النسق … والمأزق المالي الى إين ؟! / عبدالحفيظ سليمان ابو قاعود

نتيجة بحث الصور عن عبدالحفيظ سليمان ابو قاعود

   عبدالحفيظ سليمان ابو قاعود* ( الأردن ) الخميس 14/6/2018 م …



سياسة وضع اصحاب المنابر في المزابل ،واصحاب المزابل في المنابر وفق المنهاج الكلوبي المتوارث ،منذ التأسيس ؛ جاءت في اطار الوظيفة الاقليمية للنسق ومنسجمة معها في كل العهود والاجيال ، استهدفت بناء قواعده اجتماعية جديدة كروافع يستند اليها في تمرير وتلبية متطلبات صفقة العصر، لكنها جاءت هشة لا تستند الى بنيان وجدار شعبي متين وراسخ ” من المقاطيع وشراشيب الخرج ” ؛ شكلت “الفئة الحاكمة ” للنسق مع  العائلات الحاكمة الموازية ” ائتلاف البزنس والاقطاع السياسي”.
في البدايات كانت القواعد الاجتماعية للنسق من خارج مكونات النسيج الاجتماعي في البلاد ، التي رسمت اطارها البريطانية” بيل “المستشارة في وزارة المستعمرات  البريطانية على شكل ” دلة “  في العام 1923، بعد التأهيل لدور في اطار المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة بعد اتفاق وايزمن – فيصل الاول في منطقة الحويرة بوادي عربة  في العام  1919 بإخراج البلاد من الاراضي المشمولة بوعد بلفور في العام 1917،لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .
اتفاق سايكس – بيكو وضع فلسطين  تحت الوصاية الدولية لكن وعد بلفور والاتفاقات اللاحقة ، التي جاءت بموجبه عدلت الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا  في فرساي على النفوذ في مناطق تركة الامبراطورية العثمانية في الشرق لتصبح فلسطين والموصل وضعتا تحت الانتداب البريطاني لتنفيذ وعد بلفور ليمتد النفوذ البريطاني من مصر الى الصين ، والفرنسي من سوريا ولبنان الى افريقيا البيضاء والسوداء.
وعلى ضوء الاتفاقات الدولية السرية والعلانية ، واتفاق وايزمن – فيصل الاول في الحويرة في وادي عربة في العام 1919؛ فقد رسم وزير المستعمرات البريطانية تشرشل حدود فلسطين الشرقية في العام 1923، لتكون امارة شرق الاردن خارج وعد بلفور وتحت الانتداب البريطاني، ونظم ذلك المعاهدة الاردنية البريطانية لعام 1928 ، التي انتهت بطرد كلوب من قيادة  الجيش العربي الاردني في العام 1956،لتذهب  البلاد الى تحالف غير مباشر مع الولايات المتحدة الامريكية منذ العام 1958 كبديل عن البريطاني ،وتحول الى تحالف مباشر من خارج الناتو منذ العام 1996.
وفي ذات الوقت راح النسق الى تحالف استراتيجي مع “الاخوان المسلمين ” ضد القوى القومية والوطنية واليسارية في الداخل ،الذي استمر لنصف قرن من 1958 الى 2007 ،و وأد الحياة السياسية والحزبية في البلاد. فالملاحظ ان الكيانات السياسية المستولدة من رحم سايكس بيكو 1916، وفرساي 1919؛ وظفت لتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين واقامة “دولة إسرائيل” بموجب قرار التقسيم الاممي . لكنها منحت الاستقلال غير الناجز للقبول بقرار التقسيم ،الذي رفضه العرب ،حيث لجأت بريطانيا لتنفيذه عبر سيناريو الحرب بين العصابات الصهيونية المسلحة والجيوش العربية ، التي تمكنت من الاحتفاظ بنحو 22% من فلسطين، واغتصبت  العصابات الصهيونية المسلحة  نحو 78% منها، واجبار مواطني البلدات المغتصبة الى اللجوء الى  البلاد المجاورة للتوطين بها بصفة لاجئ فلسطيني في الشتات .
فقد لجأت الغالبية العظمى من اللاجئين الى” مخيمات ” في الشتات ،التي حددت اغلبها من قبل الامين العام للجامعة العربية قبل الحرب العربية الاسرائيلية الاولى 1948 في مناطق الوسط والشمال في الاردن الى ان قرر اهالي الخليل بعد النكبة  الى الانضمام الى مكونات النسيج الاجتماعي في البلاد من ابناء الرعيان والفلاحين ليكونوا معا ثلاثية القاعدة الاجتماعية للنسق للقيام بالوظيفة الاقليمية والتقاسم الوظيفي .
ثلاثية القاعدة الاجتماعية للنسق من ابناء الرعيان والفلاحين والمخيمات نجحت في اداء المهمة في الابقاء على نسق ريعي غير منتج وغير قابل للتحول الى دولة المواطنة والانتاج و التناوب السلمي على السلطة ولم تتبلور منها ؛ “المجتمع الوطني” الذي يفرز الزعامات الوطنية والقيادات السياسية والقطاع الخاص الوطني والتنظيمات والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة و”القطاع الاهلي“.
