الياس فاخوري يكتب: 15 ايار والمأزق الوجودي لكيان الاحتلال – من “حسان بن ثابت” الى “انطون سعادة” ف”ديانا فاخوري”!




 
الياس فاخوري* ( الأردن ) – الإثنين 15/5/2023 م …
* * ملاحظة من المحرر: حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا الراحلة الكبيرة المفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “.
 
15 ايار والمأزق الوجودي لكيان الاحتلال – من “حسان بن ثابت” الى “انطون سعادة” ف”ديانا فاخوري”!
أعتذر من المتنبي اذ اتصرف ببعض أبياته، فاِستَنجِدُ بِصَبرٍ كَيفَ بِمِثلِه لِلجِبالِ .. وابدأ بصَلاة اللَه على كَرَمِ الخِلالِ، وعَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ!
 
ولمن قد يرغب ب”المزايدة” في موضوع حقوق المرأة (وانا أبٌ لإبنتين)، اعود للمتنبي:
وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا (ديانا)
لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ
وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ
وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ
فَإِن “تَفُقِ” الأَنامَ وَأَنتِ مِنهُم
فَإِنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزالِ
 
نعم مع “حقوق المرأة” – المرأة في كل مكان، والمرأة العربية الاردنية بالتحديد، لكن بعيداً عن “التطييف” الذي، بوعي او بغير وعي، قد يٓجُرنا نحو “المِلَّةَ” على حساب “المواطنة” ونحن بعد لم ننس عصور الظلام في أوروبا إبّان الطغيان والتسلط الكنسى فى العصور الوسطى!
ولعل هذا ان يعيدنا لكتاب “الإسلام واصول الحكم” للشيخ علي عبدالرازق؛ كتابٌ يُعٓد بحق أحد معالم ثورتنا الفكرية في الربع الأول من القرن الماضي إلى جانب عدد من الكتب كان من أبرزها وأنضجها كتاب “في الشعر الجاهلي” لأستاذنا الدكتور طه حسين الذي صدر عام 1926 بعد عام واحد من صدور كتاب “الإسلام وأصول الحكم” ومصادرته.
 
 يؤكد الشيخ علي عبد الرازق أن الشريعة لم تعترف بوجود الخلافة أو الإمامة فليس هناك نص في القراَن أو الحديث يشير إلى الخلافة كنظام للحكم يلتزم به المسلمون في تصريف شؤونهم. ولم يكن لرسول الله عليه السلام شأن في الملك السياسي، بل خلى عهده من مظاهر الحكم وأغراض الدولة فلم يكن هناك ترتيب حكومي، ولم يكن ثمة ولاة ولا قضاة ولا ديوان لإدارة شؤون الدولة، أو ميزانية للصرف على وجوهها المختلفة. وكان الخضوع للنبي خضوع عقيدة وإيمان، لا خضوع حكومة وسلطان. ولهذا لم توجد بعده زعامة دينية، ومات النبي دون أن يعين من بعده خليفة، أو يحدد نظامًا للحكم. وما كان حكم الخلفاء من بعده إلا حكمًا يقوم على الملك والسلطان، وهو حكم مدني وليس خلافة للنبي في رسالته الدينية، ولا أدل على ذلك من أن الذين رفضوا مبايعة “أبي بكر” لم يصبحوا كافرين مرتدين عن العقيدة. إن الخلافة إذن ليست زعامة دينية، بل هي شكل من أشكال الحكم المدني، يحاول البعض أن يُلبسه الثوب الديني، تمكينًا وتدعيمًا له ولإخفاء ما وراءه من بطش واغتصاب واستبداد. والتاريخ الإسلامي منذ الفتنة الكبرى في عهد عثمان حتى الخلافة العثمانية في الاستانة حافل بالأمثلة حيث يشير الكتاب صراحةً إلى أن “التاريخ يبين أن الخلافة كانت نكبة على الإسلام وعلى المسلمين وينبوع شر وفساد”!
 
