المفكر العربي الأردني المحامي محمد احمد الروسان : روسيّا ترياق لفايروس اعادة الهندسة الاجتماعية لجلّ الشرق //المنطقة والساحات تعاني من اسهال أمني بعمى مخابراتي مفرط // بعض انحراف سعودي مفاجىء نحو اجتراح الحلول! حقيقي؟

  المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 8/5/2021 م …

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية … 




استراتيجيات دفاعية أمريكية تستحدث باستمرار وكذلك هجومية، وتحديثات مستمرة لمفاصلها وتمفصلاتها الاممية وفعلها على الميدان الدولي لهذه الاستراتيجيات، لثالوثها النووي البحري والجوي والصاروخي، وبالخلفية أيضاً نجد ثمة تحديث، لمجتمعات استخباراتها وأفعالها القذرة في جلّ ساحات الخصوم والحلفاء على حد سواء، لوقف تآكل القوّة العسكرية الأحادية الشاملة، أمام الفدرالية الروسية والصين وكوريا الشمالية وايران، وهي استراتيجية تنافس مع الاخر من جهة، ومواجهة عسكرية ومخابراتية وسيبرانية من جهة أخرى، وحفاظاً على حيوية الأقتصاد الأمريكي وهو اقتصاد حروب.  

فأمريكا تتهم كل من روسيّا والصين بتقويض قوّة الناتو مثلاً، والأخير من مخلفات الماضي التليد، وكما نقول دائماً ونشرح في جلّ اشتباكاتنا السياسية(نلحظ رغبة أمريكية في انهائه للناتو، لكن الأوروبي متمسك به، كونه يرى أنّ الأمريكي يسعى الى شطبه للأوروبي بالمعنى الأستراتيجي عبر تقوية أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، والناتو يحمي أوروبا من روسيّا هكذا تفكر كوادر القارة العجوز)، وجاءت موضوعة مكافحة الأرهاب المعولم كأولوية ثانية في المسار العسكري التحديثي لواشنطن، وظهرت أمريكا في مفاصل رؤيتها العسكرية، أنّها في غاية القلق من التمدد العسكري والأقتصادي لكل من الصين وروسيا وايران في أفريقيا والشمال الأفريقي، وترى أنّ القوّة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة لفرض الهيمنة والقرارات على العالم، فوجدت ملاذها وأخيراً في خلع القفّازات وقرع طبول الحرب لأستعادة ما فقدته من نفوذ في العالم، حيث الأستخباراتيون الأمريكان يعودون من جديد في الخارجية الأمريكية، في عهد أنتوني بلينكين وبتحفظ من وليام بيرنز الدبلوماسي، الذي أصبح رئيس أضخم جهاز مخابرات بالعالم، ولمواجهة صراعاتها – أي أمريكا ودولتها العميقة من تحت الطاولة ومع بريطانيا أيضاً – ثمة تنافس لا بل صراع بريطاني أمريكي يتعمق.

وصفت واشنطن، كل من روسيّا والصين كقوى رجعية على لسان الرئيس السابق ترامب، وعلى لسان الرئيس الحالي بشكل ألطف لكن بذات المضمون والرؤية، وصار جليّاً للجميع ومن خلال فواصل ونقاط الخطاب العسكري الأمريكي، أنّ واشنطن لم تحارب الأرهاب الدولي يوماً، لا بل عملت على رعايته وتسكينه وتوطينه واستثمرت فيه. 

ومع كل ما سبق لم تعد أمريكا في قاموس البوط العسكري وقاموس البوط الأقتصادي(باعتبار الأقتصاد الأمريكي اقتصاد حروب وقائم عليها)تتصدر القائمة، فجاءت استراتجيتها الدفاعية لتعبر عن مصالحها الأحادية في العالم، كنوع من الحنين الى ماضي الأحادية في ظل عالم ينحو نحو التعددية وحفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، وهنا عرّت التعددية القطبية الهدف الأمريكي، فصار حلم ووهم.  

موسكو ردت على واشنطن بتعقل وعلى لسان سيرجي لافروف: انّ الأستقرار العالمي رهن التعاون بين موسكو وأمريكا، وفي الخفاء الرد الروسي له سنوات على أرض الميدان العالمي، وبتشارك مع الصين وايران بالمعنى الأقتصادي والمالي والسيبراني والعسكري. 

الفدرالية الروسية، في المسألة السورية والمسألة العراقية(أسلحة روسيّة جديدة ونوعيه في طريقها الى بغداد الآن)وحتّى في العلاقة مع الرئيس أردوغان ومن هم على شاكلته، قطعت كل الجسور، وهي لا تقبل الاّ الأبيض أو الأسود، وهذا ما يزيد من مأزق أردوغان ونظرائه من عناصر الطرف الثالث في الحدث السوري وباقي أحداث الساحات الأخرى، فلم تعد موسكو تهتم بالتطمينات الكاذبة، فهي خبرتها في ليبيا وفي العراق وفي أفغانستان وفي أوكرانيا وفي سورية أيضاً، وهي تعمل الان على انهاء مشروع ضخم وخطير ويعد الأخطر بعد مشروع سايكس اللعين وبيكو الخبيث على المنطقة، حيث يتموضع هذا الأطار الفيروسي الأخطر، في قيامته وفعله على اعادة الهندسة الأجتماعية للمنطقة برمتها عبر الأستثمار في مصفوفات الأرهاب الأممي واستراتيجياته وعصابة داعش في مقدمتها، حيث يتم الباس الأخيرة ثياب المهرّج الكردي والذي يطمئن الناس في العالم، حيث نرى أنّ الأمريكي عبث بأمن واستقرار العالم انطلاقاً من دمشق، والعالم الحقيقي يخوض معركته الأممية الرابعة الآن بين قلاع دمشق وأسوار موسكو وسور الصين، ومنحنيات الطبقة الوسطى الأيرانية، ذات الأفاق السياسية والتي يمكن الرهان عليها، ايرانيّاً لنهوض طهران ونحت مصالحها في مجالاتها الحيوية هذا من ناحية، كما يراهن الغرب عليها عبر اللعب على خطوطها لتغيير ايران، بما يتفق ويتساوق ويتماثل مع مراوح مصالحه من ناحية ثانية، حيث أنّ الأستراتيجيات البديلة لواشنطن والتي تشتهر بوضعها، تدفع الى العلاقات الحميمية الحمراء مع مروحة العبث الولاياتي الأمريكي مع استراتيجيات الأستدارة نحو أسيا للعبث بأمن الصين وروسيّا وايران، وللتغلغل داخل مفاصل الدولة الأيرانية عبر سياسات التطبيع الناعم مع طهران، فجاءت الرؤية الروسيّة الجديّة الآن في قيامها بمروحة واسعة من الأسلحة النوعية والكميّة والذخائر عبر الجو والبحر والبر(انتظروا انتهاء تداعيات وعقابيل ما بعد اعلان البنتاغون الأستراتيجية الدفاعية الأمريكية، وأثر فعلها في الشمال السوري والشمال الشرقي لجهة نتائجها والى أين تتجه البوصلة)باتجاه الدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي، معلناً فلادمير بوتين: لن أسمح بسقوط الأسد وهاهي السماء السورية تبدو(كفروة)خاروف. 

