هل من فسادٍ واضطهادٍ في سوريا..؟

 

الأربعاء 22/2/2017 م …

الأردن العربي – كتب إيهاب زكي

هل من فسادٍ واضطهادٍ في سوريا..؟

إذا تعذّر علينا معرفة موقع أقدامنا من خلال التساؤل عن ماهية الصراع أو أهدافه أو أسبابه، فإنه من خلال التساؤل المشروع عن إمكانية التقاطع بين إنسانية أي مواطن في أي دولة مع أهداف أعدائها، والتساؤل الآخر عن إمكانية التقاطع بين “حياديته” ومخططات الأعداء، نستطيع بلا كثير عناء معرفة موقع أقدامنا تجاه أوطاننا وقضايانا. وابتداءً، فإنّ ماهية الصراع في سوريا أبعد ما يكون عن التوصيف بالحرب الأهلية، فهذا المفهوم يتعارض بشكلٍ كليٍ مع الواقع، وبالتالي فهو يتناقض مع التعريفات القانونية والمفاهيم السياسية لماهية الحرب الأهلية. لذلك، فإنّ ما سننطلق منه كقاعدة راسخة لتوصيف الصراع في سوريا أنه عدوان خارجي-إقليمي دولي- على الدولة السورية شعبًا وحكومةً وموقعًا وموقفًا بمعاونة أطراف محلية، وهو عدوان على جميع الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية وحتى النفسية، فمن الحصافة بمكان إذا التبس على البعض تلمس هذا التوصيف، فإنّ التساؤلات المشروعة السابقة تُعتبر طريقًا يسيرًا لتلمس الحقيقة وموقع الأقدام.

منذ بدء العدوان على سوريا، كان الجانب الإنساني المسيس حاضرًا بقوة كأحد الأسلحة التي يستخدمها العدوان بشكلٍ متقن، وفي الأسابيع الأخيرة ثارت قضية السجون السورية وما يتم إشاعته عن كونها “مسالخ بشرية”، واعتبار ما يجري فيها جرائم حرب، ولم تترك أطراف العدوان من وسيلة إعلامية أو فيلمية إلّا وسخرتها، وكان اليوم آخرها حيث وقَّع من يسمَّون بـ”فنانين سوريين” وثيقة لأمين عام الأمم المتحدة، يطالبونه فيها بتحويل أركان “النظام” السوري إلى الجنائيات الدولية، رغم أنّ الدولة السورية تفوقت على أكثر القوانين الإنسانيةِ إنسانيةً.

ففي اتفاقيات جنيف الخاصة بحقوق الإنسان وقت الحرب، نصوص تكفل حقوق الأسرى والمعتقلين، باعتبار أن احتجازهم ليس عقابًا بقدر ما هو منع للمزيد من المشاركة في الصراع، أي أن الاحتجاز هو الشكل الأسمى الذي توصلت إليه الإنسانية على مدى تاريخها وتراكم تجاربها، بينما تقوم الحكومة السورية بما يسمو على ذلك من نواحٍ ثلاث. الأولى أنها لا تقوم باحتجاز أيٍ من المشاركين المحليين بالعدوان، بل بمجرد إلقاء سلاحه يعود متمتعًا بجميع حقوقه مساواة بجميع المواطنين، والثانية، فمن يأبى منهم ترك السلاح تقوم بإيصاله إلى مأمنه، ليتسنى له المزيد من المشاركة في الصراع، أما الثالثة، فحسب القوانين المحلية فإنّ هذا الشخص بحكم سوريته فهو يرتكب عملًا خيانيًا يستوجب حكمًا بالإعدام، أي من الصعب تكييف وضعه القانوني باعتباره أسير حرب، بيد أن الحكومة السورية كيفته بما يسمو على كل تلك القوانين الدولية.

