مؤتمرات تصفية القضية الفلسطينية والفشل من مؤتمر لندن 1939 إلى مؤتمر المنامة 2019 م / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) الجمعة 21/6/2019 م …




الكاتب

أصدرت الحكومة البريطانية في 9 نوفمبر 1938، بيانا متعلقا بالقضية الفلسطينية، تشرح فيه بإختصار نتائج  لجنة بيل، التي زارت فلسطين في  1936.11.12، برئاسة  اللورد بيل، لتقصي الحقائق حول أحداث الإضراب الذي عم الأرض الفلسطينية عام 1936 ، واستمرت في التحقيقات لمدة ستة شهور وعقدت ستة وأربعين إجتماعا.

حمل البيان دعاية بريطانية، حول رغبة الحكومة في إيجاد تسوية للصراع العربي- الإسرائيلي، وأنها ستقوم بتنظيم مؤتمرا للحوار، يحضره  عدد من الممثلين عن العرب واليهود.

بالرغم من أن سياسة الإحتلال البريطاني في فلسطين، ومنذ عام 1917، كانت تُكرس وعلى أرض الواقع ، العوامل الموضوعية لتمكين الحركة الصهيونية من إقامة مشروع الوطن القومي، وعلى حساب الوجود العربي الفلسطيني.

 حيث تلقت الحركة الصهيونية دعما مدروسا ، لإنشاء نواة للكيان الصهيوني، وعلى كافة المستويات العسكرية والإقتصادية والسياسية. وفي مقدمتها تسهيل الهجرة، العامل الحاسم الذي كانت تعول عليه الصهيونية، إضافة لمصادرة الأراضي.

بينما كانت الحركة الوطنية الفلسطينية، تتعرض للقمع الشديد والملاحقة والمطاردة والإعتقالات.

لم يكن أمام قادة الحركة الوطنية الفلسطينية  في ذلك الوقت، وبتشجيع من بعض الحكومات العربية، سوى الإستجابة لدعوة المشاركة لتقديم مطالبهم للمؤتمر، وكان البعض ما يزال يراهن على إمكانية تحقيق مكاسب من المشاركة، والتأثير على القرار السياسي البريطاني.

في حقيقة الأمر، كان لبريطنيا حساباتها الخاصة، البعيدة كل البعد عن مصالح الشعب الفلسطيني، أو المطالب العربية. فقد كان شبح إندلاع الحرب العالمية الثانية يُخيم على المشهد السياسي في ذلك الوقت، وإختل التوازن الدولي، بصعود ألمانيا النازية، وتحالفها مع إيطاليا، ونجح الزعيم الألماني هتلر، بإحتلال النمسا في عام 1938، وتهديد تشيكوسلوفاكيا في نفس العام.

ومع وجود إشارات واضحة على تعاطف العرب مع ألمانيا، ضد الإحتلال البريطاني، خصوصا بعد أن شنت ألمانيا هجوما شديدا على مشروع تقسيم فلسطين عام 1937، سعت بريطانيا للمناورة والحفاظ على مكتسباتها في المنطقة.

كانت بريطانيا ، تُدرك تنامي الأهمية السياسية والإقتصادية والجغرافية، للمنطقة العربية، خصوصا مصادر الطاقة، فكان من مصلحتها ضمان سيطرتها والتمسك بأوراق اللعبة.

كان الثوار في فلسطين، يشكلون هاجسا أمنيا لحكومة الإحتلال البريطاني، وتريد بريطانيا إنهاء هذا الوضع، وفي نفس الوقت بدأ التقارب العربي- الإسلامي، يبرز على ساحة الصراع، وتحديدا مع إنعقاد مؤتمر البرلمان العربي- الإسلامي بالقاهرة في أكتوبر عام 1938، وحضره عدد كبير من الوفود من مختلف دول العالم.

أرسل وزير الدولة البريطاني في الهند ” زيتلندر”- حسب الوثائق- رسالة إلى اللجنة البرلمانية المنعقدة في لندن، لفت فيها الإنتباه إلى تنامي التعاطف الإسلامي، مع قضية عرب فلسطين، في الهند وأفغانستان، وأن الأفكار الإسلامية المرتبطة بهذا الصراع تنتشر بشكل ملحوظ.

بينما صرح وزير المستعمرات ” ماكدولند ” قائلا:

” سيقف اليهود إلى جانبنا، إذا ما إشتعلت حرب، لأنه ليس لديهم غير ذلك، ولكن الأمر بالنسبة للعرب يختلف، إذ نشك قي ضمان ولائهم، ووقوفهم إلى جانبنا. وإن إتجهوا ضدنا، فسوف يتعقد وضعنا في الشرق الأوسط”.

لم يُعجب قيادة الحركة الصهيونية ، أن تشارك وفود عربية في المؤتمر إلى جانب الفلسطينيين،وكان أن عقدت جلسات حوارية ثنائية فقط بينها وبين الحكومة البريطانية.

حاولت بريطانيا أن تتجاهل التمثيل العربي الفلسطيني، وأن تفرض تشكيل أعضاء الوفد الذي يُمثلهم، بحجة أنهم ليسوا شريكا مناسبا.

 سعت لإستبعاد الحاج أمين الحسيني، وأعضاء من اللجنة العربية العُليا. وكانت هذه اللجنة قد تشكلت في أعقاب إضراب 1936 من قيادات وطنية مرموقة.

