قمة هلسنكي والمياه كقطبة توتر روسية أوكرانية قادمة … التوظيفات الجيوسياسية المشروعة لمونديال روسيّا … شروع اليانكي الأمريكي في بناءات قاعدة استخبارات معولمة في أربيل

نتيجة بحث الصور عن محمد احمد الروسان

المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) السبت 14/7/2018 م …




*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

سؤال : هل يدرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كنه أنّ أوكرانيا وروسيّا توأمين سياميين ولدوا من بطن واحد، وهو يعقد قمة مع فلادمير بوتين في هلسنكي؟

روسيّا تدرك أنّ هناك محاولات أمريكية وغربية واسرائيلية وبعض عربية واهمة، كلّها تسعى لتفخيخ روسيّا من الداخل، وموسكو تعي أيضاً أنّ ترامب مضغوط عليه من القوى الأمريكية الخفية، التي دفعت به رئيساً ثم ندمت على دعمه، أو أنّها رأت هذه القوى غير الظاهرة، أنّ الرياح جرت بما لا تشتهيه سفنها المعولمة، مع عدم انكارها لروسيا واغفالها للقوّة الميثولوجية للأمبراطورية الأمريكية، وهذا مؤشر قوي على حكمة وواقعية القيادة الروسية ونخبة نواتها الصلبة التي تعمل كفريق واحد، ان لجهة السياسي والدبلوماسي، وان لجهة الأقتصادي والمالي، وان لجهة العسكري والمخابراتي، وان لجهة الثقافي والفكري في تعزيز الشعور القومي الروسي.

العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي قلقة على امدادات قواتها في أفغانستان حيث40% من هذه الأمدادات الضرورية تمر عبر الأراضي الروسية وبالتالي هي بحاجة الى موسكو، لذلك البنتاغون الأمريكي غير مرتاح لمسارات السياسة والدبلوماسية الأمريكية ومسارات التشريع في الكونغرس ازاء روسيّا بسبب الملف الأوكراني وعقابيلة وتداعياته المعقدة، والهوّة شاسعة بين الدولتين وهي أعمق من حرب باردة وشراسات استخباراتية بين البنى المجتمعية المخابراتية في كلا المجتمعين ذات تداعيات عرضية ورأسية، وعمليات تعبئة أيديولوجية تاريخية باحتقانات استراتيجية وسياسية على طول خطوط واشنطن موسكو، لا حلّ لها باعتقادي الاّ بانفجارات مبرمجة بشكل ثنائي، لأعادة انتاج صيغ أخرى لقواعد اللعبة الأممية واسقاطاتها، لوضع لبنات جديدة بجانب الموجود منها نحو عالم متعدد الأقطاب، ولن يكون آخرها اتهام وزارة العدل الأمريكية لأثني عشر ضابطاً مخابراتياً روسيّاً بقرصنة ايميل هيلاري كلنتون لعام 2016 م، وهذه الأتهامات تجيء عشية قمة هلسنكي وفي سياقات تخريب أو التشويش على القمة الهامة كما وضفها الكرملين نفسه.

للولايات المتحدة الأمريكية متاهاتها الأستراتيجية العميقة، حيث كانت المتاهة الأولى لها في الأفغانستان وما زالت، ثم العراق وما زالت وعبر بناءات لقنصلية أمريكية في اقليم كردستان العراق لكي تكون أكبر قاعدة تجسس لها في المنطقة بعد سفارتها في بغداد تعود وحاضرة بقوّة من جديد، لغايات العبث بايران وتركيا وسورية والعراق نفسه عبر حلفائها، ومن خلال الأحتجاجات الأخيرة والمتصاعدة.  