وما أكثر الآيات الدالة على أن النبي كان رسولاً لا يتجاوز عمله السماوي حدود البلاغ المجرد والمنزّه عن كل معاني السلطان: “وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل”، “فَذَكِّرۡ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُذَكِّر، لَّسۡتَ عَلَیۡهِم بِمُصَیۡطِرٍ”، “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا”، “ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا ” — ومن تولى واعرض عن طاعتك التي هي طاعة لله فليس شؤون رسالتك، إن تكرههم عليها، لأننا أرسلناك بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله – بإذنه – وسراجا منيرا، لا حفيظا عليهم، أي لا مسيطراً ولا رقيبا تحفظ على الناس أعمالهم فتكرههم على فعل الخير!
 
و من النص القرآني الى “انطون سعادة”، تُعلمنا “ديانا” أنْ:
 
“كلنا مسلمون لرب العالمين، منا من أسلم لله بالإنجيل ومنا من أسلم لله بالقرآن ومنا من أسلم لله بالحكمة”!
 
ثم تعود لتؤكد انه كما العرب المسيحيون كذلك العروبة .. انهم مصدر القلق الوجودي للكيان الغاصب .. فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه .. وبالتالي من عروبته .. تبريراً ليهودية الدولة!
 
بالعرب المسيحيين ، وقنبلة اصحاب الارض الديموغرافية/سلاح الإنجاب الفلسطيني، ورجال الله في الميدان تخلق المقاومة اختلالاً مستداماً في التوازن الاستراتيجي لمصلحة فلسطين وأهلها .. فمن آيات الله – من دمشق وبغداد الى عمَّان والقدس فغزة – ان يستعيد الصهاينة وأذنابهم مكمن مأزقهم الوجودي وموعد مٓهْلِكِهِم فيهرعوا بكل هلع وارتياع للنص التوراتي من سفر إشعياء النبي: “ولولي ايتها الأبواب، اصرخي أيتها المدينة”!
 
نعم، الأبواب تولول، والمدينة تصرخ: انه المأزق الوجودي ذاته من أينشتاين الى نتنياهو الى عامي أيالون مثلا (ضع عشرات الخطوط تحت كلمة “مثلاً” – أضف ناحوم غولدمان، دافيد بن غوريون، إفيغدور ليبرمان، جدعون ليفي، شلومو ساند، يوڤال ديسكين، مئير دوغان، أمنون ابراموڤيتش، افراييم هليفي، كارمي غيلو، روني دانييل، بيتي موريس – مثلاً أيضاً)، كما بيّنتُ في عدد من مقالاتي السابقة؛ يؤَرقهم غياب الأصل والدم الواحد، وكذلك انعدام التقاليد والعادات المُمَيِّزة واللغة والثقافة المشتركة وأسلوب الحياة الجامع – لا قومية تؤكد ارتباط الناس بأرضهم، وولائهم وانتمائهم إليها، بل شتات لا يجمعهم سوى “اليهودية” او “التهود”!
 
اما نحت الزمن اليهودي وتزييف الحقائق وفقا للمصالح والأهداف السياسية والأغراض الاستراتيجية فحرفة مزوري التاريخ المعتمدين من الحركة الصهيونية الذين دأبوا على اختراع وعي جديد لليهود، بكل ما يتطلبه ذلك من رموز قومية مثل: العلم، النشيد القومي، لباس، وأبطال، ولغة والطوابع البريدية باعتبارها أدوات مهمة “لاختراع الشعب” .. وفي استجابة للهواجس التوراتية التلمودية تراهم مغالون في تشكيل الشخصية اليهودية لاهوتيا لتبلغ أرض الميعاد وتغطي الكرة الأرضية بكافة زواياها متجاوزة “كلاسيكية الفرات والنيل” تمثلا بيهوة ونفيا للآخر .. وهكذا برز مفهوم جديد هو “الشعب الإسرائيلي” ليصبح “شعب يهودي” في سياق التحولات التي تحرص الصهيونية على استكمالها نحو “دولة يهودية” تجسد إلغاء الأغيار والاستيلاء والاستعباد خرقا للمعاهدات وتوسلا لضغوطات مالية واعلامية وعسكرية – حتى البحر الأحمر يريدونه “بحيرة يهودية”!
 
