الرفيق شاكر زلّوم ( رئيس تحرير ” إضاءات ” ) يكتب معقّبا على مقال للدكتور العميد أمين حطيط ، حول العلاقة الجدليّة بين الدولتين السورية والروسية

الأردن العربي – الثلاثاء 28/4/2020 م …




لهذه الأسباب, سترتد عقوبات ترامب خراباً على أمريكا || شاكر زلوم

كتب شاكر زلّوم …

ماهي طبيعة العلاقات بين روسيا وسورية؟

لقد تولى المحللون واصحاب الرأي الاجابة على هذا الأمر الهام, تراوحت الأراء بين منزه لروسيا باعتبارها الاتحاد السوفييتي وخليفة لسياساته وبين موضوعي تناول المتغيرات الداخلية والخارجية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وأثر تلك المتغيرات على سياساتها بشكل عام, ان كان على صعيد بنيتها الاقتصادية والاجتماعية داخلياً ومواقفها السياسية خارجياً.

من الانصااف أن ننصف روسيا بما أحسنت فيه وأن نشير لمثالب وأخطاء سياساتها, لقد سقط الاتحاد السوفييتي مع وصول غورباتشوف واعلنت وفاته في رسمياً في 26\12\1991, لتسيطر على مقدرات روسيا العصابات والمافيا و بيعت أهم الشركات بثمن بخس لجماعات صهيونية ولتتحول فيما بعد لقوة تمتلك الثروات الفلكية ولتمتلك الاعلام الروسي ولتتحكم في السياسات الروسية لبرهة من الزمن استمرت عقدين, كانت فيهما روسيا قوة تابعة للغرب الاستعماري تنفذ ما يملى عليها.

ومن الانصاف أيضاً أن نقول أن القوى المضادة لتوجهات الطغمة المالية المتحكمة تنامت مع ظهور ظاهرة “بوتن” فبوتن ترجع أصوله للآجهزة الأمنية الروسية وطبيعة الأجهزة الأمنية والعسكرية الروسية وطنية وان اختلفت بتوجهاتها الفكرية , أما الجماعة الوطنية الروسية فهي تتكون من الأمميين الروس وهم من بقايا الحزب الشيوعي السوفييتي ومن القوميين الروس أيضاً ممن تدعمهم الكنيسة الأورتودكسية الروسية وهؤلاء ينتمي لهم الرئيس “بوتن”, الرئيس بوتن ليس اشتراكياً بل هو رأسمالي برغماتي يعمل لاستعادة المجد الروسي وهذا ما يدركه كل متابع لمواقفه وايحاءاته.

بوتن راقب بحذر الوضع في سوريا منذ الحرب الكونية عليها ولم يتدخل الآ بعد أن صمدت سوريا لسنوات أي في 30\9\2015, صمدت سوريا بدعم حلفائها الحقيقيين المتمثلين بمحور المقاومة وعلى رأسه ايران والمقاومة اللبنانية وبعض القوى العراقية المسلحة بالاضافة للدور المهم لبعض الفصائل الفلسطينية التي قدمت آلآف الشهداء وتمكنت بمساعدة الجيش السوري من الحفاظ على بعض أحياء مدينة حلب, ضحيات حلفاء سوريا كانت كبيرة وما قامت به يندرج ضمن واجباتها في الدفاع عن آخر حصن تبقى للعرب بعد الهيمنة الاستعمارية على كل المنطقة, هذا الصمود حفز موسكو للتدخل في سوريا من باب جنيً المكاسب لاحقاً ومن باب الدفاع عن روسيا, لا سيما وان العديد من المقاتلين الارهابيين في سوريا هم من الجمهوريات السوفييتية السابقة ومن بعض جمهوريات الفديرالية الروسية الحالية وهم مواطنون روس سُممت أفكارهم بالفكر التكفيري ومول قدومهم لسوريا من قبل دول الخليج بأمر امريكي, هؤلاء لو نجح المشروع الاستعماري في سوريا سيعودون لروسيا وروسيا ستتطر لقتالهم في شوارع موسكو وسان بطرسبورغ ومدنها الأخرى بالإضافة للجمهوريات الاسلامية فيها, بوتن قدر المرحلة والظرف التاريخي مع تياره القومي فق,رر المشاركة في الحرب على الارهاب في سوريا.

