الأمن القومي العراقي يمر عبر دمشق….العبادي على خط الأزمة السورية / د.خيام الزعبي

 

د. خيام الزعبي * ( سورية ) الخميس 15/1/2015 م …

* صحفي وكاتب أكاديمي

 

في سياق الحرب على تنظيم داعش، من شأن الإنفتاح العراقي على الأزمة السورية لصالح الحل السلمي أن يوسّع الثغرة في جدار الأزمة السورية المتصلب والشائك أمام تعقيدات وحسابات إقليمية ودولية، مع الأخذ بعين الإعتبار أهمية العراق كلاعب إقليمي إنطلاقاً من حجمه الإستراتيجي والعسكري، تتحرك بغداد منذ فترة على خط الأزمة السورية في اتجاه توافق إقليمي ودولي لمحاصرة بؤر التوتر في سورية مقابل دعاة الحل العسكري، الأمر الذي أفرز تنظيمات إرهابية في المنطقة، في إطار ذلك تأتي أهمية الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى مصر للعب دور مهم من أجل حلحلة الصراع الدائر في سورية، فهناك من يشير إلى إستشعاره خطراً مشتركاً مع سورية يحتّم عليه التحرك، لكنني أتساءل هنا، هل تملك بغداد أوراق اللعبة؟

إن ما يتعرض له العراق لا يقل خطورة عن ما تواجهه سورية، إنه الإرهاب الذي يستهدف قدرات ما تبقى للأمة العربية من أمل، في إطار ذلك فإن  ظهور داعش أحيا روح إتفاقية الدفاع المشترك بين العراق وسورية ومصر ودفع بعض الدول العربية لمحاولة تكوين تحالفات مع هذا الحلف للتصدي لهذا التنظيم،  وقد عكست تصريحات رئيس الوزراء العراقي للوفد الإعلامي الذي رافقه فى زيارته الأخيرة للقاهرة  التى أكد فيها بوضوح  على أن سورية تمثل عمقاً إستراتيجياً للعراق، ودعا إلى إحترام  وحدة أراضيها، عن إرتباط الأمن القومى العراقي بوحدة الدولة السورية وعدم تقسيمها أو تفتيتها، لأنه بتقسيم سورية لن تعيش العراق في أمان وسلام… ولن تستقر الأوضاع بأي شكل من الأشكال في المنطقة، من هنا يمكن ترجمة الحراك العراقي – المصري لعلهما قادرتان على تحقيق ما عجز عنه الغرب الذي باتت الأزمة السورية وخصوصا بشقها الإنساني تشكل عبئاً قوياً عليه سواء من باب دفع المال أو من باب خطر إنزلاق دول الجوار الى الفوضى، ومن جهة ثانية فإن العراق ومصر تحاول اليوم التحضير لحل سياسي للأزمة السورية وإشراك جميع الأطراف المعنية، لوضع أسس حوار سوري- سوري يخرج البلاد من عنق الزجاجة إلى إستقرار طال إنتظاره، وفي إطار ذلك ناقش العبادي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال لقائهما في القاهرة، إقتراحات عراقية من اجل حل سلمي في سورية، تتركز هذه الإقتراحات حول ضرورة “ملء الفراغ” الذي سينشأ في المناطق التي يمكن تحريرها من سيطرة داعش في سورية من خلال إنشاء إدارة مشتركة بين الحكومة والمعارضة في مرحلة إنتقالية، والهدف من هذا الإقتراح هو منع تشكل مجموعات إرهابية جديدة في المناطق التي يتم طرد “الدولة الإسلامية” منها مستقبلاً، وبدت زيارة العبادي لمصر أكثر محورية من سابقاتها في الدول العربية الأخرى، في ظل تعويل عراقي على دور مصري في تشكيل تحالف عربي في إطار الحرب على داعش، قد يسفر عن قيام محور بغداد – القاهرة ليمارس دوراً أساسياً في تدوير زوايا القضايا العالقة في المنطقة خصوصاً في الشأن السوري، الكلام حول التحالف الجديد عززه ما لفت إليه وزير الدولة لشؤون مجلس النواب والمحافظات العراقي أحمد الجبوري، حول وجود تحالف عربي داعم للعراق لا سيما بعد جولة العبادي على عدد من الدول العربية، حيث وعدت الإمارات حثّ دول الخليج على دعم العراق.

اليوم إذا كنا نتطلع إلى حل جذري لمشاكل الأمة، فلابد من التعاون بين العراق وسورية ومصر، وهنا لا بد من فضح الدول التي أوكل إليها أمريكياً وإسرائيلياً إستخدام كل أشكال الارهاب لإشغال الجيوش العربية، وتحديداً جيوش العراق وسورية ومصر، فهدف المؤامرة واضح، وهو لإذلالهما ، وتفكيك جيوشها، واليوم فإن إسرائيل وحلفاؤها المشاركة بمؤامرة الربيع العربي، وإحتضانها لعصابات إرهابية، تقطفان ثمار الإشغال الإرهابي لجيوش الدول العربية الثلاث.

