بعد القبض على الوهّابي المصري عشماوي في ليبيا / علي أبو الخير

علي أبو الخير

استطاع الجيش الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، يوم الإثنين 8 تشرين الأول / أكتوبر 2018، القبض على الإرهابي المصري “هشام عشماوي”، الذي يوصَف بأنه الإرهابي المطلوب الأول في مصر، حيث يُعدّ من أخطر العناصر الإرهابية الأجنبية المتواجدة في ليبيا، وهو أمير تنظيم المرابطين التابع لتنظيم القاعدة في مدينة “درنة”.

خطورة هشام عشماوي تكمُن في أنه ضابط سابق في قوات الصاعقة المصرية

خطورة هشام عشماوي تكمُن في أنه ضابط سابق في قوات الصاعقة المصرية

شارك عمشاوي في قيادة عدّة عمليات إرهابية داخل ليبيا، وكان من أبرز قيادات ما يُسمّى مجلس شورى مجاهدي درنة، كما شارك في عمليات أخرى داخل مصر ضدّ قوات الجيش والشرطة المصرية، فقد أسّس تنظيم “أنصار بيت المقدس” عام 2012 في سيناء، ثمّ بايع “أبا بكر البغدادي” زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي، ثمّ قام وشارك في عدّة عمليات دموية، منها تفجير مديرية الأمن في مدينة المنصورة ليلة 24 كانون الأول / ديسمبر 2013، وشارك في محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمّد إبراهيم عام 2013، وهو المسؤول عن الهجوم على قوّات الأمن في الواحات البحرية في الغرب، قريباً من الحدود الليبية، في تشرين الأوّل / أكتوبر 2017، والتي راح ضحيّتها عدد من أفراد الشرطة المصرية، هذا فضلاً عن عملياته في سيناء، وقد تمدّد نشاطه إلى العراق وسوريا وليبيا، ولذلك يُعتبر القبض عليه حيّاً ضرورة من أجل الوصول إلى باقي الإرهابيين، وبالفعل تمّ القبض على كثيرين من شركائه في مصر وليبيا.

خطورة هشام عشماوي تكمُن في أنه ضابط سابق في قوات “الصاعقة” المصرية، لمدّة عشر سنوات قضى أغلبها في شبه جزيرة سيناء، أيّ أنه يعرف دروبها، وعندما تحوّل إلى إرهابي، بدأ كما بدأ ويبدأ كل متطرّف، ينضمّ للمذهب الوهّابي، ويعتقد أن السلفية هي الإسلام، ومَن لا ينضمّ للوهّابية، فهو كافر أو زنديق أو مُبتدِع، وهو ما فعله هشام عشماوي، فقد بدأ عام 2006 يوزّع كتب شيوخ السلفية السعوديين والمصريين على زملائه في الخدمة العسكرية، ويحثّ زملاءه على عدم تنفيذ وتقبّل الأوامر، وفي عام 2007، أُحيل إلى محكمة عسكرية بسبب أفكاره، وفي عام 2011، فُصِلَ كلياً من الخدمة العسكرية، ثمّ صار إرهابياً، واتّخذ أسماء حركيّة، مثل شريف وأبو مهند وأبو عمر المهاجر.

ما نودّ توضيحه أنه ما زالت توجد الأفكار الوهّابية،  الحاضِن الفكري للإرهاب، وكما قلنا إن بداية أيّ إرهابي تبدأ بالانضمام إلى المذهب الوهّابي، ولم يٌقبض على أيّ إرهابي إلا وتوجد عنده عدّة كتب : التوسّل والوسيلة لإبن تيميه – كتاب التوحيد لإبن عبد الوهاب – فتاوى شيوخ الوهّابية في السعودية، مثلاً الإرهابي عادل حبّارة، الذي أُعدِم عام 2016، قال في التحقيقات إنه تتلمذ على  خطب الشيخ السلفي محمّد حسّان، وكان يحضر من قريته إلى مدينة المنصورة كل يوم أربعاء ليستمع إليه، حيث كانت خطبة الأربعاء تلك تشهد آلاف المُريدين، بموافقة ضمنية من الدولة المصرية، وهي الخُطَب التي كادت تحوّل المجتمع المصري إلى مجتمعٍ بدويٍ أعرابي، لولا ما حدث في 25 يناير كانون الثاني / يناير 2011، ثم 30 حزيران / يونيو 2013، ورغم تداعي وبداية أفول الوهّابية، إلا أنه مازال لها وجود ممتد في مصر، رغم توحيد خطب المنابر في أيام الجمع، وضمّ كل المساجد وزارة الأوقاف، وإنشاء مرصد الفتاوى الشاذّة في دار الإفتاء المصرية، وجهود الإمام الأكبر شيخ الجامِع الأزهر الدكتور أحمد الطيب، إلا أنّه توجد خلايا سلفية، موجودة في الفضاء الإلكتروني، ولها حزب ديني، هو حزب “النور”، موجود رغم عدم دستوريّته، لكنها السياسة التي تترك الباب موارباً، أو متوازياً، فحزب النور يوالي النظام بصورةٍ فجّة، ولكنه لم يتراجع عن سلفيته.

