الفكر الإخواني ومعاداة الأقليات / عماد جبور

 

عماد جبور ( السبت ) 10/5/2015 م …

تائهًا.. انها الاسطورة. عند بداية الحراك في عام2011، كان بعض اصحاب المنتديات التي كانت تدعي قيادة الحراك المدني تحت شعار المدنية والديمقراطية تعقد اجتماعاتٍ دورية مع السفارات الاجنبية وعلى رأسها الفرنسية والامريكية. المهم أنه في أحد الجلسات كان هيثم المالح مجتمعًا مع السفير الفرنسي في دمشق وكان أحد مقترحاته لحل بداية الازمة يتلخص بالجملة التالية: “يا أخي كل واحد يروح على بلدو، يعني شو عم يساوي العلويين بالشام؟ يا اخي يحلوا عنا بقى..؟”. نظر اليه السفير وقال مستغربًا: “ما هذا، هل تطرح التقسيم؟” ، فأجابه المالح: “ليش ما كان الهن دولتهن وقت ما كنتوا عنا..!!”.

في الحقيقة، لم تكن هذه الحادثة الوحيدة للرجل. فعند خروجه من الاعتقال، سأله احد الصحفيين “لماذا لم تدافع وتساعد زميلك نعيسه للخروج وانت رئيس جمعية حقوق الانسان؟” ، فكان جوابه: “خلّي جماعتو يطالعوه (علويين ببعضهن)”. طبعًا هذه الثقافة الاخوانية كانت تحدث قبل ان تتطور الامور لتصل الى المواجهة الدموية، وحيث كان الاخوان يروّجون لشعار في الشارع (العلويين عالتابوت والمسيحيين عابيروت). المهم، من يعتقد أنّ الثقافة الاخوانية تشمل الطائفة السنية فهو جاهل، لأنّ تدمير حلب وبعض المدن السورية على رؤوس اصحابها السنة كان الهدف منه تدمير النسيج الاجتماعي السوري الذي يمثل النواة الحقيقية لأي تطوير سياسي مستقبلي يعتمد على المدنية والديمقراطية، اللتين هما العدو الحقيقي للفكر الاخواني التكفيري، لأنه في العمق لا يؤمن بالوطنية ولا بتبادل السلطات ولديه فكر انقلابي دموي ثبت بعدة تجارب اقلها ما يجري على الساحة الآن.

في العمق، ثبت بالتجارب أنّ اكبر عدو للفكر الاخواني هي الاقليات التي لا تخضع للفكر الديني المتطرف، والتي لا تؤمن بكلمة (أخوتنا في الوطن) التي ثبت انها لغة لا تتجاوز اول سطر من دستور الفكر الاخواني. وهنا تأتي المشكلة وخاصةً مع وجود المخططات المبيتة التي تقسم المنطقة الى دول كفار وأخيار، حيث امامك أمرين، فإما أن تخضع لحكم الدولة الدينية القادمة وتنسى اقليتك او طائفتك وتتوب الى الله الذي احدثه ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.. وإما انت كافر يجب إقامة الحد عليك وهدر دمك. وتحضرني في هذه المناسبة حادثة جرت مع رئيس مكتب الارتباط الاسرائيلي في قطر، حيث خاطبه احد الشيوخ السوريين المعارضين للنظام وعلى التويتر، (الشيخ عبد الرحمن دمشقيه): “والله تعجبني يافيصل القاسم، كلامك عسل.. بس المذهب الذي تنتمي اليه بصل، وهو ابن عم مذهب العلويين.. لهذا اطلب منك حرصًا عليك أن تتوب الى الله حتى لا تموت على مذهب الكفر”. إذًا، حتى الرجل الذي يخدم مخططهم هو كافر…!!

أيها السادة.. إنّ عمليات الترحيل القسري للاقليات في العراق للمسيحيين والازيديين، ومن بعدها للآشوريين والسريان في سورية، هو مخطط لإخلاء المنطقة ابتدأ منذ ايام الحرب العالمية الأولى، وبلغت ضحاياه الملايين.. الآن تجدّد بالاخوانية العثمانية التي تنتشر ستار شعار الدفاع عن اهل السنة. هذا الشعار الذي يسرق الجغرافية ليضمها لاحقًا لتركيا تحت شعار إحياء الخلافة، هو في العمق السطر الاخير في انهاء اتفاق الطورانية العثمانية مع هرتزل.

الآن، قد يأتيك من يسأل: وما الحل..؟؟ الحل هو المواجهة ومساعدة السنة من خلال تكاتف الاقليات معهم لمواجهة هذه الحرب التاريخية. إنّ السنة المتنورين والمعتدلين، وأخص بالذكر جزء كبير من سنة بلاد الشام، يرفضون العثملة والاخوان ومنتجاتهم كداعش والنصرة وغيرها. الموضوع ببساطة يحتاج الى فكر تنويري نهضوي يسبق الحلول العسكريهطة ويسبق ديمستورا وتجميد الجغرافية التي قد تخلق كيانًا ليس موجودًا شرعيًا ولا قانونيًا، لتجعل منه واقعًا يتم التفاوض على شرعيته. لا بدّ من مواجهة الهجمة التقسيمية الجديدة التي تعتمد على المفاوضة على جنيف والصلاحيات ووجود رأس الدولة أو عدمه، بينما في المقلب الآخر يتم شرعنة وجود المجموعات المسلحة كقوة تدعى قوات ثورية. لا بدّ من مناقشة الفكر الذي يقود هذه الجموع قبل الجلوس معها لأنها تمثل فكر انقلابي تكفيري يكفر ويحلل قتل ثلث الشعب السوري مسبقًا. ايها السوريون، لا حل الا المواجهة.. بعد الاتفاق مع سادة الفكر التنويري من كل الشرائح السورية. ايها السادة، سورية سيدة ممالك عبر التاريخ وأسطورة لا يمكن ضمها الى تاج آخر ، ولم تحكمها طائفة ولا حتى دين واحد، لأنها في العمق هي من وحّدت الإله عندما كان العقل البشري

قد يعجبك ايضا