تمثال البغدادي قريبا بتل أبيب

 

عيسى محارب العجارمة ( الأردن ) السبت 18/3/2017 م …

تمثال البغدادي قريبا بتل أبيب …

يبدو ان المستفيد الوحيد من جرائم الخوارج هي الدولة العبرية التي لربما ستقيم قريبا نصبا تذكاريا للخليفة المفترض لتنظيم داعش الارهابي ابو بكر البغدادي على هذه الانجازات التي تحققت دون اراقة دم جندي صهيوني واحد في العراق وسوريا وليبيا وسيناء وكثير من حواضر العالم الغربي كتفجيرات بروكسل وباريس مما الحق بالعرب والمسلمين اشد الاذى .

حال داعش الآن وأخواتها

بمقاله الاخير بالميادين نت المعنون بإسلاميو الربيع والخلافة: كان صَرحاً من خيال..فهوى

يتطرق رفعت سيد أحمد الكاتب والمفكر القومى المصري . رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث القاهرة. دكتوراه فى فلسفة العلوم السياسية من جامعة القاهرة – 1987. صدر له ثلاثون مؤلفاً وموسوعة عن الإسلام السياسى والصراع العربى الصهيونى .

لداعش وأخواتها من حركات الإسلام السياسى المُسلّح ،التي لم تطلق رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني، والإخوان عندما حكموا مصر، وتونس، لم يجهّزوا ‘الجيوش’ لتحرير الأقصى، بل وجدوا تطبيعاً دافئاً مع الإدارة الأميركية وإسرائيل، لماذا؟ إن هذه الحركات المُسلّحة منها و’المسيّس’، تدّعي وصلاً بالدين، وتحلم بالخلافة على نهج النبوّة كما تقول أدبيّاتها، فلماذا عندما وصلت إلى السلطة إذ بالدين على يديها يتحوّل إلى أداة لتحقيق مآرب الدنيا، لماذا أخفقوا ولماذا سقط حلم (الخلافة) الذي يجمعهم ؟ ولماذا بات الناس العاديين في البلاد التي ابتليت بربيعهم … يكرهونهم ؟ .

دعونا للإجابة على هذه التساؤلات نوضح الحقائق التالية :

أولاً : من المؤكّد الآن أن اندلاع ما سُمّي بالربيع العربي لم يكن كله خالصاً لوجه الوطن، والجماهير، بل إن أغلبه كان مفتعلاً، بهدف تحقيق مشروع أكبر لصالح (واشنطن) و(تل أبيب)، وبعضه كان بالفعل ثورات سرعان ما انحرفت بفعل ركوب (المصلحة الأميركية) عليها ومحاولات توظيفها، أما تلك المصلحة، فإن أحد وسائلها هو استخدام الحركات الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان في كل من مصر وتونس وسوريا، بهدف خلق شرعية أوسع وأعمق لعلاقات مقبلة (كانوا يخطّطون لها) مع الكيان الصهيوني ولدور أميركي أكثر شعبية من زاوية تصوّرهم أن الحركات الإسلامية وبخاصة الإخوان هم الجماعة الأكثر عدداً وشعبية وحضوراً، وبدلاً من الاعتماد على الأنظمة الاستبدادية التي شاخت على مقاعدها (كنظام مبارك أو زين العابدين) يتم استبدالها بأنظمة ذات نكهة مختلفة في الشكل وإن بقي القلب، أميركياً. أما استخدامهم في سوريا فكان هدفه ضرب مشروع المقاومة على امتداده وبالذات حاضنته الأكبر، سوريا، مع الثأر منه ثأراً مريراً من خلال تحطيم وتفكيك الدولة السورية وإشغال جيشها وحلفائها في التصدّي لجماعات الارتزاق والإرهاب الديني السياسية بعيداً عن فلسطين التي كانت في القلب وفي أعلى سلّم الأولويات.

إن الهدف الأميركي إذن من الربيع العربي المزعوم كان إنشاء ما يُسمّى بالشرق الأوسط الجديد هذه المرة ولكن بـ(لحية) تجعل الجمهور ينخدع ويتشابه البقر عليه وقد كان، واستمر الحال ثلاثة أعوام عجاف في مصر وتونس، وستة أعوام في سوريا، إلا أن الأمور سرعان ما تغيّرت، وتعافت مصر وسوريا وتونس، ولكن بعد تضحيات جسام.

إن الربيع كان (عربياً) ونقيّاً في بداياته ولكن الاستخدام الوظيفي للإخوان وللحية الإسلامية انحرف عن مساره، لقد كان الإخوان (جماعة وظيفية) مثلها مثل (داعش) مثلها مثل (إسرائيل) !! .

ثانياً : من ملامح الربيع الأميركي المزّيف أيضاً أن مشروع الإخوان والحركات الإسلامية في حلم بناء الدولة الإسلامية، يمكن توصيفه بأنه كان (صرحاً من خيال فهوى)، وهو هوى من تلقاء نفسه ولتناقضاته الداخلية ونتيجة أخطاء استراتيجية وقع فيها، أبرزها : الانفراد بالسلطة، وإقصاء الآخرين (خاصة في مصر) والتكالب على العلاقة مع واشنطن ونسيان فلسطين كقضية مركزية للأمّة وعدم استعداده الجيّد لملء الفراغ السياسي ديمقراطياً بعد رحيل من أسماها بالأنظمة المُستبدّة، وعدم قراءته للواقع جيّداً وتعامله خاصة مع الحال المصرية وكأنها دولة صغيرة حديثة العهد بالسياسة، فسقط الوهم وتراجع الإخوان عقوداً إلى الوراء وأصيب مشروعهم بنكبة وكراهية واسعة !! .