من هنا خشيتهم، بل ذعرهم ورعبهم من “العرب المسيحيين” و”قنبلة اصحاب ألأرض الديموغرافية” على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي .. الا تذكرون المشروع الصهيوأمريكي المعروف، الذي فضحه الرئيس اللبناني سليمان فرنجية عندما فاتحه به موفد وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر: توطين الفلسطينيين في لبنان، بعد ترحيل المسيحيين إلى الغرب؟ يومها قرّر المسيحيون المواجهة العسكرية فخسروا الحرب ليأتي الرئيس الفرنسي ساركوزي، بعد عقود أربعة، عارضًا هجرة من تبقّى من مسيحيين في لبنان إلى أوروپا.
 
وبالتجربة تبيّن أن الوجود المسيحي في لبنان يرتبط بشكل واضح بفاعلية هذا الوجود ودوره في السلطة والاقتصاد. فهل جاء الحصار الاقتصادي وتفجير المرفأ لاستهداف المسيحيين بشكل أساسي فتُحشر غالبيتهم في زاوية العوز والفقر والحاجة – تجويع فتهجير فتطبيع؟ وها هي مبادرة الرئيس ماكرون لا تخرج عن مسار انهاء الوجود المسيحي في لبنان سواء تم ذلك في فرن الاقتصاد، او في ثلاجة الاقصاء السياسي والإداري .. ليس في لبنان وحسب، اذ يحاول بعض سفهاء تقديم أوراق الاعتماد اللحاق بقيصر التطبيع مع الكيان الصهيوني نسخاً ولصقاً فيحاصرون مشرقياً من هنا ويستبعدون مشرقيةً من هناك، ولا اصحاب لديهم يبكون والدرب دونهم، وكل الخوف عليهم وسيحزنون!
 
اما “حارس القدس _ المطران هيلاريون كبوجي” فقد أعاد “ديانا” لبعضٍ من كتاباتها: “العرب المسيحيون في صفقة القرن.. وتوطين مقابل توطين”، مثلا .. وان ننسى فلن ننسى وِقفة “ام عطا” – بشموخ المقاومين وقّفت تحمي المنزل القدسي ولم تنحني لعروض البيع .. طردت السمسار من هيكل البيت الصغير واهدت مفتاحه لذاك المقاوم، الطالب الكهنوتي من حلب، تعبيرا عن امتنانها وليذكُر أن في القدس له بيتا يحرسه!
 
قالتها مرارآ: “كما  العرب المسيحيون كذلك العروبة! يرى البعض في غياب المسيحيين العرب عن المشهد العربي غيابآ لفكرة الدولة العصرية والتنوع الثقافي والتعددية والديمقراطية .. أما أنا فما زلت أكرر أن غياب العرب المسيحيين عن المشهد العربي يعني غياب المشهد العربي برمته .. فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه، وبالتالي من عروبته، تبريرآ ليهودية الدولة!”
 
ولكم دعتنا لمراجعة مراسلات ديفيد بن غوريون (David Ben-Gurion) / موشية شاريت (Moshe Sharett) حيث يبدو التخوف من النموذج اللبناني بصناعته العربية المسيحية .. وحيث تتمثل لعنة المسيحيين العرب في دورهم البناء نحو الدولة الحديثة و تكريسآ لعبقرية التنوع .. فلا بد اذن من اقتلاع هذا النموذج (التنوع في الوحدة) ولا باس باقامة دولة مسيحية صرفة تحرس حدود اسرائيل الى جانب دويلات مذهبية سنية و شيعية وربما درزية صافية!
 
