هل هناك حاجة إلى عسكرة المجتمع ، اقتصادياً وثقافياً وتربوياً ؟ / د . بهجت سليمان

 

د . بهجت سليمان* ( سورية ) الثلاثاء 10/1/2017 م …

– جرتْ في جوهر ” النظام ” السياسي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية ، إعادة تموضع دولي جديد لمراكز ثقل الإمبريالية العالمية ، طغت على ملامحها الخاصّة كوسموبوليتية شمولية تعاضدت في توطّدها المستجِدّ ، تلك العلاقة المتداخلة لعناصر الاحتكارات العالمية الرّئيسة المتمثلة في المال و السياسة و الإعلام و الاختراعات الثقيلة العسكري ..

فيما انتهى كلّ ذلك إلى ما يسمّى في العالم ما بعد الحداثيّ المعاصر بـ “العصر الأمريكي ” الذي صار مزمناً اليوم.

– و لقد صيغت تلك العناصر في تكافلات عضوية جعلت العنف مظهراً عالمياً شاملاً ينطوي على احتقار و ألم للشّعوب و الدول الواقعة في خارج مركز هذا “النظام”، و كان تجلّيه الشّكليّ الغالب في القرن العشرين في ما سمّي “الحرب الباردة”.

– ازدادت بالتوازي الاستثمارات الرأسماليّة في مركز “النظام”، في التسليح و العسكرة الصناعية مع تكثيف الاستثمار السياسي في الهيمنة على ” الآخر”، الذي كان أحد أهم مظاهره المتقدمة في المأسسة توطيد “الكيان الصهيونيّ” في ( إسرائيل )، كدولة استعمارية مركزية عالمياً في العصر الإمبريالي ، تبعاً لمركزيّة “المكان” الجغرافيّ و التاريخي و “الجيولوبوتيكي”،و التي شكّلت منصّةً للنّفوذ الإخضاعيّ لتعزيز استراتيجيات الهيمنة و النّفوذ في “المنطقة” و على مستوى العالم أيضاً.

– و صارت جميع مظاهر و قوى “الحضارة” المعاصرة، بسرعة متواترة، ملحقة إلحاقاً مباشراً و سافراً و صريحاً بالعنف في مختلف مستوياته الاشتغالية و استراتيجياته المعلنة منها و المضمرة ، التي تمّ تسخيرها كغرضٍ في سبيل المزيد من إخضاع العالم و مقدّراته للنّهب الجائر و تكريس الاستيلاء على القرار العالمي في السياسة و المال و الاقتصاد. و كان لذلك بالطبيعة أثره الإنساني الماحق للأخلاق و المثال.

– في الوقت ذاته تضاعف عدد و حجم التّحدّيات التاريخية ، الوطنية و القومية ، على دول ” الأطراف” في ” النظام ” العالميّ، المتمثّلة في الكيانات الوطنية النّاشئة و غير المكتملة في ” المشروع “، إلى أن ظهرت فلسفاتٌ و أفكارٌ و صياغاتٌ جديدة للقيم النّضالية الوطنية التاريخية و القومية التي تبنّتها تلك “النظريات” ..

و لكنّ مظاهر و مكوّنات الدّولة في “الأطراف” راوحتْ في ركودها و عجزها البنيويين – لأسباب موضوعيّة و أخرى تتعلّق بالظّرفيّة التاريخيّة و الذّاتيّة – عن الاستجابة المكافئة لتلك المتغيرات العُمقيّة الوجودية التي طرحتْ نفسها من جديد كوقائع متوحّشة و خرافات أيضاً.

– كان لابدّ إزاء ذلك من تنظيرات جديدة للمواجهة في هذا “الاصطدام” الموضوعي ، تبعاً لمبدأ التّداعي و الاستدعاء التاريخيين ، فظهرت أفكارٌ و نظرياتٌ يتعلق بعضها بالنّضالات الثوريّة التحرّريّة ضدّ “الاستعمار” و الكفاح المسلح ضدّ عنف الهيمنة “الغربيّة” و تنظيراتٌ أخرى لتحرّر الشّعوب المضّطهدة من نير الهيمنة العنفيّة التي تقودها، بشكل خاص ( أمريكا )، مركزيّاً، و بناء الدولة الوطنيّة المعاصرة القادرة على القيام بالدور التاريخيّ المرتبط بالاستقلال و الحرّيّة و السيادة ..