فسورية مركز الكون وتوازنه ومنها يبدأ تشكل عالم متعدد الأقطاب، والصراع الروسي وحلفائه من جهة، مع الأمريكي وحلفائه من جهة أخرى، يتأرجح بين العداء والتنافسية المطلقة، فان سقطت دمشق سقطت موسكو وبكين وطهران، هذه هي المعادلة بكل بساطة، وما يجري في دمشق وجلّ الجغرافيا السورية يجري في شوارع وأزقة موسكو وبكين وطهران، بالنسبة لرؤوس المثلث المقاوم الروسي الصيني الأيراني لأستراتيجيات العبث الأنجلوسكسونية، وتصرفات العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي تشبه تصرفات الرايخ الثالث، هكذا تعتبرها نواة وهياكل منظومة الحكم الروسية، والوجود الروسي في المتوسط والداخل السوري ليس قعقعة سلاح، لا بل وجود عملياتي فعلي بتفاعل مع الميدان ولغته والنتائج يراها ويحسها ويسمعها الجميع، والدولة الوطنية السورية بجانب استهدافات البؤر الحاضنة للأرهاب في الدواخل السورية، تستكمل بناء هياكل الديمقراطية السوريّة الحقيقية المناسبة للمجتمع السوري المقاوم.  

فبعد البدء في تنفيذ قرارات هذه المروحة العسكرية الروسية الواسعة ازاء دمشق مع بدء معركة الشمال السوري وتحديداً ادلب ولاحقاً شرق الفرات، لمكافحة مجاميع الأرهاب المدخل والمتعاظم في الداخل السوري بعد الباس بقايا الدواعش لباس المهرّج الكردي، بسبب الصفاقات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية ومصفوفات الأدوات من أتباعها في المنطقة، وما تبعها من اسنادات ايرانية مماثلة واسنادات صينية ماليّة ودبلوماسية قادت الى اسنادات عسكرية صينية في الداخل السوري وقريباً بعمق أكثر، ازاء مجاميع الأيغور التي تمّ احلالها في قرية(الزنبقي)وغيرها مكان السكّان الأصليين، خفّ نعيق الأسرائيلي الصهيوني، وصارت انقطاعات هنا وهناك لعواءات للطرف الثالث بالحدث السوري، ولم نعد نسمع فحيح أفاعي البعض العربي المتقاطع مع الطرف الثالث في المؤامرة على سورية ونسقها السياسي(لا بل صرنا نرى حجّاً عربياً جماعيا الى دمشق)الا تصريحات جديدة غير واقعية وغير موضوعية لرفع معنويات الأدوات الأرهابية المدخلة في دواخل الجغرافيا السورية.  

وعندما حانت لحظة الحقيقة ومنذ بدء الفاعل الروسي لمفاعيل الفعل العسكري في البؤر الساخنة في الداخل السوري، شملت تلك الضربات النوعية والكمية الروسية السورية المشتركة، الجماعات الشيشانية والشركسية التي أدخلتها الأستخبارات التركية منذ بدء الحدث السوري وتفاعلاته وعقابيله، حيث تلك الجماعات دخلت لتفعل فعلها وتتمرن في الجغرافيا السورية، وتستبيح ديمغرافية تلك الجغرافيا واللعب بالمكونات للشعب السوري، بما فيهم المكون الشركسي السوري الوطني الذي وقف بجانب دولته الوطنية، حيث تم الأدخال بمعرفة الطرف الثالث في المسألة السورية، ليكون الأخراج لها كأثر في القوقاز الروسي كمجال حيوي عميق وذو أثر لجهة ايلام روسيّا لاحقاً.  

كما تشترك الصين مع الروسي لجهة استهدافات آلاف الأيغور الصينيين الذين تمّ ادخالهم ودخلوا عبر تركيا الى سورية، وخاصة من المكونات السياسية ومنظومات المورد البشري للحزب التركستاني الأسلامي والذي يجنح باستمرار لجهة التطرف نتيجة عمليات التعبئة الفكرية السلبية، فهناك أكثر من عشرين ألف فرد من الأيغور تحديداً مع عائلاتهم تم استيطانهم في سورية، واحلالهم في قرية(الزنبقي)المجانبة والمحاذية للحدود مع تركيا، بعد أن تم تهجير سكانها بفعل داعش والنصرة وكافة أدوات المصفوفة الأرهابية المدخلة الى الداخل السوري. ومن هنا نرى أنّ الصين والتي تملك أكبر شبكة تجسس استخباراتية بمجال التكنولوجيا الألكترونية الدقيقة، بجانب مصفوفات استخباراتية أخرى ذات حس استخباري كبير وعالي، حيث مسارات التعاون مع المصفوفات الأستخباراتية الروسية والأيرانية على شكل(اتوستراد)واسع وطويل، تتشارك مع الفدرالية الروسية في المواقف والمخاوف ازاء المسألة السورية وحدثها ومفاصل جلّ المؤامرة على دمشق، لذلك بدأت كل من موسكو والصين وطهران وعبر ميكانيزميات دبلوماسياتهم النشطة في تحديد اطار عمل دولي وقانوني لعمل بعثاتهم العسكرية في سورية، ومنذ فترات ليست بالطويلة، ولا أحد يعرف كيف تفكر دمشق.  

فلادمير بوتين الذي أيقظ الشعور القومي الروسي المتعاظم والمتصاعد في وجدان ونفوس سكّان الجغرافيا الروسية، وتصالح بعمق مع الكنيسة الأرثوذكسية والتي موطنها سورية قلب الشرق ومفتاح البيت الروسي، يدرك بامتياز عميق أنّ روسيّا بدون سورية وديكتاتورية جغرافيتها ستخرج من المعادلة البحرية العسكرية في أيّة مواجهات مع الغرب والأمريكي، فالأسطول الروسي الذي يحتاج الى قطع مسافات شاسعة في البحار بين البلطيق والمتوسط سيضطر للعودة الى البلطيق اذا احتاج الى ملائة وفرشاة أسنان ومعجون لأحد جنوده.  

اذاً: اذا خرجت روسيّا من معادلات القوّة العسكرية في البحر مع خروجها من معركة الطاقة وخاصةً الغاز مهزومة، بانتصارات خطوط الغاز الأوروبية القطرية السعودية مع احتكار تركيا على خطوط الأمداد، وتحول تركيا الى دولة ترانزيت ثرية بفعل الأستيلاء على خطوط الأمدادات، وستكون تركيا(ومن الزاوية الروسية)أكثر استعداداً وشراسةً لدعم جلّ سفلة سلّة الزبالة هذه من الأرهابيين والتكفيريين في العمق الروسي لتمزيق مفاصل وأحشاء روسيّا، عندّها وهنا فقط ستخرج موسكو وربما الى الأبد من المعادلة العسكرية والسياسية والأقتصادية الأممية.  