النسق ومرجعياته في الداخل والخارج مكنت هذه “الفئات الحاكمة” من الوصول الى المنابر لقيادة مؤسسات النسق ليؤدي دوره الوظيفي في النظام الدولي القائم بسلاسة ،الذي وجد في الاساس لتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين ” قرارات مجلس الامن الدولي ” والفيتو الامريكي عليها نموذجا التي تجاوزت الستين فيتو امريكي ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
ثلاثية الابعاد في القاعدة الاجتماعية للنسق ؛ ساهمت في  تقويض اركان النسق في اعتاب المئوية الاولى لتأسيسه بعدما فقد الاوراق  التفاوضية ،التي كان يمتلكها للدور والمهمة في اطار النظام الدولي القائم ، لان الممثل الشرعي والوحيد سبق الوكيل في التنازلات وتصفية قضية فلسطين بحجة الواقعية السياسية لإدارة الصراع.
فالنسق عبر وادي عربة تنازل عن اوراقه التفاوضية او دوره المحوري في ادارة الصراع مع إسرائيل  في وقت ما ليصبح مثل الصومال في  الدور والمهمة مع الابقاء على وظيفة “ادارة السكان “من اللاجئين جراء الحروب الاهلية والاقليمية والاحتلالية المباشرة وبالوكالة .
خذلان حليف النسق من خارج الناتو  ومنظومة التحالف الامني الاقليمي ؛ يوجب على المرجعية  البحث عن شريك استراتيجي اخر من خارج منظومة التحالف الامني الاقليمي، التي تديرها الادارة الامريكية في الوقت الضائع لكن دون جدوى.
الانفجار الشعبي الذي تفجر في البلاد في بداية شهر حزيران اثر توجه حكومي لفرض اعباء ضريبة  اضافية على الرعية يثير تساؤلات كبرى لا يقدر الاجابة عليها الرزاز واركان حكومته منها ؛
ماهية دور النسق في صفقة العصر ” الصفعة ” لتصفية قضية فلسطين على حساب مستقبل الاردن السياسي ؟!!!. ولماذا تفجرت الاحتجاجات الشعبية في البلاد على مشروع قانون ضريبة الدخل والمطالبة بتغيير النهج السياسي والاقتصادي ؟!!!،لماذا تم تجنيس ما يزيد عن مائة الف فلسطيني من لاجئي سوريا خلال الحرب الكونية من سورية وعلى سورية؟!!! ،هل جاء في اطار المادة (8) من وادي عربة .هل النسق منخرط في صفقة العصر بشكل او اخر ؟!!!،وهل اصبح النسق في مأزق حاد نتيجة هذا الانخراط غير المعلن الذي بدأ يظهر في  العلن ،ام ان الضغوطات الاقتصادية والمعيشية على الرعية ،هي؛ التي فجرت الاحتجاجات الشعبية في البلاد ؟!!!،هل الصحوة او الصحوات الشعبية تمنع تمرير صفقة العصر التي جوهرها إقامة ” شراكة اردنية فلسطينية ” وفق صيغة الضفة الغربية في الاردن ؟!!! ،هل من اجابات عن هذه التساؤلات  عند حكومة الرزاز، ام انها جاءت للتخدير والتسكين لكسب الوقت  والضحك على الذقون ؟!!!،
فالتحالف مع الويات المتحدة الامريكية من خارج الناتو وضع النسق تحت سيطرة البنتاغون والمخابرات المركزية عبر القواعد العسكرية الثابتة والمتحركة منذ العام    1996 ، بدون ثمن يذكر سوى المساعدات السنوية لتغطية عجز الموازنة لتبقى البلاد ريعية تعيش على المساعدات المشروطة لإدامة الوظيفة الاقليمية للنسق .
خروج  النسق من المأزق الحاد ،الذي يمر فيه في المدى المنظور؛ يواجه صعوبة كبرى من خارج المصادر الضريبية ، لان افقار الرعية ناتج من الاعباء الضريبية المتصاعدة منذ فرض ضريبة المبيعات وملحقاتها في العام 1993 بعد الانضمام لعضوية منظمة التجارة العالمية وتطبيق برامج ما اطلق  عليها الاصلاح الاقتصادي ” برامج تأهيل الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي ” التي تسيطر عليه ؛ الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات والمجمع الصناعي العسكري واذرع المنظمة ؛ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وذلك حتى يتمكن النسق من تامين الرواتب والمعاشات  لموظفي حكومات تصريف الاعمال ، لكن النهب الممنهج للموارد المالية الداخلية والخارجية من عصابة “على بابا”  والاربعين حرامي جاء في العهد الجديد لإغراقه في مستنقع الفساد .