 

في سياق متصل إن صعوبة الوصول إلى حل سياسي اليوم هي غياب القوى السياسية المؤثرة التي تؤمن بالحل السياسي والقادرة في الوقت نفسه على توفير الأجواء السياسية والأمنية، وتسهيل سبل الحوار بين الأطراف المتنازعة للوصول إلى إطار سياسي مشترك ولغة سياسية مشتركة، في سياق ذلك أصبحت مصر هي باب الأمل والضامن الحقيقي في دعم الحل السياسي بعد إستعادتها دورها الإقليمي والدولي، وهناك إتصالات تجرى خلف الكواليس بين قيادات مصرية من جهة وأطراف الأزمة في سورية من جهة أخرى، بمعنى إن مصر تعمل مع كافة الأطراف سواء من داخل سورية أو الأطراف الدولية والإقليمية، على إيجاد وسيلة للتشجيع على هذا الحل، كما أن هناك مشاورات مصرية- عراقية مع السعودية لضمان دعم عربي، كما إن التحالف الدولي لم يعد ضد النظام السوري، فضلاً عن تطور موقف الرياض من الأزمة، وأن نظرية تركيا في سورية “إسقاط الأسد” قد سقطت، وفي هذا السياق تم التأكيد على أهمية الضغط على الدول التي توفر الدعم المالي والسياسي والعسكري واللوجيستي للتنظيمات الإرهابية للتوقف عن ذلك التزاما بقرار مجلس الأمن رقم (2170) الذي أصبح ملزماً لجميع الدول والذي يتناقض مع إدعاءاتها بالعمل للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الراهنة في سورية،
وسبق أن دعت سورية إلى ضرورة تنفيذ الدول لوقف تمويل وتسليح وإيواء داعش وجبهة النصرة وغيرها وتضافر الجهود الدولية والإقليمية من أجل ذلك، وعبرت عن إستعدادها للتعاون في إطار الشرعية الدولية وإحترام السيادة الوطنية على أساس أن القضاء على الإرهاب يشكل المدخل لنهاية الأزمة في سورية والحفاظ على الإستقرار في المنطقة.

منذ تولى العبادي السلطة  أصبح هناك دبلوماسية عراقية جديدة تنظر بعين الإعتبار إلى مصالح الأمن القومي العراقي، وسورية تقع في عمق هذه المصالح إن لم تكن في قلبها، فالهدف الإستراتيجي العراقي هو الحفاظ على وحدة وسلامة التراب السوري وشعبه، فالتدخل الخارجي فضلاً عن أنه فشل فشلاً كبيراً  فهو لم يعد صالحاً، لذلك لا بد من الحل السياسي وأن هذا الحل يتطلب إقناع كافة الأطراف السورية بضرورة الإحتكام إلى لغة الحوار للحل السياسي، لأن الحل العسكري لن يؤدي سوى إلى المزيد من أعمال القتل وسفك دماء الأبرياء، وإنطلاقاً من ذلك  فإن بغداد لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث في سورية كون بغداد تدرك خطورة اللعبة الطائفية والفكر التكفيري على أمن المنطقة وأمنها، في إطار ذلك تفضل العراق بقاء النظام في سورية وبقاء الجيش موحداٍ، لأن تفتيت الجيش وسقوط النظام يعني سيطرة داعش وباقي الجماعات على سورية وهذا يهدد النظام في العراق وأمنه وإستقراره.

 

وأختم بالقول….اليوم لا يزال الجيش السوري ماضياً في عمليات تطهير بلاده من الإرهابيين، وبالمقابل تسعى التحركات العراقية المصرية الى تحقيق نتائج مفصلية قد تغيّر تحالفات المنطقة برمّتها وخصوصاً بعد أن بدأت العراق وسورية ومصر تعاوناً مشتركاً في ميدان مكافحة الإرهاب، في إطار ذلك يمكنني القول إن الحل السياسي في سورية كان مطلوباً البارحة، وقبل ذلك أيضاً، لذلك فهو اليوم مطلوب أكثر من أي وقت مضى لأننا يجب أن ننظر ونأخذ بالدرجة الأولى معاناة الشعب السوري التي آن الأوان لإيقافها، وبإختصار شديد يمكن القول إن إعادة مثلث ” العراق وسورية ومصر” وهو مثلث يمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للأطراف الثلاثة، والتنسيق بينها داخل مثلث إقليمي سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن ومنطلقاً للتأسيس لحال من الإستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا