نهايات مختلفة لم يردها مخططو ( إنقلاب ) تركيا ومنفذوه ومحبطوه

 

الأربعاء 27/7/2016 م …

محمد شريف الجيوسي

تتركز معظم أحداث المنطقة حول تركيا من حيث المصالحة التركية الروسية المحدودة ، والتركية الإسرائيلية ( فيما هي الحقيقة هي ليست مصالحة ) فالعلاقات بين انقرة وتل ابيب ، لم تتوقف أبداً ، وبخاصة العسكرية منها ، حيث أجريت مناورات تركية أمريكية إسرائيلية في الفترة الأخيرة .

لكن الجديد والأكثر أهمية ( لعبة الإنقلاب العسكري ) التي وقعت ليلة الخميس / الجمعة ( 14 / 15 تموز ) 2016 الجاري ، والتي تباينت فيها ( المعلومات ) والإتهامات والتحليلات ، حول الجهة الحقيقية التي قامت بالإنقلاب .. هل هو أردوغان أو خصمه العنيد غولن أو الجيش التركي ، أو الولايات المتحدة الأمريكية ( أو السعودية بحسب أمير قطر السابق ) إو (إيران ) بحسب كتّاب سعوديين ( هم خارج التغطية العقلية ) .

ويُطرح في جملة ما يطرح ، ما مصلحة أمير قطر السابق في اتهام السعودية وأمريكا ، وما مدى صدقية كتّاب سعوديين في إتهام إيران ، ولِمَ يتهم اردوغان حليفه الرئيس واشنطن في تدبير إنقلاب ما مصلحته في ذلك ، وما هي مصلحة واشنطن إن صح القول بتدبير إنقلاب ضد أردوغان ، ربما كان أسهل عليها الخلاص من شخصه ( الكريم ) من أن تدبر إنقلاباً  (على افتراض أنها تختلف معه جوهرياً في بعض الملفات ) فطريقة الخلاص منه على طريقة الخلاص من شارون أقل كلفة وضجيجاً وتداعيات.

قد يكون غولن الذي يمتلك مليارات الدولارات ، والآلاف من المريدين والأنصار في مختلف مفاصل الدولة وراء محاولة الإنقلاب ، لكن هذا الرجل السياسي المحنك والذي يتوفر على المال والرجال ما يكفي ، ليس بمقدوره خوض مغامرة غير محسوبة جيداً ، ودون تنسيق مع واشنطن وعلمها ، ومن المستبعد أن تقبل واشنطن ؛ الإنقلاب على تركيا وإن كانت ثمة اختلافات معها حول ملفي سورية والعراق وملف الأكراد ، وحول ما بدا انه مصالحة مع روسيا .  

لكن الحديث حول من كان وراء محاولة الإنقلاب ، يبدو الآن نوعاً من الضرب في الرمل ، والأهم هو ما انعكاس ما حدث على تركيا والمنطقة .. ؟

كان رئيس الوزراء التركي بن علي قد تحدث عن زمرة صغيرة معزولة ، قامت بمحاولة انقلاب ومعبراً عن يقين مطلق يثير الدهشة ، بسحقه للإنقلاب ، وبعد أن بدا الإنقلاب ناجحا ، رأينا مدنيين يعتقلون عسكريين كالفراخ ، في سابقة ( غير مفهومة ) .. ووجدنا ثغرات كثيرة في رواية ( الإنقلاب) وعودة السلطان إلى عرشه منتصراً . 

اسستبع ذلك وخلال وقت يسير جداً ، اعتقال وتجريد آلاف العسكريين الأتراك من مختلف  القطع العسكرية والأسلحة البرية والبحرية والجوية والجيوش والمناطق ، كما راينا قضاة يعزلون بمن فيهم قضاة المحكمة الدستورية ، ويلفت الإنتباه هنا أنه ما كان ممكناً اعتقال كل هذه الأعداد الكبيرة بهذه السرعة ، لو لم تكن هناك قوائم جاهزة معدة قبل حين كافٍ من الإنقلاب ـ المؤامرة .

ومن المرجح أن روسيا كانت على علم برواية الإنقلاب قبل وقوعها ، وكانت تعلم أن محاولة الإنقلاب الأردوغانية الغبية، هذه ، على الذات ، هي بمثابة إنتحار طوعي ، أو على طريقة عليْ وعلى أعدائي .. مع ما بين الطريقتين من تباين ، في نهاية المطاف . 

