البحرين وحتميّة انتصار «الإرادة الشعبيّة»
الأردن العربي – كتب علي آل غراش ( الجمعة ) 27/2/2015 م …
التغيير والإصلاح الشامل للمساهمة في تشييد دولة القانون والمؤسّسات وفصل السلطات، واحترام رأي الشعب عبر صناديق الانتخاب، هي أمنية كلّ مواطن، لينعم الجميع بالعدالة الاجتماعيّة والحريّة والتعدّديّة.
شعب البحرين الأصيل هو أكثر شعوب المنطقة حبًّا للسلام، والتعايش السلميّ، ورفض العنف، لهذا نجد البحرين تتميّز بالتنوّع الدينيّ والمذهبيّ والعرقيّ، واحترام التعدّديّة بشكل حقيقيّ، رغم أنّ أغلبيّة الشعب من المسلمين الشيعة، وبفضل تميّز شعبها بحبّ العلم والتعلّم والمعرفة، فالبحرين أكثر بلاد الخليج انفتاحًا وتقدّمًا وتحضّرًا، والبحرين هي الدولة الوحيدة حيث الأقليّة فيها تحكم الأكثريّة من الشعب، ونتيجة سلميّة الشعب فقد استمرّ حكم الأقليّة لأكثر من 200 عام، ورغم كلّ المعاناة والمطالب والثورات الشعبيّة المتكرّرة، فإنّ الشعب طوال العقود الماضية ظلّ يرفض العنف والسلاح والتدخّل الخارجيّ، حيث صوّت الشعب البحرينيّ في عام 1969 عبر استفتاء شعبيّ قامت بإجرائه الأمم المتحدة، على عدم الانضمام إلى دولة إيران، للدلالة على العروبة والاستقلال.
عندما اندلعت شرارة الثورة أو الربيع العربيّ الذي انطلق من تونس، وقف الشعب البحرينيّ مساندًا وداعمًا للشعوب العربيّة الثائرة المتعطّشة للتغيير والعدالة الاجتماعيّة، والحريّة والديمقراطيّة دون تمييز، وهذا ليس غريبًا على الشعب البحرينيّ الذي هو دائمًا مع الحقّ العربيّ، وبالخصوص القضيّة الفلسطينيّة والحركات الثوريّة.
في 14 فبراير 2011م، تمّ الإعلان الرسميّ عن ثورة الشعب البحرينيّ، ورفع الشعب راية «الشعب يريد إسقاط النظام» وهو الشعار نفسه الذي رفع في معظم الدول العربيّة التي شهدت الثورات، وقد كان لهذه الثورة مميّزاتها الخاصة:
ثورة سلميّة وسلطة دمويّة
نجحت الأنظمة الحاكمة، في أغلب الدول التي شهدت ثورات شعبيّة، في تحويل مسار الثورات إلى العنف والدمويّة، في سبيل القضاء على الثورة أو جعلها فوضى، فكانت الثورة التونسيّة الثورة الوحيدة التي استطاعت النجاح لغاية الآن في تحقيق تغيير حقيقيّ، واختيار الحكومة والنظام عبر صناديق الانتخاب، ونقل السلطة بشكل سلميّ.
أمّا البحرين فهي الدولة العربيّة الوحيدة التي لم يستجب شعبها الثائر لعنف النظام، الذي جلب قوّات أمنيّة من الخارج لحماية نظامه أمام شعبه، واستخدم أبشع الأساليب لخنق الحراك، وفكّ الاعتصام الجماهيريّ من خلال هجوم القوّات الأمنيّة في ١٦ مارس/ آذار 2011م على «دوّاراللؤلؤة»، حيث سقط العديد من المواطنين بين قتيل وجريح، وتمّ اعتقال الآلاف، وبالخصوص زعماء الثورة والجمعيّات والأحزاب السياسيّة، ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ بل قامت الحكومة بهدم مجسّم اللؤلؤة الذي تحوّل إلى رمز الثورة البحرينيّة، وعملت أيضًا على مسح ميدان اللؤلؤة من الوجود وذلك في 18/ مارس/2011م، .. إنّه عمل عجيب وغريب!!.
