كمال ظريفة .. قيادي في الجبهة الشعبية و بائع على عربة خضار / رومل السيوطي

الثلاثاء 19/6/2018 م …




الأردن العربي –

غالبية السياسيين نراهم في غالب الأحيان يستقلون مركباتهم الخاصة، ويقفون أمام عدسات المصورين يطلقون التصريحات السياسية، ومعظمهم يرتدون البزات الأنيقة وربطات العنق، مصادر دخلهم من أعمال تجارية خاصة أو مخصصات من فصائلهم أو مؤسساتهم.

وخلال جولة أي زائر لقلب مدينة نابلس، من المؤكد سيقع نظره على ذلك المواطن البسيط الواقف بجانب عربة بيع اللوز، وينادي بصوت معتدل “اللوز بخمسة شيكل”، ولا يعلم هذا الزائر أو ذاك، أن هذا البائع المتجول هو من أبرز قيادات الجبهة الشعبية في محافظة نابلس، وعضو لجنة التنسيق الفصائلي السابق لسنوات، والمرشح السابق من قبل الجبهة الشعبية لانتخابات بلدية نابلس، والاسير المحرر كمال ظريفة “أبو كفاح” الذي عمل وكافح في ظروف عصيبة، وتعرض مثل غيره من النشطاء الى الاعتقال والتنكيل على أيدي الاحتلال، الى جانب شظف العيش وضيق الحال.

البداية من عمر 9 سنوات

حاول كمال ظريفة شأنه شأن زملائه وأقرانه من أبناء “حوش المسك” في نابلس، حاول منذ بلوغه سنّ الرشد والوعي، العيش كالمعتاد وتلقي العلم، لكن ممارسات الاحتلال واجراءاته القمعية فرضت عليه مواجهة هذا الصلف الاسرائيلي بحق مدينته “نابلس” فوقف الى جانب العديد من أحرار المدينة في معركة التصدي للاعتداءات الاسرائيلية، وكانت نتيجة ذلك ما يقرب من عشر سنوات اعتقال في سجون الاحتلال، وحرمان من الدراسة الجامعية بعد أن قدم امتحان “التوجيهي” في واحد من تلك السجون، بعد قضاء ثلاث سنوات من السجن. ولم ينسى ظريفة وهو ابن تسع سنوات، استاذ مادة التاريخ المربي نبيل العمد الذي دخل يوما على غرفة الصف ليكتب على اللوح “الخامس عشر من أيار عام النكبة”، ويستعرض معاناة الشعب الفلسطيني بعد تهجيره من ارضه عام 1948، ويكون ما قاله المربي العمد أمام التلاميذ، بداية تحرك الشعور بالهمّ الوطني بين جنبي ظريفة ويفجر في داخله مشاعر الحنين والحب لفلسطين التاريخية، بمعزل عن أي فصيل أو حزب فلسطيني، ويشارك بالمظاهرات التي كان من أبرزها المظاهرة التي اندلعت في أعقاب إحراق المسجد الأقصى في العام 1968 وكان عمره أحد عشر عاما، وكذلك المظاهرات التي أعقبت خطاب الرئيس الشهيد ياسر عرفات في الأمم المتحدة سنة 1974. وبعد ذلك بدأت هجمة الاستيطان وكانت البداية في محيط قرية سبسطية حيث اندلعت مظاهرات عنيفة وشارك بها، ثم شارك بتشكيل منظمة شباب فلسطين التي كانت تقوم بالمشاركة الفاعلة بالمظاهرات، وكانت تلك المنظمة ايضا بمعزل عن الفصائل، لكن كان يشعر اعضاؤها أن تلك الفصائل تدعمهم بطرق غير مباشرة.

الترشح لبلدية نابلس

وخلال عمله النضالي، وما رافقه من فترات اعتقال قاربت على العشر سنوات،  كان لا بد لظريفة من مهنة يعتاش منها، فلم يقبل أن يكون له مخصص مالي من الفصيل السياسي الذي كان يتبع له وهو “الجبهة الشعبية” بل عمد الى شراء عربة متحركة وبدأ يبيع الخضار عليها في شوارع نابلس،  ثم كانت تجربته مع خوض انتخابات بلدية نابلس، بعد ترشيح الجبهة الشعبية له في قائمة “نابلس للجميع”، وكان موقف يحسب لقيادة الجبهة حسب وجهة نظر الكثير من أبناء نابلس،  لاختيارها بائع الخضار المتجول كمال ظريفة لهذه الانتخابات.

وحين يتم الحديث عن حياة رجل سياسي ومناضل وبائع خضار وأسير محرر، لا بد من التطرق الى الوضع الأسري لهذا الانسان، ليظهر بكل وضوح متانة الترابط لهذه الأسرة والتعاون المميز بين أفرادها ابتداء من الأب ثم الزوجة التي وقفت الى جانب زوجها بكل اخلاص، ثم البنات والأبناء الذين اعتبروا تعليمات وتوجيهات والدهم واجبة التنفيذ، ليس هذا فحسب، بل ان الإبن البكر لرب العائلة وهو الشاب “كفاح” يتخرج من كلية الهندسة بتفوق ويكون الثاني على دفعته، وكذلك بقية أشقائه، وكأنهم يوصلون رسالة للجميع أن العمل من أجل الوطن لا يعني التقوقع عن ممارسة الحياة اليومية ولا يعني عدم التفوق في كافة المجالات، كما لا يعني العمل الوطني إهمال الأسرة واحتياجاتها، وكان من الواضح أن ظريفة هو المعلم الذي ربى أولاده وبناته على هذه القيم، وذلك التقسيم الدقيق بين العائلة والعمل الوطني، وحرص ظريفة بوضوح على أن يُطعم عِياله لقمة الحلال من عربة الخضار دون اللجوء الى أي جهة بحجة التفرغ للعمل الوطني رغم أنه من حقه أن يكون له مستحقات بمستوى عمله. ويتحدث الكثير من ممثلي الفصائل الوطنية عن ظريفة فائلين أنه يمثل القدوة للقيادي الفلسطيني الذي يحمل همّ البلد، وعاش بين الجماهير وخرج من قلب معاناتهم ويعلم جيدا أوجاعهم، ويمكن أن يتحدث باسم عامة الناس وهو يقف الى جانب عربته المتحركة التي يبيع عليها اللوز من قلب مدينة نابلس.

قد يعجبك ايضا