فسورية الأصعب والأشد وما زالت، والآن المتاهه الأوكرانية وعقابيلها التي تتدحرج ككرة الثلج، الى المتاهة العرضية في شبه القارة الهنديّة حيث تتفاعل من جديد، ثم جاءت المتاهه اليمنية الحالية، فأم المتهاهات العامودية والعرضية الأستراتيجية الدولاتية الأمريكية، هي المتاهه السورية الأصعب والأعمق والأشد، والنتيجة فيها تحدد مصير المتاهات الأخرى وشكل العالم الجديد. انّ جنين الحكومة الأممية (البلدربيرغ الأمريكي) هو صاحب هذه المتاهات وصانعها، فيستغل حالة الأستعصاء الدولي والأحتقانات الشاملة كنتاج للحدث والمسألة السورية، وما خلّفته من سحب دخانيّة سوداء عميقة قد تستمر لسنيين عديدة، من شأنها أن حجبت وتحجب عيون العالم عن ساحات أخرى من المعمورة، لا تقل أهميتها الأستراتيجية عن أهمية سورية أو أهمية الحدث الأوكراني الحالي مثلاً، وكذلك الحدث اليمني الآني(تحاول واشنطن وصع استراتيجية خروج للسعودي منه قد تكون عبر الفرنسي)، من أجل تحقيق عمق مصالحه ومكتسباته كحكم أممي(حكم البلدربيرغ الأمريكي)، وربط اقتصاديات العالم من جديد بالأقتصاد الأمريكي، للخروج من الأزمة الأقتصادية الأمريكية الحالية، والتي في حالة استمرارها وتفاقمها، أن تقود الى افلاس الولايات المتحدة الأمريكية. أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي نعم، وهذا صحيح الواقع وعلم الرياضيات السياسية، وليس من الحكمة بمكان أن يقاتل العدو الغربي والأمريكي على العتبة البيتيّة، لأنّه هنا صار داخل البيت فتمّ ويتم مقاتلته داخل عقره وحدائقه الخلفية، عبر تعزيز وبناءات جديدة للقواعد العسكرية الروسية في كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام، فمحور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من غرب وبعض عرب متصهين واهم ومخادع عرض المعادلة التالية بكل بساطة: سورية مقابل أوكرانيا فتمّ الرفض الروسي(بلا)، حيث الموقف الروسي قائم على رؤية بعيدة المدى واستراتيجية دقيقة متماسكة وحسابات علم الرياضيات السياسية، حيث أوكرانيا لا تشكل سوى جزء ومهم ولكنه محدد، حيث المشتركات بين الحدث السوري والحدث الأوكراني في الجغرافيا والأستراتيجيا.