ثالثاً : ما لم يفهمه الإخوان وغالب الحركات الإسلامية أن القاسم الذي يجمعهم جميعاً وهو (الخلافة) مبني على أوهام وعلى حقائق مغلوطة وهي أن ‘ العثمانيين ‘ الذين تُنسب إليهم الحركات الإسلامية وهم (الخلافة) ، تدّعي تلك الحركات أن هؤلاء العثمانيين كانوا حكاماً عادلين لدولة إسلامية مترامية الأطراف، والواقع أنهم كانوا قتَلَة واستبداديين منذ البداية (ولنتأمّل ما أورده على سبيل المثال إبن إياس في كتابه (بدائع الزهور في واقع الدهور)، من فظائع ودسائس قام بها الحكّام العثمانيون ضدّ مصر وحكامها وشعبها (القتل والتمثيل بقانصوه الغوري على سبيل المثال) في بدايات تأسيس دولتهم وفي حُكمهم باسم الخلافة، حتى الخلافة الأولى في عهد الصحابة (رضوان الله عليهم جميعاً) لم تكن نقية خالصة بل إن ثلاثة من الخلفاء الراشدين قتلوا من قِبَل متطرّفين (يشبهون داعش الآن) باسم الانحراف عن الإسلام رغم أنهم كانوا من أفضل البشر وأكرمهم!!.

رابعاً : إن داعش وأخواتها لا يضعون فواصل قاطعة بين المدى الذي ينبغي أن تتوقّف عنده (الشريعة) ليبدأ القانون الوضعي، فالأمر لديهم عائم ومسطّح وممتد وهذا ما أخاف الناس وأسقط مشروعهم، وهم – أي الدواعش – متعاونون مع العدو الصهيونى ويعالجون في مستشفياتهم في الجولان المحتل، ولذلك الشعوب العربية التي ابتليت بهم، غير مقتنعة بدعواهم وخطابهم الإسلامي المزيّف، لأن الإسلام الحق هو الذي يضع القدس وتحريرها على سلّم أولويّاته.

خامساً : إن ما ارتكبه أبوبكر البغدادي وجماعته داعش، ومن لف لفها من الحركات الإسلامية في سوريا ومصر والعراق وليبيا، وباقي البلاد العربية، يندى له الجبين الإسلامى ويُسيء إلى الإسلام ذاته ولن يسهل إصلاح مفاسده لأجيال قادمة، وهو يخدم بالأساس من خلق ودرّب وموّل هكذا حركات إرهابية خلال السنوات الست الماضية ونقصد به تحديداً واشنطن وتل أبيب وتركيا ومشيخيات الخليج وغيرها، لقد استخدمت هذه الجماعات مصطلح (الخلافة) وبريقه لتجنيد مزيد من الإرهابيين – وليس لبناء دولة إسلامية عادلة – لقد كان هدفها بالأساس تفكيك البلاد التي كانت موحّدة واستنزاف قدراتها وجيوشها، وفي مقدّمها (سوريا)؛ والمستفيد الأول من هذا الدور الخطير لجماعات الإسلام السياسي و’خلافتهم’ المزعومة، هو إسرائيل، ومن هنا ينبغى التنبيه أن (الخلافة) كمصطلح ومفهوم ودعوة أصبحت سيّئة السمعة بعد أن صار (أبوبكر البغدادي) هو (الخليفة)، لأن المستفيد منه، كان ولايزال، هو أعداء هذه الأمّة وفي مقدّمهم إسرائيل، فالدم الذي أريق، والموارد التي أهدرت، والبشر الذين هجروا من ديارهم، عرباً ومسلمين، والانحراف الأكبر بعيداً عن الأقصى والقدس والانشغال بالهمّ الداخلي لم يخدم سوى الكيان الصهيوني، ولو أن إسرائيل مُنصفة لأقامت لهذا الخليفة تمثالاً في قلب تل أبيب تكريماً له لقيامه بالدور نيابة عنها، دور تمزيق الأمّة، واستنزاف الجيوش، وحرف البوصلة بعيداً عن فلسطين .. إلا أن لكل هذا العبث نهاية، ما بقيت حركات إسلامية أخرى واعية وفاهمة لدور الإسلام في المجتمع وليس في السلطة ولموقعية فلسطين في برنامج عملها التاريخي، وفي مقدّمة تلك الحركات يأتي (حزب الله) اللبناني معبّراً عن الإسلام الشيعي الحقيقي وحركة (الجهاد الإسلامى) الفلسطينية، معبّرة عن الإسلام السنّي الحق (رغم أن كاتب هذه السطور من المؤمنين بأن الإسلام واحد، وأن التفرقة بين سنّى وشيعى خاطئة تماماً ونحن نقدّمها هنا للتعبير وللفهم العام ليس إلا) .