نواة الدولة الوطنية الروسية رأت أنّ الدولة الوحيدة في المنطقة والتي لم تبدّل السلاح الروسي هي سورية، وأدركت أيضاً ومنذ أن بدأت الأخطار تتهدّد أهم محركات الأقتصاد الروسي(النفط والغاز)، وجدت منظومة الحكم في موسكو أنّ الرصاصة القاتلة لمشاريع الطاقة الروسية تأتي من مشروعات النفط والغاز الأوروبية الأمريكية الخليجية من قلب جزيرة العرب لتصب في سواحل البحر الأبيض المتوسط، وخاصةً على الساحل السوري عبر الأراضي السورية الى تركيا.  

الروسي والسوري والأيراني والصيني، لديهم قراءات دقيقة لمعطيات تتقاطع مع معلومات مؤكدة، أنّ عناصر الطرف الثالث في المسألة السورية وبعد صناعة الرأي العام في أوروبا(والأخير تم خلقه وتشكله بعد عاصفة اللاجئين السوريين والتركيز عليها ببعدها الأنساني العاطفي بشكل استثنائي)وجعله يؤيد تدخلاً عسكرياً غربيّاً في سورية لأنهاء عصابة داعش، قرّرت كل من واشنطن وفرنسا وبريطانيا واستراليا والسعودية الأستمرار في محاربة بقايا داعش بعد أن تم الباسها ثوب المهرّج الكردي، للتغطية والتظليل عن الهدف الرئيس وهو اسقاط النظام في سورية وبالقوّة العسكرية وعبر الجبهة الشمالية السورية(هل الاستدارة الربعية السعودية نحو دمشق حقيقية؟ هنا التساؤل ونراقب)، حيث عمّان وفي المعلومات رفضت أي تحركات عبر حدودها لا بل واستبقت ذلك من خلال الأبتعاد عن غرفة الموك، ومساعدة الروسي لها في نصف استدارة ازاء دمشق. 

ونلحظ زيارة مسؤولين عسكريين ومخابراتيين أردنيين لموسكو باستمرار(سرّاً وعلناً)، وهذا مؤشر على تقاطع تفاهمات عميقة على طول خطوط العلاقات الروسية الاردنية السورية، تؤكد وجود سياسة استيعاب مدروسة للدور الأردني تقاطعت مع رؤية أردنية رافضة لعسكرة الحل السياسي الذي ينشده الجميع، حيث عمّان مع ستاتيكو سياسي جديد، وليس مع 14 أذار سوري مثل اللبناني، بالرغم من التصعيد السياسي والدبلوماسي والأعلامي السوري أحياناً ازاء عمان(هذا التصعيد نادر الان)، وهذا مفهوم ومستوعب لمواقف عمان التي تساوقت مع الطرف الثالث بدايات الحدث السوري، بسبب الضغوط الأمريكية والسعودية والقطرية وغيرها.  

هنا جاءت القرارات الروسية الأخيرة ومسارات ترسيمها على أرض الواقع والميدان، عبر مروحة مساعدات عسكرية بما فيها السوخوي سي 35 على أرض الميدان، تستهدف الميدان نفسه والسيطرة كما تستهدف السياسة، حيث ذهب الأسرائيلي(في الكواليس)لفك ارتباطاته مع زبالة الأرهابيين ودفعهم نحو الأردن(الأقليم الشمالي)، وبدأ هذا الأسرائيلي الصهيوني ومنذ ثلاث سنوات، ببناء جدار الكتروني عازل على طول الحدود الأردنية الأسرائلية الصهيونية من العقبة الى تمناع بطول 30 كم، على أن يستكمل بناء الباقي والبالغ 230 كم لاحقاً لحماية نفسه من الأرتدادات الداعشية والوهابية العفنة الى الداخل الأردني، نتيجة لبدئه ومنذ ثلاث سنوات تماماً، في دفع زبالة الأرهابيين الى عروق الجغرافيا الاردنية، الذين تحالف معهم منذ بدء المؤامرة على سورية، وقد تكون فرنسا قد أرسلت رئيس جهاز المخابرات الفرنسي الخارجي برنار أيميه سرّاً الى موسكو، لمقايضات هنا وهناك ورفع العقوبات عنها، وطلب المساعدة لحلحلة المسألة اللبنانية، حيث التزامن واضح بين زيارة لودريان وزير الخارجية الفرنسي الى لبنان مؤخراً وزيارة برنار ايميه السريّة الى موسكو – فالعلاقات الروسية مع حزب الله عميقة وتمتد بين الرأسي والأفقي.

فدمشق استطاعت أن تفرض تغييراً متدرجاً في السياسة الغربية اتجاه سورية من مرحلة(مطلب رحيل الأسد السدّ المنيع في وجه المؤامرة، فتمسّك هذا الأسد البشّار بشّار الأسد بالسلطة أسمى تجليات الوطنية والقداسة)الى مرحلة(بقاء الأسد بشروط لا بل ما هو أبعد من ذلك)وما مواقف ادارة جوزيف بايدن من دمشق، والتي هي انعكاس لمواقف الدولة العميقة التي تحكم هناك في أمريكا، الاّ مؤشّر في اتجاه ما، ان للتسكين وان للتصعيد. 

في اتجاه آخر: نجحت عاصمة الياسمين الى حد ما باعادة الربط بينها والقاهرة، وقد يكون ما يجري هذا الأوان على طول خطوط العلاقات المصرية السورية أكبر من تنسيق مشترك في الأمن وسيتبعه خطوات سياسية نأمل ذلك، بالرغم من أنّ السياسة المصرية حتى لحظة كتابة هذه السطور، تمارس تكتيك سياسي يتموضع في وضع قدم في الماء وقدم في اليابسه ازاء ما يجري في سورية، وأميل كغيري من من يخافون على مصر ودورها، بسؤال(النيو – عروبيين)أن(يشرّحوا)لا أن يشرحوا لنا هوامش وأوراق السياسة المصرية الحالية.  

نعم مصر وحتّى بأمنها القومي المائي صارت مرتبطة بالرياض والامارات، وفي المعلومات حيث قادت السعودية اكثر من خمس مرات وبالعدد، وساطات مع الكيان الصهيوني لتليين الموقف الأثيوبي في المفاوضات حول مشروع سد النهضة، ليظهر فخامة الرئيس المصري كمفاوض عنيد، مقابل دخول مصر في ناتو عربي سني ضد ايران مثلاً في مرحلة سابقة في عهد الرئيس ترامب، الى أن تدخلت وحدة المخابرات العميقة المصرية، داخل جهاز المخابرات المصرية بهيكله العام، وأعادت الرئيس الى جادة الصواب، فرأينا لقاءات المخابرات المصرية التركية، ثم زيارة الوفد التركي الدبلوماسي الى القاهرة برئاسة نائب وزير الخارجية السيد سادات أوزال صديق كاتب هذه السطور. 

 فالموقف المصري مع كل أسف ازاء المسألة السورية رمادي مبهم، والمستفيد الوحيد من ذلك وما يجري في سورية هو الكيان الصهيوني، وستكون”اسرائيل”مرتاحة لأبعد الحدود لهذا الغطاء المصري.  

نعم انّ تطورات الميدان العسكري السوري، أرخت بثقلها على عواصم حلف الحرب على سورية وفي سورية وحولها، نرى واشنطن تنشط ضمن منظومة التسوية السياسية لحجز مقعد سياسي لحلفائها من البعض العربي وغيره، كما تنشط ضمن منظومة الحرب على الأرهاب لتدعو حلفائها الى حجز حصّة من الجغرافيا السورية، فنصحتهم بعدم اضاعة الوقت والمسارعة الى حشد بري يشارك في الحرب الوهم على بقايا عصابة داعش(الضوء الأخضر الأمريكي حاضر هنا)، ليسبق الجيش العربي السوري وحلفائه، ويمسك بجزء من الجغرافيا المشغولة من قبل بقايا الأرهابيين، يجري تسليمها للقوى التابعة لتركيا والسعودية، وجعل وحدة التراب السوري الجغرافي، رهناً بالتوافق مع هذه الجماعات الأرهابية تفاوضيّاً. وبعبارة أدق: لأنتزاع الكلمة العليا في سورية، والتي صارت تتركز بيد السوري والروسي، باسناد ايراني وحزب الله، وبغطاء صيني الى حد ما، فعداء السعودي الرسمي للسوري يفوق عدائه لطفله البيولوجي الداعشيّ – رغم زيارة رئيس الاستخبارات السعودي الفريق خالد حميدان.  

الصيني يدعم الروسي في سورية لأسباب عديدة ذكرناها لاحقاً، بجانب حاجة الصيني للروسي ودعمه له في علاقاته الصدامية مع الأمريكي في بحر الصين، ولمساعدته في ضبط مغامرات كوريا الشمالية، مع سعي الصين وعبر الملف السوري الى ارباك الناتو في الشرق الأوسط، قبل التمدد الأمريكي الأكبر والأعمق في شرق أسيا، فمجتمع المخابرات الصيني متقاطعاً مع نظيره الروسي ونظيره الأيراني، يتابع أليات اعادة الهيكلة للوجود الولاياتي الأمريكي في المنطقة وخاصةً في الخليج. 

حال دخول الأتفاق النووي الأيراني حيّز الاحياء والعودة عبر مفاوضات فينا الحالية غير المباشرة، بين الامريكي والايراني من جديد والتنفيذ بتفعيل وتفاعل، وبخلفية الموقف الامريكي من الكيان الصهيوني الذي يريد فرض قواعد اشتباك عسكري، بدلا من قواعد الاشتباك الامريكي الدبلوماسي، ان بسبب اكتفائها لأمريكا من الطاقة لغايات استراتيجيتها الجديدة(الأرتكاز الأسيوي)في شرق ووسط أسيا لمحاربة الصين، فبعد أنّ سلّمت واشنطن قاعدتها لبريطانيا في البحرين، وحيث المنامة تريد أخذ مباركة روسية لغايات تأمين غطاء دولي لأوضاعها الداخلية، حيث أنّ التصرفات الأمريكية صارت غير مؤكدة اليوم، وقد تكون هذه هي القطبة المخفية في علاقات المنامة مع روسيّا اليوم.

في المعلومات والتحليل، وان عادت الرياض الى دمشق بحج مقرن أم مفرد، فهي في كواليس اللقاءات مع الامريكي قالت: انّ أي قوّات برية ستكون ضد عصابة داعش الأرهابية، بعبارة أخرى التدخل العسكري البري ان حدث لاحقاً، ينحصر في المناطق الشرقية(سؤال للسعودي: هل تضمن عدم انضمام جنودك لعصابة داعش في أماكن سيطرته، كونهم يشربون من ذات النبع الوهابيّ الراديكاليّ؟!)، وهذا الدخول العسكري السعودي في هذه المساحات المتصلة جغرافيّاً مع دول الجوار السوري، هي أيضاً لغايات جلب الزومبيات الأرهابية وجذبهم الى هذه المناطق، حيث أوضاع الزومبيات في الريف الشمالي السوري قرب الحدود مع تركيا لا تسر لا عدو ولا صديق بسبب الفعل الروسي السوري الأيراني وحزب الله المشترك.  

كل ما سبق يؤشّر الى حقيقة واضحة وهي أنّ عقيدة الفدرالية الروسيّة تختلف عن عقيدة الأتحاد السوفياتي السابق، وهي أنّ موسكو تدافع عن حلفائها، وسورية خط أحمر لروسيّا وما بعده حرب عالمية ثالثة وروسيّا هي رأس حربة المنظومة الأسيوية الجديدة، والتي تمثل الثقل السياسي والعسكري والأقتصادي والمالي والأستخباري الصاعد في العالم، ومعها ايران وحلفائها في محور الشراكة على الأرض، ومعها الصين ودول البريكس ومنظمة شنغهاي المعادل المدني والسياسي والعسكري والأقتصادي للآتحاد الأوروبي، هؤلاء الداعمين لأستراتيجيات روسيّا في العالم.  

الأستراتيجية الروسيّة في سورية تقوم بحدها الأدنى، بتولي قوّاتها الفضاء السوري والبحر السوري، في حين يتولّى الجيش العربي السوري العقائدي، والحرس الثوري وحزب الله والمقاومات الشعبوية السورية، والحشد الشعبي في العراق تطهير الأرض السورية والعراقية من سفلة الأرهاب وزبالته. 

وكما قلنا أنفاً أنّ الأسرائيلي الصهيوني قبل بالتخلي عن زبالة الأرهابيين، مقابل ترتيبات أمنية على الحدود في الشمال مع الأردن، والأردن قبل بالأجراء الروسي الأخير وابتعد عن الموك، ورفض فتح حدوده للطرف الثالث بالحدث السوري، وهو في طريقه نحو نصف استدارة ازاء دمشق بمساعدة الروسي، وفي حالة أن رفض التحالف العربي الذي يقوده السعودي والأماراتي وكان القطري جزء من هذا التحالف، قبل أزمة البعض الخليجي معه – أزمة حصار قطر، لجل الرؤية الروسية الجديّة الآن والتي بدأت تترسم على أرض الواقع والميدان، فانّ الجغرافيا اليمنية ستكون مقبرة لجنود هذا التحالف غير الشرعي(وهذا يحدث الآن بشكل جزئي)، وخارج قرارات الشرعية الدولية والعربية أيضاً، لذلك قد نرى لاحقاً بعض انحراف سعودي مفاجىء نحو اجتراح الحلول وبشكل سري ازاء المسألة السورية واليمنية والعراقية(هذا ما لاحظه الجميع الان)، وان كان مصدره الرعب بعض الأنحراف هذا ان حدث. 