نعم الوجود العسكري الروسي على الشاطىء السوري يمثل حالة التوازن مع الوجود الأطلسي في تركيا، بل لكسر هذا الحاجز التركي الأطلسي الذي أريد له أن يشكل مانعاً من تدفقات الوجود الروسي في جنوب تركيا، وبالتالي واهمون وسذّج من يعتقدون أنّ الوجود الروسي في سورية وعلى الساحل في طرطوس، هو وجود ثانوي نسبة الى حضورها في شبه جزيرة القرم، فروسيّا الخارجة من سورية هي روسيّا الغارقة عندّ عتبتها الأوكرانية، وهي روسيّا المقفل في وجهها بحرها الأسود( رئتها)، باختصار روسيّا الخارجة من سورية كما يريد المحور الصهيوني الأمريكي الغربي البعض العربي الواهم والمخادع، يعني روسيّا الخاسرة لمصالحها الأستراتيجية والفوق الأستراتيجية، كون جوهر معركة موسكو ليس في أوكرانيا بل في سورية، والأخيرة هي جوهر الفكرة وبالتالي هي المعركة الكبرى والأولى( أي المعركة في أوكرانيا)هي ثغرة صغيرة ولكنها مهمة. روسيّا نجحت بتمنهج في جعل عنوان النسق السياسي السوري العقدة والحل معاً، لا بل وعقدة الحل نفسه حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، ونكايةً بالطرف الخارجي بالحدث السوري من أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وبعض العرب، والروس أرسوا توازناً دقيقاً حال وما زال يحول دون تدخل عسكري خارجي في سورية، كما يحول دون سقوط الرئيس الأسد واخراجه كرهاً أو حبّاً، من أتونات المعادلة السورية الوطنية، إن لجهة المحلي وتعقيداته، وان لجهة الإقليمي وتداعياته ومخاطره، وان لجهة الدولي واحتقاناته وتعطيله وأثاره على الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي أثاره على نسب النمو الاقتصادي واستعادة المنظومة الاقتصادية الأممية لعافيتها، بعد أزمة الرهن العقاري وارتباطاتها في الولايات المتحدة الأمريكية(شرارة وجوهر الأزمة الاقتصادية الأممية). كما نجحت موسكو وبقوّة بأن جعلت الأسد ونسقه السياسي طرفاً رئيسياً في التسوية، وان بقاء الأسد ونسقه ليس فقط ثمناً من أثمان مسألة التسوية الكيميائية السورية، كما يظن السذّج من الساسة والذين تمطى رقابهم كالعوام، بل أنّ الرئيس الأسد وموضوعة بقائه صارت بفعل الدبلوماسية الروسية الفاعلة والجادة، خارج دائرة التفاوض والمساومة ومسألة خارج النقاش بالنسبة لموسكو وإيران ودول البريكس. وبالتالي مسألة الحوار مع النسق السياسي السوري، لم يعد مشروطاً برحيل الأسد أو تنحيه، لقد غرسوا الروس غرساً، من الأفكار في عقل جنين الحكومة الأممية ملتقى المتنورين من اليهود الصهاينة، والمسيحيين الصهاينة، والمسلمين الصهاينة، والعرب الصهاينة، بأنّ ما يجري في دمشق يجري في موسكو ودفاعهم عن دمشق دفاع عن موسكو. وحيث كانت المسألة السورية وحدثها بالنسبة لها، مدخلاً واسعاً لرسم معادلات وخطوط بالألوان والعودة إلى المسرح الأممي، من موقع القوّة والشراكة والتعاون والتفاعل بعمق، وتحمّل المسؤوليات ضمن الأسرة الدولية الواحدة في عالم متعدد الأقطاب، لأحداث التوازن الأممي الدقيق في شتى الأدوار والقضايا بما فيها الصراع العربي – الإسرائيلي كصراع استراتيجي وجودي في المنطقة والعالم، بالنسبة للعرب الحقيقيين، والمسلمين الحقيقيين، لا عرب صهاينة ولا مسلمين صهاينة، ولا عرب البترول والغاز. من حق روسيّا ونواتها وعنوان الأخيرة الرئيس بوتين أن يقول: ثبات وتماسك الجيش العربي السوري العقائدي ضمن وحدة وثبات النسق السياسي السوري، وعنوان هذا النسق الرئيس الأسد قد جلبوا للفدرالية الروسية العالم أجمع.  ولم تكن وزارة الخارجية الروسية يوماً ما، قسماً ملحقاً بوزارة الخارجية الأميركية، بل على العكس تحولت موسكو في عهد الرئيس بوتين إلى طرف نشط يقدم مقترحات ويدافع عنها، فالدبلوماسية الروسية تسعى جاهدةً وبثبات لاستعادة مواقع النفوذ التقليدية لدبلوماسية الاتحاد السوفياتي السابق، من خلال التخلي عن العامل الأيديولوجي والتركيز على عامل المصالح الإستراتيجية بالدرجة الأولى، معطوفاً على ما يمكن أن توفره موسكو بفضل موقعها كقوّة عظمى لها دور رئيسي في مجلس الأمن الدولي وفي الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، بالرغم من أنّ ملف السلام صار ملف إسرائيلي داخلي، تنهيه الأخيرة مع الجانب الفلسطيني لوحدهما، ولم يعد ملفاً أمريكيا رئيسي كما تروج بعض وزارات الخارجية العربية والتي تمارس دبلوماسيات الصعاليك(سوى في التسهيل الأمريكي لما يسمى بصفقة القرن)، والروسي والصيني يتقاطعان ويتعاونان مع الفلسطيني والأردني لأفشال هذه الصفقة، والتي ستكون على حساب الشعبين الأردني والفلسطيني ان نفذت، ولصالح نظام سياسي بديل برأس جديد في الأردن.

