اليمن تاريخ من المقاومة الظافرة / موفق محادين

الأردن العربي –  الأحد 14/1/2024 م …




منذ استقلاله حتى اليوم، لم يسلم اليمن من مؤامرات التحالف الإمبريالي الأنغلوسكسوني، البريطاني الأميركي، الذي استهدف اليمن بشكل غير مباشر أكثر من مرة، وخاصة طوال العشرية السوداء الأخيرة.

بالإضافة إلى ما يمثله اليمن اليوم من أهمية سياسية بالغة في محور المقاومة، إذ يتشكل العالم برمته سواء في هذا القوس الشرق أوسطي الممتد بين السويس والمتوسط وباب المندب، أو غيره من محاور ونقاط الارتكاز الجيوبوليتيكية الدولية، مثل طريق الحرير والحزام وروسيا الأوراسية، 

وبالإضافة إلى الموقف الشجاع للقوات اليمنية المسلحة إلى جانب غزة وشعبها ومقاومتها وانعكاسات ذلك على الصراع الدولي الحالي وحركة الأساطيل الإمبريالية نحو بحر الصين، فإن ما يستدعي ويستحق الانتباه هو التاريخ المقاوم لهذا الشعب العنيد. 

كان اليمن جزءاً من حضارات الشرق القديم، عبر ممالك معين، قتبان، سبأ وحمير، وكذلك بسبب موقعه الجغرافي على طرق التجارة الكبرى من طريق التوابل الهندية إلى إيلاف قريش، كما زادت أهميته في الأزمنة الحديثة مع شق قناة السويس وقبلها اكتشاف رأس الرجاء الصالح. 

على الصعيد الاجتماعي – المذهبي، وبالإضافة إلى الشوافع وخاصة في جنوب اليمن والإسماعيلية، فإن الغالبية الساحقة تبنّت المذهب الزيدي نسبة إلى الإمام الشهيد، زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي، الذي استقر في الكوفة وانضم إليه الآلاف وفق صيغة البيعة المعروفة عند آل البيت (أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه والجهاد ضد الظالمين والدفاع عن المستضعفين وإفضال المحمرة – أي العدالة لكل المسلمين من العرب وغيرهم – ونصرة آل البيت). 

من الذين ناصروه، أبو حنيفة النعمان وعدد من المرجئة والقدرية معاً، كما عرف الإمام الشهيد بالتردد على مجالس المعتزلة وزعيمهم واصل بن عطاء الذي كان يقول بالقدرية واعتماد العقل، وقد نسب إلى الإمام أيضاً قوله بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وبربط الإمامة وشرعيتها بالخروج على الحاكم الظالم. 

استشهد الإمام وتبعه ابنه يحيى شهيداً خلال مقاومته الحكم الأموي، كما يشار هنا إلى أن الزيدية كما الإمامية الاثني عشرية تضع للإمام شروطاً عدة (المكلف، الشجاع، المجتهد، الحر، العادل، سلامة العقل والحواس). 

اليمن، الشعب المقاتل

لم يتعرض بلد لما تعرض له اليمن من غزوات انتهت بهزيمة الغزاة في كل مرة، فمثلما تمكّن المقاومون بقيادة أنصار الله من تأسيس أركان الدولة المقاومة وتثبيتها، وتوفير كل شروط الثبات وإلحاق الهزيمة المؤكدة بالعدوان الأنغلوسكسوني وتحالفاته وأدواته الإقليمية والمحلية، فقد سجل هذا الشعب صفحات باسلة من المقاومة ضد كل الغزاة: 

– سيف بن ذي يزن: مما يذكره ابن كثير أن ابن ذي يزن توجه إلى ملوك الحيرة في العراق (المناذرة) المتحالفين مع الفرس، بعد أن قام قيصر الروم بدعم الأحباش خلال تدخلهم في اليمن، وقد تمكن هذا القائد من تحرير اليمن وطرد الأحباش ومن خلفهم الروم، وكتب الكثير عن رحلة سيف بن ذي يزن وما طرأ عليها من أساطير وحكايات وتوظيفات في الأدب والسِيَر الشعبية.

ومن ذلك حكاية معد يكرب الزبيدي وابنه عمرو الذي انضم إلى رهط القبائل والممالك العربية التي رفضت احتكار قريش للسلطة، ويشار هنا إلى أن رئيس اليمن الجنوبي الأسبق، عبد الفتاح إسماعيل، الذي قتل عام 1986 من بين الذين وظفوا هذه السيرة في نص أدبي شهير صدر تحت عنوان “الكتابة بالسيف”.

