هل يستطيع «هادي».. إدارة الأزمة اليمنية؟ / محمد خروب

 

 

محمد خروب ( الأردن ) الثلاثاء 24/2/2015 م …

 

ثمة تهويل ومبالغة، عند الحديث عن تداعيات «نجاح» الرئيس اليمني المستقيل في «الهرب» من قصره، او تسهيل الهرب له من قِبَلِ الحوثيين حتى يستطيعوا تنفيذ الاعلان الدستوري الذي خططوا له واصابوا بعض النجاح، ما استدعى تدخلاً اقليمياً وضغوطاً دولية افضت الى كبح الاندفاعة الحوثية على النحو الذي رأيناه في التوافق الذي تم بين الافرقاء واليمنيين على برنامج «حل وسط» يقضي بتشكيل مجلس رئاسي وعودة مجلس النواب الذي حلّه الحوثيون، لم يلبث هذا «التوافق» ان توقف بعد التأكد من هروب «هادي»، عندها سارع المتضررون من ثورة 21 سبتمبر (كما يصفها الحوثيون)، الى تجميد الاتفاق بل والتنصل منه واعتبار هرب هادي بداية مرحلة جديدة تقطع مع انجازات جماعة انصار الله وتؤسس لمشهد جديد، يمكن من خلاله استنزاف الحوثيين او تفريغ انتصارهم من مضمونه، بل وربما اعادة تهميشهم وفرض العزلة عليهم، كما فعل نظام علي عبدالله صالح وخصوصاً علي محسن الأحمر قائد اللواء المدرع الشهير الذي أذاق «صعدة» وسكانها..الويلات.

هروب هادي وتمركزه في عدن، لا يغير كثيراً في موازين القوى، ولا يسهم في اعادة الاعتبار لشخص الرئيس المستقيل، الذي أظهر ضعفاً وهشاشة وانعدام حيلة وفقداناً للخيال السياسي، ما اثبت صحة كل التحليلات والمقولات التي كانت لا تتورع عن وصفه بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب (كنائب للديكتاتور صالح)، حيث هو بلا لون ولا طعم ولا دور له، وليس من صفات تُسجّل له او انجازات تُضاف لرصيده المتآكل أصلاً، الا استفادته من كونه من أبناء الجنوب، استطاع صالح ان «يشتريه» ويخلع عليه رتبة المشير استرضاءً له ونكاية بأهل الجنوب، وشراء ولائه وخصوصاً صمته الذي كاد ان يحوله الى «ابو الهول» الثاني، ولهذا ايضاً ودائماً لم يكن اختياره «وبالاجماع» رئيساً مؤقتاً خلفاً لصالح ثم مرشحاً وحيداً لمنصب رئيس الجمهورية، سوى ترجمة عملية للانطباع السياسي والحزبي والقبائلي والعشائري، بل والعسكري، بأن الرجل لا خطر منه ولا خوفاً عليه، فهو قد فقد ظله وبقاؤه في القصر الجمهوري افضل من ان يأتي «عقيد» أو شيخ قبيلة آخر، ربما يغدو نسخة اخرى (ولكن معدّله او مشوّهة لا فرق) من المخلوع..

وكان «هادي» بالفعل كما توقع الكثيرون، مجرد واجهة سُلطوية لا تحكم ولا تؤثر، فأخذ اللاعبون الجدد الذين برزوا خلال الثورة او بعدها، يفرضون قواعد لعبة جديدة، تنهض في الأساس على معادلة موازين القوى وحقائق الاوزان والاحجام الميدانية، فكان قصب السبق للحوثيين الذي فرضوا انفسهم على المشهد، وعجّلوا باختفاء لاعبين قدامى وابرزوا حلفاء جدداً لهم ما ادى لاستنفار اقليمي ومخاوف دولية، بعضها استعجل الاعلان عن نياته العدائية للقوة «الجديدة» الصاعدة وآخرون اظهروا الصمت وغيرهم آثر المراقبة والانتظار قبل ان يقرر وجهته.

اين «هادي» من هنا؟

الرئيس اليمني.. استكان واستمرأ الهزيمة وجاءت قراراته مرتبكة محمولة على خوف اقرب الى الرعب والمهانة، فلم يُقاوم او يحتج او يختار الاستقالة او الصمت، وراح يوقع القرار تلو الآخر بتعيين نواب له (منهم احد الحوثيين) ثم توّج قراراته «الرئاسية» باعتماد اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الذي بدا انه انهى الخلافات، وسيأخذ البلاد الى مربع آخر، قد يأتي اليها بالهدوء والتوافق وضخ دماء جديدة في عروق الدولة اليابسة والمُتكلّسة.

انتظر كثيرون ان يأخذ الرئيس، الذي فقد ظله، المهمة الجديدة على عاتقه وان يتقدم الصفوف ويهتبل الفرصة لاظهار حسّ قيادي تأخر أو لم يكن متوفراً، فاذا به يزداد ضعفا وخنوعا، فلا هو يترك المنصب والسلطة للحوثيين كي يديروا البلاد وفق نتائج او مخرجات حوار وطني جديد يقطع مع المبادرة الخليجية التي باتت جزءا من الماضي، ولا هو يأخذ لنفسه وبجدّية، صلاحيات منصبه ليكون حَكَمَاً ووسيطاً وليس طرفا في أزمة افقية وعامودية باتت – او تكاد – عصيّة على الحل والتوافق.

هروب هادي الى عدن لن يحل المشكلة، وخصوصا اذا ما اعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد، لان مجرد اعتبارها عاصمة (ولو مؤقتة) سيُغضب اطراف الحراك الجنوبي، التي تدعو الى استقلال الجنوب (وهناك قوى اقليمية واخرى دولية تُشجّعها على ذلك) فضلا عن ان الرجل اختار المبادرة الخليجية طريقاً للحل، مُهملاً عن قصد واستفزاز، اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الذي كان احدى مخرجات الحوار الوطني، الامر الذي سيُسهم في افشال اي حل للازمة بل ويأخذها الى الحافة، بكل ما يعنيه هذا الخيار من امكانية ماثلة للانزلاق الى حرب اهلية مدمرة تستلهم يومياتها ووقائعها، من مجريات الايام السورية والعراقية والليبية، وعندها، وعلى نحو متأخر، سيكتشف اليمنيون كم كانوا سُذّجاً وبلهاء، لتصديق تعهدات ووعود الذين اغرقوهم في دماء ابناء شعبهم، الذين يدفعون اكلاف المؤامرات من لحمهم العاري..

وهذا يؤكد في جانب آخر، ان «هادي» كارثة حقيقية لم يستطع ادارة الازمة بل أودى باليمن الى الهاوية وخصوصا بعد ان فقد شرعيته بالاستقالة.

[email protected]

قد يعجبك ايضا