اتهام حزب الله بالإرهاب مثل اتهام الثورة الجزائرية / محمد لواتي

محمّد لواتي

محمّد لواتي ( المغرب ) الأحد 3/12/2017 م …
لست أفشي به سرّاً إن قلت، إن الولايات المتحدة الأميركية رأت في اتفاقية الجزائر الأخيرة مع بعض الدول الإفريقية لمكافحة الإرهاب، خروجاً عن خطّها، وأنها لم تكن تعلم بها إلا من خلال وسائل الإعلام، وقد كانت تؤمن تحت ضغط الأحداث بأن تكون لها قاعدة عسكرية في الصحراء الجزائرية لا للحفاظ على الجزائر، ولكن حفاظاً على مصالحها.




لقد انتصرت الجزائر على قوى الشر مجتمعة في حربها التحريرية وفي أزمتها

لقد انتصرت الجزائر على قوى الشر مجتمعة في حربها التحريرية وفي أزمتها، بدءاً من فرنسا إلى المساعدات العسكرية التي قدّمها لها الحلف الأطلسي، وكانت الولايات المتحدة في لحظات تاريخها الصعب، تستنجد بالجزائر كما حدث لها في عهد حُكم الدايات أو في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، حين لجأت إليها..في الأولى طلبت مساعدتها بأسطولها البحري لمواجهة الغزاة، وفي الثانية حين استعطفتها من أجل الوقوف إلى جانبها قصد إطلاق الرهائن الأميركيين المُحتَجزين في سفارتها في طهران..لكن الأحداث قد تكون عواصف لأصحابها، وقد تكون طرقاً للخروج إلى الشاطئ بأمان، و هذا ما لا تحسب له أميركا اليوم رغم أنها تعيش على فوهة بركان هادئ ظاهرياً، وفي حال غليان في غير الظاهر، فقد توعّدت سوريا، وإيران ولبنان، وأدارت كل أدوات الفعل السياسي ضدها، ولكن في النهاية اعترفت بأن لا مجال للصدف في الحسابات السياسية والعسكرية، فخسرت الرهان وسقطت تحت وطأة الأزمات، أزمات أعتقد إنها غير منتظمة وغير قائمة على مبدأ الاحتياط والذي يعدّ أساسياً في أي عمل تقوم به الدول والأفراد والجماعات .. لم تكن كما قلت من قبل، أن لعبة الدومينو، تغلق بابها بعد سقوط حجرة منها، وأن أي افتراض لا يأخذ بمبدأ الشعور العام للجميع في الهزيمة وفي الربح يفترض مسبقاً أن منعرجات الواقع قابلة للتسوية مثلها، هذا خطأ نرتكبه من دون بصائر، أو حتى ملاحظات جزئية..نعم، إن قوة التاريخ هي وحدها كفيلة بإدراك الخطأ من الصواب قبل وبعد الحدث، ويجب أن نذكر هنا أن أخطاء أميركا في السنوات الأخيرة قد تجاوزت منطق التبرير ودخلت منطق التلاعُب بالكتلة السياسية فيها كما يُلاعب الأطفال أمواج الشاطئ في لحظات الفرح.