إن حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ومن سار على دربهما المقاوم النقي، هم الحركات الإسلامية الحقّة أما ما عداهم من (إخوان) و(دواعش) و(وهّابية) فهم إسلاميون شكلاً، إسرائيليون دوراً ووظيفة ومآلاً .. والذي هو حتماً مآل الفشل والاندثار. والله أعلم !! .

أما المقال التالي بعنوان العرب يهجرون ‘الربيع’

لسميح صعب الصحافي اللبناني المتخصص بالشؤون العربية والدولية فيقول :-

الوزن السوري في الإقليم يغيّر معادلات كثيرة في المنطقة ولا سيما حيال الصراع العربي-الإسرائيلي وإيران وروسيا. وانقلاب سوريا سيؤثّر في هذه التوازنات الثلاثة. فالقضية الفلسطينية ستفقد الكثير مما تبقّى لها من بريق في الوجدان العربي، وإيران ستفقد امتداداها إلى المتوسّط، وروسيا ستُحرم من المياه الدافئة. وقصارى القول إن التحوّلات الميدانية في العامين الأخيرين والتيقّن من أن المعارضة عاجزة عن الحسم العسكري، كانا السبب الأساسي في حمل الكثيرين على إحداث تحوّلات في المواقف من دمشق وإجراء مراجعات لسياسات لم تقد سوريا إلا إلى الدمار.

الصراع في سوريا بلغ ذروته وطالت الحرب والقوى المسلحة هي الأكثر استفادة من الفوضى

تدرّجت التحوّلات التي عصفت ببعض المواقف الاقليمية والدولية حيال الحرب السورية على امتداد الأعوام الستة الماضية، من العداء الجذري لدمشق إلى محاولة التعاطي بواقعيّة سياسية تضمّنت تخلياً عن الكثير من الشعارات والمطالب التي أطلقت عند الاندلاعات الأولى للأزمة في آذار/ مارس 2011.

عامذاك استسهل الكثيرون مدفوعين بزخم ما سُمّي ‘الربيع العربي’ إحداث تغيير جيوسياسي في سوريا حتى ولو بالقوة، من منطلق الاقتناع أن ما بدأ في تونس ومصر وليبيا واليمن لن يكتمل إلا إذا أنقلبت سوريا.

فالوزن السوري في الإقليم يغيّر معادلات كثيرة في المنطقة ولا سيما حيال الصراع العربي-الإسرائيلي وإيران وروسيا.

وانقلاب سوريا سيؤثّر في هذه التوازنات الثلاثة. فالقضية الفلسطينية ستفقد الكثير مما تبقّى لها من بريق في الوجدان العربي، وإيران ستفقد امتداداها إلى المتوسّط، وروسيا ستُحرم من المياه الدافئة.

وهكذا بلغ الصراع على سوريا ذروته وطالت الحرب وبدا أن القوى ‘الجهادية’ هي الأكثر استفادة من الفوضى التي أُقحمت فيها سوريا. والجهاديون الذين كانت توظّفهم دول اقليمية بدأوا يهدّدون الغرب بعدما نقلوا المعركة إلى أوروبا. وهذا الواقع الكارثي المُتمادي جعل دولاً عربية اكتوت بنار الإسلام السياسي ولا سيما مصر والجزائر تتّخذ مواقف أكثر عقلانية، إذ لم تعد تنظر إلى ما يجري في سوريا على أنه ‘ثورة’ تسعى إلى إصلاحات سياسية وإنما هي حرب تقودها جماعات جهادية تُنذر بتفجير أكبر إذا ما سقطت دمشق أمام ‘داعش’ و’النصرة’.

وإذا كانت الجزائر أبدت منذ بداية الأزمة، تحفّظات كثيرة على سياسات دول عربية أخرى ولا سيما منها دول الخليج التي وقفت وراء الفصائل المسلّحة الساعية إلى الحسم العسكري مع النظام على الطريقة الليبية، فإن التحوّل في الموقف المصري بدأ مع إطاحة ‘الأخوان المسلمين’ من السلطة عام 2013 وصولاً إلى انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً. واتّسم موقف السيسي بالكثير من الجُرأة في ما يتعلّق بالأزمة السورية بما يتناقض مع مواقف دول الخليج العربية ولا سيما السعودية التي ساندت القاهرة اقتصادياً منذ إطاحة حُكم ‘الأخوان’.

وأكثر من مرة عبّر الرئيس المصري عن وقوفه مع ‘الجيوش الوطنية’ في مواجهة الإرهاب وحذّر تكراراً من تقسيم سوريا باعتباره سيكون الحلقة الأولى في سلسلة تقسيم المنطقة كلها على أسُس طائفية وعِرقية. وعرّض السيسي نفسه لوابل من الانتقادات الخليجية عندما صوّتت مصر أواخر العام الماضي إلى جانب مشروع قرار روسي في مجلس الأمن يدعو إلى وقف النار في مدينة حلب قبل سيطرة الجيش السوري على شطرها الشرقي.