و هي مكوّنات مبدأ “سيادة الدّولة” في “الدولة الحديثة” التي صاغت معالمها الوضعيّة مقرّراتُ معاهدة صلح ( وستفاليا ) [ أو فستفالن، في ( ألمانيا )] عام ( 1648م ).

– و مع أنّه ، عمليّاً على الأقلّ ، لا تكون، عادةً ، مفردات التّشابه بين الحرب و السّلم مفقودة من لغة العالم في الأفكار ، إلّا أنّ إدراك الخطر المُحدق في ظروف “النّزاعات المسلّحة” أدّى إلى توسّعٍ في المفاهيم النّظريّة التي تضمن عمقاً فكريّاً ، يكفلُ نسبياً تكاليف التّحدّيات الكينونيّة ..

أقول و مع هذا، و بالتّقاطع و التّداخلُ ربّما أو بالتّوازي، ظهرت أيضاً “تنظيرات” ذيليّة و وظيفيّة.. تُشَرْعِنُ الاستسلام.

– توتّرت المواجهة من جديد ضدّ الآلة السياسية العالمية ، توتّراً سلبيّاً ؛ و أضفَتْ صراحةُ الانقسام العالميّ و اصطراعاتُ النّظام الّلاهوتيّ- السياسيّ في العالم ( و ليس صراعاته.. لأنّ شرط الصّراعات، هو المكافأة في التّكافؤ ). ، من جديد،” العنفَ ” ( بشقّيهِ: كلا ممارسة العنف أو الانسحاق أمامه ،عنف ) على ثقافات العالم القابلة للتناقض ..

– إلى أن أسّس الانسحاقُ أمام “العنف” لهُ ثقافة عصريّة و خطاباً أخلاقيّاً و سياسيّاً خادماً و حاذقاً أيضاً تدعمه مؤسّسات عالميةٌ “أمميّة”.. عابرة للجغرافيا ( أو كوسموبوليتيّة بالأحرى )، ماليّة و سياسيّة و إعلاميّة و “حقوقيّة” ضمِنَتْ له “المشروعيّة” و التّفشّي.

– و ليسَ في “المقابل” تماماً (!)، جرى التّنظير الفكريّ و السياسيّ- الوطنيّ للمواجهة المصيريّة أمام عُنف العالم الذي انتهى بعسكرة العالم.

– حصل تَوَتُّرٌ في جهتي هذه العداوة الفطريّة و التاريخيّة الأصليّة و المستمرّة ما استمرّ “الاجتماع” ( في المطلق و بالمطلق هناك الحقّ و هناك الباطل!) ..

و كان لا بدّ من التّوازن الفيزيائيّ- السياسيّ بحكم الاستمراريّة، و بهذا تمّت استعادةٌ أخلاقيّة ثقافيّةٌ – سياسيّة للمقولات النّهائيّة على “الحقّ” و “العدالة” ، إلى فضاء الثّقافة و “النّصّ” الشّجاع في أفق “الخطاب”.

و كانت دولٌ معيّنة تمثّل أو لا تمثّل أمماً ، و لو أنّها تعبّرُ عن نزوع وطنيّ و قوميّ ثوريّ في نظريّات و عبارات و مفاهيم ، كما أنّها تعبيرٌ عن الشّخصيّة “القوميّة” في التّحدّي، كانت هي التي كَرَّسَتْ و جذّرت سياسة رفض هذا “القدَر” غير الإلهيّ ، مستفيدة من ظروف “الحرب الباردة”.

– إنّ ( سورية )السياسيّة المعاصرة واحدةٌ من هذه الدّول الشّهيرة اليومَ ، و على مدى تاريخها المعاصر، في عالم المواجهة العالمية أمام تحدّيات “ممنوعيّة” التّشبّث بالعقيدة الوطنيّة كهويّة تاريخيّة و تثبيتها في معرضِ الإجابة على أسئلة “الحاضر” و إملاءاتها السياسيّة- الوجوديّة و دوافعها الأخلاقيّة المجرّبة.