إن اختزان المفاهيم في الظروف الحرجة من طبيعة الأنظمة المُرتكزة على أرمادة التاريخ وسياقاته، والجزائر هي من ضمن هذه الدول، إذ أنها ورغم التراخي الذي حكمها، في زمن الأزمنة،(أزمة الإرهاب) برّرت وجودها لا كظاهرة حضارية في التاريخ فحسب، ولكن أيضاً كظاهرة إنسانية أيضاً تأخذ من أوراق الماضي حقّها في فهم النهوض في الأزمات الحادة. صحيح أن لديها مشاكل، مثل بقية العالم، لكنها مشاكل ذات طابع وطني، ولم يكن الرئيس الفرنسي السابق “جاك شيراك” كاذباً حين قال في اجتماع سرّي “أن بوتفليقة يقول شيئاً ويفعل ما يناقضه حفاظاً على المصالح العليا لوطنه”، ولم تكن السياسة يوماً في الجزائر تتجاوز سقف التاريخ الذي سجّلته قوافل الشهداء..صحيح أيضاً أن هناك أخطاء ولكنها بالتأكيد أخطاء من صنع الضغوط الداخلية والخارجية، جراء التفاعل السياسي مع التفاعل الاقتصادي. إذن، خرجت الجزائر من أزماتها ولا أقول أزمة واحدة، بعد أن قدّمت قرباناً لذلك جزءاً مهماً من دماء أبنائها، وحيّزاً مهماً أيضاً من اقتصادها، وهي في مثل هذا كله مثلها مثل بقية دول العالم التي أرادت الخروج من منطق الأحادية إلى منطق التعدّدية، ومن الاقتصاد المُسيّر إلى الاقتصاد الحر، وهي الآن لا تواجه بالصّمت قضاياها الداخلية والاقليمية والدولية، بل بالمواقف المحسوبة، والفاعِلة أيضاً، وما رفضها للمواقف الفرنسية في الفترة الأخيرة وللمواقف الأميركية اتجاه قضاياها وقضايا الأمّة العربية إلا بداية للعودة إلى الواجهة السياسية مثلما كانت عليه قبل الأزمة. وموقفها الإيجابي من الأزمة في ليبيا وسوريا مؤخراً، مؤشّر واضح على أن رصيداً سياسياً لديها يمنعها من الدخول في المُهاترات السياسية على حساب مواقفها التاريخية المشهودة منها وغير المشهودة، المُعلنة وغير المُعلنة.. حتى أن بعض الدول الغربية المهتمة بقضايا الجزائر – لمصالحها طبعاً- أخذت في حسبانها هذا الموقف باعتباره موقفاً لا يقبل النقاش فيه، بل إن فرنسا بمؤسّساتها الرسمية وغير الرسمية، ومعها الولايات المتحدة الأميركية رأت فيه نوعاً فعالاً ووحيداً في السياسة في ظلّ العولمة، والدليل فيه التضارب في الرؤى بين السعودية والجزائر حول قضية فلسطين وإيران على وجه الخصوص،الجزائر مواقفها واضحة من الملف النووي الإيراني، ومن ملف غزّة و من الحصار المضروب عليها، بل رفضت موقف مصر جملة وتفصيلاً من قضية إغلاق معبر رفح، ومن التطبيع المصري المُبالغ فيه، والمحسوب على الأمّة العربية بأكملها . وترى أن محاولات التطبيع السعودي مع إسرائيل مهزلة غير قابلة حتى للحديث فيه.

ولست أفشي به سرّاً إن قلت، إن الولايات المتحدة الأميركية رأت في اتفاقية الجزائر الأخيرة مع بعض الدول الإفريقية لمكافحة الإرهاب، خروجاً عن خطّها، وأنها لم تكن تعلم بها إلا من خلال وسائل الإعلام، وقد كانت تؤمن تحت ضغط الأحداث بأن تكون لها قاعدة عسكرية في الصحراء الجزائرية لا للحفاظ على الجزائر، ولكن حفاظاً على مصالحها، وكخلاصة عملية لنظرية العولمة التي تحاول نشرها من خلال المواقع العسكرية، مواقع تكون بالأساس مراكز للتجسّس وجمع المعلومات، وإثارة القلائل، وهذا هو مبدأ السياسة الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة، لكن هذا المفهوم إن وجد صدى له في مناطق أخرى ولأسباب سياسية داخلية، فإنه مرفوض جزائرياً، ذلك أن تجارب الماضي لا تزال تؤجّج المواقف التي تبدو فيها رائحة الانتصار لقوى الخارج على حساب قوى الداخل، والجزائر مبدئياً تنظّر من موقف قوى الداخل لا من موقف قوى الخارج، وتؤمن بأن توازن المصالح في علاقاتها الخارجية هو أساس أي حوار، أو حتى في مجال الاستثمار الأجنبي.. خرجت الجزائر بموقفين، موقفها من الأزمة والتفاعل معها إيجابياً ولصالح المجتمع، وموقفها من الأفكار الخارجية في الربيع العربي المشؤوم واحتياطها المُبرمج بالتاريخ من التدخّل الخارجي تحت غطاء أزمة الإرهاب..الأزمة التي ألبستها الولايات المتحدة الأميركية “الرانجاس” العسكري داخل حدودها وخارجها بمقصد استعماري. نعم أزمة أميركا مع الرافضين للهيمنة التي تحاول من خلالها نشر ثقافة الدونيّة إلى جانب ثقافة التجزيئية، هي أزمة لا يمكن أن تعالج – من وجهة نظري على الأقل – إلا بمنطق الحوار والتزام الحدود الجغرافية لها. وهذا من أسوأ ما أنتجته الإدارة الأميريكية خلال عهدتي “بوش الأب، و بوش الإبن” ولاحقاً الرئيس دونالد ترامب وفرضها وفق رؤى تصبّ في خانة الحلم السياسي الضائع وسط متاهات التاريخ، والحفر الجغرافية . لكن، هل تدرك أميركا بعض هذه العواصف التي تلاحق سياستها الخارجية، والغضب العارِم الذي ينهش وجودها في كثير من دول العالم، أم أنها ستستمر في تجاهُل الانكسارات التي تلاحقها..؟

قد يعجبك ايضا