تعرف إلى قصة أهم وأخطر جاسوس عراقي اخترق «داعش»

السبت 18/8/2018 م …




الأردن العربي –

كشف تحقيق أعدته مارجريت كوكر في صحيفة «نيويورك تايمز» عن هوية عراقي عمل جاسوسًا لصالح قوات الأمن في معركتها ضد تنظيم  «داعش». وقالت كوكر في مستهل حديثها: «كان السائق يتصبب عرقًا وهو يقود شاحنته على طول طريق بغداد السريع المبلل نحو حي يعج بالأسواق المفتوحة».

كان السائق متوترًا وهو يقود الشاحنة التي تحمل 1100 رطل من المتفجرات التي خططت الدولة الإسلامية لاستخدامها في الهجوم على المتسوقين عشية رأس السنة في العاصمة العراقية. وكان أكثر ما يخشاه أن تصدمه سيارة أخرى فتنفجر القنبلة عن طريق الخطأ، أو يمكن لاشتباك مسلح لدى إحدى نقاط التفتيش المنتشرة في بغداد أن يؤدي إلى إشعال كرة نارية جهنمية.

ولكن كان هناك سبب آخر لخوفه – تكشف كوكر. إذ إن السائق هو النقيب حارث السوداني ويعمل جاسوسًا. كان يعمل جاسوسًا خلال الستة عشر شهرًا الماضية، متنكرًا في شخصية مقاتل متشدد في الدولة الإسلامية، لكنه كان يمرر معلومات خطيرة إلى فرع سري من وكالة الاستخبارات الوطنية العراقية.

وقد قدم خدمات لا تقدر بثمن – تؤكد كوكر – فقد أحبط 30 هجومًا بواسطة السيارات المفخخة و18 هجومًا انتحاريًا، وفقًا لما قاله أبو علي البصري، مدير الوكالة. كما ساهم الجاسوس في الإيقاع ببعض كبار قادة داعش في الموصل.

عمل السوداني، الذي يبلغ من العمر 36 عامًا، سابقًا في مجال الكمبيوتر. ويصفه المسؤولون بأنه «أعظم جاسوس عراقي على الإطلاق»، فهو أحد القلائل في العالم الذين تمكنوا من اختراق الصفوف العليا لداعش . ولكن في اليوم الأخير من عام 2016، وبينما كان يمضي نحو هدفه المعيّن في أسواق بغداد الجديدة، كان لديه شك أن هويته قد انكشفت.

تشير كوكر إلى أن كل يوم له مع التنظيم  كان يمثل مخاطرة بحياته. اليوم تبين كذبه في مسألة صغيرة، وهي المرة الثانية في غضون أشهر. وإذا لم يقتله نصف طن من المتفجرات من طراز سي-4 الموضوعة جانبه، سيقتله تنظيم داعش .

قبل أن يخرج في هذه المهمة، ما قبل الأخيرة، أرسل رسالة إلى والده. قال: «ادع لي».

التنصت على العدو

قد تكون وحدة مكافحة الإرهاب في العراق، المعروفة باسم «الصقور»، أهم قوة في الخطوط الأمامية للحرب على الإرهاب التي لم يسمع عنها أحد تقريبًا.

تورد كوكر في التحقيق مقابلات مع مدير وكالة الاستخبارات وأعضاء وحدة الكابتن سوداني وقائدها وأصدقائه وأفراد أسرهم، بعد أن جرت مراجعة مقاطع الفيديو الخاصة بالعمليات، والرسائل النصية من وإلى الكابتن سوداني.

زرعت وحدة «الصقور» – التي لا يعرف عنها سوى أبرز القيادات الاستخبارية العراقية – حفنة من الجواسيس داخل صفوف داعش . وقد ساعدت معلوماتها الاستخبارية على طرد المتطرفين من معقلهم في الموصل، وهي تساعد الآن في البحث عن قادة الجماعة، مثل أبو بكر البغدادي.

وفي الآونة الأخيرة، أدت عملية  سرية إلى اعتقال خمسة من كبار قادة داعش كانوا مختبئين في تركيا وسوريا. ويقول مسؤولون عراقيون إن الوحدة أحبطت المئات من الهجمات على بغداد مما جعل العاصمة في أكثر فتراتها أمانًا منذ 15 عامًا.