لقد حقق أردوغان فشلا ذريعاً في كل حروبه الدينكوشوتية سواء في سورية او العراق او داخل حدود بلاده، وحصد عداوات جيرانه ، وانتكس وضع تركيا إقتصاديا بعد فترة من الصعود كان لسورية دوراً في حالتيْ الإنتعاش والهبوط ، وخسر أمنه الإجتماعي والسياسي ، وبدت تركيا مهددة بالتقسيم ، وبدأت عواصف الإرهاب الذي زرعه في دول الجوار يعود عليه بالمن والسلوى!؟ ، ورغم مظاهر السطوة والقوة في حزبه ، تراجع تماسك الحزب، وظهرت حالات اختلاف وإنزواء بالحدالأدنى ، إن لم تتوفر على تدابير.

بهذا المعنى بلغ اردوغان حدا من الفشل فقد بنتيجته البوصلة .. زاد من ذلك فشله الكبير في دخول الإتحاد الأوروبي ، بل وتلاشي هذه الإمكانية بالتساوق مع فشلين ، أولهما فشله بعد أكثر من 5 سنوات عن تحقيق تقدمٍ يذكر بصدد إتفاقه مع الولايات المتحدة في تأمين ليبيا وسورية والعراق بالتنسيق مع مكتب الإرشاد العالمي الإخوني ومع حزب التحرير الإسلامي ، ليجد نفسه أسير وهابية فتنوية مدمرة ليس من السهل الخلاص من إشكالاتها ، وما تفرضه من فتن ودمار ودم.

والفشل الثاني، داخلي، لم يقتصر على افتقاد تركيا الإستقرار والأمن القومي والإقتصادي والمجتمعي ، ليتعداه إلى قمع واضطهاد كل من يختلف معه من إعلاميين وأكاديميين وقضاة وطلبة ، وأكراد .. بعد سنين طويلة نسبياً من السكون وحالة الإستقرار والأزدهار الإقتصادي، وهو ما لا يعجب اوروبا ،التي تحرص على عدم إنتقال خروقات حقوق الإنسان إليها .

أراد أردوغان القول أنه يستطيع الخلاص بضربة واحدة من كل خصومه أو منافسيه أو غير المعجبين بمواهبه أو الناقمين على طريقته الفردية في إدارة شؤون تركيا الداخلية ، أو الذين لم تعجبهم إدارته لعلاقات بلاده مع دول الجوار ؛ بما جلبت لتركيا الخصومات والعداوات ، أو الذين استشعروا مغبة أفكاره الماضوية ، التي جوهرها ضجيج خرافات بني عثمان ؛ الذين لم يتركوا خلفهم في بلادنا العربية غير الجهل والمرض والتخلف ، وأتاحوا للسفارات والإرساليات الغربية التحكم بشؤون البلاد ، وفي عهدهم قامت أولى المستوطنات الصهيونية في مرج بني عامر وقرية المطلة ( على خلاف ما يحاول الإسلام السياسي تبييض صفحة السلطنة العثمانية من وزر أول وجود صهيوني على أرض فلسطين ).      

تركيا التي كانت تمتلك ثاني أهم جيش في حلف النيتو ، أصبحت الآن بلا جيش ، أو تكاد ، بعد الإعتقالات الواسعة الأخيرة داخل صفوفه وفكفكته، حيث استعاض أردوغان عنه بمليشيا عثمانية للقمع وحماية نظامه السياسي ،لكنه بما اقترف فقد مكانته لدى الإتحاد الأوروبي.

وأردوغان الذي شد أزره بـ تل ابيب ، نسي رغم كل محاولات الإسلام السياسي الأمريكي الصهيوني حرف بوصلة الصراع ، عن الكيان الصهيوني باتجاهات أخرى ، إلا أن الناس رغم بعض الإنجرافات ما زالت ترى أن إسرائيل عدواً ، وبالتالي فإن تقوية صلاته بـ تل ابيب هي وبال عليه ،وستحدث خلخلة داخل الصف الإسلاموي ، بين مبرر له ورافض بخجل ومستنكر بشدة ، فضلا عن أن تل ابيب لا ذمة ولا عهد لها كأمريكا.

