إشكالية الهوية لدى الدروز في الكيان الصهيوني / د. فايز رشيد




د. فايز رشيد ( الجمعة ) 10/8/2018 م …

بداية حريّ التوضيح أن لاإشكالية في سؤال الهوية للدروز في البلدان العربية، وتحديدا في لبنان وسوريا، حيث يتواجد معظمهم، فهؤلاء عرب أقحاح في حقيقتهم وكما يشعرون.
بالنسبة للدروز في الكيان الصهيوني، فمنذ إقامة دولة الاحتلال الصهيوني، وفي محاولة مفضوحة منها لفض انتماء الدروز مع أصولهم العربية، فصلتهم إسرائيل عن الوسط الفلسطيني العربي في المنطقة المحتلة عام 1948 وأنشأت إدارة خاصة بهم، وتعاملت معهم كقومية لا تمت للعروبة بصلة. كما لعبت لعبة قذرة في إعطاء بعض الامتيازات لهم أكبر من إخوانهم الفلسطينيين العرب من أهلنا هناك، مقابل تجنيدهم في الجيش الاسرائيلي. انقسم الدروز حينها، بين قابل بالوضع الجديد وهم الأغلبية، والرافضين لمبدأ الفصل عن الفلسطينيين العرب. وهم الأقلية. هؤلاء رفضوا التجنيد الإجباري كإخوتهم الفلسطينيين العرب، واعتقلوا في السجون نتيجة رفضهم للتجنيد، ومن أبرز هؤلاء المرحوم الشاعر سميح القاسم المعتز بانتمائه العربي، وغيره كثيرون.
منذ عام 1948 وحتى اللحظة فإن المخططات الحكومية السوبرعنصرية، إضافة إلى الإعلام الإسرائيلي، تكرّس جهودا كبيرة لفصل الدروز عن الفلسطينيين العرب في منطقة 48. الحصيلة أن واقع التطوير للقرى والبلدات الدرزية ظلّ متأخراً بأشواط عن مثيله بالنسبة للقرى والبلدات اليهودية، ومشابها للمناطق ذات الأكثرية الفلسطينية العربية. وإمعانا في خطة الفصل، ربطت دولة الكيان الصهيوني بعض الامتيازات الحياتية بالخدمة في جيش الاحتلال، لكن الامتيازات لمن خدموا في الجيش من الدروز وعرب الهيب (من بدو النقب) لم تكن متساوية مع امتيازات الذين خدموا ويخدمون في الجيش ذاته من اليهود في الدولة السوبر عنصرية والسوبرفاشية. الدور الذي لم نكن نتمناه للمجندين الدروز في دولة الكيان الفاشي، أنهم استعملوا من قبل دولة الاحتلال البغيض للمهمات الأكثر قذارة بعد احتلال دولة الكيان العنصري للمناطق العربية والفلسطينية عام 1967! فقد عينت دولة الكيان العنصري معظم الدروز في ما يسمى بـ»جهاز حرس الحدود» ـ مشمار كفول ـ أما عن هؤلاء، فكاتب هذه السطور شاهد كما كلّ أهل الضفة الغربية المحتلة،على مدى حقد هؤلاء على جماهيرنا! حاولوا ويحاولون إثبات ولائهم للدولة الصهيونية، من خلال إظهار المزيد من القمع لجماهيرنا المحتلة، بشكل يفوق قمع الجيش الإسرائيلي الفاشي لشعبنا. عيّنتهم الدولة الصهيونية في جهاز حرس السجون، وللأسف تصرّفوا (وقد سجن كاتب هذه السطور لعامين 1969 ـ نهاية 1970) ورأى حقيقة لؤمهم وحقدهم على السجناء الفلسطينيين وتعذيبهم لهم بكل الطرق. بالطبع كانوا يتشدقون بأنهم إسرائيليون، ولمزيد من الولاء كانوا بمثابة الجواسيس على الأسرى، ينقلون أخبارهم لإدارات السجون. للحقيقة، ارتبطت البشاعة واللامعقول من الأفعال القذرة والشرسة بالمجندين الدروز. هذا لا يعني أن المجندين اليهود كانوا أرحم، لكنهم لأهداف يعرفونها ونعرفها كسجناء، بحيث بدا جنود الجيش اليهود، وكأنهم يقولون «أنظروا ما يفعل بكم من تطلقون عليهم أنهم من أبناء جلدتكم». صوّرت الواقع كما هو بالفعل من دون زيادة أو نقصان ومن دون افتئات على أحد.