و من غير المفهوم بالمطلق ، كيف أنّ لجميع منظّري “الاستسلام” المعاصرين تصوّراً ، ساذجاً كان أم كان خائناً أم عميلاً، جرأة على تصوّر أن “أقدار السّياسة” لا يُمكن أنْ تُردّ و أنّها هي أحد مقدّسات الزّمان.. !!؟

– إنّ ما يسمح للمؤمنين بسيادة أوطانهم غير القابلة للتّشاور و التّفاوض و إبداء الرّأي.. و المساومة ؛ بنزوعهم الإسطوريّ في عصر ( أمريكا ) إلى اختيار الصّعوبات التي تلامس ” المعجزات ” ..

إنّ ما يسمح لهم بالشعور بالالتزام بالواجب الوطنيّ ، هو الضّرورة البسيطة و المتعلّقة بأداء الأمانات التاريخيّة التي يُقدّر للبعض الائتمان عليها و الموت لأجلها إن تطلّب الأمرُ.. – و هو يبرهنُ على تلبية ما يتطلّبُه الواجب، اليوم!- و ذلك فعلاً كما هو يتطلّب بإلحاحٍ في تاريخ ( سورية ) الحيّ و القائم.

– و في عالمٍ عدوّ و منظمٍ و مُقَوّى بكل منتجات الحضارة المذهلة، و ببعده الإجراميّ الوحشيّ منه و المتوحّش مؤخّراً و باستمرار، فإنّه لا يمكن مواجهة آلات قوى القتل و التّدمير و التّخريب و الإلغاء.. إلّا بالتّفوّق النّظريّ- السياسيّ الأخلاقيّ في الممارسة ، الذي سيكفل بطبيعته خلق مناخاته العمليّة على نحوٍ مطّرد.

– ما نعانيه ( في سورية بخاصّةٍ ) في سياسات العالم ، اليومَ ، هو محضُ افتراءٍ قائمٍ على هذه النّزعة الّلاهوتيّة في سياسة العنف التي تكاد تكون ديناً جديداً تقوم ” استثماراته ” الدّينيّة و الماليّة و العسكريّة و الإعلاميّة ، بشكل أساسيّ ، في العالم المتخلّف ؛ و هو يجد له هنا أنصاراً دائمين و باستمرار..

و واضح – وفق ما تؤكّده “الرّواية” المعاصرة للحرب ، على الأقلّ- أن أهمّ مُدخلات هذا الاستثمار اللا أخلاقيّ الجائر في التّخلّف ، إنّما يقوم في المرتكزات و المَنَصّات على المزيد من الاستهتار العنيف بقدرة “الآخر” على “التّنظيم”.

– إنّ “التّخلّف” بيئةٌ حنونةٌ على “الفوضى” و الجريمة و التّشتّت و التّشرذم و الانعزال. و ما يُعزّز هذ الواقع أيضاً – واقع هذا الاستهتار و الاحتقار – إنّما هو بالتّحديد هذه الفوضى البنيوية في هيكليّة المجتمعات المتخلّفة تاريخيّاً، و اختلاف المشارب الثقافيّة التي يُنظّر بعض أصحابها ، الوازنين اجتماعياً و سياسيّا ، في التّخلّي و الميوعة الفكريّة والحياديّة المنظوميّة و الانحلال السّياسيّ..

و هي الّلازمات و الكافيات لخلق مجتمعات مخنّثةٍ غير عابئة أو مكترثةٍ بخطاب الإعداد الوطنيّ – القوميّ و التّعبئة التّنظيميّة السياسيّة و الاجتماعيّة للقوى “المحلّيّة” التي تُتجُ العالم الجديد.

– و فيما يشتدّ ” الصّراع ” العالمي و يزداد وضوحاً في أهدافه العنفيّة ( و الإرهابيّة..) ضدّ الدّول و الأمم و الشّعوب ، كما هو يجري علينا ، اليومَ ، يجب أن تعود إلى ساحة التّنظير جميعُ مفردات الأصل الضّائع و المضيّع للقيم الوطنية الإنسانيّة ، و صياغتها مجدّداً بأهداف معلنةٍ في إطار الاستجابة لِ تَحَدّي ” تنظيم “العالم العُنفيّ بالمزيد من “التنظيم” لمقدّرات و قوى “المكان”( التي منها سورية في المقدّمة )، و إلى تشدّده في ممارسات العنف و الإرهاب ، بالمزيد من الشّدّة و التّوتّر و التّحفز الدّائِمِين.

– أنت أمام مَن صنعوا أخيراً من الإعلام آلةً عسكريّة فتّاكةً ، لا تملكُ إلّا أن تتأهّبَ بكلّ أدوات و وسائل و أساليب القوّة “المتاحة”، بجميع عناصرها المكوّنة ، و بمزيد من ” التنظيم ” و ” النّظام ” لمقارعة ادّعاءات ” النّظام “. و أنت أمام نظام العنف ، تحتاج إلى نظام القوّة.

– و أمام نظام الجهل و التّجهيل ، أنت تحتاج إلى نظام المعرفة و الوضوح. .

– و أمام نظام القهر الغامض و الصّريح و الغموض لخبيث و التّدليس المزعزع للإرادات ، عليك أن تمتلك صيغة “مطوّرةً” من صيغ الصّرامة التي تمنع الفردانيّة في الدّولة ، من أن تكون معبراً إلى الانحلال. .

و ليس انحلال الكثرين من “المعاصرين” سوى تعبيرٍ عن احتقار الحاضر للأسلاف. .

و أسلافنا في تاريخنا العربيّ – الإسلاميّ ، القديم و الحديث والمعاصر ، كانتِ النّخبة العظيمة منهم قليلة ، كما هو الأمر عند جميع شعوب و ثقافات العالم في التاريخ المكتوب!

– و لقد كان الجوابُ الوحيد على عسكرة العالم و عسكرة النّظام ، لا يعدو هو أن يكون الانتباه إلى المتشابهات و المحكمات ، في أطار الضّرورات لأنضج الطّرق القويّة في مواجهة العنف ( أو الإرهاب )و تقرير أكثرها قدرةً على اكتشاف و ضبط و تنظيم و تطوير القوّة الشّاملة الوطنيّة و المحلّيّة ، في تنظيمٍ ، يتضمّن فلسفةً للضّرورة والطّاعة التي عليها يُعوّل الكثير من أجل فضيلة الإرادة. .

وأتكلّم هنا عن ” العسكرة ” أو ” عسكرة القوى” بواسطة التّنظيم اللّازم و الكافي لتجاوز الذّات من أجل ملاقاة “العالم” في منتصف الطّريق.. !

– بالتّأكيد فإن هذا الكلام يتعلّق بعناصر سيادة الدّولة التي يُضيف إليها التنظيم القويّ عنصراً إضافياً ، يمكن أن يتوفّر بيسر ، و أعني به الثّبات.

و أمام واقعنا في المحيط الصهيو – أمريكي العالميّ ، نحن في حاجةٍ أكبر إلى الارتقاء إلى لغة المسؤوليّة التي قيّض لنا أن نكون نحن المولَجين بأعبائها الدّامية حتّى الموت.

– و في أعلى أشكال التنظيم في التاريخ ، تأتي ” العسكرة ” بوصفها المستوى الأقصى الذي تفرض ” الظّروف ” في التّنظيم ، في مقابل جحافل القرصنة العالمية الشّاملة. .

فهي المزيد من التنظيم الاجتماعيّ ، و تحميل الجميع دورَهُ اليوميّ و التاريخيّ ، و وضع الكلّ أمام المسؤليّات الأخلاقيّة التي كثيراً ما صارت مَثار تَنَدُّر المتندّرين فحسب.

– و إذا كان للعسكرة مصطلحٌ اجتماعيّ موسّعٌ ، فهو الدّخول على مَسَارات اسراتيجيّات القوى الاجتماعيّة ،و نزوع السّلطة فيها و الهيمنة ، و ضبط مساراتها الثقافيّة التي تبدأ بالتعليم.

عادةً لا يؤخذ بَالٌ للتفريق بين ” المجتمع العسكريّ” ( ومثاله في “إسرائيل”) و بين تنظيرنا في ” عسكرة المجتمع “. فمن الملاحظ أن النّوع الأوّل هو مجتمع عدوانيّ لأسبابه المختلفة ، بينما الثاني هو مجتمع منظّم.

و إذا كانت الدّقّة في التّنظيم التي قد تصل إلى التّسليح الدّائم لبعض القوى أو المفاصل الإدارية و السياسية المنتشرة في “النّظام ” ..