المسيحيون هم أبناء المنطقة ولدوا وعاشوا فيها منذ أكثر من ألفي سنة وعروبتهم لا جدال فيها .. في القدس بدأت المسيحية، والسيد المسيح هو ابن مدينة الناصرة .. وفي حلب و حوران وانطاكية بنيت أول الكنائس .. المسيحيون هم العرب الغساسنة في حوران والمناذرة في العراق .. منهم جاءت قبائل تنوخ وبكر وربيعة وبنو تميم وطي وبنو كلب .. ساهموا باقامة الدولة العربية الأولى (الدولة الأموية) كما كان لهم دورهم في عصور النهضة العربية .. نبغوا في الشعر والحكمة والخطابة، ونقلوا علوم اليونان وحكمتهم الى العربية .. وكان لهم شأن كبير في العصر الحديث ولا سيما في الصحافة والأدب والفكر والشعر ..أصدروا اوائل الصحف باللغة العربية في الأستانة ومصر وبلاد الاغتراب .. وهم من أسس حركات التحرر الوطني في سوريا ولبنان وفلسطين، وساهموا في بلورة الفكر القومي العربي ونشره ..
 
وفيهم قال شاعر الرسول، “حسان بن ثابت”:
 
 
لله در عصابة نادمتهم يومآ // بجلق في الزمان الأول ..
 
والخالطون فقيرهم بغنيهم // والمنعمون على الضعيف المرم ..
 
أولاد جفنة حول قبر أبيهم // قبر بن مارية الكريم المفضل ..
 
بيض الوجوه كريمة أحسابهم // شم الأنوف من الطراز الأول ..
 
 
واذكروا ما قاله أمنون كابيليوك (Amnon Kapeliouk): “في ضوء ما حدث عام 2000، لم يعد هاجس الأنبياء باسرائيل ازالة حزب الله فقط وانما ازالة لبنان بكليته”! واستكمالآ للصورة كان لابد من استكمال تفريغ المنطقة من مسيحييها سواء من خلال صيغة Islam Light أو بالعودة لصيغة القاعدة و مشتقاتها .. و ها هم يستميتون تسويقا لصفقة او طبخة او صفعة القرن عارضين – مقابل إلغاء حق العودة بتوطين الأخوة الفلسطينيين – مئات المليارات من “دولاراتنا” و استعداد أوروبي ـ أميركي لاستقبال مسيحيي المشرق العربي .. فهل هو توطين مقابل توطين؟!
 
وبالعودة الى تراثنا أقول: “ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة أو” اغواء الهجرة .. هيهات منا الهجرة، هيهات منا الهجرة .. ولعلي بهذا أرد على التساؤل الذي يطرحه البعض بخصوص مصير المسيحية والمسيحيين في الشرق .. فلسنا بالمارين بين الكلمات العابرة .. هنا، على صدوركم (أعني الحلف الصهيوامريكي بتغطية “اسلاموية”) باقون كالجدار .. وفي حلوقكم كقطعة الزجاج، كالصبار .. انا هنا باقون، فلتشربوا البحرا .. هنا، لنا ماض، وحاضر، ومستقبل .. يا جذرنا الحي تشبث، واضربي في القاع يا أصول .. فنحن نعرف كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء.
 
أما فقه المقاومة والتحرير فبالضرورة ينصر المسيحيين العرب في معركتهم الوجودية، وهو بالضرورة يكمل مكارم المقاومة الشيوعية/القومية/الوطنية بكل معانيها و أبعادها .. بالفقه وبالفعل .. بفقه المقاومة والتحرير، وبفعل المقاومة والتحرير ينتعش ويزدهر الوجود المسيحي الذي يعطي العروبة معناها وماهية وجودها ويشكل بذلك مصدر القلق الوجودي لاسرائيل مسقطا صفقة القرن!
 
وإني اذ أُصغى لصدى خطواتِ “ديانا” فى أرض فلسطين لأختم مردداً مٓعٓها:
 نحن محكومون بالنصر – نحن امام احد خيارين لا ثالث لهما: فأما النصر وأما النصر .. كما العرب المسيحيون كذلك العروبة .. انهم مصدر القلق الوجودي للكيان الغاصب، فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه، وبالتالي من عروبته، تبريراً ليهودية الدولة! والقدس بهم اقرب.. “فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ( 5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)” – سورة المعارج ..
 
صححوا البوصلة لتصححوا التاريخ، “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ”،  وباسم الله وجهوا “الكف ضد المخرز”، وكل “البنادق” الى تل ابيب .. وباسم الله اقرأوا: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ”!
 
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين!
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
 
*الياس فاخوري
كاتب عربي اردني

قد يعجبك ايضا