«المكارثية» في نسختها «العثمانية».. الجديدة! / محمد خروب

 

محمد خروب ( الأردن ) الثلاثاء 24/1/2017 م …

يَجدُر بمن اصابهم الهوَّس، وذهبوا بعيدا في الإعجاب برئيس الجمهورية التركية رجب طيب اردوغان, وصرفوا النظر عن الاجراءات القمعية وعمليات التنكيل والاذلال والطرد من الوظائف ومُطاردة رجال القضاء والإعلام والتربية والاكاديميا, والزج بهم في السجون او القذف بهم الى الشوارع, بلا عمل او تعويض او محاكمة، ان يعودوا الى التاريخ القريب ويتأملوا في ما آلت اليه تجربة الولايات المتحدة الاميركية في خمسينيات القرن الماضي وبداية الحرب الباردة, مع ظهور التيار المعادي للشيوعية الذي قاده السناتور جوزيف مكارثي والذي بات ارثه,السياسي والشخصي, ينحصر في مصطلح «المكارثية» التي تعني «توجيه التُهَم على نطاق واسع وإجراء التحريات عن الانشطة الشيوعية في الولايات المتحدة,بالاستناد الى ادعاء السناتور مكارثي,بأن «الشيوعيين أحكموا سيطرتهم على الادارة الاميركية»,وعندما قامت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بإجراء تحقيق داخل الادارة، فانها لم «تعثر» على شيوعيين او انصار للشيوعية فيها».

من هنا نبدأ..

خمسون ألفاً – حتى الآن – هم ضحايا «المقصلة» التي نَصَبَها نظام حزب العدالة والتنمية لخصومه في حركة الخِدمة (حِزْمِت) التي يقودها (روحياً) الداعية فتح الله غولن, في ظل «وعد» من اردوغان وبينالي يلدرم بـِ»اجتثاث» هذه الحركة ومطاردة انصارها في الداخل والخارج، بمعنى اعلان «دولة» كُلية القدرة, بامكاناتها وقدراتها واذرعتها المختلفة، «الحرب « الشاملة»على حركة صوفية سلمية المسار والخطاب, مهما كان رأي المرء فيها وفي توجهاتها السياسية او الاجتماعية او نشاطاتها الاقتصادية والتربوية والاكاديمية، ما يعني ليس فقط عدم التكافؤ في القوة والامكانات, وانما ايضا في الدوس بفظاظة على القانون والدستور, اللذين يجب ان ينظما العلاقات بين الدولة ورعاياها, فضلا عن توسل اسباب العدالة والتمسك بمبدأ ان «المتهم بريء حتى يثبت العكس» وهذا «العكس» لا يثبت الا عبر محاكمات شفافة ونزيهة وعادِلة, تمنح المتهم حق الدفاع عن نفسه دون ارهاب او تعذيب او ضغوط او فبر كة ادلة.

هذا لم يحدث ولا نحسبه سيحدث, ما دامت هذه الحملة المنفلتة العقال, من الاعتقالات والاقالات وطرد الموظفين من اماكن عملهم, وسحب تراخيص المُعلّمين ومحطات التلفزة والمدارس الخاصة ورؤساء الجامعات وعمدائها وسلك القضاء والإدعاء العام ورجال المحكمة الدستورية والمحكمة الادارية العليا, فضلاً عما يحدث داخل الجيش من اهانات واعتقالات وتعذيب أظهرته صور المقبوض عليهم واذلال المعتقلين والكدمات والجروح ظاهرة بوضوح على وجوههم واجسادهم, في ظل احصاءات تقول انه تم اعتقال 13% من القيادات العليا للجيش باذرعته المختلفة.

ما علينا..

المكارثية استُخدِمت كمصطلح, للاشارة الى الاتهامات الطائشة بعدم «الولاء» للولايات المتحدة الاميركية, وهي التهمة ذاتها التي توجّه لانصار الداعية فتح الله غولن، الذي وإن كان نفى بشدة وفي شكل قاطع مساهمته او عِلمه بالانقلاب, إلاّ ان الذي يدحض ادعاءاته (او إدعاءات الحكومة التركية) هو القضاء وضمان المحاكمة العادلة, امّا غير ذلك, فلا يعدو كونه كيد سياسي وتصفية حسابات وقمع للمعارضة بهدف اسكاتها ووأد نشاطها وفتح الطريق أمام الحزب الحاكم لتنفيذ اجندته, إن لجهة المُضي قدماً في أسلمة الدولة والجهاز الاداري وتحجيم دور الجيش لصالح «الجيش الموازي» الذي اقامه اردوغان «سِراً» وظهر دوره جلياً في ال»لا» انقلاب والاحداث المتلاحقة التي تلت الخامس عشر من تموز الجاري وما تزال فصولها القمعية… تتوالى, أم لجهة تعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني الى نظام رئاسي, يمنح اردوغان المزيد من السلطة التي باتت مُطْلَقة له حتى قبل همروجة الانقلاب… ما بالك بعده؟

والمكارثية أيضاً.. باتت مُصطلحاً يعني «الارهاب الثقافي المُوجّه ضد المثقفين والكتّاب دون اثباتات كافية» بعد ان تم وضع «لوائح سوداء» لهم في عهد السيناتور جوزيف مكارثي, ما أسهم في القضاء على الحياة «المهنية» والشخصية للعديد من الناس. فماذا يختلف ما يحدث الان في تركيا, مع ما حدث في خمسينات القرن الماضي.؟ وأين هي «الديمقراطية» التي جاء بها حزب العدالة والتنمية…أو جاءت هي به؟وخصوصاً ما يُزْعَم الان..أن الديمقراطية هي التي «انتصَرَت» بعد فشل الـ»لا»…إنقلاب؟

ثمة حاجة للمهووسين بشخص اردوغان وإعجاباً بتجربته, ان يُدقِقوا جيداً في «اليوم التالي», بعد ان تهدأ موجة الانتقام وتعود الأمور الى طبيعتها(إن عادت اصلاً) ليكتشفوا كم ان الاستبداد وثقافة الدولة البوليسية ,لا تستطيعان إخفاء حقيقة النزوع الى الديكتاتورية وشطب الرأي الآخر والطمس على المعارضة, التي يواصل الحزب الحاكم في انقرة تكريسها, استجابة لرغبات السلطان العثماني الجديد, الذي لا تنتهي تقلباته واستداراته وتناقضات مواقفه.

….انتظروا لِتقرأوا ما ستكشفه وثائق «ويكيليكس»,عن اردوغان وبنية الحُكْم في تركيا «الجديدة».

قد يعجبك ايضا