كما أثنى السيد البصري، رئيس المخابرات العراقية، على عمل المجموعة السري. وقال: «يمكن لطائرة بدون طيار أن تخبرك من دخل مبنى ولكن لا يمكن أن تخبرك ما الذي يقال في الغرفة التي تجمع فيها الرجال. أما نحن فيمكننا ذلك، لأن عملاءنا داخل هذه الغرف».

ترك الجامعة

لم يُعرف عن السيد سوداني في حياته الجرأة أو الطموح كي يعمل جاسوسًا, ولم يكن والده، عابد السوداني حاد الطباع وطالب بالطاعة غير المحدودة من ابنه البكر، هو من أجبره على العمل بعد المدرسة في متجره الصغير. ولم يكن أساتذته في جامعة بغداد هم من طردوه. بل إنه بعد أن امتعض من حريات الحياة الطلابية، تخلى عن فرصة ذهبية، وتجاهل دراسته ومطاردة النساء.

أعطاه والده إنذارًا نهائيًا – إما الدراسة أو الطرد من منزل العائلة. تنقل كوكر عن شقيقه الأصغر، منذر، «لقد كانت لحظة حاسمة بالنسبة له. فقد أصيب بخيبة أمل لأنه لم يستطع العيش مثلما أراد». تزوج السيد سوداني وعاد إلى الدراسة، فدرس اللغة الإنجليزية والروسية. وعمل في وظيفة مملة في مجال أنظمة مراقبة البنية التحتية النفطية في العراق.

حينئذٍ، كانت الهجمات الإرهابية شبه اليومية تمزق العراق. فانتهى الأمر بمنح السيد سوداني فرصة، وهدفًا. بينما كانت الحكومة  تكافح من أجل وقف التمرد في عراق ما بعد صدام، أنشأ السيد البصري، الذي كان آنذاك مدير الاستخبارات في مكتب رئيس الوزراء، وحدة خاصة ذات مهمة محددة: استهداف قيادة الإرهابيين.

وفي عام 2006، قام بتجنيد 16 رجلاً من وحدات النخبة العسكرية وأكاديميات الشرطة العراقية. وأطلق على وحدته الجديدة اسم «الصقور». تنقل كوكر عن البصري قوله «لقد كنت أبحث عنهم بتأن شديد كمن يبحث عن زوجة. كنا مستعدين لمواجهة أي تحد».

كان أحد أشقاء السيد سوداني، وهو مناف، من أوائل المجندين. وبينما كان حارث يشعر بالملل من وظيفته وقضى معظم الأمسيات وهو يلعب ألعاب الفيديو أو يتسكع في المقاهي، عاد مناف إلى المنزل من العمل الذي كان مليئًا بالحماسة.

حث مناف شقيقه على التقدم قائلًا إن مهاراته اللغوية والتقنية ستجعله مجندًا جذابًا. وفي عام 2013 عُرضت عليه وظيفة مراقبة نشاط الإنترنت والمكالمات الهاتفية للمشتبه في أنهم إرهابيون. لتتبدل حياته. قال شقيقه الأصغر منذر: «كان متحمسًا لأول مرة منذ وقت طويل. كان سعيدًا. كلنا لاحظنا ذلك».

العمل السري

في صيف عام 2014، صعد نجم تنظيم داعش – تنوه كوكر – بعد أن قام بالاستيلاء على مساحات كبيرة من العراق وسوريا، معلنًا قيام «دولة الخلافة». لتسند إلى وحدة الصقور مهمة جديدة؛ اختراق المجموعة عبر عملاء سريين.

تطوع السيد حارث السوداني. وقال قائده، اللواء سعد الفالح، إنه تأثر بشدة بصور الأطفال الذين قُتلوا في هجمات داعش . «لم يكن ليتركهم يفعلون ذلك. فهو نفسه كان أبًا». تمت ترقيته السيد السوداني إلى قائد وبدأ التدريب ليصبح جهاديًا.

كانت عائلة السوداني تعيش في الرمادي، في طفولته. وكانت الأقلية السنية تحكم العراق في ظل دكتاتورية صدام حسين. وبعد الغزو الأمريكي عام 2003، استغل المتطرفون غضب السنة المحرومين من حقوقهم لبناء التمرد الذي سيصبح فيما بعد الدولة الإسلامية.

