فوزي بن يونس بن حديد ( الأحد ) 11/11/2018 م …

صدمة أخرى تضاف إلى صدمات سابقة كان قد صرّح بها الإعلام التركي في قضية اغتيال خاشقجي، فأن تقتل شخصا فتلك جريمة متفق عليها، وأن تقطع أوصاله فتلك جريمة بشعة في حق الإنسانية، ولكن أن تذيب الجسد بالأحماض والمواد السامة فتلك من أبشع الجرائم بل هي جريمة مروّعة في حق البشر، لم يذكر التاريخ أن أحدا أذاب جسدا آخر بحمض الهيدروفليك وهو حمض كيمياوي سام سائل عديم اللون ذو رائحة مهيجة، ويتبخر عند تعرضه للهواء. وهو حمض له صفة التآكل والإتلاف بدرجة عالية، ويمكن أن يتسبب في حروق خطرة مؤلمة للجلد والعيون والأغشية المخاطية. وقد لا تظهر الحروق الناتجة عن حمض الهيدروفلوريك المخفف في الحال، ولكنها تظهر بعد فترة زمنية على شكل تقرحات عميقة كما تقول موسوعة ويكيبيديا.

لكن لماذا أقدمت السعودية على هذه الخطوة البشعة من القتل إلى التقطيع إلى التذويب إلى الإنكار أنها لا تعلم شيئا مما جرى في القنصلية السعودية في إسطنبول، فمن يصدق هذه الرواية الهزيلة؟ ومن يصدق أن الجريمة ارتكبت من قبل أشخاص همّوا بقتله دون أمر من الجهات العليا في الدولة السعودية بهذه الطريقة الدقيقة وفي دولة غير الدولة التي ينتمي إليها، فهذا اعتداء صارخ على تركيا وانتهاك لسيادتها لأنها المسؤولة الأولى عما جرى ومن حقها أن تكشف عن تفاصيل ما وقع للرأي العام العالمي الذي يتابع القضية باهتمام ومازالت تستحوذ على أكثر وسائل الإعلام في العالم، أولا لأنها جريمة بشعة وقذرة وثانيا لأنها تمس شخصا معارضا للنظام في السعودية وثالثا لأن طريقة التنفيذ والتخطيط لها تدل على أن الآمر لها شخص معتبر في السعودية ويتقلد أعلى المناصب لخطورتها وخطورة تبعاتها، ويبدو أن التخطيط لها تم منذ وقت طويل، حتى لا تظهر أخطاء أثناء الجريمة وبعدها، إلا أن الله تعالى أراد أن يفضح مرتكبوها على الملأ.

وللجواب عن السؤال في العنوان، يبقى المسلم مندهشا مما يسمع ويرى هل يقدم مسلم على إذابة جسد مسلم، وهل يمكن التخلص من الجثة بهذه الطريقة البشعة التي لم نر مثلها في التاريخ، فقد يحرق وقد يعذّب وقد يطلق عليه الرصاص أما أن يذيب جسدا ولم تعد هناك جثة فهذا أمر مريب وبشع وقذر، وأعتقد أن تركيا بهذا التصريح إنما تريد أن تلفت نظر الدول الأخرى إلى بشاعة ما فعلت السعودية وقد ترقى هذه العملية إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولا بد إذا من تقديم الجانين إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تبحث في مثل هذه القضايا،  ويبدو أن تركيا تتريث أكثر من اللازم، لأنها تريد أن تجيب عن السؤال الذي بقي من جملة الأسئلة التي طرحها أردوغان في خطابه، من الذي أمر باغتيال خاشقجي بهذه الطريقة المروعة، وما زالت الشرطة التركية تحقق في ذلك وربما تصل فعلا إلى الآمر رغم أننا لا نشك لحظة واحدة أن من أمر بذلك هو محمد بن سلمان، وبهذا هي تلفت أنظار العالم ودولا أخرى أن هذه الجريمة ليست جريمة عادية بل هي جريمة عالمية واستثنائية.

ورغم أن القضية تأخذ مجراها التحقيقي العادي إلا أن العالم ما زال يضج ولن يهدأ حتى تظهر الحقيقة كاملة، وإذا ظهرت على الصورة التي تنشرها تركيا اليوم فإن تركيا ستحرص بكافة طواقمها أن ترفع الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية لتمثل أمامها جميع الفرق التي خططت ونفذت الجريمة ويأخذ التحقيق العالمي مجراه لينال كل مجرم عقوبته حسب المنصوص عليه في قوائم العقوبات، وعلى السعودية بعد هذه الأدلة الدامغة التي نشرتها الصحف التركية والتي يملكها الادعاء العام التركي واطلعت عليها رئيسة المخابرات الأمريكية عن قرب، إلا الاعتراف بالجريمة كاملة وعليها أن تتحمل المسؤولية في ذلك.