رفضت اللجنة العربية العليا تهميشها، وأصدرت بيانا شديد اللهجة في 15 نوفمبر عام 1938، وعملت بريطانيا على شق الحركة الوطنية الفلسطينية، فنشبت مشاحنات حول التمثيل الفلسطيني، بين  حزب الدفاع (النشاشيبي)، واللجنة العليا (المفتي الحاج أمين )، وسعت بعض الوفود العربية للتوفيق بين الطرفين،إلى أن  تم إختيار الوفد الفلسطيني للمشاركة في المؤتمر، وضم في صفوفه:

1- الحاج أمين الحسيني، الذي تم لاحقا  وبطريقة دبلوماسية، وبتدخل أطراف عربية،إستبعاده من الوفد.

2- أحمد حلمي باشا

3- جمال الحسيني

4- عوني عبد الهادي

5- حسين الخالدي

6- عزة دروزة

7- ألفريد روك

8- عبد اللطيف صلاح

9- يعقوب الغصين

10- فؤاد سابا

11- موسى العلمي

12- جورج أنطونيوس

ولكن المشاحنات والدسائس، لم تتوقف، وجرت محاولات إضعاف للوفد الفلسطيني وتحجيم تمثيله بشتى الطرق، فكان أن أفتتح المؤتمر بقصر سان جيمس في لندن ، يوم الثلاثاء 7 فبراير ، بحضور وفدين، كل منهم يُمثل فلسطين: وفد رسمي، ووفد يرأسه النشاشيبي.

إضافة إلى الوفود العربية من مصر، العراق، السعودية، شرق الأردن، اليمن.

ترأس الجلسة الرسمية للمؤتمر، رئيس الوزراء البريطاني ” تشامبرلين”، وبلغت جلسات المؤتمر أربع عشر جلسة، كان العرب يقدمون فيها مطالبهم للحكومة البريطانية، وتقدم الحكومة البريطانية رؤيتها للتسوية.

تركزت مطالب العرب على الإستقلال، ووقف الهجرة، بينما كانت مطالب الوفد الصهيوني في جلساته الثنائية مع الإنجليز، تؤكد على مواصلة إستراتيجية قيام دولة الإحتلال.

تدخلت أطراف دولية  لها ثقلها (أمريكا )، لتحديد مسار المؤتمر، فكانت النتيجة خروج العرب من المؤتمر بخفي حنين، لم ينجح المؤتمر، الذي حمل عوامل فشله، وكانت الغلبة للمشروع الصهيوني.

 لم يُحقق العرب أية مكاسب من كل جلسات الحوار، سوى مضيعة الوقت، خصوصا الحركة الوطنية الفلسطينية.

ناورت الحكومة البريطانية بقدر إستطاعتها، لكي تفرض رؤيتها للحل، ولم يكن الطرف العربي  – الفلسطيني يملك أوراق ضغط حقيقية، ولم تكن موازين القوى لصالحه، لأنه إحتاج لسنوات طويلة، لُيدرك وهم المراهنة على وعود الإحتلال البريطاني.

ولكي تتنصل بريطانيا، من فشل المؤتمر، أصدرت في 19 مايو 1939، بيانا حكوميا، حددت فيه سياستها التي ستنفذها في فلسطين، وهو ما عُرف ب ” الكتاب الأبيض”.

بدأت الكتب ” البيضاء” تصدر في بعض الدول العربية، وظهرت بعض الإقتراحات ومشاريع التسوية.

 وبعد تصريح ” أنتوني  أيدن ” وزير الخارجية البريطانية، في مجلس العموم البريطاني في 24 فبراير 1943، عن دعم حكومته لإيجاد نوع من الوحدة العربية على أسس إقتصادية وسياسية وثقافية،  أصدرت الوفود العربية المشاركة، بيانا عُرف ببرتوكول الإسكندرية، ناشدوا فيه باقي الدول العربية العمل لقيام جامعة الدول العربية، وتم إستبعاد إقتراح ” التحالف العربي “.
وعندما تأسست الجامعة العربية، تكررت نفس قصة التمثيل الفلسطيني !

نفس هذه السيناريوهات، يُعاد إنتاجها، وعلى مدار سنوات طويلة من  التاريخ السياسي المعاصر للقضية الفلسطينية .

 عشرات المؤتمرات، و المبادرات السياسية، وإقتراحات التسوية، ومشاريع التصفية، تتم تحت غطاء : إيجاد حل ، تحسين أوضاع، تلبية مطالب. ولن يكون آخرها مؤتمر المنامة الإقتصادي.

 ولكنها في حقيقتها، إستكمال مدروس لعملية متواصلة لتصفية القضية الفلسطينية، تحت رعاية قوى عظمى، ومباركة من بعض الأطراف العربية التي ربطت وجودها ومصالحها بكيان الإحتلال، والتي لا تملك لا إرادة ولا سيادة، ولا قوة،  لتحقيق المطالب العادلة للشعب العربي الفلسطيني ولا لشعوبها :

 في الحرية والسيادة والإستقلال.

من لا يملك القوة بمفهومها الواسع…لا يملك أن يكون له قرار

[email protected]

قد يعجبك ايضا