ترك السوداني الجامعة لبعض الوقت قبل أن يجبره والده على استكمال الدراسة – المصدر نيويورك تايمز

كان الكابتن سوداني قادرًا على التحدث بلهجة أهل الرمادي مما دعم مصداقيته مع المجموعة – تضيف كوكر. لكنه كان شيعيًا، ولم يكن معتادًا على الطقوس السنية. لذلك انكب على القرآن لحفظ الآيات التي يفضلها الجهاديون ويتعلم الهتافات التي استخدموها وقت الصلاة والقتل.

أصبح يعرف باسم أبو صهيب، وتقمص هوية رجل عاطل عن العمل من حي يغلب عليه الغالبية السنية في بغداد. ومهمته هي التسلل إلى مخبأ الدولة الإسلامية السيئ السمعة في الطارمية، وهي بلدة تقع على مقربة من تقاطع طريقين سريعين كانا مركزين للانتحاريين المتوجهين إلى العاصمة.

في إحدى الليالي قبل أن تبدأ مهمته، بقي مع شقيقه مناف، وهو يشرب الشاي ويستمع إلى الصراصير في الهواء الدافئ حيث قدم له مناف محاضرة. «كان أول من تطوع لمثل هذه المهمة». قال مناف. وأضاف: «لقد كان عملاً محفوفًا بالمخاطر حقًا».

في صباح اليوم التالي، ذهب الكابتن سوداني إلى مسجد في الطارمية تجتمع فيه خلية الدولة الإسلامية المحلية. طال بقاؤه أكثر مما خطط له هو ورؤسائه، مما جعل فريق المراقبة ومنهم مناف، على يقين من أن خطبًا ما قد وقع. بحلول المساء – تقول كوكر – عاد الكابتن سوداني إلى منطقة اللقاء التي سبق الاتفاق عليها. وأخبرهم أن الخلية قد رحبت بأبي صهيب، وأنه سيعود للعيش معهم في الطارمية.

حامل القنبلة

في أيامه الأولى مع تنظيم داعش ، خضع لدورات في الدين والمتفجرات. بعدها بأسابيع، اتصل مسؤول كبير في داعش  من الموصل. وكلف الكابتن سوداني بمهمة رئيسية في سلسلة الخدمات اللوجستية لعمليات التفجير الانتحاري في بغداد. ولاعتقاده أنه من أهالي بغداد، اعتبره عنصرًا هامًا في عبور الانتحاريين نقاط التفتيش على مشارف العاصمة وداخل المدينة.

تلقى الكابتن سوداني أوامر أسبوعية من الموصل بمقابلة الانتحاريين الذين يصلون إلى الطارمية من الأراضي التي تسيطر عليها داعش، أو لأخذ سيارة مفخخة. لكنه في كل مرة، كان يبلغ وحدة الصقور. لتكون مهمتهم اعتراضه قبل وصوله بالمتفجرات إلى بغداد.

بعد ذلك – تكشف كوكر – تجري مطاردة الكابتن سوداني وهو يقود سيارته، مع استخدام معدات تشويش لمنع انفجار القنبلة، الذي عادة ما يتم عن بعد عن طريق الهاتف المحمول. ومن خلال التواصل عبر الهاتف أو الإشارات اليدوية، يقوم رفاقه بتوجيهه إلى مكان يمكن فيه تعطيل القنبلة. وإذا كان ينقل مهاجمًا، فسيخرجه من السيارة ليُلقى القبض عليه أو يُقتل.

ثم تقوم الوحدة بإجراء تفجيرات مزيفة ونشر أخبار كاذبة عن وقوع خسائر كبيرة في الأرواح – وهي جزء من الجهد المبذول للحفاظ على سرية هوية الكابتن سوداني.

أثر القلق على صحته، إذ لطالما اشتكى من آلام في الصدر. يقول مناف «تخيل كونك سائق شاحنة مليئة بأطنان من المتفجرات. أنت تفكر بأنك قد تموت في أي لحظة. لقد فعل هذا مرارًا وتكرارًا». وتؤكد كوكر أن غيابه الطويل غير المبرر عن المنزل أثار قلق العائلة. لم يكن أحد يعلم بحياته السرية سوى والده ومنذر. بينما ظنت زوجته رغد شالوب أنه يهملها وأطفالها الثلاثة.