نُذكر أن برغماتية بوتن جعلته يؤيد قوى العدوان على الشعب اليمني ولا يزال, وجعلته يغازل قوى الشر والاستكبار في العالم ولم تمنعه من اقامة أوثق العلاقات مع المجرم نتنياهو بالرغم من كل فظاعاته بحق الشعب الفلسطيني, مع الإشارة  أن روسيا تحاول استعادة دورها الفلسطيني في الفترة الأخيرة  وصولاً لتحتل دورها العالمي من جديد  في العالم الجديد المرتقب والتي لولا الصمود السوري لما فعلت وتمكنت من فعل ذلك.

ما كتبه العميد أمين حطيط تحت عنوان “روسيا وسورية: اثر التسريبات الإعلامية وحقيقة العلاقة” مهم ونحن في إضاءات نتبناه بالكامل لذلك آثرنا  نشره مرفقة بالموجز الذي كتبه رئيس التحرير.

كتب العميد د. أمين محمد حطيط:

من غير سابق إنذار فتح بعض الإعلام الروسي النار على سورية ورئيسها، بشكل قاد بعض المتسرّعين من المحللين إلى القول بأنّ روسيا قلبت ظهر المجن لسورية وعقدت صفقة مع أميركا وتركيا تخلّت بموجبها عن الرئيس الأسد، وانّ هناك انقلاباً ينذر بتغيير روسي جذري قريب في سورية، فهل هذا صحيح وما إمكان تحققه؟

قبل النقاش في الأمر لا بدّ من العودة إلى بدء العدوان المركب على سورية في العام 2011، حيث التزمت روسيا موقف الحذر الذي ترجمته معارضة سياسية للعدوان مع امتناع عن التدخل الميداني والاكتفاء بمراقبة السلوك الإرهابي الذي تقوده أميركا لإسقاط سورية وتغيير قيادتها وإلحاقها بمنطقة النفوذ الأميركي في المنطقة. ورغم أنّ المشروع الأميركي كان من شأنه في حال نجاحه تهديد المصالح الروسية في المنطقة، فإنّ روسيا حاذرت المواجهة مع أميركا واختارت العمل الدبلوماسي المقيّد الذي لا يمنع أميركا من استمرار العدوان، لكنه لا يترك أميركا طليقة اليد في المجال السياسي الدولي لفعل ما تشاء على الساحة السورية ولهذا جمعت روسيا في سلوكها بين الفيتو الذي مارسته في مجلس الأمن ضدّ مشاريع القرارات التي تمسّ بمصالح سورية، وبين الإحجام عن التدخل العسكري نصرة للحكومة السورية. سلوك اعتمدته بخلفية الشكّ بقدرة النظام السوري على الصمود ورغبة في إشعار أميركا أنها ليست وحدها في المنطقة.

بيد أنّ سورية وبقدراتها الذاتية ومدعومة من محور المقاومة سفّهت أحلام قوى العدوان عليها وصمدت إلى حدّ اقتنعت روسيا فيه بأنّ دعمها لها إنْ حصل لا يمكن ان يذهب هدراً، وإنْ تركها وحدها في مواجهة العدوان فلن يكون في مصلحة روسيا خاصة إذا انتشر الإرهاب خارج سورية، متذكرة المقولة التاريخية أنّ «الدفاع عن موسكو يبدأ على أسوار دمشق»، لكلّ هذا استجابت روسيا في العام 2015 للطلب السوري وللتشجيع الإيراني وحرّكت جيشها بقوته النارية من طيران ومنظومات صاروخية وجو فضائية لتقديم الإسناد الناري للجيش العربي السوري الذي يكافح الإرهاب على أرضه.