وفي العمق الأفقي والرأسي، صارت منطقة الشرق الأوسط بمثابة مخزونات لترسانة لاهوتية متعددة الأوجه والأطراف، بفعل وزمن داعش الذي ترعرع في دورتنا الدموية كعرب ومسلمين(غدونا خردة بشرية في مستودعات الأمم الأخرى وهذا ما أقوله دوماً)، اشتركنا بتغذيته هذا الداعش الفاحش الدامس(يأجوج ومأجوج القرن الحادي والعشرين)من حيث نعلم ولا نعلم، تزامن هذا الزمان الداعشيّ، مع عودة منظّمة وعميقة وقريبة، لمفاصل وتمفصلات خرائط هندسيّة، لجينات منظومة متكاملة العداء لنا كعرب ومسلمين، تتموضع في المحافظين الجدد(غابوا نسبيّاً بعد احتلال العراق وها هم يعودون من جديد عبر غلمان بعض حكومات الدول العربية، وبمساعدة وازنة من عرب روتانا الكاميكازيين)، يعودون ان في الداخل الأمريكي، وان في الدواخل الغربية بمجملها، حيث أوروبا تتجه نحو اليمين ويمين اليمين، كما هو حال مجتمع ثكنة المرتزقة اسرائيل، هؤلاء كمركب يمور بالموت: ليبرالي، صهيوني تروتسكي يهودي معاً، يعود بقوّة وثبات محاولاً احتلال سورية قلب الشرق، وباقي أجزاء الوطن العربي الكبير، محافظون جدد وحتّى في بعض الدواخل العربية، كليبراليين جدد برامكة الساحات العربية المصادرة، الذين يحجبون العامّة من الناس عن الخاصّة، فهم سوسة المجتمعات وسيداها(مرض نقص المناعة الأيدز)وفنائها، بحيث ثمة أحبال سريّة مع مجتمعات المحافظين الجدد في الغرب وأمريكا، قد تكون معروفة لبعض مجتمعات مخابرات الساحات العربية، وان عرفت قد لا تملك بعض أجهزة المخابرات مقاومتها أو حتّى اضعافها أو تجميدها، وتكتفي برفع التقارير الأستخبارية المقيّدة للمستويات السياسية، والتي تكون في الأغلب مخترقة عبر تروتسكي عربي هنا أو هناك(والله مأساة مضحكة مبكية).  

ولكننا كجيب مقاومة مع غيرنا من المثقفين كما نزعم، لا بدّ من الأستمرار بفعلنا وجهدنا، بكتابة الدراسات والتحليلات والبحث عن المعلومات الأستخباراتية وتحليلها تحليلاً علميّاً بعيداً عن العواطف وجمعها في حويصل ونشرها للناس كافةً ولمن يقرأ من أجهزة الأستخبار العربية، وبرسائلنا التنويرية لأبناء أمتنا، وفضح التروتسك العرب والمتسربلون منهم، ان بلباس الليبرالين الجدد كبرامكة الساحات العربية، وان بأي ثوب آخر أو ثقافة دخيلة مخترقة ملوّثة 

الآخر الغربي وعلى رأسه الأمريكي عبر جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ الأمريكي)، يريدون تحويل منطقة بلاد الشام الى ولايات متعددة، ثم اقامة دولة اتحادية تجمعها مع الكيان الصهيوني ثكنة المرتزقة، عبر سلطة فيدرالية كحل للمشكل الأسرائيلي الفلسطيني(تم اختصار وتقزيم الصراع العربي الأسرائيلي الأستراتجي في زمن عرب روتانا وداعش الى هذا المشكل الثنائي، وليس كمشكل جمعي يشترك مع العرب كوحدة واحدة، ليصار الى التصفية لاحقا له عبر أشكال سياسية معينة من كونفدرالي ثنائي، الى كونفدرالي ثلاثي، الى فدرلة سكّانية تمهد لما هو قادم عبر التروتسك الغربي أو البعض العربي بشكل عام)، مع جعل العراق ولايات أربع(كركوك، الموصل، بغداد، البصرة)، ومحاولات اسقاط النظام في سورية وفدرلتها عبر الأثنيات، وفرض دستور محدد(دستور الطوائف والأثنيات)، مع انتاجات لآشكال من 14 أذار لبناني في الداخل السوري، حيث لبنان لم يستقر منذ اتفاق الطائف الذي وضع حدّاً للحرب الأهلية اللبنانية.  

والعديد من الساحات السياسية العربية، ان لجهة القويّة، وان لجهة الضعيفة، هي في الواقع ولغة المنطق تقع على خط صدع زلزالي مترنّح، فكلما تحركت الصفائح السياسية الأستراتيجية في المنطقة(أعني الصفيحة الأستراتيجية السورية)حيث التآمر على المنطقة عبر سورية، تحرك الواقع في هذه الساحات لشق الجغرافيا والديمغرافيا، ان في لبنان، وان في الأردن، وان في فلسطين المحتلة، هذا يحدث في زمن العولمة وانتشارها الفج غير المدروس أحياناً كانتشار النار في الهشيم(الملك عبدالله الثاني دعا ويدعو الى اعادة ضبط العولمة من جديد ضمن رؤية متقدمة حقيقة)، حيث تتساقط الحدود الثقافية بما فيها التاريخية، فبانت حدود الدول متداخلة.  

وكثير من التروتسك الأوروبي والأمريكي وذيوله، من مثقفين ومفكرين التروتسك العربي المتصهين، بمجملهم كذراع ثقافي للبلدربيرغ الأمريكي(جنين الحكومة الأممية)وعلى رأسهم كبيرهم هنري كيسنجر، والذي يتكلّم من وراء التاريخ أصلاً كحالة استثنائية، وككهل مضى من عمره أكثر من ستة وتسعين ربيعاً، والآن يتكلم من وراء الزمن وربما من وراء الغيب، وهو اليهودي الصهيوني العتيق والمعتّق، كالنبيذ القاني المعتّق بجرار فخّارية، هؤلاء يرون كما أسلفنا في المنطقة مخزونات ترسانة لاهوتية، ويعتقدون وعلى رأسهم هذا اليهودي العتيق كيسنجر، حيث دراسات الأخير لا توضع على الرف، بل تؤخذ وتدرس من قبل مراكز الدراسات التي تصنع القرارات في الدواخل الغربية والأمريكية، ويستنبط من دراسات وأقوال وتحليلات الكيسنجر هذا وتلاميذه التروتسكيين الأستراتيجيات والنظريات وهندسة ساحات الخصوم والحلفاء والأعداء، وهذه المنظومات الأستراتيجية، تجد مساراتها الى التطبيق عبر التفاعلات والمفاعيل مع أرض الواقع.  