«يؤسفني أنه لم يخبرني» قالت زوجته وهي تجلس في شقتها المتواضعة. وأضافت: «أظن أنه عرف أنني سأكون قلقة إذا عرفت الحقيقة. فلا أحد يريد أن يكبر ابنه بدون أب».

شكوك وأكاذيب

كان الخطر يزداد على الكابتن سوداني يومًا تلو الآخر – تشدد كوكر – ومع ذلك، اختار أن يستمر. قال اللواء فالح إن الكابتن سوداني أخبره أنه قد وجد أخيرًا هدفًا في الحياة. «لقد كانت فترة ذهبية بالنسبة لنا وله».

أدت عمليات الصقور إلى قلب دفة الحرب . وأدت معلوماتهم الاستخباراتية إلى مقتل سبعة من كبار قادة  داعش ، ووجهت عشرات من الغارات الجوية للتحالف، وفقًا لما قاله هشام الهاشمي، محلل أمني عراقي . وبحلول منتصف عام 2016، ساد التفاؤل بإمكانية هزيمة داعش

كلف قادة التنظيم في الموصل الكابتن سوداني بالمزيد من المهام – تقول كوكر – فطلبوا منه استكشاف الأحياء والمقاهي في بغداد باعتبارها أهدافًا للهجمات المحتملة. في إحدى هذه المهمات، حاول الذهاب خلسة لزيارة أسرته.

وبينما هو كذلك، اتصل قائد تنظيم داعش  به لمعرفة مكانه. فقال الكابتن سوداني إنه كان في الحي المستهدف. أخبره القائد أنه يكذب، مشيرًا إلى إحداثيات خاصية تحديد المواقع الخاصة بهاتفه. كان هذا أول إنذار له. طالب مناف أخاه بإنهاء مهمته. لكن الكابتن سوداني رفض. وبحلول ديسمبر (كانون الأول)، انكشف أمره وأصبح مطاردًا من التنظيم.

كانت المجموعة تتعثر عسكريًا، حيث خسرت أراضيها في سوريا وتكافح من أجل البقاء في الموصل. وكان ردها القيام بهجمات إرهابية أكبر وأكبر، معلنة عن وجودها القوي بإلهام الفوضى في جميع أنحاء العالم. ففي 19 ديسمبر – تواصل كوكر حديثها – شن عنصر تابع للمجموعة عملية دعس في سوق برلين في عيد الميلاد، مما أسفر عن مقتل 12 وإصابة العشرات.

وفي 31 ديسمبر ، أخبر قائد في التنظيم من الموصل الكابتن سوداني بأنه قد تم اختياره للمشاركة في هجوم عشية رأس السنة الجديدة، وهو عبارة سلسلة من التفجيرات المنسقة في مدن متعددة حول العالم. استقل الكابتن سوداني سيارة في حي الخضرة بشرق بغداد. وكالعادة، اتصل هاتفيًا بوحدة الصقور لمناقشة أين سيعترضونه.

عدم اكتمال المهمة

فكك زملاؤه القنبلة، التي تتكون من 26 كيسًا من متفجرات سي-4، مثبتة في الشاحنة. خلال دقائق، عاد الكابتن سوداني على الطريق إلى السوق وأوقف السيارة في المكان المحدد.

بدأت الخطة في التكشف بمجرد أن انحرف عن الطريق السريع الرئيسي في المدينة تجاه المنزل الآمن الخاص بالصقور. رن هاتفه. كان قائده في الموصل يسأله عن موقعه. أكد الكابتن سوداني أنه في طريقه إلى الهدف، لكن المتصل كذبه. كافح الكابتن سوداني للإتيان بعذر. وقال إنه ربما سلك منعطفًا خاطئًا.

اتصل بزملائه في الصقور وهو قلق، وقال لهم إنه بحاجة إلى نقطة لقاء أقرب إلى موقع الهجوم. اتجه بالشاحنة إلى بغداد الجديدة. وقد ساعده مناف، الذي كان جزءًا من فريق المطاردة، في التوجه إلى نقطة التقاء جديدة.

فكك زملاؤه القنبلة، التي تتكون من 26 كيسًا من متفجرات سي-4، مثبتة في الشاحنة. خلال دقائق – تشير كوكر – عاد الكابتن سوداني على الطريق إلى السوق وأوقف السيارة في المكان المحدد.

قبل منتصف ليلة رأس السنة، ذكرت وسائل الإعلام العربية، أن شاحنة بيضاء انفجرت خارج سينما البيضاء في بغداد الجديدة، دون وقوع إصابات. اكتملت مهمة الكابتن سوداني بنجاح.

