حديث الثلاثاء ( الفكر الإستراتيجي المزعوم ) / د. بهجت سليمان

نتيجة بحث الصور عن بهجت سليمان

د . بهجت سليمان ( سورية ) الأربعاء 29/8/2018 م …

[ التَيئيسُ النّفسيّ الاستراتيجيّ.. و زعزعة ” الهويّة ” الوطنيّة .. و ” الهوّيّة ” التاريخيّة .. و ” خرافات ” المُحَال.. ]




1▪ أثارت الحرب السّوريّة – والأدق أن يقال : الحرب على سورية – زوبعةً من شَهوات السّاسة ” المحترفين ” ، و هُوَاةِ السّياسة ، و أصحاب المقالات السّياسيّة ممّا سمّي بالمحلّلين السّياسيين الاستراتيجيين و العسكريين و أصحاب دُور و مستودعات الدّراسات و البحوث ، حتّى صار ” المسرح السّياسيّ ” أشبه بمكان لعرضِ ” الكوميديات ” و ” الهَزْليّات ” التي راجت رواجَ ثقافة الحرب الخاذلة و الرّذيلة ، و إعلامها ” المبتور ” ، الأعرج ، و المنكوء! .

هذا مع التّنبيه منذ البداية إلى ما يُمثّله كلّ من هؤلاء من أصولٍ.. و مَرجعيّاتٍ و خلفيّاتٍ ، و موجّهين و مشغّلين و معلّمين و مستثمرين و مُرشِدين!

2▪ لقد شكّلت الحرب السّوريّة ( الحرب على سورية ) بيئة و مُناخاً نموذجيين لتجارب جميع الطّامحين المغمورين ، لكي ينخرطوا في مشاريع ألقابٍ كانوا يحلمون بها ، أو لا يحلمون ، فحقّقت لهم الحرب فرصةً للاشتهار و االذّيُوع ، غير مبالين بنتائجها الأخرى التي دفعها أصحاب ” القضيّة ” و أولياء الدّم من السّوريين الذين أفشلوا الكثير من أهداف هذه الحرب العدوانيّة على وجودهم ، فيما كان أولئكَ ينتظرون المزيد من الأحداث التراجيديّة ، ليستمرّوا في ” عُدوانيّتهم ” المضافة المتمثّلة في الاحتفال ” الثّقافيّ ” و الإعلاميّ الذي يعتاشون عليه.

هذا ليس تأكيداً على المثل السّائر القائل بأن ” مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد “.. كلّا ! بل هو أبشع و أحطّ تأجيجٍ للموت و الدّمار و الخراب في حرب كانت و مازالت تحتاجُ إلى تضحيات أبطالها ، و ليس إلى احتفال الضِباع بالأجداثِ و الدّماء التي أهرقت ظُلماً ، و مازالت ، على طول امتداد زمان هذه الحرب.

3▪ و تنفيذاً لتلك الأهداف المركّبة ، فلقد عمل هؤلاء ” الاستراتيجيّون ” بالتّوازي و جنباً إلى جنب ، على تدمير سورية و السّوريّيين ، متصوّرين أنّهم غير مكشوفين و لا مفضوحين ، مع علمهم أن ” الإعلام ” هو مادة استهلاكيّة للبسطاء و العامّة من المقهورين و المتوجسين ، من الجماهير السّوريّة المحترقة في قلب نار الحرب.

و فيما كانت الآلة العسكريّة المتوحّشة و أصحابها المجرمون يهتكون و يُدمّرون و يُخرّبون الوطن ، كان أولئك المتشدّقون ” الإستراتيجيّون” يدمّرون ” ثقافة ” السّوريّ القادرة على الصّبر و الصّمود و الأمل في الانتصار ، متسلّلين إلى ” وعي ” و إلى ” لا وعي ” السّوريّ ، ليدمّروا ” الإرادة ” الاجتماعيّة و إيمان أصحابها بالقدرة على إحباط ” الجريمة ” و تداعياتها و حذف مأساويّتها عن طريق التّطلّع إلى ما وراء الدّمار و الخراب ، حيث ينتظرنا هناك عالمنا الجديد الذي سيصنعه السّوريّ الصّابر البطل المفعم بالأمل و الإصرار على “الثّوابت”..