هو وهم(الكيسنجر وجوقة التروتسك والمحافظين الجدد والكومبّارس الأخر)لا يعتقدون، أنّ دولاً مثل سورية ولبنان، والأردن والعراق، قابلة للبقاء بالمواصفات وبالتشكيلات وبالكراهيات القائمة. حسناً ما هو الحل اذاً؟ يجيب مجتمع التروتسك هذا: لا بدّ من تفجير هذه البلدان سياسيّاً وجغرافيّاً وديمغرافيّاً، لتشكيل منظومة جديدة، تأخذ بعين الأعتبار كل التفاعلات الهندسية الجيوستراتيجية والجيوسياسية التي حدثت وتحدث وستحدث، حيث يرون هؤلاء التروتسك أنّ كل أزمات المنطقة وصلت الى الحائط الأخير، لذا لا بدّ من عمليات جراحية مبرمجة بدقّة وقابلة للحياة، حل الدول القائمة مع بلورة متزامنة لمعايير محددة كمفاهيم أيديولوجية، ثم تشكيل دولة كونفدرالية تمتد من شط العرب الى شاطىء متوسط.  

وبلا أدنى شك أنّ الرقّة في سورية ستبقى، والانبار  في غرب العراق سيعاد تسخينها لتبقى مسمار جحى، يشكلان نقاط ارتكاز عميقة وتموضعات للمشروع الأمريكي البريطاني الفرنسي الأسرائيلي الصهيوني البعض العربي(عرب روتانا)التركي، لتقسيم كل من العراق وسورية، وهذا ما تدركة كل من دمشق وموسكو، وبكين وروسيّا، والعراق وحزب الله، والأخير ذو نفوذ اقليمي، فهو أقل من دولة وأكبر من حزب.  

الأمريكي ومن في سلّته التروتسكيّة المحافظيّة الجديدة، لا يريدون القضاء على داعش بقدر ما يريدون تثبيت الأستقرار له، ان في الرقّة، وان في شمال سورية بعد الباسه ثوب المهرّج الكردي، وان في شرق نهر الفرات، لخلق الحاجز الجغرافي الفاصل بين سورية والعراق لقطع محور المقاومة من ايران الى لبنان، عبر اقامة اسرائيل ثالثة بسروال كردي فاقع اللون(حيث الثانية اقليم كردستان العراق، والأولى في الشمال الفلسطيني المحتل)وربطها هذه الثالثة اسرائيلهم، بالأنبار بغطاء دولة سنيّة بين مثلث الموصل ودير الزور والرقّة لاحقاً، عبر قوّة سنيّة ترعاها تركيا باسناد سعودي، مقابل قوّة شيعية ترعاها ايران، بحيث تتجه المنطقة بجلّها الى ثنائية تاريخية سابقة(غساسنة ومناذرة)وبعبارة أجزل وأعمق: عرب يقتلون عرباً، ومسلمون يقتلون مسلمين.  

صحيح واقع ومنطق، أنّ كل نشاط للعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، يخلق سيولة متفجّرة وخطيرة، ففي جلّ الجغرافيا السورية وبشكل خاص في ادلب وشرق نهر الفرات، وفي الرقة وريفها الشمالي والشرقي، وعلى طول الحدود التركية السورية التآمر يعلو ويعلو ويعلو، ومع كل أسف قادة الكرد يعلنون الصهينة كالشمس في رابعة نهار دمشق، وهم في سورية على أرض العرب، بصفاقة سياسية وبوقاحة استيطانية قلّ نظيرها وعزّ مثيلها، محميين بأمريكا، وكذا هو حالهم للكرد في العراق، حيث من قسّم كردستان هم الغرب والأمريكان وليس العرب، وواشنطن تبني واقعاً خطيراً في مواجهة محور المقاومة، وتعمل على تجهيز ثكنة المرتزقة”اسرائيل”الكيان الصهيوني، الطارىء على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة،  ليتحكم بالوطن العربي من الماء الى الماء، عبر عرب روتانا وزحفهم على شفاههم نحو واشنطن الترامبيّة الآن، انّه زمن الزحف، ففي مؤسسات الحكم الجمهوري والمعارضة الديمقراطية في أمريكا تتواجد المحافظيّة الجديدة، بظلالها اليهودية الصهيونية التروتسكية، حيث التروتسك العرب في خدمتها كخادم(خزمتجي) في دواخلهم العربية وساحاتهم. 

عواميس الداخل السوري من تنظيمات ارهابية، ومن ما تسمى بقوّات سورية الديمقراطية(قسد)، وقوّات النخبة، وما يسمى بجيش الفدرالية لحماية مناطق سيطرة الكرد، هم أدوات للأمريكي في الداخل السوري، ومشاريع ناجحة لأستثمارات عرب روتانا الكاميكازيين(مش حتئدر تغمض عينيك)الداخلين في حلبة تنافس على الساحة السورية، في من يملك أكثر من ورقة، وهنا يصدّق زعيم المشيخة العربية هذه نفسه – مملكة القلق العربي، ويقوم ليفعل فعله ويشهر سيفه الخشبي، ويقع في الفخ السوري.

بوضوح ودون لف ودوران، أكراد سورية بطبعة صهيو – أمريكو جندريّة، فحينما كانت الاشتباكات في عين العرب أصرّ الكرد على تسميتها كوباني، أما الإعلام الغربي فأبرز نساء مقاتلات في عملية استعراضية هوليوديّة، كان ورائها أمر واحد، هو شق المنطقة عن سورية بوسائل عدّة، منها تصنيع دور المرأة كقائدة، وأين في مجتمع قبائلي يزحف على شفتيه إلى واشنطن. 

وتكرّر الإخراج الهوليوديّ نفسه بتقديم مقاتلة كناطقة باسم قوات سورية الديمقراطية – قسد”بل بشمركة كرد سورية”، ثم تلاها جنرال العدو الأمريكي جوزيف بوتيل(تذكرونه قبل عام بالتمام)، المتسلّل لواذاً الى الشمال السوري الخارج عن سيطرة دمشق، ونحن لا اعتراض لدينا على دور المرأة وتمكينها في مجتمعها، ولكن إن كان موقعها القيادي حقيقي وليس إخراج هوليودي، لكسب الرأي العام الغربي، لتكريس اسرائيل ثالثة جديدة في سورية، وهو ما يشتغل ويعمل عليه اليسار الألماني خاصةً والتروتسك بشكل عام، ولا شك أن النسويات الغربيات سوف يهتفن له كثيراً، وكأنّهن هنّ متحررات!

كل هذا استثمار امبريالي في الكرد كأداة جيدة، لأنّ بها شبق الاستقلال وكره العرب، حتى لو باتجاه العمالة مثلاً، ولا نضع الكرد كلّهم في سلّة واحدة وبوسم واحد، ولكنّ الكثير منهم لا جلّهم، وخاصة القيادات والكوادر، يتفجّرون حقداً وكرهاً على كلّ العرب، مع أنّ من قسّم كردستان ليس العرب، بل الغرب كاستعمار للجميع، الاستعمار قسّم العرب أيضاً ويزيد الآن من تقسيمهم، فيقسّم المقسّم ويجزّىء المجزّء، ويفتّت المفتّت، خدمةّ للكيان الصهيوني ثكنة المرتزقة، فأن يقوم ممثل كرد سورية، بافتتاح مكتبهم في باريس ويدعو برنار هنري ليفي، هذا يؤكد أنّ الكرد في علاقات مع الصهاينة(خمسة عقود من العشق الممنوع)وخاصة مع شخص دوره ضد كل شعوب العالم الثالث، انّه يا سادة عميل معولم، يسعى الى علاقات مع الجميع، والجميع من العواميس في الداخل السوري وبعض الساحات العربية الأخرى، يسعى لعلاقات رأسية وأفقية معه، فهو فوق تروتسكي بامتياز. 