وقبل أيام اتّخذ وزير الخارجية المصري سامح شكري موقفاً متقدّماً من الأزمة السورية بإعلانه أن سوريا ستعود عاجلاً أم آجلاً إلى مقعدها في الجامعة العربية وأن ‘كل الدول ابتعدت عن الحل العسكري’. والتقارب المصري-السوري الذي ترافق أحياناً كثيرة مع تقارير عن تبادُل زيارات لمسؤولين رفيعي المستوى من الاستخبارات ومع أنباء عن وجود قوات مصرية في سوريا إلى جانب الجيش السوري، كانت توازيه مواكبة مصرية لجهود الحل السياسي لا سيما تلك التي ترعاها روسيا. وتعتبر ‘منصّة القاهرة’ في المعارضة السورية من أكثر أطراف المعارضة نبذاً للعنف وسيلة للتغيير السياسي.

وفي خضمّ التحوّلات العربية حيال سوريا، شكّلت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلّم العام الماضي إلى كل من سلطنة عُمان والجزائر، علامة فارقة على طريق إعادة التطبيع بين دمشق وعواصم عربية. وخطت تونس في ظلّ حُكم الرئيس الباجي قايد السبسي خطوات مهمة على طريق التطبيع وإعادة وصل ما انقطع مع دمشق في ظلّ حُكم حزب النهضة الإسلامي للبلاد. وكان لافتاً إعلان وزير الداخلية التونسي هادي المحجوب في كانون الثاني الماضي تحت قبّة البرلمان عن وجود مكتب تنسيق أمني تونسي في العاصمة السورية على رغم أن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين البلدين منذ عام 2012. ومعلوم أن تونس صدّرت في ظلّ حُكم النهضة آلاف الجهاديين إلى سوريا. وها هي اليوم تواجه أزمة حيال الطريقة التي يجب أن تتعاطى فيها مع الجهاديين العائدين من سوريا نظراً لما يمكن أن يشكّله هؤلاء من خطورة أمنية على الساحة التونسية.

في ظلّ هذا المناخ من انفتاح دول عربية أساسية على دمشق، بات الأردن في الآونة الأخيرة أكثر حذراً في تقديم الدعم العسكري لمجموعات المعارضة المُسلّحة، لا سيما وأن الجهاديين بدأوا ينقلبون ضدّ الداخل الأردني. لكن الضغط الخليجي والأميركي يحول حتى الآن دون اتّخاذ الأردن قراراً بإعادة التطبيع مع سوريا. وستشكّل القمة العربية التي تنعقد بعد أيام في عمان اختباراً للتوجّه الأردني حيال الأزمة السورية وذلك من خلال طريقة التعاطي مع المعارضة السورية التي كانت تُدعى في قمم سابقة إلى إلقاء كلمة أمام القمّة.

والسؤال إلى أي مدى يمكن التجاوب في القمّة المقبلة مع دعوة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري قبل أيام أمام مجلس الجامعة العربية في القاهرة، إلى إعادة سوريا إلى الجامعة؟.

وباستثناء قطر التي لا تزال تلتزم موقفاً جذرياً من النظام في سوريا، فإن مشاركة فصائل سوريّة مدعومة من السعودية سواء في لقاءات أستانة أو في محادثات جنيف يشي برغبة سعودية في الانخراط في جهود الحل السياسي في سوريا لا سيما مع المعادلات العسكرية التي رسا عليها الميدان السوري بعد استعادة الجيش السوري لحلب كاملة وتوسيع طوق الآمان حول دمشق من طريق المصالحات.

وقصارى القول إن التحوّلات الميدانية في العامين الأخيرين والتيقّن من أن المعارضة عاجزة عن الحسم العسكري، كانا السبب الأساسي في حمل الكثيرين على إحداث تحوّلات في المواقف من دمشق وإجراء مراجعات لسياسات لم تقد سوريا إلا إلى الدمار.

في الأزمة السورية وضوء آخر النفق

قاسم عزالدين / كاتب لبناني وباحث في الشؤون الدولية والإقليمية

انفجار الشعبويات اليمينية المتطرفة في أميركا وأوروبا، يشير إلى الفاشيات العنصرية تدق أبواب الحكم في ‘هذه الديموقراطيات العريقة’، كما دقت أبواب إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية عبر الانتخابات وصناديق الإقتراع. وربما يصعب على مؤسسات الدول الكبرى والهيئات الدولية أن تبلع بحصة الاستبداد أمام هذا التهديد الجديد في أميركا وأوروبا. لكن هذه المعضلة قد تكشف أن المصائب التي ارتمت بها بلدان منطقتنا، إذا لم تقضِ عليها فهي تحصّن مناعتها وتقويّها.

قد يكون المفوّض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد مصيباً في قوله ‘لا شيء يبرر هذه المذبحة’. وقد يكون أكثر صواباً في إشارته إلى أن ‘المأساة في سوريا لم يحدث لها شبيه منذ الحرب العالمية’. فالفظاعات الهمجية في سوريا، طغت أخبارها في سنوات ست عجاف على ما عداها. ولعل بعض الأهوال التي تعرّض لها أطفال سوريا وأمهاتهم تجاوزت مذابح الحرب العالمية الثانية دموية وتدميراً.

