يُباع الكيلوغرام الواحد من الشاي الذي يُباع تحت علامة ( Ambootia Snow Mist ) بنحو 7864 دولارًا في متاجر لندن الفاخرة، وهو ما يكفي لصنع حوالي 300 كوب، أي بسعر يفوق 26,21 دولارا للكوب الواحد، وتم بيع هذه العلامة حصريًا من قبل محلات “هارودز” التجارية الراقية في لندن، ونما استغلال هذا الشاي في مزرعة هابي فالي ( Happy Valley )، وهي مزرعة في تلال جبال الهيمالايا، بالقرب من ثالث أعلى جبل في العالم، وتُعتَبَرُ هذه المزرعة ثاني أقدم مزرعة للشاي في منطقة دارجيلنغ، وبدأ استغلال مزرعة “هاب فاللي” من قبل الشركة البريطانية للهند الشرقية سنة 1854، بعد خمس سنوات فقط من افتتاج متجر هارودز.

استغلال فاحش وعبودية

يتميز وضع العاملين بعدم الإستقرار، ويفرض مالكو المَزارَع شروطا تلزم العمال الموسميين بقبول أجور أقل مما كانوا يكسبونه من قبل، وقبول المزيد من عدم الاستقرار، وخصوصًا منذ سنة 1990، بعد شراء مزارع Happy Valley من قبل شركة يرأسها رجل الأعمال الهندي سانجاي بانسال، وتمتلك الشركة العديد من مزارع الشاي في منطقة دارجيلنج، تم تقييمها بنحو 187 مليون دولار سنة 2015

تُظهر دراسة عن صناعة الشاي ووضع العمال في دارجيلنج أن الإسم التجاري لعلامة الشاي ” (Ambootia ) يكتسب أهميةً رمزيةً بالغَةً، وهو الاسم التجاري للمجموعة التي تضم ( Harrods Snow Mist ) وأنواع الشاي الأخرى التي تنتجها شركة (Darjeeling Organic Tea Estates Private Ltd – DOTEPL)، حيث تسببت ظروف العمل السيئة في العديد من النزاعات، ونفذ العمال إضرابات عديدة بسبب تدني الأجور وتأخّرها لعدة أشهر، وبسبب عدم وجود إجازات مدفوعة الأجر وعدم احترام أرباب العمل القوانين، على هِناتِها، إذ يَشْتَغِلُ العمال، ومعظمهم من النساء، ستة أيام في الأسبوع أو 48 ساعة في الأسبوع، ولكن وجب على العُمّال والعاملات قَطْف حصص يفرضها رَبّ العمل، وتختلف من مزرعة إلى أخرى، من 7 كيلوغرامات (كلغ) إلى 11 كلغ من الشاي يوميًا، مقابل راتب قدره 2,81 دولار في اليوم، بالإضافة إلى مكافآت صغيرة حين يستطيع العامل تجاوز الحِصَّة المفروضة، غير أن هذه الرواتب غير كافية بولا تواكب تكلفة المعيشة، وهي أقل من أجور العمال الصناعيين، ويكسب عمال مزارع الشاي في أجزاء أخرى من الهند، حوالي 4,93 دولار في اليوم، وتقدر النقابات الحد الأدنى للأجور اللائق بحوالي 6,16 دولار في اليوم، بالإضافة إلى المساعدة في الحصول على السكن والرعاية الطبية وما إلى ذلك من “مزايا” وردت في النّصُوص القانونية…

ترسّخ العمل النقابي في مزارع الشاي منذ أكثر من سبعين سنة واستطاعت النقابات فَرْضَ بعض المكتسبات، وبلغت النضالات ذروتها سنة 1951 عندما تمكن العُمّال المُضربون من فرض مكاسب منها، إجبار شركات استغلال الحُقُول على توفير الاحتياجات الأساسية بما في ذلك السكن والمياه والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، لكن القانون لم ينص على آليات إنفاذ حقيقية أو متسقة، او مراسيم حكومية تُنظّم تطبيق هذا القانون، لذلك فإن أرباب العمل تنصَّلُوا من تنفيذ القانون الذي بَقِيَ حِبْرًا على وَرَق.

