” المقاولات السياسية ” لن تنقذ مصر / د. وفيق ابراهيم

 

د.وفيق ابراهيم ( الجمعة ) 6/2/2015 م …

 

تعاني مصر من مسائل شديدة الخطورة، لا تكفي الخطابات الحماسية للمشير السيسي لإيجاد حلول لها، على الرغم من أدائه التمثيلي المتمكن. فالإرهاب «الإسلاموي» يضرب الاستقرار السياسي للبلاد، مستهدفاً مؤسساتها العسكرية وبشرها وحجرها. كما أنّ الاقتصاد المصري يتراجع على نحو مخيف، بدليل أنّ نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر زاد عن الخمسين في المئة، إلى جانب 35 في المئة من الفقراء، ما يعني أنّ الطبقة الوسطى والأغنياء لا يشكلون أكثر من 15 في المئة فقط من الشعب.

وتشير هذه الأرقام إلى انهيار اقتصادي كامل، وما يؤسَف له أنّ التعامل مع هذه الأرقام لا يزال يتم بالخطابات المسرحية ومحاولات استجداء معونات وقروض «سياسية» من بلدان الخليج، هذا إلى جانب عدم تمكن السيسي من وقف التلاعب الأثيوبي بحصص مصر التاريخية من مياه النيل، فهناك سدود تُبنى عليه لحجز المياه بمعونة «إسرائيلية» علنية.

أما المسألة الثالثة، فهي استمرار «تغييب» الدور الإقليمي لمصر الذي كان يربط بين السياسي والاقتصادي، متيحاً إمداد الاقتصاد بموارد دعم متنوعة على مستوى السياحة والهبات والقروض والمشاريع المشتركة.

وبالعودة إلى الإرهاب، فهو لم يعد حكراً على «الإخوان المسلمين»، فهناك «داعش» و»النصرة» و»أنصار بيت المقدس» و»التكفير والهجرة» وعشرات التنظيمات المشابهة الفلسطينية والمصرية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ مموّلي هذه التنظيمات ومدربيها ومسلحيها هم أصدقاء مصر، أي دول الخليج وتركيا والاستخبارات الغربية، باعتراف المسؤولين الأميركيين وتعزيز هيومن رايتس. أما الحليف الأيديولوجي للإرهاب فهو وبكلّ أسف، بعض زوايا الأزهر المؤيدة للسلفية التكفيرية وآلاف المساجد والجمعيات الدينية التي تُدرّس القراءة الوهابية للإسلام، بمعونة البترودولار الذي يرفع منسوب «الإيمان» والإرهاب في آن معاً.

هناك إجماع على وجود بيئات حاضنة للسلفيات التكفيريات في مصر، قد لا يكفي الحلّ العسكري لإلغائها، وترياق السم موجود في جامع الأزهر، بعد تطهيره من «الزوايا الداعشية» المنتشرة بين سطور بعض الفتاوى التي يطلقها وفيض المال النفطي لبعض مشايخه.

أما عن التورّط الفلسطيني في الإرهاب المصري، فهو جزء بنيوي من إرهاب الإخوان المسلمين، ولن يندثر إلا مع «الإخوان» الذين يؤدّون الأدوار الشريرة نفسها في العراق واليمن وليبيا.

لذلك فإنّ استقرار مصر رهن بمعادلة متعدّدة فيها الأزهر والدين المعتدل والسياسة والاقتصاد المنتج والإعلام الوطني… وأخيراً الجيش المصري.

أما خارجياً، فليس أمام مصر إلا التحالف مع سورية والعراق وتبادل المعلومات الأمنية لقطع علاقات التمويل بين الإرهابيات المصرية ومراكزها في الخليج وتركيا. من هنا فقط، تعود مصر إلى التاريخ وتكبح الجموح الأثيوبي بالاستحواذ على نهر النيل.

تتجاهل مصر حتى الآن هذه الحقائق المؤكدة أميركياً وغربياً ومن قبل المخابرات المصرية أيضاً، وتذهب لاستجداء الخليج، هباتٍ وقروضاً. وقد يكون اقتصادها المأزوم السبب في توجّهاتها السياسية وهو ما يبرّر أخطاءها، نسبياً، بالنسبة إلى الاقتصاديين، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل لدول الخليج مصلحة في دعم بنيوي لاقتصاد مصر؟ ولماذا الاستمرار في تقديم هبات وقروض لا تكفي حتى سكان مالطة؟ لماذا لا تسعى دول الخليج إلى تنفيذ مشاريع اقتصادية منتجة في مصر تؤمن إنتاجاً دائماً وازدهاراً مستمراً؟

إنّ مجمل هذه التساؤلات يؤكد أنّ هناك مشروعاً للإمساك بمصر في شكل تدريجي لا يعيد إليها دورها الإقليمي ولا يقيها شرّ الانهيار، لكنه يستفيد منها فقط في لعبة صراعات المحاور في وجه إيران. لذلك يعتقد الخبراء أنّ تنسيق مصر مع سورية والعراق هو حاجة إقليمية ضرورية لمكافحة الإرهاب الواحد الذي يضرب هذه البلدان، وفي الإمكان دائماً الانفتاح على الصين وروسيا وألمانيا ودول «بريكس» والهند والخليج، مشكلين مع إيران معادلة قوية في الشرق الأوسط بوسعها التأسيس لعلاقات اقتصادية عميقة ذات بنية إنتاجية. ويبقى هذا الكلام من دون قيمة، إلا إذا باشرت مصر تنسيقاً مع سورية لمحاربة الإرهاب وإبعاد «إسرائيل» وتركيا، ليس على قاعدة استعداء الخليج، بل لمحاولة تأمين ضمانات له من أي اعتداءات خارجية وضمن النصاب والتوازن العربيين.

المطلوب زعامة مصرية في حجم جمال عبد الناصر تستوعب مكانة مصر وتطورات الإقليم وموقع بلاد الشام في قلب تاريخ المنطقة. فما معنى جامعة عربية لا تضم سورية؟ وهل يستطيع حكام الخليج وخادمهم العربي التعبير عن الطابع الحضاري للمنطقة الممتد إلى آلاف الأعوام؟ المطلوب زعامة مصرية لا تخترع عداوات لمصر مع سورية وإيران، إرضاء للسعودية وأميركا و»إسرائيل»، والمعتقد أنّ السيسي يعرف أنّ طريق مصر إلى المشرق تمرّ في بلاد الشام ومنذ ألف عام تقريباً.

لذلك يأمل محبّو مصر أن يستوعب المشير هذه المعادلة ولا يكون شبيهاً بحسني مبارك أو اسماعيل ياسين.

قد يعجبك ايضا