من قتل المثقف المبدع إلياس محمد سعيد؟ / أسعد العزوني

أسعد العزوني ( الأردن ) – الأربعاء 12/8/2020 م …

فارق المثقف المبدع إلياس محمد سعيد الحياة،دون ان نعرف من أقدم على قتله،والقتل هنا ليس شرطا ان يكون برصاصة أو سكين أو دهسا بسيارة أو خنقا أو عن طريق السم،بل هو الحرمان والجوع والقهر ،حتى تنتهي الأمور الى الموت قهرا ،وما أصعب على الانسان المثقف ان يموت قهرا ،لأنه يعترف علانية بفشله في تغيير مجتمعه،ولنعترف نحن العرب ان تركيبة مجتمعاتنا تشكل عائقا كبيرا أمام التغيير إلى الأفضل،لأن أصحاب القرار في الدوائر المتتالية بعيدون عن الثقافة والشفافية ،وجاؤوا بحكم الواقع المرالذي ينبذ الثقافة والمثقفين.




عرفت الراحل المثقف إلياس محمد سعيد في ساحات الوغى الإعلامية حيث كان يغطي الفعاليات الثقافية،وكان رحمه الله ألمعيا في عمله ،كونه ليس صحافيا فقط ،بل كان شاعرا وناقدا ويتقن الرطن باللغة الانجليزية،وكان مرحا معطاء ،وكان يعمل في جريدة الدستور ،التي اضطر لمغادرتها لسبب أو لآخر،وعندها دخل في دائرة الظلم المجتمعي رغم امتداداته المهنية من نقابة الصحفيين إلى رابطة الكتاب ،اللتان أثبتتا انهما عاجزتان عن التعامل مع هكذا حالة.

كنا نلتقي احيانا في رابطة الكتاب عندما كانت في اللويبدة بجانب دوار باريس،ولكنني إكتشفت انسانا آخر غير الذي كنت أعرفه ابان عملنا الصحفي،وجدت إنسانا مطحونا معدما ضعيفا محبطا يتلبسه اليأس بسبب الفاقة والفقر والحرمان والجوع،وكنت عاجزا عن مد يد العون له ،لأن وضعي ليس أفضل من وضعه،فكلانا يعيش نفس الحرمان والظلم والتهميش ،لأسباب نعرفها ويعرفها البعض.

فجعت لرحيله مع انني أومن بأن الموت حق،ولكنني لا اتحمل الظلم والحرمان والتهميش ولا أطيق ذلك ،خاصة بعد ان مررت بنفس حالة المثقف إلياس الذي رحل إلى خالقه ،وتركنا نتعذب لوجود من يتلذذ بظلم وقهر وتهميش الآخرين الذين اختاروا طريق الإستقامة الفكرية ،ولم يتلونوا مثل قوس قزح ،ولم يبيعوا مبادئهم لقاء “صرّة”أو كرسي مهان يليق بصاحبه.

من قتل المثقف المبدع الياس محمد سعيد ليس شخصا مجرما،بل هي جهات متعددة احترفت هيئاتها الإدارية المتعاقبة الإجرام ،لعد مهنيتها وقيامها بانصاف منتسبيها ،وأعني بذلك نقابة الصحفيين ورابطة الكتاب،ولا أبريء وزارة الثقافة التي لا تنظر الى الجميع كمواطنين وتنصفهم في حال تعثرهم.

أنا لا أدعو للصدقة بل أطالب بحصر الحالات المعنية وتوفير عمل لها في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص،ومن يقول أنه لا توجد فرص عمل أقول له راجع حساباتك،فبدلا من تعيين موظف/ة عادي براتب 2450 دينار نستطيع توظيف خمسة متعطلين بنفس الراتب والمخفي أعظم.

لا أدافع عن الراحل المثقف الياس محمد سعيد فهو في ذمة الله ،لكنني على قناعة تامة بأن من قتله سيقتلني ذات يوم وبنفس الطريقة،ولذلك فانني أدعو كافة المثقفين للتحرك الفوري لإنتزاع حقوقهم قبل أن يلاقوا نفس مصير الياس محمد سعيد ،ذلك المثقف المبدع الذي يشكل مظلة ابداع متكاملة فهو الشاعر والناقد والمترجم والصحفي……غير المحظوظ في زمن الرويبضة.

قد يعجبك ايضا