تونس – بعض الأرقام عن مظاهر التفاوت الطّبقي / الطاهر المعز




الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 31/12/2021 م …

نشر موقع “الوكالة الفرنسية للتنمية” ( حكومية، تابعة لوزارة الخارجية الفرنسية ) يوم الخامس من كانون الثاني/يناير 2021، دراسة أعدّها أربعة باحثين تونسيين (ربما بطلب من الوكالة، على الأرجح)، حول انعدام المُساواة بالبلاد، اعتمادًا على البيانات الرسمية الحكومية (معهد الإحصاء، وزارة المالية…) وتم تحليل عدم المُساواة، وفقًا لبعض المعايير، غير المالية (النّقْدِيّة)، منها مستوى تعليم أرباب الأُسَر والبيئة الإجتماعية ومنطقة الإقامة (شمال شرقي، أو جنوب غربي، وسط حَضَرِي أو رِيفي…)، وهي بشكل عام، العوامل الرئيسية التي تُؤسِّسُ أو تُفاقم عدم المُساواة بين المواطنين (نات)، وتتوافق استنتاجات هذا البحث مع دراسات أخرى، منها بيانات البنك العالمي ومُؤَشِّر “جيني”، وغيرها، وأظهرت هذه الدّراسة استمرار التفاوت، منذ 1985، مع بعض الإستقرار أو الإنخفاض أحيانًا، لكن السمة الرئيسية هي زيادة ثروة الأثرياء.  

من جهة أخرى، تُشير مختلف البيانات المَحلّية (من سنة 2000 إلى 2015) إلى أن الفوارق بين الفئات الاجتماعية على المستوى الوطني هي أكثر أهمية من عدم المساواة بين المناطق، لأن التّفاوتات الناجمة عن منطقة الإقامة، تُمثل جُزْءًا من عدم المساواة في البلاد.

شكلت التفاوتات الاجتماعية والإقليمية (الجِهَوِية) إحدى الأسباب الرئيسية لانتفاضة 2010/2011، ولا يزال مطلب الحدّ من التفاوت الطبقي المُجْحف مطلبًا سياسيًّا واجتماعيًا رئيسيًا، ويؤدي تعميق الفَجْوَة الطّبقية وارتفاع حِدّة البطالة والفقر، إلى تهديد استقرار السّلطة، وتهديد النظام القائم، فقد أطْلَقَ شباب المناطق المحرومة الإنتفاضة، احتجاجًا على الوضْع المُتّسِم بانتشار الفقر والبطالة والإقصاء وعدم المساواة الاجتماعية، وبعد خمس سنوات، أظهرت البيانات الإستقصائية للمعهد الوطني للإحصاء أن أكثر من 15% من السكان القادرين على العمل مُعَطَّلون، وأن 15% (1,6 مليون) من التونسيين يعيشون تحت خط الفقر سنة 2015، معظمهم في المناطق الريفية وخصوصا في غرب البلاد، كما أظْهَرت البيانات أن الفقراء وأطفالهم أكثر عرضة للحرمان من الوصول إلى الخدمات الأساسية وفرص العمل، ولم تطرح الحكومات المتعاقبة، لفترة ما بعد الإنتفاضة، من سنة 2011 إلى سنة 2021، حُلُولا، بل يُشير “مؤشر جيني” إلى ارتفاع حصة العُشُر ( 10% ) الأكثر ثراءً مقارنةً بالعُشُر ( 10% ) الأكثر فقرًا في البلاد، خلال الفترة من سنة 2000 إلى سنة 2020…   

لا يُنْكِرُ خُبراء البنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي العلاقة بين عدم المساواة وحركات الإحتجاج الإجتماعي التي حدثت في تونس أو في مصر أو في غيرها من البُلْدان، لكن الحلول المُقتَرَحة (بل المَفْرُوضة) لا تضع حدًّا، بل لا تُخفّفُ من عدم المساواة في الدخل، إذ تَفْرِض الخصخصة وإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية والزراعة وتفرض خفض قيمة الدّينار، بدَلَ دعم القطاع العام وتوفير الوظائف وتعزيز الحماية الصّحّية والإجتماعية، وزيادة الرُّسُوم على الثّرْوَة وعلى أرباح الشركات والأعمال “الحُرّة”، وعلى واردات السّلع الكمالية أو التي تتوفر سلع مماثلة لها بالبلاد، كما تفرض المُؤسسات المُقْرِضَة زيادة الضريبة على الأجر، وزيادة الضريبة على الإستهلاك، أي ضريبة القيمة المُضافة…

