ويلٌ لأمّةٍ تعتبر السيّد نصر الله إرهابيًا / زهير أندراوس

زهير أندراوس ( فلسطين ) الإثنين 9/7/2018 م …




الحملة السافرة التي تقوم بها الإمبرياليّة والصهيونيّة وأدواتهما في الوطن العربيّ لشيطنة سيّد المقاومة، الشيخ حسن نصر الله، وبطبيعة الحال حزب الله، مرّدها باعتقادنا المتواضع، أنّ الاستعمار الثقافيّ تمكّن عبر الوكلاء في الدول العربيّة من تأجيج الخلافات بين أبناء الأمّة العربيّة، إذْ تحوّل العداء الطائفيّ المقيت والبغيض بين المسلمين والمسيحيين، إلى صراعٍ مذهبيٍّ بين السُنّة والشيعة والعلويين، وهذا الصراع يُساهم إلى حدٍ كبيرٍ في تفتيت وتمزيق النسيج الاجتماعيّ للأمّة العربيّة من محيطها إلى خليجها، ويُجزأ المجزأ، ويُقسّم المُقسّم، ويصرف الأنظار عن أنّ عدّونا الأوّل والأخير كان وما زال وسيبقى الاستعمار وصنيعته الحركة الصهيونيّة، التي لا تتوقّف أطماعها في اغتصاب فلسطين التاريخيّة، بلْ تذهب إلى أبعد من ذلك، إنّها حركة كولونياليّة عنصريّة بامتياز تهدف إلى السيطرة العمليّة على الوطن العربيّ من ألفه حتى يائه. ومن المُهّم جداً الإشارة إلى مقولة أرييل شارون: جميعنا يجب أنْ يتحرّك، أنْ يركض، يجب أنْ نستولي على مزيدٍ من التلال، يجب أنْ نُوسّع بقعة الأرض التي نعيش عليها، فكلّ ما بين أيدينا لنا، وما ليس بأيدينا يصبح لهم.

والسيطرة على العالم العربيّ، لا تتّم بالحروب، وها هو أحد أكبر منظري الصهيونيّة، الجنرال في الاحتياط يهوشافاط هيركابي يقول: لقد قاتلنا العرب في عدة حروب وهزمناهم عسكريًا، لكن في اثر كل حرب يتولّد مشهد سياسيّ أكثر تعقيدًا وتزداد مشكلتنا مع العرب تعقيدًا. ويُضيف: لذلك فإنّ الحرب ضدّ العرب لن تمنح الأمن لإسرائيل، بل كلّ حربٍ تلد أخرى، وأنّ أفضل طريقة هو التركيز على التسوية السياسيّة، وفي هذه من الممكن أنْ نحقق الانتصار النهائيّ على العرب، ومن الممكن أنْ نأخذ من العرب على طاولة المفاوضات أكثر ممّا نأخذ منهم في الحرب. وبرأي البروفيسور هركابي: طبيعة العقل العربيّ والشخصية العربيّة تؤكّد لنا ذلك. فالعربيّ عنيد في الحروب والمواجهات، ولكنّه مَلُول في الحوار والمفاوضة ومن الممكن، ولأنَّه قصير النَفَس وفاقد للرؤية السياسيّة ومُهشم من الداخل نتيجة الهزائم العسكرية المتكررة، استخلاص مكاسب سياسيّة عديدة منه على طاولة المفاوضات.

وغنيٌ عن القول إنّ هركابي بات الأب الروحيّ لحزب العمل الإسرائيليّ. كما أنّه أصبح يُشكل مدرسة سياسية في ذاتها، لذلك نلاحظ أنّ حزب العمل يؤكّد دائمًا على التسوية السياسيّة في برنامجه. فلو بُعث هركابي من قبره وسأله الرئيس بوش قبل غزو العراق في العام 2003 وقال له: هل نغزو العراق؟ لكان جواب هركابي: لا انصح بالغزو العسكريّ، ولكن بالغزو السياسيّ، فالغزو السياسيّ في بلاد العرب يُحقق نتائج على الأرض أكثر من الغزو العسكريّ، ولو غزوت عسكريًا سيتولّد مشهدًا سياسيًا أكثر تعقيدًا من وجود الرئيس العراقي صدّام حسين الآيل للسقوط. ويبدو أنّ الإدارة الأمريكيّة تعلّمت من درس العراق خلاصة مقولة هركابي، وبعد أنْ كانت تُهدد كلاً من إيران وسوريّة انخفضت وتيرة التهديد وأخذت الولايات المتحدة تكثف من وتيرة الضغط السياسيّ، الذي يُركّز على سياسة التفكيك والترويض لكلٍ من إيران وسوريّة. بكلماتٍ أخرى: إنّهم “يعالجوننا” الآن على طريقة هركابي. لا حرب ولا عسكر بل غزو سياسيّ طويل الأمد وتغلغل ثقافيّ وتفكيك سياسيّ واجتماعيّ للبنى الاجتماعيّة والسياسيّة التقليديّة ذات النظرة غير الوديّة للتدخلات الأمريكيّة في الشؤون العربيّة، خاصّة في الشأن الثقافيّ والدينيّ والحضاريّ.