4▪ في الوقت الذي كان فيه هؤلاء المرتزِقة الإعلاميّون ” الاستراتيجيّون ” و المزعومون ، ينخرون القاعدة النّفسيّة و الأخلاقيّة للسوري ،ّ ليجعلوا منه لقمة مُستمرَأة في فم الفتكِ المُضاف ، الذي يستهدف روح السّوريّ القائمة على متانة البنيان ، الذي تصنعه ” السّياسة ” الوطنيّة بمسؤوليّة تاريخيّة مُخلصة في وطنٍ عريق ، لا يمكن أن تكون هزيمته رحلةً في هواء الحدائق و البساتين.

لقد كان أولئكِ ” الثّرثارون ” ، و ما يزالون حتّى هذه الّلحظة ، يقرضّون ، كالجرذان ، قلب الوطن و أبناء الوطن ، بدهاءٍ و لؤمٍ و وحشيّة مأجورة مُجمّلة بالأكاذيب و الشّعارات المُلتَبَسَة ( على البعض فقط! ) و المشاريع ” الأجنبيّة ” ، و على وتيرة مُطّردة مع ما يُحقّق السّوريون في الميدان و السّياسة و الدّبلوماسية.

والهدف ، إذاًً ، بيّنٌ و صريح.. إنّه التّعطيل على مستقبل الإنجازات ، و التّشويش على الشّكيمة القتاليّة للجيش العربيّ السّوري و آثار إنجازاته في المجتمع و السّياسة ، و التّشكيكُ بدقّة المسارات السّوريّة المختلفة ، و بثّ الرّعب النّفسيّ في عقول أبناء المجتمع السّوريّ عن طريق التّيئيس المنظّم للمواطنين السّوريين ، الذي يعملون عليه وَفقَ قواعد ” استراتيجيّة ” ، فعلاً، هذه المرّة!

5▪ يظهر هؤلاء بين الفينة و الأخرى، بشكلٍّ منظّم و مدروسٍ، على شاشات مختلف الفضائيّات العربية شبه الرّسميّة منها و غير الرّسميّة، إضافة إلى الشّاشات العائدة إلى محطّات “صديقة” أو “حليفة” أيضاً !

و يتزامن ظهورهم على نحو لافت في كلّ مقطع زمنيّ مفصليّ ، يُشكّل تغيّراً و اختلافاً حقيقيين على أرض ” المعركة ” ، بل و في أوقات “الانتصارات” الفعليّة التي تُحقّقها القوى العسكريّة المقاتلة على الأرض في وجه الغزو العالميّ ، المتعدّد الأسماء و الأدوات ، لمنطقتنا في سورية على نحو خاصّ.

6▪ يتعلّق الأمرُ إذاً بفَوضى رافقت الحرب. إنّها فوضى اجتماعيّة و ثقافيّة و سياسيّة و أخلاقيّة طبيعيّة مع حربٍ يوميّة شعواء ( عنيفة و فاشِيَة!) على مدى سبع سنين.

و في مثل هذه البيئة و هذا المُناخ و هذا الفضاء، يكثُرُ المستنزفون للجسَد الذي أضعفته الحرب على التوالي و باستمرار. إنّه جسد الوطن الذي يُستنزفُ في الاجتماع و الاقتصاد و السايكولوجيا و الثّقافة و الرّوح و التّكوين ..

و قد توفّرت مناسبة نادرة للمتصيّدين أن يسبحوا في سيول الخوف و الدّمار و الدّماء و الأهداف الشّخصيّة و “غير الشّخصيّة”، الأخرى ، المفضوحة لآخرين!

7▪ و الّلافت أيضاً في الأمر هو أنّ من نتحدّث عنهم ، من “الاستراتيجيين” المزعومين، لا يربطهم بسورية أيّ رابط على الإطلاق، و هم يعملون لصالح “برامج” و “مشاريع” و “منهجيّات” إقليميّة و عالميّة لها أهدافها و أطماعها المعروفة و المفهومة في سورية. إنّهم غُرَباءُ عن سورية في الانتماء المباشر و الهويّة الشّخصيّة، كما في التّربية الوطنيّة و المعاناة و الهويّة الوطنيّة، في وقت واحد..

يُكرّسُ أولئكَ استباحةً تاريخيّة للمواطَنَة السّوريّة و مقوّماتها و عناصرها، تلك التي كانت أن افتتحتْها الحرب.

لقد اختلطت في الحرب السورية مشاريعُ مختلف الوكلاء و الأصلاء في أشكالٍ مُستحدثة و نادرة من الحرب العنيفة و الحرب النّاعمة في آنٍ معاً ..