ازدات طروف العمل تَدَهْوُرًا، منذ عام 1990، بعد شراء بعد شراء مزارع Happy Valley من قِبَلِ شركة رجل الأعمال الهندي سانجاي بانسال، والعديد من مزارع الشاي في منطقة دارجيلنج، وتفشّت الليبرالية في الأوساط الحاكمة التي دعمت الرأسماليين، ضد العُمّال، وقمعت العُمّال المُضربين، فلم تسفر النضالات النقابية سوى عن نتائج إيجابية متواضعة، ولم يتغير نمط الإنتاج في صناعة الشاي منذ ما يقرب من 150 عامًا، وعلى سبيل المثال يُجْبِرُ القانون الشركات التي تستغل المَزارع الكبيرة على توفير سيارات إسعاف لنقل العمال المرضى إلى أقسام الطّوارئ لتقديم الخدمات الطبية الطارئة، لكن أصحاب المزارع يستخدمون سيارات الإسعاف كسيارات أجرة، وحصل حالات وفاة عمال مُصابين أثناء انتظار سيارة الإسعاف التي تحولت إلى تاكسي، وكانت حينذاك بصدد نَقْل الزبائن من وإلى المدينة، وبقي عمال المزارع ضحايا لنظام الاستغلال الرأسمالي المحلي والأجنبي الذي ظل يستغل الشاي منذ مئات السنين ويبيعه بأسعار مرتفعة في عدة قارات…

يُعْتَبَرُ الشاي ثاني أكثر المشروبات استهلاكًا في العالم بعد الماء، حيث يتم استهلاك نحو مليارَيْ كوب يوميًا في جميع أنحاء العالم، ولم يتم ترويجه في أوروبا قبل القرن السابع عشرولما نَمَا الطلب عليه في بريطانيا وفي جميع أنحاء أوروبا، أدرك مؤسسو شركة الهند الشرقية البريطانية أن هذا المشروب يمكن أن يَدُرَّ أموالًا كثيرة ووجب عدم تفويت الفُرْصَة، وبذلك أصبحت هذه الشركة المستورد الاحتكاري للشاي نحو أوروبا، خلال القرن التاسع عشر، لكن الصين التي كانت المُصَدِّرَ الرئيسِيَّ للشاي في العالم، رفضت مقترحات وعروض بريطانيا وشركاتها لاستغلال الشاي الصّيني، فرَسَمَتْ شركة الهند الشرقية البريطانية عدّة مُخطّطات استراتيجية، بدعم الحكومة البريطانية (مهد الثورة الصناعية والرأسمالية) ومن بينها شراء الأراضي في الهند وتحويل المزارع إلى حقول لزراعة الأفيون الذي قام التجار البريطانيون وشركة الهند الشرقية بتهريبه إلى الصين من أجل بيعه واستخدام ثمنه لشراء الشاي الصيني، ما أظْهر أن شركة الهند الشرقية البريطانية كانت في الواقع مجموعة (كارتل) لزراعة وتسويق المخدرات، وعندما حاولت الحكومة الصينية قمع تُجّار المخدّرات والقضاء على هذه التجارة المدمرة المُصَمَّمَة من الخارج، انطلقت حرب الأفيون بين سنَتَيْ 1839 و 1860كنتيجة مُباشرة لِرَفْض الصّين إغراق فضائها وسُكّانها بالأفيون…

كما عملت الإمبراطورية البريطانية (من خلال شركة الهند الشرقية البريطانية)، ضمن المُخطّطات الإستراتيجية المَرْسُومة للسيطرة على إنتاج وتجارة الشاي، على زيادة أعمال التجسس الصناعي، وإرسال العلماء والباحثين في علوم النبات وغيرهم من الجواسيس لسرقة كل أسرار ومعارف الصين في المجالات الزراعية، لتَيْسِير تنفيذ مُخططات شركة الهند الشرقية البريطانية بخصوص تنمية زراعة نبتة الشاي الصيني الرفيع في تلال منطقة “دارجيلنغ” وأماكن أخرى في الهند.