وعودٌ على بدء: نقول ولا نجزم وشهد شاهدٌ من غير أهله، ونُوجه حديثنا إلى العرب الذين باتوا يُسّمون سيّد المقاومة شيطان الله. الصحافي والمستشرق الإسرائيليّ داني روبينشتاين قال: “حسن نصر الله هو شخصيّة عظيمة، تشخص لها أبصار الفلسطينيين والشارع العربيّ، بدرجةٍ تفوق عبد الناصر في زمنه، عبد الناصر صمد في حرب حزيران ستة أيام، أمّا حسن نصر الله فقد حبس رُبع سكان إسرائيل في الملاجئ أكثر من أربعة أسابيع”. ونحن نعلم أنّ المقارنة بين الرجلين ليس في مكانها، وندري أنّ الإعلاميين الصهاينة يعملون بدون كللٍ أو مللٍ على تأليب الرأي العام العربيّ بشتى الوسائل ضدّ الرموز التاريخيّة، كما ندري أنّ الإعلام العبريّ هو ليس أكثر من كتيبةٍ عسكريّةٍ متطوعّة لصالح ما يُسّمى بالإجماع القوميّ الصهيونيّ، ومع ذلك نجد لزامًا على أنفسنا التذكير، هذا إنْ نفعت الذاكرة، بأنّ أحد استطلاعات الرأي العام الذي تمّ إجراؤه في إسرائيل أكّد بشكلٍ يقطع الشكّ باليقين على أنّ 80 بالمائة من الصهاينة في دولة الاحتلال، يُصدّقون كلّ كلمة يُطلقها السيّد نصر الله، بينما لا يؤمنون بتصريحات قادتهم. وفي هذه العُجالة يجب التأكيد على أنّ المثقفين والكتّاب العرب، الذين يزعمون أنّ سبب تراجع التأييد لحزب الله في الشارع العربيّ مردّه التدّخل العسكريّ للحزب في الأزمة السوريّة لصالح النظام الحاكم، إنّما يكذبون على أنفسهم أولاً، ويخدمون من حيث يدرون أوْ لا يدرون الأجندة الأمريكيّة والإسرائيليّة، ثانيًا. يجب قول الحقيقة بدون “رتوش”: من وجهة نظر الإمبرياليّة فإنّ محور إيران، سوريّة وحزب الله وحماس هو الـ”محور الشر”، وفق تسمياتهم، التي للأسف تبنّاها العديد من العرب، والمحور الثاني هو الـ”محور السّنيّ المُعتدِل” الذي تقوده السعوديّة، وهذا المكان للتذكير بأنّ دول مجلس التعاون الخليجيّ اتخذّت قرارًا يعتبر حزب الله تنظيمًا إرهابيًا.

نرفض تقديس الشخصيات، ونمقت تأليههم، السيّد نصر الله ليس معصومًا عن الخطأ، ولكن حزب الله بقيادته، وباعترافٍ إسرائيليٍّ رسميٍّ، مرّغ أنف دولة الاحتلال بالتراب في العدوان على لبنان عام 2006، ونسف العقيدة القتاليّة التي وضعها “مؤسّس” الكيان الغاصِب، دافيد بن غوريون: “يجب حسم المعركة بسرعةٍ ويتحتّم أنْ تدور رحاها في أرض العدّو”. حرب لبنان الثانية، استمرّت 34 يومًا، والجبهة الداخليّة الإسرائيليّة تحولّت إلى ساحة معركة بفعل صواريخ حزب الله الـ”بدائيّة”، التي أجبرت أكثر من مليون إسرائيليًّ على الهرب من الشمال إلى المركز والجنوب، كما أنّ الحرب غيّرت قواعد الاشتباك، ولم تجرؤ دولة الاحتلال على تنفيذ أيّ عمليةٍ عسكريّةٍ في بلاد الأرز، وباتت “إسرائيل العُظمى” حزب الله للأمم المُتحدّة.

وختامًا، لا ضير من العودة إلى مقولة المارد العربيّ، جمال عبد الناصر: “أنا لا أخشى على شعبنا من العدّو الخارجيّ، ولكن ما أخشاه هو مخاطر الانقسام وإشعال نيران الفتن باسم الدّين أوْ باسم الديمقراطيّة من اللاهثين على السلطة”.

قد يعجبك ايضا