إن كان ما سبق، يعطي صورة سوداء عن بعض الدروز في فلسطين المحتلة، أما الجانب المضيء لهم، فيتجلى في مواقف الإخوة الدروز في هضبة الجولان العربية السورية المحتلة، الذين رفضوا الحصول على الهوية الإسرائيلية، والذين يعلنون عروبتهم وانتماءهم لوطنهم العربي السوري في كل حين. يتجلى في مواقف الدروز في جبل العرب والسويداء، ومن منا لا يتذكر نضالاتهم وتضحياتهم في تحرير سوريا من الاستعمار الفرنسي، والثورة التي أطلقها سلطان باشا الأطرش. ويتجلى في عروبة الدروز في لبنان، ومواقفهم الصادقة من الثورة الفلسطينية، خاصة الشهيد كمال جنبلاط، الذي قاد «الجبهة العربية المشاركة» لمساندة الثورة الفلسطينية، ومحافظتهم على عروبة لبنان، والكثير من المواقف الوطنية والقومية العربية المشرّفة.
بالنسبة لأصل الدروز، بالطبع فإن الجانب الصهيوني يحاول التأكيد في أبحاثه، بأن الدروز ليسوا عرباً، فمثلا فإن الباحث الصهيوني البروفيسور»عوز ألموج» وهو مؤرخ متخصص في علم الاجتماع والأجناس في جامعة حيفا، كما الباحث عيران الحايك من جامعة شيفيلد البريطانية، يصلان إلى استناج مفاده: أن الدروز من الناحیة الإثنیة، ينتسبون في الأساس إلی الشعوب الإیرانیة، التي عاشت شمال شرقي تركيا وأرمينيا، وبین جبال زاغروس في العراق وجبل أرارات، وهو الأعلى في المنطقة الجبلية في تركيا. الممثل الدرزي الحقيقي لوجهة النظر هذه، هو عضو الكنيست الليكودي أيوب القرّا، الذي يعتبر أن الطائفة الدرزية تعود في أصولها إلى بني إسرائيل، ومثله بالطبع كل الذين يخدمون في جيش الحرب الصهيوني. وفي هذا السياق فإنهم يؤدون الخدمة الإلزامية ويخدمون ضمن كل الوحدات القتالية في الجيش الصهيوني، منذ عام 1956 بموجب اتفاق يعرف بـ»حلف الدم» عقدوه مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة دافيد بن غوريون حينها. وتفيد معطيات نشرت مؤخرا أن نسبة الدروز الذين يؤدون الخدمة العسكرية يبلغ 85% من الشباب، وهي نسبة تفوق نسبة اليهود في الخدمة العسكرية 72% . كما ثكل الدروز آلافا من أبنائهم في الحروب العدوانية التي خاضتها دولة الكيان الصهيوني على الفلسطينيين والأمة العربية. يذكر أن بيانا صدر حديثا عن «حركة الحرية الحضارية العربية الدرزية» وموقّع من إحسان مراد رئيس الحركة من قرية بيت جن، تطرق فيه إلى الصمت العاجز من قيادة الطائفة الدرزية، خاصة رئيس المجلس الديني الدرزي الشيخ موفق طريف، أزاء تصريحات القرا وإدعائه بان الدروز منبثقين عن بني اسرائيل، وأنهم من جذور يهودية، ويتساءل كاتب البيان عن أهداف تصريحات أيوب القرا، وأسباب الصمت الدرزي، وغيرها من الاسئلة التي «تستفز المشاعر، وتبكي العيون» حسب البيان.
