الولايات المتحدة الامريكية وجبروت القوة

 

 

فؤاد دبور * ( الأردن ) الثلاثاء 20/6/2017 م …

الولايات المتحدة الامريكية وجبروت القوة …

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتوقف الحرب الباردة جعلت أوهام القوة الولايات المتحدة الأمريكية تظن بأنها سوف تسيطر على العالم اجمع وبأنها سوف تمسك بزمام الأمور وتقود العالم وتوجه سياسات الدول الأخرى وفقا لمصالحها ورغباتها، وجعلت هذه الأوهام الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ تعتقد بأنها ستسود العالم عبر مشاريعها وسياساتها القائمة على الرأسمالية المتوحشة وان المجتمع الأمريكي هو السيد وعلى المجتمعات الأخرى الإقرار بالتبعية لسياساتها وتنفيذ مشاريعها ومخططاتها لو كان ذلك على حساب حقوقها وعلى هذه المجتمعات والدول والشعوب ان تتحول إلى مجرد أدوات وإجرام تابعة وقد جعلت هذه السياسات العديد من شعوب العالم تشعر بالظلم وبالتأكيد فإن الشعور بالظلم يولد الأحقاد والكراهية ان لم تقل يولد مقاومة الظالم وهذا ما جرى فعلا عند شعوب ودول انتهجت سياسة رفض الاستسلام والرضوخ لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية وأخرى انتهجت طريق مقاومة هذه السياسات وبشكل خاص الشعب العربي في أقطار الوطن خاصة وان الولايات المتحدة الأمريكية قد دعمت العدو الصهيوني الذي اغتصب ارض فلسطين العربية وأراض أخرى في سورية ولبنان وأمدته بكل أسباب القوة يهدد بها كل الأمة العربية وارتفعت وتيرة الكراهية والمقاومة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية بسبب إقدامها على إقامة قواعد عسكرية في العديد من أقطار الوطن العربي لتأمين مصالحها الاقتصادية والمالية والنفطية وتوفير الأمن والحماية للكيان الصهيوني ومن اجل ذلك أقدمت على غزو العراق وأسهمت في شن حرب عدوانية على ليبيا، وقادت الحرب العدوانية الكونية على القطر العربي السوري لأنه يقاوم مخططاتها ومشاريعها وسياساتها الداعمة للكيان الصهيوني على حساب الأمة العربية حيث عملت عبر العصابات الارهابية وأدوات في المنطقة ومن أنظمة عربية معروفة على إلحاق الضرر والدمار والقتل بسورية وشعبها عقابا لها من جهة وفي محاولة لإضعافها وتسهيل تمرير المشاريع والحلول التصفوية للقضية الفلسطينية من جهة اخرى لان سورية، كما أسلفنا، تقاوم وتدعم الذين يقاومون الاستعمار الصهيوني الاحلالي لفلسطين العربية ولأرضها في الجولان العربي وكذلك الأرض المحتلة في لبنان.

مثلما واجهت سورية ومعها المقاومة المشروع الأمريكي – الصهيوني الاستعماري، مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف تجزئة أقطار الوطن العربي على أسس عرقية ومذهبية وطائفية وفي ذلك خدمة لأطماعها ومصالحها وخدمة للكيان الصهيوني الشريك الاستراتيجي لها في المنطقة.

ولهذه الاسباب استخدمت الادارات الامريكية وتستخدم ادارة ترامب جبروت القوة ضد سورية العربية والجيش العربي السوري حيث اقدمت على عدوان تلو الاخر ضد الجيش والشعب في دير الزور والطبقة والرقة والبادية السورية، وتم تتويج العدوان الامريكي على سورية وقواعدها العسكرية وطيرانها في قاعدة الشعيرات وبالأمس ارتكبت عدوانا صارخا اجراميا بإسقاط طائرة سورية مقاتلة كانت تقوم بمهامها المشروعة في مواجهة العصابات الارهابية فوق ارضها. مثلما اقدمت على نقل صواريخ من الاردن الى “التنف” على الحدود العراقية السورية الاردنية بعد ان اقدمت على اكثر من عدوان على الجيش العربي السوري هناك الذي يدافع عن ارضه في مواجهة الارهاب.