نجحت عملية التّجسّس البريطانية وتم تهريب النباتات وأسرار الزراعة المُتَوارَثَة منذ مئات السّنين، وانتشرت مزارع الشاي الهندية في القرن التاسع عشر، وبذلك حلت مستعمرة الهند البريطانية محل الصين كأكبر منتج للشاي في العالم لمدة قرن، ولا تزال الهند، حتى اليوم، ثاني أكبر منتج للشاي ورابع أكبر مُصَدِّر في العالم.

أصبحت مزارع الشاي جزءًا مهمًا من الاقتصاد الاستعماري، لكن العمال يعملون في ظروف قريبة من العبودية، إذ تتطلب مزارع الشاي مساحات شاسعة من الأرض والكثير من العمل لأن قطف أوراق الشاي يتطلب دِقّةً لا يمكن للآلات الميكانيكية إنجازها، ولذلك يتم قطف أوراق الشاي عالي الجودة يَدَوِيًّا، لكن ظروف العمل سيئة في المزارع، حيث يحصل العمال على أُجُور أقل من عُمّال قطاع البناء، ما أدّى إلى هجرة معظم الشباب في منطقة “دارجيلنغ” إلى المدن الكبرى أو مُحاولة ممارسة مهن أخرى، أقل شقاء وأكثر دَخْلاً، سواء في دارجيلنغ أو بالقرب منها، ومع ذلك، لا يزال هناك حوالي 55000 عامل تتراوح أعمارهم بين 18 و 60 عامًا، في 87 مزرعة مرخصة في دارجيلنغ، منهم حوالي 20% عمال باليومية، في حين يعمل البقية بعقود ثابتة، غير أنهم يعيشون جميعًا مشاكل عديدة، فعندما تنخفض إنتاجية المزارع والشجيرات أو تنخفض جودة الإنتاج، يختفي المشغلون دون دفع أجور العمال، لعدة أشهر سابقة، ويتركون أحيانًا حتى الشاي المقطوع، في مكانه.

أما “التجارة العادلة” التي تم الترويج لها كبديل لهذا الإستغلال الفاحش، فهي كذبة كُبرى، مثل كل تلك الوسائل البرجوازية التي تُرَوِّجُها المنظمات المُسمّاة “غير حكومية” أو أحزاب الخُضر أو المنظمات الخيرية أو التابعة للكنائس وغيرها، حيث انكشف دورها كشركات تجارية مُخادعة، أنشأ بعضها شركات عابرة للقارات، بحسب أحد النقابيين الهنود الذي يعتبر إن استغلال قوة العمل في مزارع الشاي غير منفصل عن أنظمة الاستغلال الرأسمالي والإمبريالي الآخذة في الاتساع والتي تمتد محاليلها عبر العالم على مدار مئات السنين، ولا يمكن وضع حدّ لها سوى بحركة واسعة تجمع كل الذين يتحملون وطأة ذلك كله سواء في المزارع أو في المصانع أو في ورشات الإنشاء، وفق تصريح نقله موقع ( The Real News Network ) …

وردت معظم البيانات بموقع “غلوب تروتر” بتاريخ 25 أيار/مايو 2023

راجع الفقرة الخاصة بعُمال مزارع الشاي في كينيا، الواردة بالعدد الثامن عشر من نشرة “مُتابعات” الأسبوعية بتاريخ السادس من أيار/مايو 2023، من إعداد الطاهر المعز

قد يعجبك ايضا