أما بالنسبة لعروبة الدروز، فإن كتابين مهمين يتحدثان عن هذه الحقيقة، الأول بعنوان «تاريخ الموحدين الدروز السياسي في المشرق العربي»، تأليف الدكتور عباس أبو صالح والدكتور سامي مكارم. الثاني «الدروز في التاريخ» تأليف الدكتور جلاء أبو عز الدين. يُجمع الثلاثة على نتائج متشابهة تقريبا وتشي بأنه من جميع ما نشر من بحوث تاريخية علمية، فإن الموحدين الدروز لا يختلفون من حيث أصولهم العرقية عن سكان بلاد الشام الأصليين، لذلك فإن تاريخ الموحدين الدروز يشكل في الواقع جزءا من تاريخ هذه البلاد. وعن أصل الدروز يستنتجون من أخبار منقولة عن أعيان العائلات الدرزية الكبرى، بأن أسلاف الدروز يرجعون في غالبيتهم من حيث النسب، إلى اثنتي عشرة قبيلة عربية كانت تقيم في منطقة معرة النعمان، منذ أوائل الفتح العربي الإسلامي وانتقلت تدريجيًا إلى لبنان. كما يتابع الكُتاب الثلاثة القول: بأنهم بدورهم يشهدون بصحة نسب عدد من العائلات الدرزية العريقة إلى قبائل عربية معروفة استقرت في بلاد الشام قبل الإسلام وبعده، وهذا يعتبر دليلا ثابتًا على عروبتهم». ويشيرون إلى أن معظم العائلات الدرزية التي مثلت دورا لا يستهان به في تاريخ الدروز السياسي، تنتسب بدورها إلى أصل عربي»، ويؤكدون على أن «معظم الباحثين يرجعون الموحدين الدروز إلى أصل عربي، ومن هؤلاء هوجارت».
لقد شارك الآلاف من أبناء الطائفة الدرزية في دولة الكيان الصهيوني بداية الأسبوع الحالي، في مظاهرة حاشدة احتجاجا على «قانون القومية» العنصري الفاشي، وقاطع نتنياهو اجتماعا مع ممثلي الطائفة الدرزية بسبب تواجد أحد أعضاء الوفد الدرزي، كان قد وصف القانون بالعنصري! جملة القول أن لا الوضع الخاص الذي يعيشه الدروز في الكيان الفاشي، ولا محاولة العديدين منهم إثبات ولائهم للكيان من خلال الخدمة في جيشه الاحتلالي القمعي، ولا اضطهادهم لإخوتهم الفلسطينيين العرب، سيجعلهم متساوي الحقوق مع المستوطنين الغرباء في «إسرائيل». ليس أكثر من عصابة أنطوان لحد قدّمت خدمات كبيرة لأسيادها الصهاينة، وبعد انتصار المقاومة اللبنانية وهروب جيش الكيان من جنوب لبنان في جنح الليل، لم تقبل أي بلدة يهودية إسكانهم فيها! مصّتهم دولة الكيان مثل ليمونة، وبعد أن زال عصيرها رمتهم في سلّة المهملات. كما أن العروبة والإسلام ليسا حُكما بالوطنية على من يعتنقهما، فهناك ممن يسمّون عربا ومسلمين يتحالفون مع إسرائيل جهارا نهارا، ويدّعون بأن لدولة إسرائيل الغازية والطارئة، الحق في فلسطين والقدس، كذلك ليست الدرزية عنوانا للعمالة لدولة الكيان! فكل شاة تعلق من عرقوبها، كذلك، لا تزر وازرة وزر أخرى، نحكم على الشخص بأفعاله. نأمل من قيادة الطائفة الدرزية التأكيد على عروبة الدروز، وعدم الخدمة في جيش الاحتلال البغيض، والتنسيق مع أهلنا الفلسطينيين العرب في المنطقة المحتلة عام 1948.
كاتب فلسطيني

قد يعجبك ايضا