إذا كانت هذه الدّقة في التنظيم هي الجوابُ المباشر على أحدث الأسئلة السّوريّة أو الأسئلة المطروحة أمام سورية الدّولة و الوطن و المتعلّقة بأصل الحقّ و أعني الوجود..

فمن الطّبيعيّ أن يكون الإصرارُ على الوجود هو الرّد المتسلّح و المسلّح بالتنظيم. .

و حيث تتداخل “العسكرة” كحاجة ضروريّة ظرفيّة للدّولة ، مع درجات عالية من الضّبط و الانضباط الاجتماعيين ..

فمن البديهي أنّ المقصود بالعسكرة ليس هو ذلك التخيّل السّاذج الذي يراها على أنّها إخضاع المجتمع و خضوعه إلى ” القوانين العسكريّة ” الميدانيّة!

– يمكن أن يُنظر إلى العسكرة ، ثقافيّاً ، على أنّها هي تلك الجاهزيّة العالية و الدّائمة لجسديّة الوطن الفيزيا- سياسيّة ، كعاملٍ مُضاف إلى المفردات المكوّنة للقوّة الوطنيّة الشّاملة في الظّروف المختلفة.

– تحتاج واقعيّة إشاعة فوضى قطعان الإرهاب و الجريمة المتوحّشة وإطلاقها من زرائبها الإيديولوجية ، في مشهد عنفٍ عالميٍّ جامدٍ سياسيّاً ، فإنّه لا بدّ من تحميل المسؤوليّات الوطنيّة لجميع المواطنين ، تبعاً لاختلاف المواقع و المواضع و الأمكنة و المستويات ، بحيث لا يُعفى منها حتّى التّلميذ و الطّالب في المراحل الأوّليّة من التّعليم ، الذي من حقّه و واجبه معاً أن يتلقّى التّعليم الدّقيق و غير الدّيني- السّياسيّ، و أعني به ذلك التّعليم الوطنيّ المُحكم الذي يجعلُ من الفكر جديراً بأن يسكنَ في كائناتٍ حيّة تستحيل في قادم الأيّام إلى مواطنين.. !

– و من الواضح أنّ ” العسكرة ” كتنظيم اجتماعيّ- سياسيّ هي حالةٌ من الحالات المرتبطة بظروف وطنيّة ” استثنائيّة ” كمثل تعرّض الدّولة و الأرض و السيادة لاحتلال أو لاغتصاب أو لاعتداءٍ أو تهديد. .

وسورية اليوم مثالُ حَيّ على كلّ هذا وذاك ، ناهيك عن أنّ التاريخ أيضاً يحمل في ذاكرته كيف تعسكرت الأطفال الرّضّع في ( روسيا ) في حرب ( ستالينغراد ) في الحرب العالمية الثانية ، بعد أن هدّدها الحصار الألمانيّ – النّازيّ التاريخيّ الشّهير بالفناء!

وكانت يومها جميعُ معاملِ و مصانع المدينة – و لو على عموم روسيا على نحو آخر أيضاً- تنتج الغذاء و اللباس ..

وحتّى أية حاجة طبيعيّة ، تحوّلت لخدمة الحرب مباشرةً كصنع السّلاح و الذّخائر و المؤن العسكريّة الأخرى..

ولتعود ( ستالينغراد ) من فم ” الذّئب الألمانيّ” إلى ما كانت عليه ، و لتكون على ما هي عليه اليوم ( فولغوغراد ).

– في عالمنا المعاصر ، لا يُحترم فيه غير القوي. . و هناك دول ” صغيرة ” بمقاييس العمالقة الدّوليين ، و على رغم ذلك توصّلت إلى هوّيّة منيعة اجتماعيّة و سياسيّة و عسكريّة و حضاريّة أيضاً ( كوبا) مثلاً و ( كوريا الشّماليّة ) و ( فييتنام )..

على سبيل المثال لا الحصر ، هي مشاهداتٌ حيّة كأثرٍ من آثار ” العسكرة ” و ” التنظيم ” القائمين للدّفاع عن الهويّة.

