المناضل فاروق القدومي ( ابو اللطف ) يكتب عن يوم معركة الكرامة

أوراق سياسية .. يوم الكرامة  بقلم: فاروق القدومي ابو اللطف



فاروق القدومي ( ابو اللطف ) * الخميس 22/3/2018 م … 
*قائد فتحاوي وأحد المؤسسين .. ورئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية …
سألني أحد الاخوة قبل أيام عن معركة الكرامة بعد ان سمع الكثير عنها ، و خاصة في برنامج شاهد على العصر ، فقلت له : ان هذه المعركة كانت نقطة انطلاق في الثورة الفلسطينية ، فقد كان الصمود الفلسطيني لابناء فتح صورة مثالية و نموذجا لكل من يريد ان يكسب دعم الجماهير و مساندتها من اجل التحرير .

وجد في الكرامة عدد من أعضاء قيادة فتح الاخوة : ابو عمار – الشهيد أبا اياد ، الشهيد ابو صبري ، و ابو لطف مع ما يزيد عن ثلاثمائة و ثمانين مناضلا في ذلك الموقع .

كنا نشاهد السيارات العسكرية الإسرائيلية في الليل و هي تنحدر من الكترات “التلال الغربية” الى ضفاف النهر في الناحية الغربية فأدركنا ان المعركة قائمة لا محالة ، و هنا جمعنا المناضلين و قلنا لا بد من الصمود مهما كلفنا ذلك من ضحايا ، و كانت موافقة المناضلين كاملة و حماسهم جارف ، و خرج من بينهم الشهيد البطل “ابو شريف” الذي كان يعمل نجارا في السابق بنابلس و طلب ان يرافق عشرة مناضلين بسلاحهم ليأخذوا مواقعهم على حافة النهر لمواجهة الجيش الإسرائيلي عند اقترابه و كان يحمل معه مدفع هاون عيار 60 ، إذن كان قرار القيادة هو الصمود و كان حماس الفدائيين عظيم .

دارت المعركة في الصباح الباكر ، بدأها العدو الصهيوني بقصف مواقعنا بالطائرات الحربية و لما بزغت الشمس بدأ الزحف لما يقرب من عشرة آلاف جندي إسرائيلي بدباباتهم و مدافعهم الثقيلة على طول الواجهة الشرقية لنهر الأردن ، من الكرامة الى المناطق الجنوبية تصدى الشهيد البطل ابو شريف رحمه الله مع رفاقه الشهداء لهذه القوات و ابلوا بلاءا حسنا و ناولوا الشهادة .

عندما قطعت القوات الإسرائيلية النهر و بدأت تصل الى أطراف بلدة الكرامة طلبت القيادة العسكرية منا ان ننسحب الى عرق الجبل ، فبدأنا الانسحاب الى ان وصلنا أطراف الجبل ، و كانت هناك دبابات الجيش الأردني الباسل قد تمرست في قعر الجبل في انتظار القوات الإسرائيلية التي اصطدمت بالفدائيين في الكرامة و على ضفاف النهر ، و كان عدد من الفدائيين يحمل أحزمة ناسفة و يقذف بجسده على الدبابة ، كان معهم كما اذكر طالب كان يدرس في ألمانيا جاء لينضم للثورة ” الشهيد ربحي” و استمرت المعركة من الصباح حتى العصر ، و كانت القوات الأردنية تقصف القوات المعتدية بعد ساعة من الهجوم قصفا مركزا فاستطاعت ان تدمر العشرات من آليات العدو و أصابت فلوله بالإرباك مما زاد من خسائره و اغتنم الفدائيون حالة الإرباك و أوقعوا مزيدا من الخسائر بين جنود العدو الصهيوني ، و قامت المدافع الأردنية المنصوبة فوق الجبل المموهة بذكاء كانت تقصف فلول الغزاة الصهاينة ، مع ان الطائرات الإسرائيلية كانت تحلق فوقها لتتعرف على أماكنها لقد استشهد منا ثلاث و تسعين فدائيا .

كان الأخ صلاح التعمري يشرف مع الممرضة المناضلة الأخت أم يوسف التي التحقت بالثورة – على أشبال الثورة و قد بنى الأنفاق ليستريحوا فيها ، و عندما وصلت قوات العدو الى هذه الأنفاق ترددت في دخولها و لكن أمطرتها بوابل من الرصاص و سلم الأشبال.

بعد ساعة من المشي وصلنا الى سفح الجبل و هناك جمعنا الشهيد ابو صبري بصفته القائد العسكري و طلب منا ان ننتظر حتى خروج آخر فدائي من الكرامة حتى غابت الشمس و تابعنا السير فكنا آخر من وصل عمان في اليوم التالي وظن الاخوة أننا استشهدنا .

كانت القوات الأردنية الشقيقة بقيادة المغفور له اللواء مشهور حديثه مع هيئة أركانه تضرب قوات العدو بقوة فسقط الشهداء و الجرحى و سال دم أبناء الضفتين على الثرى المقدس .

و لما علم المغفور له الرئيس جمال عبد الناصر بالمعركة و بالصمود الفلسطيني أرسل وفدا من العسكريين مع ضباط من الاتحاد السوفيتي ليروا آثار المعركة و ليقيموها ، و كانت هناك في غور نمرين دبابة إسرائيلية قد احترق قائدها و تفحم ، و آليات أخرى مبعثرة بعد ان سحب العدو معظمها ، و في تلك المنطقة غور نمرين كان الأخ اللواء نصر يوسف مع مجموعة و أخ آخر كان معنا و هو الأخ ابو يحيى و غيرهم من الشباب الذين استشهدوا او كتب لهم الحياة مرة أخرى .

لم يكن من المنظمات الفدائية ، أحد ، بل نصح البعض ان لا نخوض هذه المعركة و لكنها كانت فاتحة عهد صدقت عليها الآية الكريمة

“إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك و استغفره انه كان توابا ” صدق الله العظيم . على اثر ذلك تعمقت علاقاتنا بالمغفور له جمال عبد الناصر .

و هنا لا بد لنا من الإشارة الى المظاهرات الإسرائيلية الصاخبة التي جابت مدينة حيفا ، حيث خرجت هذه المظاهرات للاحتجاج على هذه المعركة و الخسائر الفادحة التي مني بها الجيش فخاطبهم ليفي اشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك : من يضع يده في وكر الدبابير ، لا بد ان يتحمل لسعها .

بعد ذلك بعام تشكلت الجبهة الوطنية الفلسطينية و أشرفت على منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الأخ ابو عمار ، فكانت نقطة تحول تاريخي في الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني .

قد يعجبك ايضا