في خلاصة هذا الاشتباك وتأسيساً على ما تقدم، في كيفية حلول الوكلاء محل الهياكل في العلاقات الدولية الحديثة:  لا بدّ من تحليل عبر تشريح حقيقي لفكرة ورؤية مستقبل القوّة الروسية في جغرافية الشرق:-

عزّزت روسيا من جديد موقفها حين أنفقت موارد قليلة لتحافظ على علاقات متوازنة مع مراكز القوى الإقليمية الرئيسة، وبقيت إيران لاعباً مؤثراً في سورية رغم الضغوط الاقتصادية الأمريكية الهائلة عليها واغتيال الفريق قاسم سليماني ورفاقه، علاوة على ذلك تزايد تصميم إيران على الاستفادة من إمكاناتها في سورية والمنطقة، وهذا من شأنه ما يزيد احتمالات استمرار واشنطن في معاقبة طهران، يضاف إلى ذلك ما قدمته دول الخليج من موارد مالية وعسكرية قوية لمنع إيران من لعب هذا الدور الحاسم في سورية، وما تزال الصين المتنامية باستمرار،  تلوح في الأفق البعيد محاوِلة أن تنأى بنفسها عن شؤون الشرق الأوسط على نحوٍ جوهريٍّ ومبدئي، لكن حقيقة وجودها تجعلها جزءاً من المعادلة. 

وعلى خلفية التراجع الأمريكي الواضح في سورية، قامت الولايات المتحدة بعملية مداهمة لتدمير مقرِّ “أبي بكر البغدادي” زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي (المحظور في روسيا وعدد من دول العالم)، وذلك بدعم ضمني من روسيا وتركيا والعراق والأكراد (وفقاً للمسؤولين الأمريكيين)وقبل ذلك أسامة بن لادن، ثم قامت وبشكل فردي بتصفية الفريق قاسم سليماني ورفاقه، ومع ذلك فإن الأمريكيين لم يغادروا حقول النفط السورية، مع تمسكهم بقرار حظر نفطي صارم ضد سورية . 

في جميع الاحتمالات، وفي خضم هذه الأحداث الجارية، يُظهر بعض اللاعبين أن أعمالهم تسعى إلى تحقيق مصالح براغماتية محددة تماماً، وأن إرادتهم السياسية تتفوق على القيود الهيكلية القائمة، سواء أكانت تحالفات أم قرارات لمؤسسات دولية أم التزامات مع الحلفاء.  

ويبدو أن سياسة “الوكلاء” ذاتها، أي الدول الفردية، لا تنسجم مع المنطق، والإجراءات الدقيقة المحددة التي تنتج عن مجموعات متطورة تحقق فوائد ملحوظة، في حين أن قوة السلطة الهائلة والموارد والأموال لا تضمن النجاح لها.

بعد كل شيء، فإن الخلافات السياسية للحلفاء(الولايات المتحدة وتركيا)حول القضايا الفردية ليست الأولى، ومع ذلك أصبحت الصفقات ظرفية على نحو متزايد، والآفاق الاستراتيجية وراء المهام التكتيكية غير واضحة.  

كما أنه من السابق لأوانه شطب سلطة الدول ذاتها، وكما قال كينيث والتز – منظّر أمريكي متخصص في علم العلاقات الدولية: (إن الدول القوية قد تخطئ بالتأكيد، ويمكن أن تكون الدول الضعيفة أكثر نجاحاً في مواقف معينة ومع ذلك فإن الدول القوية أكثر مرونة ويمكن لها القيام بمزيد من المحاولات، ومع ذلك، لدى الأقوياء هوامش أمان أكثر، ما يعني القيام بالمزيد من المحاولات، وإذا كان الأقوياء قادرين على تحمل الأخطاء، فإن أي خطأ قد يصبح قاتلاً بالنسبة للضعفاء).  

هذه الأحداث التي تجري تعيدنا إلى واحد من الأسئلة الأساسية لعلوم العلاقات الدولية: ما الذي يجعل البعض أقوى والبعض الآخر أضعف؟ هل هناك صيغة عالمية للسلطة والنفوذ تنتج النجاح في ظل ظروف مختلفة؟. 

 بُذلت محاولات عدة لإيجاد صيغة عالمية من خلال مقارنة لجميع الدول مدّة طويلة، وما زالت حتى وقتنا الحاضر، وكانت جميعها تعتمد على معايير الاقتصاد والقوة العسكرية، ويذكر أن دراسة أمريكية للقوة العسكرية استخدمت معايير، مثل: حجم القوات المسلحة والإنفاق الدفاعي وإنتاج الطاقة وصهر المعادن والسكان وسكان المدن، ورغم كل هذه النسبية فإن التركيز على الاقتصاد والإمكانات العسكرية هي نماذج في المقارنات العالمية، والمشكلة في كيفية ضبط الفهارس لتأخذ بالحسبان الفروق الدقيقة المختلفة، وقد حاول مشروع بحث روسي(الأطلس السياسي للعصر الحديث)للباحث أندريه ميلفيل وآخرين مراعاة الفروق الدقيقة للدول، بالإضافة إلى التطور التكنولوجي لها ومؤشرات القوة الناعمة. 

بدأ المجتمع الدولي يشهد تغيّراً في موازين القوى، من حيث حسابات القدرة والدور، فبعض الدول التي كانت تصنّف صغيرة حسب معايير القياس القديمة من حيث الحجم وعدد السكان والقدرة العسكرية والإمكانات الاقتصادية، أصبحت تصنف أحياناً بأنها دول قوية من حيث الفاعلية والدور والقدرة على التأثير، ما يشكل عجزاً للدول الكبرى القوية عن تحقيق الأهداف المرسومة لها، وتبعا لذلك تزداد الهوّة بين الإمكانات وبين القدرات، ولكن هذا نادراً ما يشكل عائقاً لها، وعلى هذا النحو، فإن أي مؤشر يكشف الإمكانات عن وجود قائد متفوق واحد وعدة قادة غيره بالتوازي، كما يكشف عن كتلة الدول التي تتخلف عشرات أو حتى مئات المرات، ويتم الخروج عن هذا المؤشر حينما يتعلق الأمر بنوعية العلاقات بين الدول، إذ تمثيلاً لا حصراً، تتمتع الولايات المتحدة، دون شك، بسلطة أكبر مقارنة بروسيا أو الهند أو جمهورية الصين الشعبية، لكن سيناريو العدوان العسكري الأمريكي ضد أي من هذه الدول غير وارد، وعلى الأرجح تكون التكاليف المادية الباهظة هي السبب، وكذلك الأمر عند مناقشة عمليات عسكرية محتملة ضد إيران، البلد الأضعف بنظرها وغير النووي، لن تفكر الولايات المتحدة بذلك وما زالت ترفض هذا المسار حتى الآن، لأن تكاليف هذه الحرب كذلك ستكون باهظة جداً، وبمعنى آخر، فإن توازن القوى لا يعطي فكرة عن نوعية العلاقات بين الدول. 