و قد حان الوقتُ ، في زعم هؤلاء – “الاستراتيجيين” ! – للانقضاض على ما تبقّى للسّوريين من عوامل و أسباب التّماسك و التّمسّكِ بالهويّة الوطنيّة التي تحمّلت ما لاتحتمله الجبالُ من محاولات التّمزيق و التّفتيت و الإفناء.

8 ▪ و ينطلق أولئك “الثّرثارون” الذين يهجمون على الجسدِ السوريّ الذي يتوهّمونه ( و يرغبونه بطبيعة الحال! ) جثّة هامدة، من منطلقات مفضوحة – كما قلنا – و لو أنّه ما يزال يتوفّر لها أوساطٌٌ هزيلة من المُريدين و محتضني هذا التّبشير السّياسيّ العدوانيّ الدنيء..

و فيما يعمل هؤلاء على التّبشير السّياسيّ الإقليميّ و العالميّ ، من أجل زعزعة و تفتيت الرّوابط السّياسيّة السّوريّة ، فإنّهم يُشوّهون حقائق الصّراعات الإقليميّة المعاصرة و المتّصلة و المستمرّة و الممتدّة من ” الخليج ” ( العربيّ ” من جهة العرب ” – و الفارسيّ ” من جهة إيران ” ) حتّى البحر الأبيضِ المتوسّط.. و على كامل ما يُسمّى “إقليم بلاد الشّام”.

9▪ لم نكن لنتناول هؤلاء أو نقف عندهم بالانتباه و النّقد لولا خطورة ما بقوه ولا زالوا يبثّونه من سموم سياسيّة ، تترافق مع التّحوّلات الدراماتيكيّة في أرض المعركة و الانهيارات الجغرافيّة و الانزياحات الاستراتيجيّة في نتائج الحرب ، و التي تتعدّى المفهوم العسكريّ إلى المفاهيم السّياسيّة و الإقليميّة التي تتعلّق بالهويّة السّوريّة جغرافيّاً و تاريخيّاً و تكوينيّاً و بِنيويّاً أيضاً..

و يُمكننا ، استعادة فاتحة الحديث في تناول مظاهر تلك “التّيئيسيّة” التي يعمل عليها هؤلاء، لتحطيم إرادة السّوريين.

10▪ تنطلقُ هذه ” المؤامرة” ( نعم هي هنا مؤامرة و خسّيسة أيضاً! ) ، من فرضيّةٍ مغلوطةٍ و تافهة : إنّهم يفترضون سورية اليوم مكاناً أو فراغاً أو فضاءً استراتيجيّاً سياسيّاً فارغاً ، أو مُستباحاً ، نموذجيّاً لتحقيق تحويراتٍ ثقافيّة و سياسيّة فيه ، في القناعات و المفاهيم و المعتقدات الوطنيّة ، لخدمة جميع “أطراف” الصّراع.. باستثناء “السّوريين”.. الذي هم المحور و المادّة و القلب و “المِحْرَقة” ( نعم: بَايَرْ- Pyre! ) ، في هذا الصّراع..

لقد وصلَ الأمرُ بهؤلاء على التّجرُّؤِ حتّى على التّدخّل و العَبثِ ( الّلغبَصَة! ) بالمكوّنات ” الجينيّة ” الاجتماعيّة و التّاريخيّة و الثّقافيّة السّوريّة ( و هم غيرالسّوريين! )، و إعادة العمل على توصيفها توصيفاً ” عبثيّاً ” مُخِلّاً بجميع تاريخ الفهم السّياسيّ للبِنيةِ الاجتماعيّة و الثّقافيّة للشّعوب و المجتمعات في كل التّاريخ و مناسباته العديدة ، التي تتقاطع أو تتشابه – على الأكثر! – مع ما يجري اليوم من مأثرةٍ تاريخيّة سوريّة..

11 ▪ هذا مع أنّني لا أعلمُ – على الأقلّ! – بأنّ أحداً من الدولة السورية قد فوّضهم بذلك ، لولا إعلامٌ معاد مبرمج و موجه ضد سورية ، شعبا وأرضا ودولة وجيشا وقيادة وقائدا ، من جهة .. وإعلام “داشِرٌ” و غير مسؤول.. !!؟ منزجهة ثانية ..

عندها يهبط الحديث و يسخُفُ بالمقارنة مع الحديث على “الأفكار”!