لكن الملاحظ ان “مرجعية النسق ” غير قادرة على تلبية متطلبات اتمام صفقة العصر الكبرى لأسباب موضوعية منها ؛هيكلية المنظومة العسكرية والامنية والادارية ، التي يشكل الارادنة العرب 99% من قوامها، واصبحت العائق  الاكبر امام اتمام الصفقة بالرغم من اغراق الفئة الحاكمة في وحل الفساد المالي والاداري والسياسي في العهد الجديد  بعد ان جمدت المساعدات المالية الخارجية المشروطة لسد العجز في الموازنة العامة كشرط لإتمام  الصفقة . 
فجاءت الاحتجاجات الشعبية الواسعة وغير المسبوقة التي اندلعت في المركز والاطراف مطلع الشهر السادس لتغيير “النهج ” العام في الادارة والحكم ردا على سياسة الحكومة الضريبية التصاعدية ، التي افقرت الرعية وتلاشي الطبقة الوسطى ، ولم تعد المداخيل تغطي الاحتياجات الاساسية للأسر والافراد بعد ان لجأت الحكومات الى  جيوب السكان لتأمين الاموال لتغطية رواتب الموظفين ، التي اصبحت معاشات وليست اجورا عادلة لتأمين متطلبات الحياة للعيش بكرامة، وتسير اعمال النسق خوفا من الدخول في حالة الافلاس والانهيار العام .
فالمعونة الخليجية الكبرى الاولى المشروطة للدخول في الحدث السوري ذهبت ادراج الرياح ، لأنها نهبت من ادارة الفساد ولم تستثمر في مشاريع انتاجية مدرة للدخل واستيعاب العاطلين عن العمل، لغياب المايسترو الاستراتيجي في الادارة العامة ، فعمقت ازمة النسق في تأمين الاموال العامة لتسير اعماله ؛ فكان “الخيار الاسود “بتصاعد الجباية الجنوني على السلع والخدمات الى ان وصل الامر الى مشروع قانون ضريبة الدخل مما زاد الطين بلة . ليكون النسق بين سنديانة اشتراطات الخارج ومطرقة الرعية الجائعة والثائرة.
وجاءت المعونة الخليجية الثانية  لانقاد النسق من ازماته على اثر الاحتجاجات الشعبية على مشروع قانون الضريبة الجديدة مخيبة للآمال ولا تلبي الحدود الدنيا لحل الازمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد، لأنها تسير على خطى سابقتها في الاهداف والشروط ،ولا تمُكن النسق الريعي من التحول الى دولة منتجة يمول موازنته بذاته .
فالمعونات الخليجية المباشرة وغير المباشرة في السابق اتجهت الى الاستثمار في الحجر والبنى التحتية للاستيطان والتوطين وليس في الانتاج وبناء الدولة المنتجة ليبقى النسق في اطار الوظيفة الاقليمية لإدامة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة .
الخلاصة والاستنتاج ؛
  الخروج من المأزق يتطلب البحث عن شريك استراتيجي يساعد النسق على التحول الى دولة منتجة  ناتجها المحلي الاجمالي يتجاوز المئة مليار دينار في المدى المتوسط ، وتتمكن من تأمين مصادر مالية جديدة للموازنة العامة من خارج الضرائب والمكوس .
  تامين( 5 ) مليارات دينار لتحويل مؤسسة المتقاعدين الى شركة قابضة تمتلك مجموعة من الشركات الانتاجية المتخصصة برأسمال مقداره (5) مليارات دينار.
  استرجاع الاموال العامة المنهوبة من “الفئة الحاكمة” واحالة اللصوص الى محكمة الشعب لنيل القصاص العادل بحق اجرامهم .
  استعادة الاصول الانتاجية ،التي تم خصخصتها الى القطاع العام .
  تفعيل القطاع الاهلي غير الرسمي ” عبر منظمات المجتمع المدني ” في العملية الاستثمارية والانتاجية ليساهم بنصيب وافر بالناتج المحلي الاجمالي .وانشاء غرفة زراعة الاردن
  اعادة النظر بالدور الاستثماري  للقطاع الخاص ومؤسساته . واعادة بناء سوق راس المال الوطني على اسس ومنطلقات وطنية ليكون رديفا للقطاع الاهلي والقطاع العام في العملية الانتاجية ، والغاء المضاربة في البورصة .
  اعتماد الحكومة سياسة عامة للأجور في كافة القطاعات الانتاجية ، وربط الاجور بتكاليف المعيشة ” التضخم بمفعول رجعي ، .
  احياء دور المسئولية الاجتماعية لضريبة المبيعات بتخصيص نسبة 20% من تحصيلاتها في المنشأة الانتاجية والخدمية لتوظيف العمال الجدد في هذه المؤسسات  .
  بناء شبكة من السدود لتخزين مياه الامطار والينابيع لغايات الري والزراعة المروية ، لتكون مصدرا للري والمشاريع الزراعية التنموية الكبرى .
  تبني خطة وطنية لإعادة توزيع السكان وبناء المدن لاستيعاب الزيادة السكانية، وخلق التوازن الديمغرافي وبناء القرى والمستوطنات  الزراعية بالقرب من مصادر المياه والسدود.
رئيس التحرير
 

قد يعجبك ايضا