ومن غريب الحنان والعواطف، أن يفيض مسؤولو الدول والهيئات الدولية بوصف المآسي والكوارث. والأغرب أن بعض الفيض يفوح منه تلميح بمنح السوريين جائزة الفوز بالمركز الأول بين باقي الحروب. ولعل افتعال التأثر بكبريات الأحداث الجسام في سوريا، يدلّ على تطبّع مسؤولي الدول الكبرى والهيئات الدولية مع ‘مألوف’ القتل والدمار ‘الأقل أهمية’. ولا غرو أن التبلّد أمام جحيم الموت في اليمن وليبيا والعراق والصومال والبحرين والسودان، هو أخ التبلّد أمام المأساة الكبرى في سوريا، لكنه أقل دموع رياء. ولو كان قتل امرء كأنه قتل للناس أجمعين، كما تدّعي هيئات حقوق الإنسان والدول الكبرى، لما تبلّد أحد ولما بات مألوف الذبح مألوفاً.

في عالم اليوم حوالي مائة حرب دموية شبه منسية، لاعتبارها مذابح’مألوفة’ وفق قول ‘مَن ينظر إلى مصائب غيره الكبرى تهون عليه مصيبته’. وهي كلها ‘لا شيء يبررها’ بحسب تعبير المفوّض السامي. وقد يكون التفسير الأقرب لانفجار هذه الحروب وتعميمها، هو شراسة الدول الكبرى لاستحواذ النفط والغاز والأراضي الزراعية والموارد الطبيعية. فقبل هذه الشراسة المتمادية يوماً بعد يوم، كانت كل مناطق هذه الحروب متوافقة بعُجرها ومُجرها على الاستمرارية المشتركة. وقد حافظت هذه الاستمرارية على تعايش أعداد لا تُحصى من الأعراق والإثنيات والطوائف إلى يومنا هذا، على الرغم من الحروب الدائمة فيما بينها من دون أن تؤدي هذه الحروب إلى إبادة كإبادة الهنود الحمر وإبادة إثنيات أوروبا الغربية.

الأدهى أن الدول الكبرى أنشأت كل هذه الهيئات والمؤسسات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، بزعم أنها تعلّمت من دروس مذابح الحرب لكي تمنع مثلها في أصقاع الأرض. وعلى هذا الزعم ولد مجلس الأمن والأمم المتحدة ومجالسها وهيئاتها التي تملأ الأرض ضجيجاً عن تضحياتها لوقف الحروب وما تسميه حل النزاعات. واللافت أن معظم هذه الهيئات والمؤسسات، تجتهد بكل ما أوتيت من مال ونفوذ لتفسير تعميم المآسي بمقولة آحادية هي استبداد الحكم المحلي. وأن مجرّد تغيير هذا الحكم بحكم آخر، لا يوقف الحروب والاحتراب فحسب بل يؤدي إلى جنة عدن. والدليل على هذا الادعاء المبتور هو استقرار الدول الغربية في حرية التعبير لاختيار الحكم الأصلح.

لكن انفجار الشعبويات اليمينية المتطرفة في أميركا وأوروبا، يشير إلى الفاشيات العنصرية تدق أبواب الحكم في ‘هذه الديموقراطيات العريقة’، كما دقت أبواب إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية عبر الانتخابات وصناديق الإقتراع. وربما يصعب على مؤسسات الدول الكبرى والهيئات الدولية أن تبلع بحصة الاستبداد أمام هذا التهديد الجديد في أميركا وأوروبا. لكن هذه المعضلة قد تكشف أن المصائب التي ارتمت بها بلدان منطقتنا، إذا لم تقضِ عليها فهي تحصّن مناعتها وتقويّها.

النوازل النازلة على سوريا لم تقضِ عليها. وفي آخر نفق الأزمة يطل بصيص الضوء الذي تدلّ عليه أزمة الخيارات التركية. فالرئيس التركي يحاول قدر المستطاع شراء الوقت للامساك بخيوط النفوذ وكل السلطات التركية الداخلية. لكن حين يحين الحين وعلى مفترق الخيارات، إما أن يذهب مع موسكو وطهران نحو الحل السياسي أو يذهب مع واشنطن إلى مجهول له ارتدادات عميقة في الداخل التركي. وربما على خلاف موسكو وطهران تنتظرالدول الغربية أن يجر أردوغان تركيا إلى أزمة خانقة على مقولة ‘مصائب قوم عند قوم فوائد’.

تركيا وسنوات الحرب في سوريا / عقيل سعيد محفوض

دكتوراه في العلاقات الدولية – باحث وكاتب وأكاديمي سوري. له دراسات وأوراق بحثية عديدة عن سوريا وتركيا، والشرق الأوسط.

أطاحت الأزمة بـ نظرية ‘العمق الاستراتيجي’ وصانعها داوود أوغلو، وبحلم أردوغان بالصلاة في الجامع الكبير في دمشق. وبعد أن كانت عين أردوغان على دمشق، تراجع إلى حلب القريبة، وإذ تعثّر فيها، انتقل إلى إدلب وجسر الشغور ليقيم فيهما إمارة موالية له تحت حُكم ‘جبهة النصرة’، ولم يعد يإمكان أردوغان التفكير بشرق الفرات، ولا الساحل السوري، ولا المنطقة الجنوبية، ولذا فقد تركّزت جهوده على مدينة الباب ومحاولة إقامة ‘منطقة آمنة’ في شمال سوريا.