وتأتي عودة موسكو على الجبهة الدولية والجبهات الإقليمية الأخرى، على أساس الاستفادة من الصعوبات التي تعاني منها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وهذا يمنحها صك تواصل وانفتاح على تلك الأطراف التي لا تتعامل معها واشنطن، حيث تستفيد وتوظف موسكو بؤر النزاعات والملفات الساخنة لأسماع صوت مختلف عن الصوت الأمريكي والغربي بشكل عام، وهذا ما يجعلها مسموعة ومقبولة لدى الجانب العربي لوقوفها إلى جانب حقوقه المشروعة، وأقلها إقامة دولته على الأراضي المحتلة لعام 1967 م وعودة القدس الشرقية لتكون عاصمة لتلك الدولة وعودة اللاجئين والنازحين إليها، فروسيا اليوم لاعب نزيه وحقيقي وعادل في  كواليس الصراع العربي الإسرائيلي وجوهره(القضية الفلسطينية)، كما هي لاعب نزيه وعادل وحقيقي في تداعيات ما يسمّى بالربيع العربي، ودورها الحقيقي والفاعل والمتصاعد في الحدث السوري، للحفاظ على الدولة السورية وعلى الأمن والسلم الدوليين . الآن تمثل جهود روسيا الفدرالية، بمواقفها المختلفة إزاء ما يجري على عتبة بيتها في أوكرانيا، وازاء الحدث السوري وإزاء إيران وبرنامجها النووي السلمي، وإزاء الدور التركي المتلون وكافة الملفات الأخرى في المنطقة وعلى رأسها الملف اليمني، وبما فيها ملف التسوية السياسية، هذه الجهود الإستراتيجية والتكتيكية تشكل رسائل جديدة تحمل الإشارات التالية: بدء عودة روسيا لمنطقة شرق المتوسط،  من أجل ملء الفراغ الذي خلَفه انهيار الإتحاد السوفياتي، ردع النفوذ الأمريكي في المنطقة، عن طريق التأكيد بانّ أمريكا لن يكون في وسعها الإنفراد الكامل بممارسة النفوذ على المنطقة، ردع الأسرائليين من مغبة اعتماد استخدام القوّة الغاشمة المرفوضة، ودبلوماسية العمل من طرف واحد عن طريق وضع الأسرائليين أمام روادع على النحو التالي :

إنّ موسكو تمثل لاعباً دولياً مؤثراً في الساحة الأممية، لأنّ لها دوراً كبيراً في إدارة الصراع الدولي الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية، إنّ موسكو قادرة على تعزيز قوّة الأطراف الأخرى، وإعادة نظام سباق التسلح الذي سبق أن شهدته المنطقة على النحو الذي يضعف التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي الحالي، ولموسكو خارطة طريق جديدة في الشرق الأوسط، حيث تتحدث المواقف الروسية عن نفسها، بأنّ موسكو تسعى حالياً إلى معاقبة الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق القيام بلعب دور معاكس لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، رداً على دور واشنطن المعاكس في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم تحديداً، وفي منطقة البلقان وشرق أوروبا ودفاعاً عن مصالحها الإستراتيجية عبر الحدث السوري، لقد فعلت موسكو وعبر دبلوماسيتها الجادة فعلها ومارست شتّى الضغوط، على “إسرائيل” و واشنطن في الشرق الأوسط، إلى عقد تفاهمات بين موسكو و واشنطن تتراجع بموجبها واشنطن عن استهداف النسق السياسي السوري، وتقديم تنازلات لموسكو في ملفات نشر برنامج الدفاع الصاروخي والقواعد العسكرية الأمريكية وغيرها، وبالمقابل تتراجع موسكو عن ملفات الشرق الأوسط غير الإستراتيجية، وعدم استهداف المصالح الأمريكية وخاصة في جورجيا على أن يكون ذلك بالتفاهم معها.