يُجري المعهد الوطني للإحصاء دراسات استقصائية، منذ سنة 1967، عن “ميزانية واستهلاك ومستوى معيشة الأسر”، وهي الدّراسات التي يعتمدها البنك العالمي، وتُظْهر دراسة بيانات مستوى الدّخل وإنفاق الأُسَر ومستوى أسعار السّلع والخدمات الأساسية، ارتفاع مستوى التفاوتات في تونس، بين 2011 و 2019، وعلى سبيل المثال، تظهر إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء، سنة 2015، بعد خمس سنوات من انطلاق الإنتفاضة، أن أكثر من 15% من السكان العاملين مُعطَّلون عن العمل وأن 15% (1,6 مليون) من التونسيين يعيشون تحت خط الفقر، معظمهم في المناطق الريفية وفي غربي البلاد، كما أن الفقراء وأطفالهم أكثر عرضة للحرمان من الوصول إلى الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية، وارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 18,5%، ونسبة الفقر إلى أكثر من 20%، بنهاية سنة 2020، ما يجعل مطلب الحدّ من التفاوتات ومن الفقر والبطالة، ومطلب تحقيق العدالة الإجتماعية والمُساواة في المواطنة، وتكافؤ الفُرص، مطالب راهنة…  

تُرَكِّزُ بعض الدّراسات على نمو الناتج المحالي الإجمالي، وهو مُؤشِّرٌ فضفاض، لأن نمو الإقتصاد قَدْ يُقاس بإنتاج السلع لصالح الشركات العابرة للقارات التي يخلُقُ عُمّالها ثروة داخل تونس (أو غيرها) لكن يتم تصديرها، وإبقاء عائداتها وأرباحها خارج البلاد، فلا يستفيد العُمّال والعاملات ولا اقتصاد البلاد من مثل هذه الثروات، لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي، أو زيادة مُعدّل الدّخل الفردي، لا يعود بالضرورة بالنّفع على العُمّال والأُجَراء، فضلاً عن المُعَطّلِين والفُقراء، فقد ارتفعت ثروة البلاد، وزاد معها زاد تركيز الثروة بين أيدي الأثرياء، وارتفعت نسبة بطالة خرِّيجي الجامعات، وفئة الشباب، وخاصة من مناطق غرب وجنوب البلاد. أما من يحصلون على عمل، فإنهم نادرًا ما يتمكنون من العمل في القطاع الرّسْمي، بعقود قارّة وبرواتب تمكّنهم من مُجابهة ارتفاع الأسعار

أجرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ويونيسيف دراسة، سنة 2018، عن العلاقة بين حجم وقيمة رأس المال المادّي للأُسَر، ومُستقبل أبنائها، وأظهرت، مثل الدراسات العديدة الأخرى التي اهتمّت بنفس الموضوع، أن الجُهْد الشّخصي، والمهارات الفردية، والجدارة، غير كافية للإرتقاء في السُّلّم الإجتماعي، فأبناء الأثرياء يستفيدون من انتقال الثروة بالوراثة، ومن علاقات أُسَرِهم مع الأثرياء والمصارف والسطات السياسية، لتنمية ثرواتهم، وللحصول على وظائف سامية أو على صفقات مُرْبِحة، قيحصلون على دخل أعلى وعلى ظروف عيش مُريحة، لهم ولأبنائهم…