ومع الدخول العسكري الروسي إلى سورية، اختلط الأمر على الكثير وقلة عرفوا حقيقة العلاقة أما الآخرون فمنهم من ظنّ انّ التدخل الروسي هو وضع يد على سورية ومنهم من رأى انّ روسيا دخلت مع سورية في حلف عسكري استراتيجي عضوي يجعلها عدواً لمن تعاديه، وصديقاً لمن تصادقه، وغاب عنهم انّ لروسيا سياستها التي تتقاطع مع سورية في أمور وتعاكسها في أمور أخرى، وأنّ وجودها العسكري في سورية له مهمة محدّدة تتصل بالحرب على الإرهاب ومنعه من إسقاط النظام. فمهمتها محدّدة لا تتعداها إلى مواجهة «إسرائيل» او محاربة تركيا او الخصومة مع دول الخليج، وحتما ليست لقتال أوروبا أو أميركا إذ بقي هؤلاء في القاموس الروسي خارج دائرة العداء رغم انّ أميركا تصنّف روسيا عدواً.

لقد تعرّضت روسيا لأكثر من اختبار في سورية، وتصرفت في التعامل مع هذه الاختبارات بذهنية الطامح لإشغال مقعد في الصف الأمامي الأول دولياً، والعامل لاجتثاث الإرهاب من كامل الأرض السورية، ولم تحاول فرض انتداب على سورية التي لا يمكن أن تتقبّل أصلاً هذا الأمر من أيّ جهة أتى، ولكنها كانت وما زالت تحاول إسداء النصح للحكومة السورية والتعامل مع الأطراف التي لا صلة قائمة بينها وبين سورية بالشكل الذي تراه هي أنه يخدم أهدافها. فعقدت تفاهمات مع أميركا تمنع الصدام معها، ووضعت قواعد للتعامل مع التدخل الإسرائيلي في سورية، وجذبت تركيا إلى استانة للانضمام اليها مع إيران لتشكيل ثلاثية رعاية حلّ في سورية واستقبلت أكثر من طرف سوري وإقليمي ودولي للبحث بحلول للمسألة السورية. وهنا شاب الغموض في تحديد موقع روسية وصلتها بكلّ تلك الأطراف غموض زادت خطورته مع حملة بعض الإعلام الروسي ضدّ الرئيس الأسد إلى الحدّ الذي ذهب البعض بعيداً في التأويل والقول إنّ روسيا بدأت مسار البحث عن بديل له قبل الانتخابات المقبلة في العام 2021 فما هي الحقيقة؟

بداية نقول بأنّ سورية ليست مستعمرة روسية وليست تحت الوصاية الروسية، ولو كانت سورية بصدد قبول وصاية او استعمار او انتداب خارجي لما قاتلت دفاعاً عن استقلالها 9 سنوات حتى الآن. وبالتالي وفي معرض تحديد طبيعة علاقة روسيا بسورية يجب الانطلاق من مسلّمة استقلال سورية وسيادتها، وعلى سبيل المثال نقول إنّ روسيا وقعت على بيان جنيف في 30 حزيران 2012 الذي يتضمّن النص على مرحلة انتقالية تفضي إلى خروج الرئيس الأسد، ولكن سورية عملت كما ترى مصلحتها السيادية وأجرت انتخابات رئاسية في العام 2014 جدّدت للرئيس في موقعه وسقط البيان في غياهب النسيان.