عندما لا تكون عناصر “الهويّة” القوميّة متوفّرة، فإنّ “الهويّة” الوطنيّة كفيلة بتوفير المناخ “التّاريخيّ” للالتحاق بركب “الأمم” المعاصرة، في إطار ثقافيّ و اجتماعيّ و سياسيّ كافٍ في واقعيّة و “وضعيّة” ( و منطقيّة ، أيضاً! ) تاريخيّة من المقوّمات المتوفّرة للقوميّة في شكلها الاجتماعيّ و الثّقافيّ- على الأقلّ- و لو أن هذا و ذاك غير كافيين لتكوّن “الأمّة”.

و إذا كان العاملُ السّياسيّ هو العامل أو السّبب الّلازم و الكافي لتشكّل الأمم من القوميّات، فهذا راجع إلى الإرادة السّياسيّة و القرار السّياسيّ المتعلّقين بالظّروف “الوضعيّة” الملموسة و المُحَدَّدة و المُحدِّدة لتكّون “الأمّة” التي هي بتعبير حقوقيّ و قانونيّ و سياسيّ آخر تُسمّى “الدّولة القوميّة”.

12▪ و أمّا أن يقوم “الفكر الاستراتيجيّ” المُرتزِق و العامل لصالح “الآخر” من “الإمبراطوريّات” التّقليديّة في “المنطقة”.. بتحطيم فكرة “الوطنيّة” السّياسيّة بذريعة عدم توفّر أسباب “الدّولة القوميّة” أو “الأمّة” بالمفهوم السّياسيّ، فهذا قلبٌ مُنكَرٌ للمفاهيم و الوعي، و اعتداء على “العقل السّياسيّ” الوطنيّ، في مركز “القرار” و في أطراف استصناع “القرار” في آنٍ معاً ..

إنّه مساهمة في “الاستراتيجيّة الإسرائيليّة” التي “دأبت” (!) عليها ( إسرائيل ) منذ قيامها عام 1948م، حيث شملت هذه “الاستراتيجيّة”، و ما تزال، التّدخّل المباشر و السّافر، و غير المباشر أيضاً، في تفتيت الدّول العربيّة و تفجيرها من الدّاخل..

و لعلّ العبث في مفهوم “الهوّيّة”، و آثاره، مساهمة مباشرة في “الاستراتيجيّة الإسرائيليّة” في المنطقة، و خدمة لها مباشرة و غير مباشرة، سواءٌ قصد “هؤلاء” أم لم يقصدوا إلى ذلك… !!؟

13▪ إنّ “الدّيماغوجيّة” السّياسيّة التي يُسوّقها “هؤلاء”، في صيغة أفكار شعبويّة ( و شعوبيّة! ) تدغدغ الأوهام الانفصاليّة عند بعض ” مكوّنات ” الشّعب السّوريّ ( و ربّما غيره ، أيضاً: أعني مثال العراق! )، تلك المكوّنات الوطنيّة و القوميّة و العرقيّة و الدّينيّة و الطّائفيّة مجتمعةً ، في إثارةٍ خطيرة لتقسيم “المكان” و نزع “هوّيّته” بالقوّة و بالعنف “الثقافيّ”.. ، و جعله “رِمّة”.. و لكنْ غير هامدة.. (!!؟)؛ إنّما هي الجُزء الثّاني- و ربّما الأهمّ- من “المؤامرة” السّياسيّة التّاريخيّة على سورية و على مجمل المنطقة!

و أمّا في فلسفة “الهُويّة” ، فيمكننا أن نواجه هؤلاء بصيغة أخرى من الحديث.

14▪ يُروّجون أنّ المجتمع السّوريّ “غنيّ” بـ”نعمة” التّعدّد و التّنوّع السّياسيين، و يقرنون ذلك بالعدميّة الانتمائيّة عن طريق ضرورة تجاوز “خرافة الهويّة” كما يدّعون..

إنّهم أمام تناقض مباشر و مفضوح.

ليسَ صحيحاً أن “التّنوّع” غنى و نعمة دائماً ، في الوقت الذي يدعون فيه إلى التّبرّؤِ من الانتماء الوطنيّ أو القوميّ. في هذه الحالة يُصبح التّعدّد نقمة في غياب “الجامع” القويّ.

و في الّلحظة التي يكون فيها على الجميع أن يستجيبوا لدعوة هؤلاء لأن يتخلّوا عن وحدتهم الوطنيّة أو القوميّة الجامعة التي هي جوهر “الهويّة” التّاريخيّة، فإنّ الجميع سيتحوّلون إلى أقرب و أسهل انتماء تعصّبيّ أو تحزّبيّ محدود و قبليّ و فئويّ، مُطَمئنٍ و “آمِن” ..