– و أمّا على ” العسكرة ” في ” التّنظيم” فهي حالة عامّة من أجل التّغلّب على “حياديات” و انعزال و تهرّب قوى بشريّة و اجتماعيّة بعينها ، و إشراكها واجباً في مسؤولياتها الوطنيّة المباشرة. .

و هذا أمرٌ ينصبّ في التّطبيق في منتجات استثمار القوة الشاملة للدّولة و المجتمع.

– و ” العسكرة ” في التنظيم لا يُمكن أن تكون من دون أهداف و استراتيجيّات تعمل عليها في أكثر صور الحداثة في التّمأسس و المأسسة. .

ليست ” العسكرة ” شعاراً سياسيّا تعبوياً فحسب ، و لكنّها أيضاً ممارسة شاملة اجتماعيّة و سياسيّة و اقتصاديّة و صناعيّة ، و مأسسة بشكلٍ خاصّ للجدارة الوطنية و توزيع فرصها على الجميع بعدالة!

– ثمّة فراغٌ كان ينمو و مازال ، في الثّقافة السّياسيّة في المجتمع و الدّولة ( الحكومة – السّلطة )، و على هذا الفراغ جرى الاشتغال و الاستثمار الباهظ الأمريكيّ ، الغربيّ ، المحلّيّ و الإقليميّ ، و الصّهيو-إسرائيليّ ، في التعليم المنحرف و المزوّر للحقائق و التاريخ و حتّى العلوم.. و الأدلجة و التّسليح و الإعداد و التمويل و الشّعار و النّصّ و الخطاب و الإعلام.

و مع أن هنالك في مواجهته كان موجوداً نسقٌ آخرُ من التّنظير و السّياسة و القوّة أيضاً ، إلّا أنّ الأوّل- لا الثّاني!- هو من تمكّن من إحداث ” حيثيّات ” وازِنة له في جميع الحقول و الفضاءات الوطنية ، باستثناء المؤسّسة العسكريّة السيّاسيّة القائدة وطنيّاً، و قرار السّيادة.

و في كلّ حال فإنّ تشخيص الحالة غير مُجْدٍ ، إنْ لم يتْبَعِ التّشخيصَ الموقفُ النّظريّ- العمليّ من هذا الذي يجري على الوطن من افتئاتٍ للحقوق.

– لا تُخْلَقُ سيادةُ الدّولة في ظرفٍ مُطلق و أبديّ .. ذلك لأنّها مجموع الثّابت و المتغيّر و المبهم و الغامض و الظاهر و الباطن ، من الحركة و التفكير و التّعبير و الكلام و الصّمت و العمل. .

و من أجل ذلك تستعيد هذه الفكرة ذات التّكوينَ الوطنيّ اللائق بالأحرار ، جميعَ مبادئها و عناصرها المكوّنة لتضعها نقديّاً على طاولة البحث من جديد ، على أن تكون السّيادةُ الوطنيّة هي المرجعيّة الصّلبة للقرار السياسيّ التاريخي الذي يتطلّبه الوطن في عصر الحرب ، كما يتطلّبه في عصر السّلم.

– و في عصر المبادرة والنشاط والاجتهاد والنّقد ، فقط ، تتحرّر الأفكار في طاقاتها المقيّدة ، لتعود في خيرها على الواقع في صيغته الحاليّة التي يشوبها الكثيرُ من الأسئلة المحرجة!

– و فيما لا يُقيم لنا ” الآخر” اعتباراتٍ مكافئة ، فإنّ المبارزة التاريخيّة بين الحق والباطل ، تتطلّب كلّ هذا القدْر من “التّحديد” في “الممكن” و كذلك من “التّحديد” في “الآخر”، و بالتأسيس على تنظير و عملٍ أبعدَ مسؤوليّةً و أنتجَ عملاً و أكثرَ واقعيّة ، بما يتلاءمُ مع التّحدّيات الراهنة ، في استراتيجيات خبرة الواقع و البناء على المستقبل.

– و أمّا في اللغة السياسيّة – التّعبويّة الظرفيّة و اليوميّة ، المعبّرة، فلا ننسى أنّ عسكرة المجتمع و الاقتصاد و الثقافة و التّربية ، هي ما نحتاجه في مواجهة (إسرائيل ) وحُلَفاء ( إسرائيل ).. و في مواجهة أذناب ( إسرائيل ) أيضاً.

قد يعجبك ايضا