أما روسيا فهي أكثر من سعيدة بما جرى في تركيا ، فتركيا البعير الأجرب في المنطقة ، التي باتت بلا جيش محترف حقيقي ، والتي فقدت مكانتها النيتوية والأوروبية والمتعادية مع جيرانها والمتردية أوضاعها المتعددة ، والعاجزة ؛ الموشكة على سحب نفسها من مزيد من التورط في الجنوب ، أصبحت لا تشكل أي خطر ، بل قد تصبح (حليف أمرٍ واقع ) ، بلا أدنى أظافر أو مخالب .  

وعندما مد أردوغان يده باتجاه روسيا كان يعلم على ما هو مقدم عليه ، راغباً بأن لا يترك فرصة (للخربشة) عليه ، فروسيا تقدر على ذلك إن أرادت ، ومن هنا فإن روسيا وقبل ( أن تفشل الحركة الإنقلابية ) قالت ( وبعدها في مجلس الأمن ) أنها مع الدستور ، ولم تقل أنها مع الديمقراطية التي أتت بأردوغان وحزبه، وثمة فرق .    

سورية والعراق ستستفيدان مما حصل في تركيا،فالأرجح أن أردوغان معني أكثر من أي وقت في ترتيب بيته الداخلي، وإعادة النظر في سياساته،وتعزيز علاقاته مع روسيا، لأن تعزيزها ، سيسهل عليه إستعادة العلاقات مع إيران والعراق و سورية ، بأقل قدر من الخسائر.

ولكي تصمت تل ابيب عن توجهاته هذه ، سيقدم لها جوائز ترضية أكثر مما يظن ، وسيتابع المزيد من قمع خصومه ، ومع كل قمع سيظن أنه أصبح أقوى ، لكن جبهة خصومه واعدائه والراغبين في إسقاطه ولهم مصلحة في ذلك ، سيزدادون ، وسوف لن تكون له فرصة للنجاح مع نهاية المدى القريب ، لذلك فهو كمن ينتحر طوعا .

وإذا كانت العلاقات السعودية التركية قد شهدت بعض التقدم في السنتين الأخيرتين ، إلا أنها لن تبقى تحافظ على هذا النسق ، فالفكر الوهابي التكفيري ، هو المحرك الرئيس للعصابات الإرهابية والخطر الماثل الأشد ، فضلا عما بين اردوغان الإسلامي العثماني والسعودي الوهابي ، والذي ( أي الأخير ) بات ينافسه على ود تل ابيب وروسيا .

ومن المرجح أن يأخذ الأردن بعين الإعتبار ، حالة الإرتباك والضعف التركية وما يمكن ان يؤول إليه حال النظام السياسي الإسلاموي المتهافت الآيل للسقوط ، كما أن جبهة تركيا مع سورية والعراق لم تعد آمنة للعصابات الإرهابية تسللا وتسليحاً وتمويلا وتدريبا ( كـ أمر واقع ) وهي فرصة للأردن ثمينة ومبررة لرفض أي محاولات للضغط عليه من موقع قوة ، من أي جهة كانت لتلبية مطالب هي ليست في صالحه أولاً وآخراً ، فالأردن ليست له إمكانيات تركيا ، وإذا كانت انقرة قد توصلت إلى هذه القناعة ،فمن باب أولى أن يصل الأردن إليه ،  فحماية امنه القومي متعدد الأوجه في الداخل وعلى حدوده مع دول الجوار بالإتجاهين له الأولوية .

بكلمات ، ما حدث بغض النظر عمن رتب له ونفذه وأحبطه، تركيا الآن وما هي مقبلة عليه ليست ما قبلها ، والمنطقة باتت مقبلة على انفراج مهم ، لم يكن مرغوبا أن يتحقق ممن خططوا ونفذوا وأحبطوا، لكن النهايات كانت مختلفة ، ومن لن يستوعب ، ويبقى على جمود موقفه ، وسلوكيات ما قبل ما حدث ، سيحصد نتائج أسوأ مما يحصد اردوغان الآن .

[email protected]

عن ورقية وموقع ” البناء اللبنانية ”

 

 

 

قد يعجبك ايضا