هكذا يتحدّى “التّعصّبُ”.. “العصبيّةَ” التّاريخيّة التي هي جذرُ “الهُويّة” الحضاريّة، و هكذا تنحلّ “الهُويّة” الواحدة إلى “هُويّات” إجباريّة بديلة، مِسخَةٍ و ممسوخة، و متوتّرة و موتورة!

15▪ لا يجري الاعتراف بالانتماءات المحدودة على حساب “القوّة”. .

“المجتمع المفتوح” الذي لا تحدّه الانقساماتُ و الانفصالات، و عدد السّكان المُوَحَّدين في إطار دولة قويّة، هما من عناصر “القوّة الشّاملة” في استراتيجيّا الدّولة المعاصرة..

و التّشكيك بالهويّة الجامعة تحت دعاوى “الدّيموقراطيّة” و التّشكيلات السّياسيّة الدّيموغرافيّة التّابعة و المُلحقة، هو تفتيتٌ لعناصر “الدّولة” و “القوميّة” و الأمّة” أو ما نعبّر عنه بالدّولة القوميّة..

و تحتَ غطاء دعوى “الواقعيّة” المُزيّفة تتكوّن و تنمو و “تستقلّ” مجموعاتٌ هزيلةٌ، بديلةٌ، دافعةٌ، و كافيةٌ لتأسيس “الدّولة” الوظيفيّة التي لا توجدُ إلّا كُجُرمٍ مُلحقٍ و تابعٍ للمشاريع “الإمبراطوريّة” العالميّة!

لا توجد الدّولة بعدد السّكان، فقط، و إنّما لا يمكنُ أن تكون هناك دولةبدون “هُويّة”.

16▪ لا مرَاءَ في أنّ لسورية “هويّة” تاريخيّة هي التّعليلُ أو المسوّغ الدّلاليّ الوحيدُ للنّقاشات و الاجتهادات و السّياسات و الخلافات و الاختلافات الدّائرة، اليومَ، من أجل إعادة اكتشاف مُحدّداتها الوطنيّة أو القوميّة..

و عندما يكون مجتمع من المُجتمعات على مُفترق طريقٍ صعبة و معقّدة، فإنّ دور “الدّولة” الوطنيّة، السّياسي، يتعاظمُ تعاظماً نوعيّاً و شاملاً في تحرير الكوامن النّفسيّة و الثّقافيّة و إطلاقها للوقاية من أيّ خطرٍ يمكن أن يُهدّد عوامل الاجتماع الوطنيّ..

و عندما يكبرُ الهجوم على “الهويّة” الوطنيّة و القوميّة، و تحت أيّ شعارٍ أو نفاق سياسيّ، فما على “الدّولة” إلّا أن تتنبّه إلى هذا الخطر الجدّي الذي لا يمكن التّسامح مع أسبابه تحت طائلة الفقدان الشّامل لأسس وجود الدّولة و المجتمع و مكانتهما التّاريخيّتين.

17▪ من غير الممكن و من غير المقبول أن يعيش المواطن في “نصف دولة”، أو في “نصف هُويّة” أو في “نصف وطنيّة” أو في “نصف مجتمع” أو في “نصف كيان”! ..

هذا هو ما يُريده لنا أولئك “الاستراتيجيون” الهُواة.. !!؟ والاستراتيجيّات تُصنع في “الدّولة” الوطنيّة، و في نظامها المتمرّس في السّياسة و إدراك الأهداف، و في أجهزتها و مؤسّساتها الخبيرة بالمغزى السّياسيّ للدّولة الوطنيّة و الدّولة القوميّة؛ و ليس في الإعلام و التّحليل التّيئيسيين من أمل أو واقع لم يكن يوماً في قائمة هؤلاء “المرتزِقة” الغرباء! هم غرباء عن المجتمع و عن الانتماء السّوريّ والعربي و عن الجغرافيا و عن التّاريخ.

” الغريب ” عن الوطن ـ حتي لو كان يحمل جنسيته أو ومقيماً فيه ـ و مهما كان إسمه و انتماؤه و هُويّته، لا يُمكن له أن يحمل همّ المواطن السّوريّ الذي دفع و يدفع الأثمان الباهظة و الطّائلة و ربّما سيدفعها، أيضاً، و لا يستطيع أن يُلقّنَ المواطن الدّروس بالوطن و الهويّة و المواطنة.

