نتيجة بحث الصور عن مؤتمر وارسو

 

عبد الباري عطوان ( الأربعاء ) 20/2/2019 م …

لم نكن بحاجة الى صحيفة “وول تسريت جورنال” الامريكية لكي تخبرنا في تقرير لها، ان مشروع إدارة الرئيس دونالد ترامب لإقامة حلف ناتو عربي سني يضم دول الخليج الست بالإضافة الى مصر والأردن باتت في “غرفة العناية” المركزة، بعد الفشل الكبير والفاضح لمؤتمر وارسو الذي انعقد الأسبوع الماضي بهدف تكريس التطبيع العربي الإسرائيلي، وتتويج بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، زعيما لهذا الحلف.

مؤتمر وارسو ارتد سلبا على كل وزراء الخارجية العرب الذين شاركوا فيه، وعرضهم، لغضب مواطنيهم الرافضين لهذا التطبيع، ولم تنجح امبراطورياتهم الإعلامية الجبارة في إخفاء هذه الحقيقة وتوفير الغطاء التسويقي لخطوتهم المعيبة هذه.

***

هناك عدة ادلة تؤكد حالة الحرج الكبير التي تبرهن كل ما تقدم:

  • أولا: تراجع وزير الخارجية العماني السيد يوسف بن علوي عن موقف حكومته المندفع تجاه التطبيع، وادلائه بتصريح اثناء زيارته لموسكو بأن اللقاءات مع نتنياهو ليست تطبيعا، وانه لن يكون هناك تطبيع الا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ولكن هذا التبرير في رأينا ليس كافيا، ويجب ان تتوقف جميع اللقاءات العلنية والسرية مع المسؤولين الإسرائيليين، تمسكا بالمبادرة العربية وبنودها التي هي في الأساس سعودية خليجية على الأقل، والاعتراف علنا بأن إسرائيل هي العدو الأخطر على الامة.

  • ثانيا: حالة الارتباك التي عاشها ويعيشها وزير خارجية اليمن خالد اليماني الذي تبادل الحديث والمزاح مع نتنياهو الذي جلس الى جانبه، ومحاولته توجيه اللوم الى البروتوكول الذي وضعه الى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهي مبررات لم تشفع له عند اليمنيين والعرب عموما، وقدمت مواقفه التطبيعية أجمل هدية لحركة “انصار الله” الحوثية.

  • ثالثا: حالة الحرج التي سادت أوساط معظم وزراء الخارجية العرب المشاركين في هذا المؤتمر، وخاصة الخليجيين (الامارات، السعودية، والبحرين) الذين ظهروا في جلسة مغلقة، واكدوا ان الخطر الإيراني يتقدم على الخطر الإسرائيلي، وغياب بعض هؤلاء عن الصورة الجماعية للمشاركين في المؤتمر، ورفض أي منهم الحديث للصحافة بل والهرب من الصحافيين، فاذا كانوا لا يخجلون مما يفعلون فلماذا هذا الهروب؟

  • رابعا: مئات آلالاف من المتظاهرين الشرفاء الذين نزلوا الى معظم شوارع مدن وميادين اليمن احتجاجا على هذا المؤتمر ورفضا لجلوس وزير خارجية حكومة “الشرعية” الى جانب نتنياهو، واعطائه مكبر صوته لكي يلقي خطابه الذي تطاول فيه على العرب والفلسطينيين تحديدا، لعمري انهم اصل العرب واشرفهم، ونعم الأصل.

  • خامسا: تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته امام مؤتمر ميونخ على ان حل القضية الفلسطينية هو عنوان الاستقرار والامن والسلام في الشرق الأوسط، وكأنه يعتذر بطريقة غير مباشرة عن مشاركة وزير خارجيته في مؤتمر وارسو، ويؤكد معارضته لوزراء خارجية دول الخليج الذين قالوا في المؤتمر المذكور آنفا ان خطر ايران يتقدم على قضية الصراع العربي الإسرائيلي.

ردة الفعل الشعبية العربية على هذا الانحراف التطبيعي، وتجاوز القضية المركزية العربية الاولى تجاوبا مع المطالب الامريكية والإسرائيلية، وصعود محور المقاومة، كلها عوامل قلبت كل المعادلات في المنطقة، وفرضت مثل هذا التراجع.

امر معيب ان يُقاطع جميع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي (باستثناء البريطاني الخارجة بلاده الشهر المقبل من هذا الاتحاد بمقتضى البريكست) مؤتمر وارسو، بما في ذلك السيدة فيديريكا موغيريني، وزيرة الخارجية، ونظيريها الصيني والروسي والتركي والهندي، بينما يشارك فيه 12 وزير خارجية عربي استجابة لأوامر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، وجاريد كوشنر، مهندس “صفقة القرن”.

وما هو معيب أكثر ان يرفض الدكتور مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، مشاركة لاعبين إسرائيليين في دورة رياضية على ارض بلاده، بينما يتقاطر الرياضيون الإسرائيليون الى عواصم خليجية بحماية فرق من “الموساد” الإسرائيلي.

***

 الشارع العربي الرافض للتطبيع بدأ يتحرك بقوة، ووسائط التواصل الاجتماعي باتت تمسك بزمام المبادرة، وتتصدى للحكومات المطبعة، وتتغلب على امبراطوريات إعلامية جرى رصد المليارات لوظائفها التضليلية لتبرير خطايا الحكام في هذا المضمار.

شكرا لكل الاشقاء في مشرق الوطن ومغربه، الذين قالوا “لا” كبيرة للتطبيع والمطبعين، ونخص بالذكر أهلنا في السعودية ومنطقة الخليج الذين شكلوا جمعيات في هذا الخصوص، وبعضهم تعرض للاعتقال، وما زال خلف القضبان، لرفضهم التخلي عن مواقفهم الوطنية المشرفة هذه.

كل من استهان بهذه الامة، وتمسكها بقضيتها المركزية، وانخرط في التطبيع، واعتقد ان إسرائيل هي الصديق الحليف والحامي سيعض أصابع يديه وقدميه ندما، هذا اذا لم يدفع ثمنا غاليا.. والأيام بيننا.