غرائب الثورة البحرينيّة وعجائبها
من غرائب الثورة البحرينيّة، أنّها الثورة العربيّة الوحيدة التي لم تجد أيّ دعم من الإعلام العربيّ، بل تمّ تهميشها وتشويها وتزييف شعاراتها، وللأسف فإنّ الشعوب العربيّة قد صدّقت إعلام الأنظمة الرافضة للتغيير في التعامل مع ثورة الشعب البحرينيّة المسالمة، والأكثر غرابة؛ أنّ عاهل البحرين أنشأ لجنة تقصّي الحقائق لانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين برئاسة القانونيّ الدوليّ محمد بسيوني، الذي أكّد في تقريره المعروف بتقرير لجنة بسيوني: أنّ الحقائق تدين النظام لانتهاكاته الفظيعة بحقّ المحتجّين السلميّين من تاريخ 14 فبراير 2011، وتحمّله المسؤوليّة، وقد اقترحت اللجنة مجموعة من التوصيات منها: «إيقاف الأساليب القمعيّة من قبل النظام، القيام بحلّ سياسيّ بدلًا من استخدام القبضة الأمنيّة التي ستساهم في قتل المزيد وهي غير مجدية، إطلاق سراح القيادات السياسيّة وكافة المعتقلين بسبب التعبير عن الرأي، كما أوضح التقرير أنّ نداء «إسقاط النظام يدخل ضمن حريّة التعبير» ولا يستوجب السجن عليه، وأشار أيضًا إلى عدم وجود ما يؤكّد التدخّل الإيرانيّ في الثورة الشعبيّة البحرينيّة.
اللجنة أثبتت الحقائق لواقع الثورة الشعبيّة في البحرين، ولكن هذه النتائج جاءت بما لا يريده العاهل البحرينيّ، الذي لم يأخذ بتوصيات اللجنة التي شكّلها بنفسه، بل تملّص منها، ما أدّى إلى المزيد من التدهور في الساحة البحرينيّة.
ووصل الأمر إلى اعتقال أمين عام جمعيّة الوفاق، أكبر معارضة في البحرين الشيخ علي سلمان ومحاكمته بتهمة تغيير النظام بالقوّة، رغم أنّه شخصيّة معروفة بتبني المنهج السلميّ ورفض العنف، ونتيجة إصراره والقيادات الشعبيّة الأخرى على هذا المنهج حافظت الثورة البحرينيّة على الحراك السلميّ، بالإضافة إلى محاكمة عدد من الشخصيّات السياسيّة والحقوقيّة كالناشط نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، الشخصيّة المعروفة بالمنهج السلميّ.
لقد تمسّك الشعب البحرينيّ بالحراك السلميّ ورفض العنف لتحقيق مطالبه رغم سقوط العديد من الضحايا، ووصول الأمر إلى اعتقال عدد من النساء مع أطفالهنّ الرضّع، موقف يستحق التقدير من قبل الشعوب العربيّة الحرّة والشريفة، والتضامن والمساندة والدعم.
الحلّ باحترام الإرادة الشعبيّة
حلّ أزمة البحرين يكمن بالرجوع إلى الشعب الذي هو مصدر التشريع، وما دام الشعب هو المصدر فالحلّ في احترام إرادته، وتحقيق مطالبه التي من أجلها خرج وتظاهر منذ عام 2011م، وإلى غاية اليوم يواصل الحراك بالشكل السلميّ، وقدّم مئات القتلى والمصابين، وآلاف المعتقلين.
لكنّ لجوء النظام البحرينيّ للمزيد من التشدّد الأمنيّ والاعتقالات والمحاكمات وسحب الجنسيّة من عشرات السياسيّين المعارضين – «البحارنة الأصل» حيث جذورهم في الوطن منذ مئات السنين أي قبل وصول العائلة الحاكمة إلى جزيرة البحرين – وتهميش مطالب الشعب، سيساهم في تصاعد التحدّي من قبل الشعب المصرّ على الاستمرار في الاحتجاج والتظاهر السلميّ لغاية تحقيق أهدافه، .. ومع سقوط المزيد من القتلى والمصابين تشتدّ عزيمة الشعب.
يكفي ما نزف من دم عربيّ في الدول العربيّة التي شهدت ثورات، ونتمنّى أن تبادر الأنظمة العربيّة الحاكمة، ومنها النظام البحرينيّ إلى تفهّم مطالب الشعب والاستجابة له، لبناء دولة حضاريّة تتناسب مع طموح المواطنين وتطلّعاتهم، فالشعب البحرينيّ البطل الثائر، شعب معروف بالطيبة والتسامح، ومحبّته للسلام والعلم ويرفض العنف وسفك الدماء، وحتمًا نجاح عمليّة الإصلاح والتغيير بشكل سلميّ دون عنف ودماء مرهون بطريقة السلطة الحاكمة وأسلوبها، وتفهّمها لحاجة الشعوب للمشاركة في بناء الوطن؛ الحلّ بيد الحكومة البحرينيّة، هي من تحدّد طريقة التغيير القادم في البحرين: سلميّ أو دمويّ، تغيير بشكل سلميّ عبر احترام الإرادة الشعبيّة، أو تغيير بلون الدم وسقوط المزيد من الضحايا.
الأحرار والشرفاء العرب وفي العالم يقفون مع الشعب البحرينيّ لتحقيق التغيير بشكل سلميّ بعيدًا عن العنف والدم، وإنّ انتصار إرادة الشعب البحرينيّ يمثّل نصرًا للشعوب العربيّة العاشقة للعدالة والحريّة والسلام والسلميّة.
التعليقات مغلقة.