إنّ روسيا تعلم ذلك، وتذكر انّ كثيراً من الاتفاقات التي عقدت بينها وبين أطراف تناهض سورية بقيت في الأدراج لأنّ سورية تحتفظ لنفسها بحق قبول أو رفض أيّ شيء وفقاً لمصالحها الوطنية. فروسيا تلتقي مع الآخرين على نقاط لا تقبل بها سورية وتعمل في كلّ السبل بعكسها، ومنها على سبيل المثال ما يُقال عن وجود تفاهم تركي أميركي روسي على منع الحسم العسكري في الميدان السوري أو تأخيره إلى ما بعد الاتفاق السياسي على شكل الدولة ونظامها كما والعمل على خروج إيران والقوى العسكرية التي تدور في فلكها من سورية، وأخيراً إحداث تغييرات بنيوية جذريّة في النظام السوري يهجر نظام القوة القومية والوطنية المركزي ويقيم نظام التعددية الذي يشبه أنظمة الضعف في لبنان والعراق.

بيد أنه مهما كان من أمر التفاهم او الخلاف، فإنّ روسيا تعلم جيداً رفض سورية لكلّ ما تقدّم من تفاهمات تخالف إرادتها، وأنها، أيّ سورية، أعلمت كلّ من يعنيه الأمر أنها تفضل الحرب على الإرهاب على الحلّ السياسي، وترفض إشراك من يستمرّ مقاتلاً في الميدان في المفاوضات السياسية أو تحديد مستقبل النظام، كما ترفض أيّ نوع من الوصاية او التدخل في صياغة الدستور السوري او تحديد شكل النظام، وترفض أيّ مسّ بحدود سورية او التنازل عن أيّ شبر منها بما في ذلك الجولان. وأخيراً تؤكد سورية على حقها في إنشاء شبكة العلاقات الدولية التي تناسبها ممارسة لسيادتها واستقلالها ما يعني رفض الإملاءات حول الدور الإيراني فيها.

فسورية، كما روسيا، يعلم كلّ منهما مناطق الاتفاق والخلاف والتباين. ويدرك الطرفان حاجة الواحد للآخر من دون ان تكون الحاجة السورية مدخلاً للتنازل عن السيادة والاستقلال. وسورية تعرف حدود الدعم الروسي لها وعمق العلاقة الروسية ـ «الإسرائيلية»، ورفض روسيا لأيّ مواجهة مع أي من أطراف الحلف الأطلسي و»إسرائيل» على الأرض السورية مهما كان حجم العدوان من قبلهم. ومع هذا تراهن على استمرار الدعم الروسي في المجال العسكري لمحاربة الإرهاب في حدود ما ذكر وتثق بالعلاقة الاستراتيجيّة مع روسيا، لكنها لا تصل إلى حدّ التسليم لروسيا بالقرار في سورية او توكيل روسيا بالتفاوض نيابة عن سورية. وهي تقدّر وقوف روسيا إلى جانبها في الميدان وفي مجلس الأمن وفي مواجهة خصومها خاصة في مسائل وحدة سورية وسيادتها على أرضها وثرواتها.

في الخلاصة نقول إنّ العلاقات الروسية السورية ليست من الطبيعة التي تفترض التطابق في كلّ شيء، وليست من الطبيعة التي تجعل طرفاً يسيطر على آخر ويملك قراره ويصادر سيادته، بل إنّ هناك مناطق اتفاق وأخرى فيها خلاف، وبما انّ الإعلام يصطاد في مناطق الخلاف فلا يكون من المفاجئ أن نسمع ونقرأ مواقف في غير مصلحة هذا المقام أو ذاك، لكن العبرة تبقى لما يصدر عمّن بيده القرار وصلاحية رسم السياسة. وفي هذا المجال نقول إنّ العلاقة الروسية السورية في موقع يناسب الطرفين قوة ووضوحاً وطمأنينة، ولن يكون هناك أيّ أثر للقنبلة الصوتية التي أطلقها بعض الإعلام المدفوع الأجر. فسورية قوية بذاتها ومحور مقاومتها ولن يُملى على شعبها شيء لا يريده. حقيقة يعلمها الجميع كما يعلمون انّ مقام الرئيس الأسد واستمراره في موقعه هو موطن من مواطن قوة سورية رمز انتصارها ولا يجرؤ أحد على العبث به.

قد يعجبك ايضا