ولكن على العكس تماماً، تبدو التحركات الروسية وهي تشي  إلى أنّ ثمة  خارطة طريق روسية دولية، تقوم موسكو بتقفي معالمها الرئيسية، فاستطاعت موسكو أن تضعف الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى عن طريق الاتفاقيات الثنائية مع دولها الخمس: تركمنستان، أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، وكيرغيزستان. منطقة الشرق الأقصى: تحركات روسيا في ملف الأزمة النووية الكورية الشمالية بحيث أدّت إلى إضعاف الموقف الأمريكي المتشدد في المنطقة، ويضاف إلى ذلك انخراط روسيا – بكين ضمن منظمة تعاون شنغهاي كمنظمة إقليمية، التي استطاعت أن تفرض نفوذها الجيويوليتيكي على الإقليم الأوراسي الذي يضم روسيا، الصين، منغوليا، دول آسيا الوسطى، والذي سبق أن أجمعت كل النظريات الإستراتيجية على انّه يمثل مفتاح السيطرة على العالم باعتباره يمثل منطقة القلب الاستراتيجي لخارطة العالم . من ناحية أخرى، إن انخراط روسيا في أجندة الصراع العربي – الإسرائيلي ضمن جهد شامل ونوعي، بالإضافة لما ذكر سابقاً في متن هذه القراءة السياسية، يهدف من جهة أخرى مكافحة ومواجهة انخراط واشنطن المتزايد في إقليم أوراسيا( آسيا الوسطى، القوقاز، القفقاس )، كذلك البدء بالتحركات المتعلقة بالملف النفطي، مع كل من مصر والجزائر وغيرها من البلدان الشرق الأوسطية  النفطية، لبناء قوّة ناعمة نفطية روسية لجهة بناء تحالف نفطي روسي – شرق أوسطي . حتّى الآن، تنظر التحليلات الأمريكية إلى أن التحركات الروسية في الشرق الأوسط تهدف إلى معاقبة أمريكا، ولكن كما هو واضح فانّ التحرك الروسي يمكن أن يكون جزئيّاً بسبب هذه المعاقبة، وما لم تنتبه إليه التحليلات الأمريكية الصادرة حتّى الآن، هو أنّ روسيا قد باشرت التصدي للسلوك الأمريكي في ملف كوسوفو ومنذ البدء وقبل أكثر من عقد من الآن، عن طريق استخدام الملف الجورجي وتداعيات هذا الاستخدام الروسي المشروع من وجهة نظر موسكو، على اعتبار أنّ ذلك يمس أمنها القومي ومجالها الحيوي، والآن الملف الأوكراني والملف السوري وما يمثله ذلك من مخاطر حقيقية على الأمن القومي الروسي.