ولكن ما لم يكن يعرفه هو أن داعش  قد زرعت كيسين خفيين في الشاحنة، مما سمح للارهابيين  بالاستماع إلى محادثته الكاملة مع الصقور. قال الجنرال فالح في وقت لاحق: «شعر أنه كان موضع شك»، «لكننا لم ندرك حجم الخطر».

الفخ

في أوائل 2017 – تكشف كوكر – اتصل التنظيم  بالكابتن سوداني للقيام بمهمة أخرى. التي ستكون الأخيرة له.

أُرسل إلى موقع جديد، مزرعة خارج الطارمية. كانت بعيدة جدًا ويصعب مراقبتها ولم يكن أمامه طريق سهل للهروب. نصحه مناف بعدم المخاطرة، قائلاً إن تغيير الأسلوب كان مريبًا. ولكن قرر الكابتن سوداني الذهاب. «عندما أفكر في الموضوع، لا أستطيع أن أصدق أنه وثق بهم. أعتقد أن رغبته في جعلنا فخورين قد أعمت بصيرته».

في صباح يوم 17 يناير (كانون الثاني)، دخل المزرعة. وبعد غروب الشمس مباشرة، نبه فريق الصقور اللواء فالح إلى أن هناك خطأ ما. اتصل مناف بوالدهم فوجده منهارًا. «لم أره وهو يبكي من قبل»، قال مناف. وأضاف «ظل يتوسل إلي لإنقاذ ابنه، ولكن لم يكن بيدي حيلة».

لأن الطارمية كانت معقلاً للتنظيم ، فقد استغرق الأمر ثلاثة أيام لكي تقوم قوات الأمن العراقية بتخطيط وتنفيذ عملية إنقاذ. داهمت قوة مشتركة من الجيش والشرطة المزرعة. استشهد ضابط عراقي.

عندما تم تفتيش المبنى، لم يكن هناك أي علامة على وجود الكابتن سوداني.

ظلت وحدة الصقور تبحث عنه لشهور – تؤكد كوكر – وقد اكتشفوا جهاز التنصت في الشاحنة. اقترح المخبرون أن الجهاديين قد أخذوا الكابتن سوداني إلى القائم، وهي مدينة عراقية يسيطر عليها تنظيم داعش. في أغسطس (آب)، أصدرالتنظيم  شريط فيديو دعائيًا يظهر مسلحين يُعدمون سجناء معصوبي الأعين. كانت الصقور متأكدة من أن الكابتن سوداني كان واحدًا منهم.

يقول مناف عن أخيه: «لقد نشأت معه، وتقاسمت غرفة النوم معه. لست بحاجة إلى رؤية وجهه لمعرفة أنه أخي».

جرح في القلب

بعد استشهاده، حقق الكابتن سوداني مستوى من الشهرة غير عادي في عالم الجواسيس، وأصدرت قيادة العمليات المشتركة في العراق بيانًا حول تضحيته من أجل الأمة، ونشرت وحدة الصقور قصيدة لشجاعته.

على الطريق المؤدية إلى منزل والده، زينت ملصقات ضخمة للراحل جدار الفناء. وقد رسم منذر وشمًا له على صدره.

لكن عائلة سوداني لا تزال تكافح للحصول على ما تعتبره التكريم اللائق. فلأنهم لا يملكون جثته، لم يتمكنوا من الحصول على شهادة الوفاة، وهو شرط أساسي للحصول على بدل استشهاد الجنود. «أنا مصاب بجرح في قلبي»، قال الأب عابد السوداني. «لقد عاش ومات من أجل بلاده. ويجب على الأمة أن تكرمه مثلما أفعل».

بالنسبة إلى الصقور، ساعدت نجاحات الكابتن سوداني في الحصول على ميزانيات أكبر، وتقدير أوسع  وتدريب أفضل لرجالها. يقول المسؤولون في المخابرات العراقية إن الأمريكيين والروس يساعدونهم الآن على اختراق داعش. كانت قوات الأمن العراقية قد استولت على بلدة القائم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأرسلت وحدة الصقور فريقًا لمحاولة استعادة جثة الكابتن سوداني. ولكن لم يعثروا عليها أبدًا.

قد يعجبك ايضا