امام فشل الادارات الامريكية في بسط سيطرتها الكاملة وتفردها في العام خاصة بعد ان ظهر القطب الروسي المنافس والمصارع والمقارع بحثت الولايات المتحدة الأمريكية عن الوسائل التي تجعلها لا تفقد نفوذها ومصالحها ومصالح الكيان الصهيوني على امتنا والمنطقة التي نعيش فيها حيث اعتمدت جبروت القوة مما يجعلنا نواجهها وذلك عبر تجديد النضال من اجل ترسيخ الوحدة الوطنية في كل قطر من أقطار الوطن العربي والتصدي بحزم لكل طرح مذهبي أو طائفي أو عرقي أو فتوي يهدف إلى ضرب وحدة الشعب في هذه الأقطار والعمل على خلق اطر التنسيق والعمل الجماعي العربي، مثلما تتطلب هذه المواجهة اعتماد المقاومة لإحباطها والتأكيد على نشر فكر المقاومة وكذلك الفكر القومي العربي والنضال المتواصل من اجل تحقيق المشروع النهضوي العربي والحفاظ على هوية الأمة والالتزام بمصالحها العليا.

كما جعل جبروت القوة انتهاج الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية زيادة التحكم والتفرد في النظام العالمي عن طريق منع بروز دول عظمى منافسة لها خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر القرن الماضي حيث استغلت هذا الانهيار لتوسيع دائرة نفوذها في مناطق مختلفة من العالم وتنطوي هذه الإستراتيجية على ضرورة استمرارية زعامتها وقيادتها وهيمنتها الدولية باعتبارها، على حد زعمها، شرطا ضروريا للاستقرار الشامل في العالم حيث أن عدم الاستقرار الدولي يشكل خطرا يهدد مصالحها الإستراتيجية بعامة والاقتصادية منها بخاصة.

بمعنى أن الإستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى السيطرة الجيوسياسية على العالم تقوم على اختلال توازن القوى لتحقيق مصالحها وبخاصة في أوروبا وشرق أسيا والخليج العربي والمنطقة المسماة بالشرق الأوسط الكبير.

أي أن مبدأ جبروت القوة الذي اعتمدته الولايات المتحدة لبسط نفوذها خارج حدودها وسيطرتها على النظام السياسي والاقتصادي الدوليين وقد شكلت هذه السياسة والأطماع الأمريكية في ثروات العالم والهيمنة على الاقتصاد العالمي أخطارا كبيرة ألقت بظلالها وأضرارها وكلفها الباهظة على العديد من دول العالم وبخاصة تلك الدول التي تعرضت إلى الغزو العسكري الأمريكي والتي جعلت منها أمريكا قواعد عسكرية لقواتها للحفاظ على مصالحها عبر منع ظهور زعامة أوروبية أو روسية بذريعة الدفاع عن وحدة أراضيها، وهذا جعل الإدارات الأمريكية المتعاقبة تفعل كل ما بوسعها لإدامة تفوقها وتوسيع نفوذها الجيوسياسي دون النظر إلى أن السياسة الدولية متحركة والظروف والأوضاع في العالم قابلة للتغيير وهذا ما حصل، ويحصل، فعليا بعد استعادة روسيا الاتحادية لدور الاتحاد السوفياتي الذي طالما نافس الولايات المتحدة وخاض معها حربا باردة استمرت من أربعينات القرن الماضي وحتى الأعوام الأولى من تسعينات القرن. وذلك لأسباب عسكرية واقتصادية وأمنية تتعلق بمناطق الصراع، شرق أسيا وشرق أوروبا ومنطقة “الشرق الأوسط الكبير” نظرا لأهمية هذه المناطق الجغرافية والاقتصادية.

وأمام فشل التوصل إلى حل سياسي في سورية بسبب مواقف الولايات المتحدة الأمريكية القائم على جبروت القوة والتحكم بالقرار السياسي لما يسمى بالمعارضة السورية، اتجهت الى استخدام القوة المباشرة في سورية مثلما اسلفنا في المنطقة وبخاصة في سورية .

وبالتأكيد فإن وعي ابعاد المشاريع والسياسات والمخططات الامريكية وأهدافها يسهم في مواجهتها. وبالطبع لا بد ونحن نواجه هذه المشاريع من التوقف مطولا أمام القضية المركزية للأمة العربية، قضية فلسطين بكل أبعادها وفي المقدمة منها حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة إلى أرضه ووطنه واستعادة كامل حقوقه الأخرى وإقامة دولته المستقلة خاصة وان هذه المشاريع والسياسات الأمريكية تستهدف تصفية هذه القضية لصالح العدو الصهيوني الغاصب.

قد يعجبك ايضا