بعد أن نجحت ببراعة ومهنية عالية الفدرالية الروسية، عبر كوادر منظومات حكمها بزعامة الرئيس فلادمير بوتين والدولة الأكثر عمقاً في مفاصل ما تحت السطح ومفاعيل وتفاعلات ذلك، في تنظيم نهاية كأس العالم لكرة القدم مونديال 2018 م في جغرافية الروس بحواضن ديمغرافية داعمة ومساندة للحكومة هناك، وكذلك بعد الأنتهاء من تنظيمات أولمبياد سوتشي القادمة، سيقوم الكرملين بتوظيفات وتوليفات سلال النجاح تلك، لكي تخدم المصالح العليا للشعب الروسي ومكانته المتجددة والصاعدة، بفعل الشعور القومي الروسي الذي أعاد انتاجه قائد وزعيم بمواصفات مهنية عالية كفلادمير بوتين، ودفعها في مسارات ومسارب وقنوات عريضة، باتخاذ إجراءات هجومية في السياسة الخارجية الروسية، تعيد التمرد والتنمّر الأمريكي الى جادة صوابه. موسكو تعي أنّ تنظيمها لكأس العالم 2018 م ليس الهدف النهائي لها، بل هو خطوة صغيرة للقادم من جبل الأستراتيجية الروسية المتنامية دفاعاً وهجوماً، انّه وسيلة مشروعة لتحقيق ما هو أكثر أهمية من جبل الأستراتيجية الروسية المتفاقمة، حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، وعلى الأستقرار في العلاقات الدولية، علاقات يسودها التعاون والتنمية، لا علاقات تسودها المواجهات والأستنزاف لحياة الكثير من شعوب الأرض. وصحيح منطق وواقع وصواب، أحسب أنّ الأحداث الرياضية تقوي صورة موسكو وسلطة منطومات حكم الرئيس بوتين داخل البلاد وفي نظر المجتمع الدولي، مما يسمح للكرملين باتخاذ قرارات مصيرية بشأن الأعمال الهجومية في الخارج وفي بؤر الخلاف مع الكابوي الأمريكي(سنلحظ ذلك بعد مفاعيل قمة هلسنكي على جلّ ملفات الخلاف الدولية بين العملاقين)، حيث العملاق الروسي في وضع أكثر قوّة وفائدة وفقاً لمفاهيم أي اتفاق تخادم مصالح بين واشنطن وموسكو والأوروبي خارج معادلة التخادم هذه، الاّ بما من شأنه أن يعمّق من انقسامه وزعزعة استقراره، وأكثر من أوضح وشرح ذلك هو وزير الخارجية الفرنسي وأردف بأنّ فرنسا لن تسمح بذلك بالتنسيق مع جيرانها ويقصد ألمانيا تحديداً، خاصةً وانّ الرئيس دونالد ترامب يؤيد عودة الفدرالية الروسيّة إلى مجموعة الدول الصناعية الثمانية. موسكو ستعمل لاحقاً وبعد وضع النتائج الأيجابية للمونديال المنتهي للتو، في خدمة ماكينزميات الإجراءات المحتملة للكرملين في تصعيدات تفعيل دورها ان في سوريا، وان في إنجاز العمل في أوكرانيا من خلال توسيع الوجود العسكري، وان في تعزيز التعاون مع حكومات النمسا وإيطاليا، وان حتّى في اضعاف مكانة وقوّة أنجيلا ميركل للبدء في محاولات الأطاحة بها، وفي نفس الوقت سيعمل الرئيس القومي الروسي بوتين على جعل نجاح المونديال 2018 م ذو السمة الروسية، أداة ليس فقط للانتقال إلى الهجوم، بل فرصة لإقامة علاقات مع أوروبا بعد سنوات من العقوبات، وممكن عبر تفاهمات قد تظهّر لاحقاً بعد قمة(العملاقين الروسي والأمريكي)في هلسنكي القادمة – فلنندا. نعم بلا أدنى شك، ستعمل موسكو بكارتلات مفاصل حكمها بتوجيه من الرئيس بوتين، بالتأكيد على توظيف كأس العالم وفقاً لمفهوم التخادم في المصالح لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية، والقطبة في تلك الطموحات المشروعة – ملف المياه على طول خطوط علاقات موسكو كييف، في نقطة التوتر الرئيسية وهي