على أيّة حال، عرفت مصر الوهّابية مبكراً، فجمعية”أنصار السنّة المحمّدية” تأسّست عام 1926 على يد الشيخ الوهّابي محمّد حامد الفقي، أما “جمعية العاملين بالكتاب والسنّة” فقد تأسّست عام 1928 وهو عام تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وظلّت الجماعات الثلاث متباعدة، ولكنها في النهاية توَهْبَنت في الستينات، عندما عاش الإخوان المسلمون في المملكة السعودية، وصار شيوخ تلك الجماعات يتبادلون الخطب على منابرها المختلفة، فتأجّج الفكر الوهّابي وانتشر، فقد ترك لهم الرئيس “أنور السادات” حرية الانتشار، لمُحاربة الجماعات الموالية للرئيس “جمال عبد الناصر”، وعندما أدرك خطأه، قتلوه عام 1981، وبعدها ترك لهم “حسني مبارك” حرية الحركة في النقابات المهنية والعمّالية،  ونشر الكتب والدراسات والخطب من فوق المنابر ومن تحتها، في الجوامع والزوايا، في كل ركن من مصر، فزاد الانتشار بالفعل، حتى بدأت الإرهاب يضرب في مصر وسوريا واليمن والعراق، وكله من خلال الفكر التكفيري الدموي، بالفقه الأعرابي القادم من دولة آل سعود.

لقد ظلّت مصر طوال عصورها بلد التعدّد والتسامُح، وظلّت تُدين بمذهب الإمام الشافعي، مع وجود قليل للمذهبَين الحنفي والمالكي، ولا وجود للمذهب الحنبلي، وتسنُن المصريين، تسنُن عفوي يقدّس أهل بيت النبي جميعاً، واستقبلت أرض مصر قوافل أبناء الرسول، فالتشيّع المصري تشيّع قلبي أنشأ وأسّس طُرُق التصوّف التي تُدين بالولاء لأهل البيت، ولا نغالي إذا قلنا إن المصريين شيعة الهوى منذ عرفوا الإسلام، وقبل الدولة الفاطمية بقرون، منذ أن استقرّ فيها “سلمان الفارسي”، ومنها انطلقت شرارة الثورة على الأسرة الأموية، ووارى المصريون رفات “محّمد بن أبي بكر” و”مالك الأشتر”، وأبدع المصريون في المدائح النبوية، وقراءة القرآن، والاحتفالات بمواليد الإمام الحسين والسيّدة زينب والسيّدة نفيسة، وغيرهم.

وظلّت الحال على ما هي عليه حتى بدأ الغزو الوهّابي لمصر منذ عام 1974 وارتفاع أسعار النفط، أربعون عاماً والوهّابية تعيث فساداً، حوالى خمسة مليارات دولار أُنفقت على الدعوة الوهّابية في مصر وحدها، بصمتٍ سياسي رسمي، فتم تحريم كل شيء، وسمعنا الشيخ الأشهر “محمّد متولي الشعراوي” يقول مُفتخراً “إنه صلّى ركعتين شُكر لله لأن مصر انهزمت عام 1967″، متأثّراً بالعداء السعودي ضدّ “جمال عبد الناصر”، المهم أن الإطار الفكري الوهّابي للإرهاب بدأ يُجنّد الشباب للانضمام لأيّ تنظيم متطرّف، فحرّموا زيارة قبور أهل البيت والأولياء الصالحين، وكفّروا المتصوّفة والشيعة والأزهر، فأحدثوا الفرقة والفِتَن، فلم يكن فكر “هشام عشماوي” إلا صورة من فقه الدم، ولكن بقايا السلفيين متواجدون، حتى اليوم على الساحة ينتظرون فرصة العودة، مازال “محمّد حسّان وياسر برهامي وسعيد رسلان وحازم شومان وحسين يعقوب والحويني” وغيرهم كثيرون ينتشرون على الفضائيات الخارجية وفي الفضاء الإلكتروني، وفي حزب “النور”.

نرى ضرورة مكافحة الإرهاب الفكري، أو الإطار النظري الوهّابي، وهو ما طلبناه من الرئيس والرئاسة، وطالبنا من الأزهر الشريف، بضرورة تغيير المناهج الدراسية الأزهرية وغير الأزهرية، ولابدّ من مهاجمة الوهّابية بالإسم الوهّابي السعودي من فوق المنابر وفي الكتب والإعلام، حتى لا ينضمّ إرهابيون جدُد للفكر التكفيري، خاصة وأن الوهّابية بدأت تموت في ديار نشأتها، لا نريد أن نرى “هشام عشماوي أو بن لادن أو ظواهري” جدداً، هو طريق طويل، ولكنه طريق النجاة، وعلى الله قَصْد السبيل.

قد يعجبك ايضا