بعد سنوات من تورّط تركيا في الأزمة السورية تبين أن الأزمة كانت كاشفة للسياسة التركية، فقد أظهرت رهانات حادّة لدى نظام الحُكم في تركيا، وإلى أي مدى هو مستعد للانخراط في سياسات معقدّة والتخلّي عن التزاماته وصداقاته أمام ما عدَّه هو مصالحَ حيوية له، كما كشفت الأزمة عن حدود تلك السياسة وقيودها والبُعد المغامر فيها. وإذ حاولت تركيا أن تكون عاملاً مُقرِّراً في مسار الأزمة السوريا، فقد كان للأزمة تأثيرات ‘مُقرِّرَة’ في سياسة تركيا الداخلية والخارجية.

يمكن الحديث عن أطوار للموقف التركي تجاه الأزمة، فمن اندفاعة كبيرة للإمساك بالحدث والدفع باتّجاه إسقاط النظام والسيطرة على سوريا، إلى إدراك مُتزايد لحدود إمكاناتها وصعوبة التدخّل فيها بشكل منفرد، وكذلك صعوبة استدراج الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى مواجهة مباشرة مع دمشق وحلفائها، إلى تراجُع الغرب عن تفويضه لها بإدارة الأزمة، إلى التوتّر والصِدَام المباشر مع روسيا.

وأمام دخول الولايات المتحدة المباشر على خط الأزمة، ودخول الأخيرة في تفاهمات واتفاقات متتالية مع روسيا، فقد بدت الأمور أكثر صعوبة أمام تركيا، واضطرت الأخيرة –بعد ذلك- للتقارّب مع كل من روسيا وإيران، تمخّض عنه تحرير حلب، وبعد ذلك ‘إعلان موسكو’ و’اتفاق أستانة’، والذي أعقبه تراجعٌ تركي عن التزاماته فيهما مع أول إلماحة من قِبَل ترامب بشأن إقامة ‘مناطق آمنة’ في سوريا.

تقف تركيا اليوم بين – بين، بين أن تستمر في التعاون مع روسيا وإيران حول الأزمة السوريا، أو أن تستمر في رهاناتها على علاقة أكثر براغماتية مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، وكلا الخيارين يمثّل فرصة وتهديداً في آن، وإذ يصعب عليها اختيار أحدهما من دون الآخر، فإن آمالها تتركّز في محاولتها التمسّك بهما معاً، وأن تكون على جانبي الحرب السوريا، فتتوقّى مخاطرها ما أمكن، وتكسب منها ما أمكن أيضاً، في استعادة بيِّنَة لسياسات المسألة الشرقية، عندما استطاع ‘الرجل المريض’ اللعب على تناقضات الأطراف الدولية آنذاك لكسب المزيد من الوقت قبل الانهيار المحتوم.

أظهرت تركيا تغيّراً نسبياً في نمط الخطاب والسلوك تجاه سوريا، وتراجعت عن هدف إسقاط نظام الرئيس الأسد، وقبلت –على مَضَض- بوجود الجيش السوري في مناطق شمال سوريا مثل مدينة منبج، ولو أنها كانت تُصدِر في كل مرة تصريحات مُتعاكسة. والواقع أن إخفاقها في الأزمة السوريا كانت له ارتدادات على سياستها الداخلية والخارجية.

أطاحت الأزمة بـ نظرية ‘العمق الاستراتيجي’ وصانعها داوود أوغلو، وبحلم أردوغان بالصلاة في الجامع الكبير في دمشق. وبعد أن كانت عين أردوغان على دمشق، تراجع إلى حلب القريبة، وإذ تعثّر فيها، انتقل إلى إدلب وجسر الشغور ليقيم فيهما إمارة موالية له تحت حُكم ‘جبهة النصرة’، ولم يعد يإمكان أردوغان التفكير بشرق الفرات، ولا الساحل السوري، ولا المنطقة الجنوبية، ولذا فقد تركّزت جهوده على مدينة الباب ومحاولة إقامة ‘منطقة آمنة’ في شمال سوريا.

وبعدما كانت تركيا أحد محرّكات مجموعة ‘أصدقاء سوريا’، فقد طرأت تحوّلات كبحت موقفها، ولو أنها بقيت تتحيّن الفُرَص لمعاودة طرح خططها المعادية لسوريا، وعملت كل شيء ممكن من أجل توريط الناتو والولايات المتحدة في حرب مباشرة ضدّها، وجعل أردوغان من تركيا نفسها ‘باكستان أخرى’ لـ ‘أفغانستان أخرى’ في جنوبها. صحيح أن تركيا تمكّنت بمنطق المساومة من أن تضمن تأييداً روسياً إيرانياً لعملية جرابلس، إلا أن الثمن كان كبيراً، وهو تخلّيها هي عن دعم الجماعات المسلّحة في مدينة حلب.

أما على صعيد الداخل التركي، فقد اتّجهت الأمور للمزيد من الاستقطاب بين الترك والكرد والعرب والشركس والشيشان وغيرهم، وكذلك الأمر بالنسبة للعلويين والسنّة والطُرُق الصوفية وغيرها. وقد تكشّفت الأزمة عن صدوع، ومن ثم حرب شاملة داخل التحالف الحاكم لتركيا بين الحزب (حزب العدالة والتنمية) والطريقة (حركة خدمة)، وصدعت البنى العميقة لحزب العدالة والتنمية، ولذلك أسباب أخرى بطبيعة الحال قد لا تتصل مباشرة بالأزمة السوريا.

وجاء في معطيات مكتب الإحصاء التركي (2016) مؤشّرات ذات دلالة، وخاصة انخفاض نسبة الثقة على صعيد التفاعلات الاجتماعية في تركيا إلى أقل من 8%، وهذا من الأمور التي تعزّز ديناميات إقامة نظام ‘توتاليتاري’ أو ‘توتاسلطاني’، إذا صحّ التعبير. هنا يبدو أن أردوغان تمكّن من تدوير نتائج فشله في سوريا ليصبّها في مصلحته داخل تركيا.

في ما يخصّ السياسة الخارجية، مرة أخرى، فثمة عودة إلى ‘ديناميات المسألة الشرقية’، لجهة نظام الاختراق والتغلغل العالمي في المنطقة، وضبط سياساتها والحديث المُتكرّر عن مراجعة الحدود والسياسات والجغرافيا السياسية والدولتية الخ ، وهنا من المحتمل أن تكون تركيا في قلب تلك الديناميات المُستعادة، ومعلوم أن الدولة العثمانية بقيت أكثر من مئتي عام بفعل تلك الديناميات، وليس بفعل عوامل تماسُك أو بقاء ذاتية.

وبفعل تلك الديناميات أيضاً تمكّن أردوغان من ضمان دعم روسيا وإيران خلال عملية الانقلاب تموز/يوليو الماضي وبعدها، وكذلك دعم واشنطن له –أو عدم تخلّيها عنه- في تورّطه في سوريا، حتى مع استهدافه لحليفها الكردي السوري. وعلى الرغم من تراجع عوامل ثقة أولئك بأردوغان إلا أن علاقتهم به ورهانهم عليه، لا يزال قوياً.

يمكن الإشارة إلى متلازمتين تحكمان جانباً كبيراً من الظاهرة التركية بعد سنوات من التورّط في الأزمة السوريا، الأولى هي ‘متلازمة لوزان’ والهدف منها تفكيك العَقْد المؤسّس للجمهورية من أجل إقامة عَقْدٍ عثمانوي أو سلطاني جديد؛ والثانية هي ‘مُتلازمة الأسد’، بمعنى عقدة الموقف من الرئيس بشّار الأسد، ذلك أن أردوغان لم يتمكذن من إسقاطه، وهو لا يستطيع –بعدُ- تقَبُّل استمراره في الحُكم، وسوف يكون لهذه المُتلازمة ما بعدها في السياسات التركية في مقبل الأيام.

حملة الموصل .. ‘العزم المُتأصّل’ وإعادة الاحتلال

طارق الدليمي / كاتب سياسي عراقي

يشير الخبير الأميركي ‘بيتر فان بورين’ والذي خدم طويلاً في جيش الاحتلال في العراق إلى أن أميركا في مقاربتها الجديدة قد بنت عدة قواعد عسكرية لها في العراق ومنها فقط ‘4’ في شمال الموصل. إنها تبعاً لمبادىء ‘كلاوزفيتز’ الشهيرة تحاول الحصول على حال ‘استدامة قتالية’ من أجل تنفيذ كل المآرب السياسية التي يمكن تبريرها في حال الحرب الشاملة، وهي تحاول أن تواجه الفشل السياسي بعدم التلويح بالأرباح العسكرية الكبيرة، أمام عدّة احتمالات مطروحة على جدول التحليل المقارن ولكنها عمليا تؤدّي إلى نفس المصير – الخذلان المنهجي.

تجري الرياح سناسن. وحملة غرب الموصل مستمرة منذ 19 شباط الماضي بعد مرور 125 يوماً على بدء حملة الموصل الشاملة. قوات عديدة مختلفة تقتحم دفاعات ‘داعش’ وفرق خاصة أميركية تمشّط البنايات والمرابض خلفها وتستولي على الوثائق والمقتنيات الأمنية وتفرز الأسرى وتهرّب البعض منهم حسب تصريحات، جواد الطليباوي، أحد قيادات ‘الحشد الشعبي’. حرب الشوارع طاحنة والتوازن صعب والقوات العراقية تخسر ‘3’ من عديدها أمام ‘1’ من عصابات ‘داعش’. الإغاثة الصحية ضعيفة والتموين هزيل ولحد الآن، كما يقول الخبير العراقي والمتعاون مع الحكومة هشام الهاشمي، لم تستول هذه القوات سوى على ‘9’ مواقع مهمة من مجموع ’19’ موقعاً حصيناً مسوّراً بعشرات الألوف من السكان المدنيين.

الربح العسكري والخسارة السياسية

ويؤكّد ‘أندرو أكسوم’، مراسل مجلة أتلانتك الأميركية حالياً والمساعد الأمني السابق في البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط، أن المعركة طويلة و’داعش’ لن يستسلم ببساطة. والقتال يدور من مربّع إلى آخر والهروب أحياناً إلى كهوف صحراء الموصل الغربية. لتبدأ حروب عصابات جديدة. ومن قوله أن شرق الموصل مازال يعاني من ثقوب سوداء في حاله الأمنية وأن التزاحم السياسي والفساد فيه يتكاثر ويتعقد يومياً. لاسيما وأنه خليط سكاني غير متجانس على عكس غرب الموصل حيث الأغلبية هناك من العرب ‘السنّة’. وإن أحد أسباب البطء في الإنجاز هو الرفض الأميركي القاطع للضغط العسكري العالي المزدوج على الرقّة والموصل في آن واحد. وفي كل الأحوال فإن كسب الحرب عسكرياً لا يتوازى مع كسبها شعبياً.

قواعد عسكرية للبقاء الدائم

ويشير الخبير الأميركي ‘بيتر فان بورين’ والذي خدم طويلاً في جيش الاحتلال في العراق إلى أن أميركا في مقاربتها الجديدة قد بنت عدة قواعد عسكرية لها في العراق ومنها فقط ‘4’ في شمال الموصل. إنها تبعاً لمبادىء ‘كلاوزفيتز’ الشهيرة تحاول الحصول على حال ‘استدامة قتالية’ من أجل تنفيذ كل المآرب السياسية التي يمكن تبريرها في حال الحرب الشاملة، وهي تحاول أن تواجه الفشل السياسي بعدم التلويح بالأرباح العسكرية الكبيرة، أمام عدّة احتمالات مطروحة على جدول التحليل المقارن ولكنها عمليا تؤدّي إلى نفس المصير – الخذلان المنهجي.

حاطب الليل، مايكل نايتس

بيد أن ‘مايكل نايتس’ الباحث والخبير في معهد ‘واشنطن للشرق الأدنى’ لديه وجهة نظر أخرى في جمع التناقضات حيث يتكلّم بالغثّ والسمين من دون أن يبصر ما يجري على الأرض. ومن خزينه في العمل مع جيش الاحتلال في العراق يعتنق فكرة أن أرض البلاد تظلّ خصبة لإعادة إنتاج مشتقاّت ‘داعش’ وأخواتها. ويبدو أنه في شهادته أمام الكونغرس الأميركي في 28 شباط المنصرم قد أقنع ‘المؤسسة’ الحاكمة في عنجهية ‘دونالد ترمب’ الوسطية : الحزب الجمهوري يميني أكثر من اللزوم والحزب الديمقراطي يساري أكثر من اللزوم وفشلا في الاحتلال وفي الحفاظ على العراق ونفطه.

إن شهادة ‘نايتس’ تتضمّن تقريراً وهو ‘نهاية البداية’ للقيام بالحسم الكامل في العراق على الصعيدين السياسي والعسكري.

إن حاطب الليل يقترح :(يجب التفريق دائماً وعدم الخلط بين ‘الخطّة’ والاستراتيجية العامة للولايات المتحدة في العراق والمنطقة), وأن الجيش الأميركي هنا سيعمل بالتعاون مع القوات العراقية في كل البلاد لغاية هزيمة ‘داعش’ وكل التنظيمات المُسلّحة الأخرى غير الحكومية.

‘العزم المُتأصّل’ باقية وتتمدّد

ويؤكّد ‘نايتس’ أن من الضروري تمديد فترة ولاية ‘قوة المهام المشتركة – عملية العزم المُتأصّل’ بعد تحرير الموصل، وتقديم تعاون أمني – عسكري استثنائي لفترة لا تقل عن خمس سنوات، تكون خاضعة للمراجعة والتمديد وتشمل ولاية الحكومة العراقية الجديدة بين عامي 2018 و 2022. وهو إذ يركّز سياسياً على أهمية تقليص نفوذ إيران، يطرح ضرورة تحقيق أولاً تغيير شامل في التعيينات العسكرية وثانياً تجديد وترقية إدارة شؤون الأمن. وفي الحقل المدني التركيز على بناء تحالفات سياسية جديدة أولاً وبناء مجمّعات اقتصادية ثانياً لتزويد المناطق المنكوبة وتشييد البنى التحتية لبرامج إعادة الإعمار الشامل لاحقاً.

ومن وجهة نظر ‘نايتس’ أنه جفّ القلم ولم يعد خيار ‘هوبسون’ مناسباً في الحقبة الترامبية الجديدة. ومن نافلة القول أنه من الواجب الآن الإعلان أن السياسة تعلو فوق كل شيء. وأن الاهتمام بالعلائق بين شتّى ‘المكونات’ الموجودة مسألة مركزية ويجب أن تستند إلى قاعدة، ليس كل انشقاق يواجه الخطة قد يضعفها، ولن تكون أية وحدة عمل مصدراً لقوة العمل المطلوب. يعتقد حاطب الليل ‘نايتس’ أن النفق العراقي بحاجة إلى نور خاص. يشعله محرّك ‘العزم المُتأصل’. وينسى في تجاوزه التحليلي، حقائق التضاريس الراهنة القاسية. فقد قال الشيخ الكبير ‘إبن عربي’ منذ قرون:’كل نور لا يُزيل الظلمة لا يعوّل عليه’.

قد يعجبك ايضا