أوكرانيا. الحرب على المياه بين أوكرانيا وروسيا يمكن أن تبدأ في أي لحظة بعد نهائيات كأس العالم، حيث ثمة وقائع ومعطيات تشير الى وجود تناقضات في البحر الأسود وبحر آزوف، فضلاً عن أن أوكرانيا تعيق إمدادات المياه في الأراضي الروسية في شبه جزيرة القرم وهي أرض روسية بامتياز(هذا ملف توتر على شكل قنبلة نووية تكتيكية بين واشنطن وأوروبا من ناحية، وموسكو من ناحية أخرى). وذلك من خلال استخدام مياه نهر دنيبر. لذلك فإن الصراع على الموارد المائية سيسبب بؤر نزاع جديدة بين أوكرانيا وروسيا. مونديال روسيا 2018 م قوّى صورة الكرملين في نظر العالم وشعوب الفدرالية الروسية وحلفائها، ونجح في لفت انتباه الجماهير الأجنبية الى روسيّا الجديدة العائدة بقوة وثبات، وعلى مختلف الميادين والصعد والمواجهات الباردة والساخنة مع العملاق الأمريكي الآخر ككابوي، حيث سياساته – الأمريكي – لا تنفذ طلقاتها تماماً كما في الأسلحة في أفلام الآكشن الأمريكة الهيلولوديّة. والتساؤل هنا وبعمق هل الاستنتاجات حول العدوان المقبل تشير إلى تقييم متحيز للوضع؟!. وهل شائعات هجوم الفدرالية الروسية الوشيك بعد المونديال الروسي 2018 م ومونديال سوتشي القادم، على بؤر التوتر الأممية الخلافية مع الثور الأمريكي، يمكن اعتبارها بأنّها: ليست سوى محاولة لإلقاء اللوم على موسكو، بسبب الأزمة التي نشأت في المعسكر الأطلسي مؤخراً في قمة الناتو، والخلافات الأوروبية الأمريكية العامودية والعرضية ما بعد انسحاب أمريكي أحادي الجانب من الأتفاق النووي الأيراني، وفرض عقوبات أمريكية مؤلمة على الحلفاء في أوروبا والعالم ان ساد التعاون بينهم وبين ايران؟! وما علاقة كل ما ذكر أنفاً، بشروع الأمريكي في بناء أكبر قنصلية له في العالم في أربيل كقاعدة تجسس متقدمة في المنطقة، بعد أن بنى سابقاً أكبر سفارة له في الشرق الأوسط في بغداد؟ أمريكا لم تكن فقط السبب في عدم استقرار العراق والمنطقة، بل هي أيضاً السبب الرئيسي للمشكلات والأزمات التي اُبتليت بها دول المنطقة، وهي لم تتجاهل أو تنسى بعد خطة بايدن لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم فدرالية، وواشنطن لا تزال تبحث عن هذا الأمر، ويأتي تخطيطها الآن لبناء أكبر قنصلية في أربيل في هذا السياق، ومن جهةٍ أخرى فإنّ بناء هذه القنصلية يشير إلى أن أمريكا أعدّت خططاً للعراق والشرق الأوسط، وإنها ستنطلق من إقليم كردستان العراق لتنفيذ خططها تلك في المستقبل، وهذه حقيقة أن لدى أمريكا استراتيجية خاصة لدول المنطقة، وقد رتّبت أوراقها ومصالحها الخاصة في هذه الاستراتيجية، وتسعى واشنطن وبأي ثمن لتنفيذ هذه الاستراتيجية. على الصين والفدرالية الروسية من جهة، وايران وبغداد وتركيا وسورية والأردن ومصر، من جهة أخرى، أن تعمل فريقاً واحداً مع القوى الحيّة في اقليم كردستان، بأن لا تصبح كردستان رأس حربة ضد الدول الأخرى، وهنا يتعيّن على السياسيين العراقيين الأكراد أن يكونوا يقظين في هذا الصدد، فواشنطن يا سادة لديها خططها الخاصة لمواصلة وجودها في المنطقة وذلك لمواصلة نهب المنطقة وجني خيراتها سعياً لتحقيق مصالحها، ألم يصرّح دونالد ترامب وهو الناطق الرسمي باسم البلدربيرغ الأمريكي – جنيين الحكومة الأممية، مراراً وتكراراً بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية، تكبّدت الكثير من التكاليف المادية والبشرية في سبيل احتلال العراق. ومع كل ذلك نقول لهذا الثور الأمريكي الهائج، فإنّ إحكام سيطرتكم على العراق لن تكون سهلة أو قريبة المنال، ويأتي اليوم يا عرب يا عرب  يا عرب، بناء قنصليتهم لهؤلاء الأمريكان في أربيل، لتكون مركزاً مهمّاً ومتقدماً لهم، كما ستكون هذه القنصلية مسؤولة عن إدارة سياسات واشنطن في العراق والمنطقة بشكل كامل في المستقبل، ونطالب من من يملك ممثليات دبلوماسية من العرب هناك في اقليم كردستان العراق، عدم التعاون معهم وعلى الأقل مخابراتياً وفي تبادل الملعلومات، وتحديداً من مصر والأردن وباقي الدول العربية كالسعودية والأمارات.انّ دوافع قبول حكومة كردستان العراق بناء هذه القنصلية الأمريكية، تتموضع كما أعتقد بعدم ثقة الحكومة المحلية الكردية بالحكومة المركزية في بغداد هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الدول الإقليمية لم تتمكن من حل مشكلات حكومة أربيل مع بغداد، ومن المتوقع أن تتزايد تلك المشكلات مع مرور الوقت، لذلك تريد حكومة الإقليم العثور على مدافع عنها، يمكن الاعتماد عليه في المستقبل في ظل اقليم مضطرب، فوجدت واشنطن الفرصة مواتية لها لبناء هذه القنصلية في أربيل. واشنطن دي سي أيّها النظام الرسمي العربي، ليست صديقة أو مدافعة عن أي دولة أو جماعة، كما أنها لا تسعى سوى لتحقيق المصالح التي رسمتها لنفسها، وما مصير شاه إيران السابق، والرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك إلّا مثال على تخلي أمريكا عن حلفائها، بما فيهم الكرد – مثال مسعود البرازاني ووالده الملا مصطفى البرازاني، لذلك قلنا مراراً وتكراراً بأن تكون حليفاً لأمريكا أكثر خطورة من أن تكون عدواً لها، وان كان العداء لها وللغرب له تكلفة، لأنّك ستكون انبطاحيّاً وتزحف على شفاهك لتنفيذ مخططاتها وعلى نفسك بنفسك. فالمنطقة الجغرافية الكبيرة في اقليم كردستان العراق، التي قرّرت أمريكا بناء قنصليتها عليها يمكن أن تشمل كل ما تريده واشنطن، وهنا يمكن مشاهدة أنّ العلاقات الأمريكية التركية قد خضعت لعدد من التغييرات على مدى السنوات الماضية، حيث رفضت أنقرة مراراً الاستجابة للطلبات الأمريكية لاستخدام قاعدة إنجرليك الجوية، ويمكن أن تكون الرغبة الأمريكية لبناء هذه القنصلية الكبيرة ردّاً على الرفض التركي، وعلى كل الأحوال فإنّ آثار هذه القنصلية ستكون أكثر وضوحاً في المستقبل. والوضع السياسي الغامض نسبياً في العراق، مع تصاعد الأحتجاجات العراقية الشعبوية المطلبية في الجنوب وتوسعها الجغرافي، يعود في جزءٍ كبير منه إلى أن الانتخابات البرلمانية العراقية وحتى الآن لم يُحسم أمرها، ومن جهةٍ أخرى فإنّ معضلة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لاتزال يكتنفها هي الأخرى حالة من الغموض، ومن غير الواضح أيُّ مستقبلٍ سيكون في انتظار العراقيين(ومن هنا يجيء لقاء نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف مع مستشار الأمن القومي العراقي فالح الفيّاض ورئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية)لننتظر والأيام بيننا يا رفاق.

[email protected]

5345541 عمّان                    

سما الروسان في 14 – 7 – 2018 م.

قد يعجبك ايضا