– من المحطات التاريخية ذات الصلة بالمشهد الراهن، ما جرى في العهد الأيوبي، على خلاف الروايات الشائعة التي تتجاهل كلياً التفاصيل الحقيقية للحملة الأيوبية على اليمن، فقد اصطدمت دولة بني المهدي الزيدية مع اليهود هناك، ما دفع حاخامهم الأكبر، يعقوب بن نثنائيل الفيومي إلى مخاطبة الحاخام، موسى بن ميمون في القرن الثاني عشر والمعروف بـ “رام بام” أيضاً لمساعدتهم.

كان ابن ميمون المتأثر بالفلسفة الأفلوطينية – الفيلونية قد هرب من الأندلس في عهد الموحدين واستقر في مصر، وتحديداً في بلاط صلاح الدين الأيوبي الذي عيّنه مستشاراً وطبيباً له ومربياً لأولاده، وكان يسمّى عند اليهود بـ “موسى الثاني” لدوره في الشروحات التوراتية الجديدة، وفي إقناع الحكم الأيوبي بإدخال اليهود إلى القدس بعد معركة حطين.

ما تذكره مصادر عديدة بأن الحاخام موسى بن ميمون رد على رسالة يهود اليمن بما عُرف بـ “الرسالة اليمنية” التي دعاهم فيها إلى “الثبات فالفرج آت”، وبعد ذلك في وقت قصير تحركت حملة عسكرية أيوبية بقيادة توران شاه، شقيق صلاح الدين واشتبكت مع دولة بني المهدي الزيدية وتمكنت منها في بداية الحرب بمساعدة اليهود.

لكن أهل اليمن الذين التفوا حول المقاومة سرعان ما أجبروا القوات الأيوبية على التراجع نحو السواحل.

من المفارقات ذات الصلة، تكرار أحداث مشابهة في عهد السلطان العثماني، سليمان القانوني في القرن السادس عشر، حيث تواصلت المقاومة اليمنية إلى أن طردت الأتراك حتى سواحل عدن. 

مقاومة اليمن للاستعمار البريطاني

بعد نجاح المقاومة اليمنية في إقصاء العثمانيين حتى السواحل بما في ذلك عدن، سقطت الأخيرة تحت الاستعمار البريطاني عام 1839 بذريعة غرق سفينة تحمل العلم البريطاني، وحاول المستعمرون الإنكليز التوغل في اليمن، لكنهم فشلوا وتكبّدوا خسائر كبيرة إلى أن أجبرتهم المقاومة على مغادرة عدن نفسها، وتحوّلت هزائمهم وخسائرهم إلى سيكولوجيا انتقام من اليمن وشعبه، فاستغلوا العدوان الثلاثي على مصر 1956 وتضامن اليمن مع عبد الناصر، وقصفوا اليمن بوحشية بالغة ضاربين بعرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية، وذلك وفقاً لما جاء في كتاب الدكتورة زاهية قدورة “تاريخ العرب الحديث”. 

ومنذ استقلاله حتى اليوم، لم يسلم اليمن من مؤامرات التحالف الإمبريالي الأنغلوسكسوني، البريطاني الأميركي، الذي استهدف اليمن بشكل غير مباشر أكثر من مرة، وخاصة طوال العشرية السوداء الأخيرة، وعاد ليطل برأسه الإجرامي من جديد ويستهدف اليمن وشعبه وأحراره منذ اصطفافه في محور المقاومة، وبعد الوقفة الشجاعة لأنصار الله والقوات المسلحة اليمنية إلى جانب غزة وأهلها ومقاومتها. 

ومن المؤكد في ضوء تقاليد اليمن الوطنية وشعبه المقاتل وروح البطولة والكرامة والإرادة، أن التحالف الأنغلوسكسوني الجديد أعجز من أن يذل اليمن ويكسر شوكته وإرادته الوطنية. 

للمهتمين أكثر بوسعهم العودة إلى المراجع التالية: 

– د. زاهية قدورة: تاريخ العرب الحديث

– الشاعر والكاتب عبد الله البردوني: الثقافة والثورة في اليمن

– زهير هواري: السلطة والمعارضة في الإسلام

– أمين الريحاني: ملوك العرب (الجزء الأول)

– حسن الهمداني: صفة جزيرة العرب

– أحمد فخري: اليمن ماضيها وحاضرها

قد يعجبك ايضا