18▪ في مناسبة سابقة ، قلنا – هنا- إنّ الواقعة، أو الظّاهرة ، هي سابقة على التّنظير عليها ، أو محايثة لهذا لتّنظير..

و لكنّ ” الهُويّة “- نُكرّر – مفهومٌ فلسفيّ أصليّ و قديم، يقومُ مقام “الظّاهرة” نفسها التي جرى عليها “التّنظير”، إنْ بعده أو معه، في مفهومِ “واقعةٍ” تاريخيّةٍ، آخَر، أو “ظاهرةٍ” سياسيّة مُستقرّة هي “الدّولة” و “الوطن” أو “الأمّة” أو حتّى في “الدّولة القوميّة” الوضعيّة و الواقعيّة..

أعني أنّه من الأجدى، اليوم – و للسّوريّ الحقيقي فقط ، وللحريص الحقيقي على سورية – الحقّ في ذلك فقط! – أن يكون التّنظير على “الدّولة” و ليس على “الهويّة”..

فعلى “الدّولة” كواقعةٍ أو كظاهرةٍ اجتماعيّة و سياسيّة تاريخيّة، فقط، يمكن أن يشتغل في هذه الأثناء تنظير السّوريين، وحدهم، و ذلك مهما اختلفوا؛ على ألّا ينطلقوا من تلك المنطلقات “الخطرةِ” و “المشكوك فيها” كما يجري ذلك من قبل أولئكَ “الاستراتيجيين” المدسوسين!

19▪ أخيراً ، و بِقَدْرِ ما تبدو ظروف “الهويّة” السّوريّة ظُرُوفاً إشكاليّة، اليوم بخاصّة، فإنّ ما يترتّب على “السّياسة” هو الذي يتعاظم كشأن من شؤون “الدّولة” و مؤسّساتها و أجهزتها و نظامها التّقنيّ في الأفكار..

و عندما لا يُجيب هؤلاء المأجورون الغرباء على سؤال “الهُويّة” بنجاح و إخلاص ، فإنّ الحقيقة التي لا يستطيعونها و لن يستطيعوها، أبداً، هي إدراك أنّ “الهويّة” الوطنيّة “الضّائعة” بين بعض الأغبياء، اليوم، في سورية، إنّما هي ذلك “التّحدّي” التّاريخيّ الوجوديّ أمام الفرد السّيّد الحُرّ و أمام الجماعة المنتمية إلى ضروراتها في الاجتماع، و أمام المجتمع كأداة حضاريّة للتّقدّم، كما أمام الدّولة كقوّة لا يمكنها أن تُساومَ أمام العنف المُطبّق على وجودها السّياسي.

20▪ و من البَديهي أن نقولَ، في النّتيجة، إنّ “الدّولة الوطنيّة” السّوريّة هي مُنتجٌ من منتجات الـ”الهويّة” العربيّة السّوريّة في التّاريخ، و ليس العكس!

و هي بالتّالي المسؤولة الوحيدة عن الحفاظ عليها و الدّفاع عنها و القتال من أجلها بكلّ القوّة و المعرفة الشّاملتين..

و عندما يبدو للنّاظرِ الأحمق أن ثمّة غياباً أو فقداناً للهويّة.. فعلى الدّولة وحدها تقع “أعباء” الإقناع بالعكس!

و من المفهوم أن “الإقناع” و “الشّرح” ليس كلاهما من أدوات “الدّولة” في الصّراعات على الهويّة و الوجود!

تساهم الدّولة في “إنتاج” ( أو قل تكريس! ) الهُويّة و تُعيدُ إنتاجها في المنعطفات السّياسيّة الحادّة، في كلّ لحظة سياسيّة تشكّل تهديداً للهُويّة..

و في هذه “المناسبة” لا تستجيب “الدّولة” لخرافات التّنظيرات الثّقافيّة السّياسيّة المتكاثرة و المتآمرة و المتكالبة على المجتمع و الدّولة و على مشروع الوطن في “الدّولة” و لا في “القوميّة” و لا كذلك في “الأمّة”، إن لم يكن من المتاح للدّولة القوميّة، الوجود..

إنّ العيشَ و لو في “الأسطورة” و “الأمل” البعيد ، هو أشرف بكثير من العيش في ” ذلّ” الآخرين والتبعية لهم! ..

هكذا ، على الأقلّ ، يبقى لمغزى العيش بقيّة ، في “وطن”.. !!؟

قد يعجبك ايضا