وهنا لا يمكن تجاهل التصويب على فكرة المصالحات التي تجريها الدولة السورية وأثبتت نجاعتها من خلال هذه الحملة على قضية السجون، فهي من ضمن أهداف متنوعة ومستمرة، وقد اعتبر الرئيس الأسد أن هذه التقارير الدولية حول السجون السورية ما هي إلا تقارير صبيانية، والحقيقة أن الرئيس الأسد قد أعطاها بهذا الوصف تقييمًا أكثر مما تستحق، ولكن الملفت هو انسياق البعض تحت ما يسمى بضغط الضمير وأصول المهنية للتقاطع مع هذه الحملة، وهنا لسنا في معرض محاكمة النوايا، فهذا تخصص إلهي محض، ولكن طبيعة البشر تحكم ظاهريًا وعلى ضوء النتائج. ففي أعتى الديمقراطيات وقت الحروب يخضع الجميع للمجهود الحربي، وإنّ أهم مظاهر هذا الخضوع هو استقاء المعلومات من جهاتٍ رسمية تحددها الدولة، وعدم اتباع أو تسويق الإشاعات التي تهدف للنيل من معنويات المجتمع أو الجنود، فحين تدفعني إنسانيتي المفترضة أو مهنيتي المفتعلة لاستقاء معلومات من مصادر مجهولة تساهم في ترسيخ الإشاعة بكل مفاعيلها الموهنة، فإنّ هذا على الأقل يضعني في موطن شبهة، ونحن مأمورون باتقاء مواطن الشبهات. ومن لاحظ ويلاحظ الإعلام الغربي إبان “عاصفة الصحراء” أو الإعلام العبري وقت الحروب، يستطيع أن يدرك مدى أهمية ذلك ومدى تحييد كل المصطلحات الرنانة من ديمقراطية وحقوق إنسان وحق الحصول على المعلومات وخلافه، أمام المجهود الحربي.

يواجه “رئيس حكومة” العدو بنيامين نتن ياهو قضايا فساد متعددة، ويرى المراقبون أنه قد يذهب للحرب جنوبًا للتخلص من هذا الضغط القضائي، وهذا يعني في أحد جوانبه أن صوت الرصاص يعلو على صوت القضاة، ولكن هل هذا يعني أن الفساد مشروع في حالة الحرب، الإجابة قطعًا لا، فالفساد قد يكون أحد أسلحة العدو، بينما لا يمكن التعاطي مع الفساد في حالتي الحرب والسلم بشكلٍ متماثل، فالتعامل مع الفساد الذي يهدد بانهيار إحدى الجبهات العسكرية أو المدنية لا يمكن السكوت عنه، لأنه تخطى حدود الفساد الشخصي، وأظن أنه بعد انتهاء العدوان على سوريا سنكتشف أن الحكومة السورية كانت تحارب هذا النوع من الفساد. وإذا افترضنا أنّ الشكوى التي يضج بها المجتمع مع تعذر توفير بعض الخدمات الحياتية من كهرباء ومياه وغاز، هو ناتج عن فساد هو افتراضٌ غير دقيق، ولكنه يعود بالدرجة الأولى إلى منطق الحكومة السورية في التعامل، فهي لا تنطلق من كونها حكومة حرب، ولديها اقتصاد حرب وإعلام حرب وقوانين حرب، بل من كونها حكومة مدنية أو حكومة تكنوقراط، ولكنها تعيش حالة حرب، لذلك فمهما كانت كفاءتها فلن تستطيع انتاج نصف ما تنتجه حكومة مدنية وقت السلم بنصف الكفاءة، حيث أنّ المجتمع يطالبها كحكومة مدنية وليس حكومة حرب. وأما لماذا لا تشكل سوريا حكومة حرب فهذا مبحثٌ آخر، وأما عن سؤال العنوان، فإنه لحين أن تضع الحرب أوزارها، فلا فساد يؤدي لانهيار الجيش أو المجتمع ولا اضطهاد في سوريا، وإن وجد فهو على قدر الحاجة.

قد يعجبك ايضا