تركيا اردوغان و “الانقلاب” / فؤاد دبور

 

فؤاد دبور* ( الأردن ) الأحد 24/7/2016 م …

*الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي في ” الأردن “

تركيا، دولة اسلامية كبرى لها تأثير في المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وامنيا، وقد ظهر ويظهر هذا التأثير المتبادل على دول الجوار،  سورية، العراق، اليونان، ارمينيا روسيا الاتحادية، ايران، طوال عقود ، وكان التأثير الذي القى بظلاله السوداء بشكل دموي وتدميري قبل اكثر من خمس سنوات على الدولة السورية حيث انتهجت الحكومة التركية بقيادة رجب اردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية الاخواني سياسة معادية تمثلت في تدريب وتسليح وتمرير عصابات ارهابية تقتل وتذبح الشعب العربي السوري وتدمر مؤسساته الاقتصادية والخدمية والتعليمية مثلما هو الحال ايضا في العراق حيث اقدمت حكومة اردوغان على دعم العصابات الارهابية واقدمت على ارسال قوات تركية تحتل ارضا في شمال العراق، مثلما فعلت ايضا قبل ذلك في دفع قوات الى الداخل السوري شمالا لدعم العصابات الارهابية والحد من اندفاع الجيش العربي السوري والحلفاء باتجاه حلب والعديد من المدن والقرى السورية الشمالية المحاذية للحدود التركية في محافظة اللاذقية وكذلك محافظة ادلب.

وهذه السياسة الرعناء الاردوغانية شكلت سببا هاما في انقسامات حادة في الداخل التركي سواء اكان ذلك في اوساط الشعب ام الجيش وحتى في الحزب الحاكم. وتوترت علاقاتها مع العديد من الدول في المنطقة والمحيط وبخاصة روسيا الاتحادية خاصة بعد اسقاط طائرة روسية مقاتلة كانت تضرب العصابات الارهابية المتواجدة على الحدود السورية مع تركيا، مثلما كانت ايضا احد اسباب ما سمي بالانقلاب العسكري ضد رجب اردوغان وحكومته، التي قادت البلاد منذ عام 2002م حيث وصل حزب العدالة والتنمية الى الحكم بقيادة اردوغان- عبد الله غول ومعهما احمد داود اوغلو وقد تخلص اردوغان منهما ليستفرد بالحكم، مثلما سبق له وان انقلب على داعمه الرأسمالي الكبير فتح الله غولن، الذي يقيم في الولايات المتحدة الامريكية ويمتلك العديد من المؤسسات التعليمية والخدمية والاجتماعية والاعلامية في تركيا وغيرها من البلدان، ويتهمه اردوغان بأنه يقف وراء “الانقلاب” وهذا الاتهام شكل فرصة لاردوغان حتى يتخلص من لوائح معدة مسبقا لدى اجهزة الامن والاستخبارات ووصل عدد الذين اعتقلهم اردوغان من الجيش والشرطة والامن والقضاة ما يصل الى عشرين الفا مثلما تخلص واقصى عشرات الاف المعلمين والمدرسين في الجامعات، مما جعل ملايين الدارسين يفقدون مقاعدهم وهنا سوف تتجسد مشاكل كبرى تواجه اردوغان. والاعلاميين من مؤسسات ينفق عليها فتح الله غولن. وبالتأكيد فإن اردوغان استهدف القضاء والقضاة الذين رفضوا اطاعته في محاكمة وادانة الصحافيين والاعلاميين المعارضين وبخاصة اولئك الذين كشفوا امر تهريبه الارهابيين الى سورية وكذلك قوافل السلاح المهرب الى سورية ايضا.

ولمّا كنا بصدد الحديث عن “الانقلاب” الاخير الذي وقع لساعات ليل 15 تموز 2016 فلا بد وان نتوقف عند ابرز المشاكل الصعبة والمعقدة التي واجهت اردوغان وحكومته داخليا وخارجيا، ويأتي في مقدمة هذه المشاكل الخلافات التي يواجهها حزب العدالة والتنمية بسبب سياسة اردوغان القائمة على الذاتية وحكم الفرد داخل الحزب وفي الدولة حيث طالما عمل اردوغان على ان يصبح صاحب الصلاحيات المطلقة في الحزب والدولة حيث حاول مرة تلو اخرى ليستصدر من البرلمان قانونا يعطيه الصلاحيات الدستورية ليتحكم من خلالها بكل مفاصل الدولة التركية عندما اصبح رئيسا للجمهورية وبالتأكيد لم يفعل ذلك عندما كان رئيسا للوزراء حيث السلطة له، وقد خسرت تركيا الدولة والشعب الكثير بسبب هذه السياسة داخليا حيث التدهور الاقتصادي في السنوات الاخيرة وتفشي الفساد واردوغان وعائلته ضمن هذه الدائرة وهذا ايضا احد اسباب تحرك قوى في الجيش ضد سياسة اردوغان سواء اكانت هذه القوى قد تحركت فعلا ام انها كانت على الطريق ، واراد اردوغان التخلص منها بضربة استباقية وسوف تظهر الايام القادمة حقيقة الامر.

وبسبب سياسة اردوغان تجاه المنطقة فقد خسر سورية والعراق ومصر وعلاقاته مع ايران ليست في احسن احوالها، وان اعلنت ايران موقفا مضادا لأي عملية عسكرية انقلابية، وهذا لا يعني بالضرورة الموافقة على سياسة اردوغان بعامة وتجاه سورية والعراق بشكل خاص.

طبعا، لم يتوقف اردوغان امام ما اصاب ويصيب تركيا من خسائر سياسية واقتصادية وارتفاع وتيرة المعارضة لسياساته لان كل ما يهدف اليه هو تحقيق ذاته والتفرد بالحكم والسلطة واشباع اطماعه في الوصول الى ان يصبح سلطانا، ولما فشل في تحقيق هذه السلطنة عبر صمود سورية وجيشها وشعبها وقيادتها وعبر دعم الاصدقاء والحلفاء، اتجه نحو العدو الصهيوني ليرفع وتيرة تحالفه السياسي والامني والاقتصادي والعسكري مع هذا العدو، املا ان يحقق له هذا الامر القوة التي من خلالها يستطيع الوصول الى تحقيق احلامه، وكذلك ذهب نحو روسيا الاتحادية يعتذر لها عن فعلته الشنيعة في اسقاط الطائرة المقاتلة.

نستطيع التأكيد على ان الصراعات الداخلية في تركيا سوف تستمر رغم قيام اردوغان باعتقال وابعاد عشرات الاف كما اسلفنا وبسبب هذه السياسة المعادية لملايين الاتراك الذين يساندون هؤلاء، ومثلما سوف تتصاعد العمليات الارهابية في الداخل التركي، وكذلك سوف تتصاعد ايضا العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني، اي ان سياسة اردوغان واحقاده تنذر بأخطار كبيرة خاصة وان الشعب التركي اولا وشعوب العالم وحكوماته ثانيا شاهدوا قيام اتباع اردوغان من اعضاء حزبه الاخواني وهم يذبحون المواطنين وكأنهم الاغنام وكذلك القاء هؤلاء المواطنين في البحر.

وبالتأكيد فإن اردوغان سوف يوغل في سياساته الفردية الديكتاتورية وبسياسة العداء لسورية وان اعلن خلاف ذلك، لان الاعلان لا يكفي، بل الممارسات على الارض هي الشاهد والدليل سواء أكان ذلك تجاه سورية فعليه اولا ان يغلق الحدود ويمنع تسرب وتهريب العصابات الارهابية وهذا الفعل، ان حصل، يكون اردوغان ، .. قد عاد الى طريق الصواب.

بالتأكيد لا نراهن على ما يقال وينشر عن توبة اردوغان تجاه سورية، بل نراهن على صمود وقوة وقدرة واقتدار جيش سورية وقيادتها والحلفاء والاصدقاء المخلصين الذين يدفعون الدم دفاعا عن الحرية والكرامة وفي مواجهة المشاريع والمخططات الصهيونية والامريكية والاستعمارية وانظمة عربية وغير غربية سائرة في فلك اصحاب هذه المشاريع والمخططات المعادية لامتنا العربية جمعاء.

 

قد يعجبك ايضا