إن هذا الشكل من انتقال الثروة يزيد من تفاقم التفاوت الطبقي، سواء في تونس أو في غيرها، ما يزيد من صعوبات أبناء الفقراء وما يُعسِّرُ ارتقاءهم درجةً أو درجات في السُّلَّم الطّبَقِي، وفي تونس، يُعاني 40% من أبناء الفقراء من صعوبة الحصول على الرعاية الصّحّية اللائقة، وتُشير البيانات عن سنة 2017 أن حوالي 45% من أبناء الفقراء يتوقفون عن الدّراسة، قبل نهاية المرحلة الثانوية، ويلتحق نحو 22% من إجمالي عدد التلاميد بمؤسسات التعليم الجامعي، فيما لا يُتابع سوى 10% من أبناء الفُقراء دراستهم الجامعية، ولم أجد أرقامًا عن عدد أو نسبة من يتمكنون من إنهاء دراساتهم الجامعية، لكن ثلثُيْ أبناء الأثرياء ينهون دراساتهم الجامعية، ويحصلون على وظيفة بالوساطة، وبأجر مرتفع، فيما لا يتمكن نصف أبناء الفُقراء من تجاوز المُستوى المهني لآبائهم، ويتهدّد أبناء الفئات الوسطى تراجُعُ فُرص التعليم والتوظيف، وتراجع مُستوى الدّخل والإنفاق، ويمكن الإستنتاج من البيانات المَنْشُورة عن تونس، من قِبَل معهد الإحصاء أو وزارة المالية أو البنك العالمي، وغيرها من المؤسسات المَحلِّية أو الدّولية، أن حوالي 10% من السّكّان الأثرياء يستحوذون على ما بين 26% و 31% من الثروة، وتبلغ حصة هذه الفئة من الأثرياء ما بين ثمانية أضعاف و 15 ضعف ثروة نفس النّسبة من الفُقراء، ما يجعل التفاوت كبيرًا والهُوّة الطبقية عميقة…

تُساهم السياسة الجبائية للدّولة في إعادة توزيع الثروة، لكن الحكومات الإخوانية، واصلت سياسة الحُكومات السّابقة، فأثقلت كاهل المواطنين بالدُّيُون الخارجية، وواصلتْ إعفاء الشركات والأثرياء من الضرائب ومن الرّسُوم الجمركية، ومن المُساهمة في صناديق الحماية الإجتماعية، فلا تزال الضرائب غير المباشرة (وهي جائرة بطبيعتها، لأنها تُساوي بين الفقير والغَنِي) تُشكل ما بين 65% و 70% وتُشكّل الضريبة على الرواتب ما بين 75% و 80% من الضرائب المُباشرة، فيما لا تُمثّل حصة الشركات والأعمال “الحُرّة” سوى نسبة صغيرة، تتناسب عَكْسِيًّا (inversely proportional ) مع إيراداتهم وأرباحهم، ولا تتجاوز نسبة 25% في أقصى الحالات، فضلا عن الإعفاءات الكثيرة التي متّعتهم بها الحكومات المتعاقبة، وفضلا عن مهارتهم في ممارسة التّهرب الضريبي، وتجدر الإشارة أن مجموع رواتب العاملين (بما فيها رواتب الموظفين السامين وكبار موظفي الدّولة والقطاع الخاص) لا تتجاوز نسبتها 50% من الدّخل الوطني، لكن مُساهمتهم تُمثِّل ما بين 75% و 80% من إيرادات الجباية التي تجمعها الدّولة…  

   إن الأحزاب والمنظمات التّقدّمية مُطالَبَة بالعمل على إعداد وفَرْض برنامج وخطط تخدم العاملين والكادحين والفئات الفقيرة، ليتمكّن جميع المواطنين من العمل ومن تعليم أبنائهم والوصول إلى الخدمات العمومية ووسائل النّقل والرعاية الصحية والمسكن اللائق والطاقة ومياه الشُّرْب والصّرف الصّحِّي، وتحقيق العدالة الإجتماعية، عبر إعادة هيكلة الجباية والرّسوم الضريبية، وعبر الإنفاق الحكومي في مجالات البُنية التّحتية، والتعليم والرعاية الصحية والوصول إلى وسائل النقل اللائق ومياه الشرب والغذاء الصّحِّي والكهرباء والصرف الصّحِّي والبيئة النظيفة، وما إلى ذلك من الخدمات الضرورية، كخطوة أولى نحو تكافؤ الفُرص والحد من التفاوت الطّبقي، والإستثمار في الزراعة والصناعات التحويلية، ضمن مُخطّط لبناء اقتصاد وطني يُنتج لتلبية حاجيات المواطنين، وليس لتلبية حاجيات المُستهلكين الأوروبيين…    

 

قد يعجبك ايضا