معايير ارتباط القوة بالإمكانية أو القدرة التي تمكّن مستخدمها(الدولة)للتأثير على الآخرين وإخضاعهم لإدارة القوى الفاعلة في أي موقف اجتماعي سياسياً كان أم اقتصادياً أم ثقافياً، وتُعد قوّة الدولة من العوامل التي يعلّق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، ذلك لأن هذه القوّة هي التي ترسم أبعاد الدور الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي، وهي التي تحدد إطار علاقاتها بالأطراف الخارجيّة في البيئة الدولية، ومعيار قوتها هو الوصول إلى أهدافها في استخدام طاقتها التي تسهّل السيطرة على تصرفات الآخرين والتحكم بها، وفي تحليل استخدامات القوّة في الفكر الاستراتيجي فإن ذلك يتم عند استخدام أدوات القوّة العسكرية أو الأدوات الاقتصادية أو العمل الدبلوماسي في القرارات السياسيّة. وتتركز مهام المسؤولية عن كل أداة في تحديد الكيفية التي يتم بها استخدام هذه الأدوات لتحقيق الأهداف خاصة فيما يتعلق بالقرارات الكبرى. 

كما لا يعني هذا أن الدولة القوية التي تسيّر الأمور وفقاً لمصالحها واستراتيجيّاتها هي دولة سيئة أو فاسدة، فالسوء والفساد والأنانية أمور مستقلة عن مفهوم القوّة، خاصة وأن هذا المفهوم قد تجاوز في مضمونه الفكري المعنى العسكري الشائع إلى مضمون حضاري أوسع ليشمل القوة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والثقافية والتقنيّة. إلا أن توفر مقوّمات القوّة هذه لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد الحصول عليها، وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالقدرة على استخدام ذلك في تمكين الدولة من التدخل الواعي لتحويل مصادر القوّة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، فالقوة هي مجرد امتلاك مصادر القوّة كالموارد والقدرات الاقتصادية وحسن إدارتها، والمُكنة العسكرية والسكانيّة وغيرها. أما القدرة فتنصرف إلى إمكانية تحويل هذه المصادر إلى عنصر ضغط وتأثير في إرادات الآخرين. 

كان الاتحاد السوفييتي في عام 1989، قوة عظمى مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبإمكانات ديمغرافية كبيرة “الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة “، وأفضل جيش في العالم. لكنه انهار بين عشية وضحاها وفقاً للمعايير التاريخية، وقد لوحظت خلال ذلك أمور مهمة حول حالة النخب، “انهيار الروح والإرادة”، العدمية الكامنة والسخرية الكاملة في ما يتعلق بالإيديولوجية القائمة، وإبان حقبة انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وإعلان جمهورية روسيا الاتحادية، واستقلال دول الكومنولث الواحدة تلو الأخرى، حدث تدهور وانهيار شديدين في الدولة الروسية داخليّاً (الاقتصاد، التجارة، الاستثمار… إلخ) وخارجيّاً (السياسة الخارجية، المكانة الدولية… إلخ)، حتى أُطلِق على روسيا لقب “الرجل المريض“..  

من المثير للاهتمام أن “الأطلس السياسي” الروسيّ كشف عن نظام مهم يرى أن السلطة لا تؤخذ بالحسبان بذاتها فقط؛ بل أيضاً مع اعتماد معايير أخرى كتاريخ الدولة ونظامها السياسي، ونوعية الحياة، والمستوى الفكري والثقافي والاقتصادي وغيره.. ومستوى التهديدات للدولة ومصدرها، ما يدلُّ على أنَّ “صورة العالم” مختلفة بعض الشيء، وبدلاً من المقياس الخطيِّ يظهر مشهد من مجموعات مختلفة من الدول، وكل مجموعة لها بعدها الخاص، بمعنى آخر، توجد الدول الحديثة في حقائق متوازية كما كانت، ولكل حقيقة معايير خاصة بها، نادي القوى العظمى لديه بعد واحد وجدول أعمال، ومجموعة الدول المتقدمة ذات الجيوش الصغيرة نسبياً لها معايير مختلفة وأبعاد أخرى، ومجموعة الدول المتخلفة التي تقاتل من أجل بقائها ولا تزال لديها مجموعة أخر تتخفّى وراءها وتكافح من أجل البقاء. تتفاقم المشكلة بسبب حقيقة أن هذه المجموعات وجداول أعمالها قابلة للاختراق في يوم من الأيام، ويمكن لدولة من مجموعة القوى العظمى أن تطرق باب الدولة من مجموعة متخلفة أو حتى “رغيدة الحياة” مع جدول أعمالها غير المرحب به دائماً في شكل غارات قصف أو عمليات سرية أو عقوبات اقتصادية مفتوحة وتدخلات سياسية وغيرها.  

السؤال الرئيس ماذا يعني كل هذا بالنسبة لروسيا؟ هناك حقيقة يتم تجاهلها بشكل متكرر مع متابعة التطورات الدولية وسرعة نمو الهند وجمهورية الصين الشعبية، وحياة الألمان الجديدة بعد توحيد الألمانيتين، وحضارة كوريا الجنوبية، وديمقراطية سويسرا، إلى أي مدى سيبقى الأمريكيون مثالاً يحتذى به للدول الضعيفة، وماذا عنا؟ نحن مثل المتدربين الذين يُحاضر فيهم آباؤهم ويلوّحون لهم بالعصا كل يوم.

إذا كان “الوكلاء” يحلون محل “الهياكل” في العلاقات الدولية الحديثة، فربما يستحقُّ الأمرُ تغيير العدسة التحليلية التي ننظر من خلالها إلى “الوكلاء”، وبخاصّة الوكيل غير التقليدي مثل روسيا.  

ربما يجب أن ننطلق من صفات “الوكيل” بدلاً من الصيغ العالمية التي ندرس بها “الهياكل”. هذه المسألة مهمة من الناحية المنهجية والسياسية على حد سواء. 

في النهاية نحن نتحدث عن مصادر هويتنا السياسية. يمكن لنا البحث عنها في محاولة للتوافق مع معيار عالمي ولكن يمكن لنا أيضاً البحث عنها في أنفسنا تفاصيلنا وتوازن النقاط القوية والضعيفة، وفي نهاية المطاف في تاريخنا وثقافتنا. من الممكن أن نعيد اكتشاف أنفسنا من جديد. 

عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A 

[email protected]

منزل – عمّان : 5674111     خلوي: 0795615721 

سما الروسان في في 9 – 5 – 2021 م.

27 رمضان لعام 2021 م.

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا