دراسة للباحث ممدوح الشيخ … دراما محمد رمضان والإرهاب: الملائكة والشياطين والعدالة الناجزة

الأردن العربي – الجمعة 1/11/2019 م …




فى دراسة للكاتب ممدوح الشيخ الباحث فى دراسات الحركات الإسلامية: “دراما محمد رمضان والإرهاب: الملائكة والشياطين والعدالة الناجزة”، يناقش الكاتب الصلات المحتملة بين ما يسميه: “دراما المظلومية” وبين الإرهاب. وتناول الشيخ فى كتابه صورة بعض المجرمين فى الدراما المصرية، كنموذج للدراما التى تحول خارجاً عن القانون إلى بطل، بدءًا من فيلم: “جعلونى مجرماً” لفريد شوقى، مروراً بأفلام مثل: “اللص والكلاب” لشكرى سرحان، المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة، و”الأوباش” ليحيى الفخرانى، و”تيتو” لأحمد السقا، انتهاءً بأعمال عدة تلفزيونية وسينمائية للفنان محمد رمضان. وتناول الكاتب فى كتابه من خلال دراسات إحصائية عديدة عربية وغربية التأثيرات الأخلاقية والثقافية لتعرض المشاهدين للعنف على الشاشة صغاراً وكباراً، وما يمكن أن تخلقه فى مشاهديها من استعداد لاستخدام العنف أو اعتناق الأفكار الأكثر تطرفاً. وفى تناوله الأبعاد الاجتماعية والثقافية للظاهرة تعرض لنظام “التصنيف العمرى” لعرض الأعمال الفنية وحدود الاشتباك بين حق المبدع وحقوق المجتمع والنظام العام فى التصنيف والمنع مقارنة بأنظمة أخرى مماثلة فى دول أخرى. وخصص المؤلف فصلاً للتأصيل الفكرى للظاهرة من خلال رؤية المفكر البريطانى تيرى إيجلتون للإرهاب بوصفه، فى أحد وجوهه، انعكاساً لمقولة إيمانويل كانت عن الواجب الأخلاقى: “أن تتصرف كمشرع”.

          ولسنوات تركز النظر في الخطاب العام (السياسي والتحليلي والإعلامي) عند تناول السلوك الإرهابي إلى محددات بعينها، صوابًا أو خطًا: آيديولوجية: الموودي وسيد قطب وآخرينـ فقهية: مذهب الحنابلة المتأخرين و”السلفية الجهادية”، سياسية: الاستخدام السياسي للتنظيمات الإرهابية لحساب مصالح قوى دولية أو إقليمية. وقد كان هذا – في حالات كثيرة – قادرًا على تفسير سلوك “المحركين” في قمة الهرم التنظيمي في كثير من الحركات، لكنه لم يكن قادرًا على تفسير سلوك القسم الأكبر من “المنخرطين” في قاعدة الهرم التنظيمي لهذه الحركات. أول ما يمكن تأكيده – بقدرٍ كبيرٍ من الاطمئنان – أن أقلية من المنخرطين هم مرضى نفسيون (بالمعنى الحرفي) كالباحثين عن الإثارة ومن يتحكم في سلوكهم تحقيق الذات عبر العنف، أي عنف. وإلى جانب هذه الأقلية الصغيرة هناك 3 فئات كبرى تمثل القسم الأكبر من قاعدة الهرم: الموهوم والطامح والساخط.

والموهومون تسيطر عليهم فكرة منزوعة من السياقين: الزماني والمكاني ويتخيلون أن تصورهم اليوتوبي المثالي الذي يتجاوز عالم الإنسان أصلاً يمكن تحقيقه عبر معركة واحدة حاسمة، والنسبة الأكبر من هؤلاء مستوعبون في شعور عميق بـ«الاغتراب» ويريدون نسفه لبناء عالم جديد من الصفر. ومن الناحية التاريخية ولد هذا الوهم من رحم «الثورة الفرنسية» صاحبة أسطورة “العام صفر”. أما الطامحون والساخطون فوجهان لعملة واحدة وكلاهما لم ينعزل أفراده عن مجتمعاتهم بل انخرطوا فيها فقرروا: “حتمية المواجهة”، وبعضهم يواجه ليحفر اسمه في ذاكرة التاريخ – ولو بالدم – ويترك بصمة لا تمحى.. ولو على أجساد ضحاياه. ويبقى الساخطون أكبر الفئات حجمًا وأكثرها خطورة.

وبحسب المؤلف فإن، المظلومية كأداة سياسية وتغطية دعائية ومبرر لغائية في أطر دينية وسلطوية، ليست فكرة مبتكرة في التاريخ الإسلامي، وتمتد بجذورها لفجر التاريخ البشري، والفئات الشعبية شكلت – غالبًا – حاضنة المظلومية كفكرة ثورية. ولأن المجتمعات العربية – كما تعكس الأرقام والإحصاءات – لا تستقي الجانب الأكبر من تصوراتها عن الذات والعالم من المقروء (الكتاب)، فإن الصورة تصنع الأكبر للعقل والوجدان، وفي عالمها يمكن تلمس جانب كبير من “المدخلات” التي تثمر استعدادًا أو ميلاً نفسيًا عند كثيرين لترجمة السخط على أحوالهم المتردية إلى حلم بتغيير الواقع/ العالم بالقوة، وقد لعبت الدراما الدور الرئيسي في صناعة «المظلومية» وتسويقها بإلحاح صادف هوى في نفوس ملايين الساخطين!

وغني عن البيان هنا أن التفسير لا يعني التبرير.

وفي نموذج نادر للوعي الكامن خلف ما يعرض على الشاشة الفضية، كشف حوار بين النجم السينمائي المصري المعروف أحمد السقا والإعلامية (المنتجة السينمائية) إسعاد يونس في برنامجها “صاحبة السعادة” أن عددًا من المنتجين ناقشوا مصير بطل فيلم “تيتو” (أنتج عام 2004) بين الرغبة في أن ينال عقابه على جرائمه بأن يقتل على يد الشرطة، وبين إرضاء الجمهور، بأن ينتصر على هجوم الشرطة على منزله ويبقى على قيد الحياة. وهذا نقاش أخلاقي مهم. والقيمة الضمنية هنا أن العاجز ليس مسؤولا بأي قدرٍ عن مصيره وليس شريكًا في معاناته مطلقًا، في نزوع (ضمني) إلى إعفاء الضعفاء من المسؤولية عن انحرافهم، وهذا – في مرحلة تالية – وفي أعمال درامية أخرى يعطيهم الحق في الانتقام.. بلا سقف.. بلا قاع.. بلا إدانة. هذه الظاهرة، واتساع نطاقها يوجبان تعزيز ضرورة إخضاع الأعمال الدرامية للتقييم الاجتماعي والأخلاقي والديني (فضلاً عن التحليل المعرفي). والتوحد مع البطل/ الشعبي /المظلوم /المنتقم، كان واضحًا جدًا في مصر (2016) بين متابعي مسلسل محمد رمضان “الأسطورة”، وكان كثيرون يحرصون على مشاهدته في مقهى، حيث تحتويه حماسة “المشاهدة الجماعية”، وعقب المسلسل كانت طاقة الحماس تخرج في شكل مناقشات حامية و”مراهنات” على مسار الأحداث.

ودراما الممثل محمد رمضان قد تكون أكثر تعبيرًا عن الظاهرة. وقد لفت نظري أولاً في مسلسله الشهير: “حبيشة” (2014) مشهد قيام شخص بإحراق والده عقابًا له على قسوته. والفكرة تحتاج إلى تحليل يضيق عنه المقام، وليس كل ما يمكن الوقوف أمامه في المسلسل. وفضلاً عن الطريقة التي تم بها تصوير مشهد إحراق الولد لوالده، وهي اتسمت بقسوة شديدة، كان السياق كله يدفع للتعاطف مع الابن المظلوم الذي يعاقب أباه بالقتل حرقًا. وأي ثقافة تلك التي يمكن أن تتسامح مع الرسائل المرعبة لهذا المشهد في عمل درامي، كان ينبغي – في تقديري – أن تكون جماهيريته الكاسحة موضوع دراسة جادة. في مسلسل “حبيشة” الشر والخير خالصان، وتلك من سمات الأعمال التبشيرية، فمفرداتها من عالم الخيال وأقرب إلى “الصور النمطية”، حيث البشر: “ملائكة” و”شياطين”، بينما النفس الإنسانية – كل نفسٍ – كما يخبر خالقها سبحانه وتعالى: “ونفسٍ وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها”. والسمة نفسها واضحة جدًا في فيلمه: “شد أجزاء” (2015) حيث يقرر ضابط قتلت زوجته أن يحقق العدالة بنفسه فيرتكب عدة جرائم – بمنتهى القسوة – انطلاقًا من أن “عدالة الإجراءات” لن تحقق العدل. ولاحقًا في مسلسله: “الأسطورة”.

الباحث ميشيل موسو يرى أن العلاقة بين الحركات الإسلامية المسلحة وبيئتها الحاضنة تضمن لهذه الجماعات “الاستمرار” بقدر ما توفر لها التمويل والمتطوعين، وهي تبدو قادرة على تحقيق ذلك بيسر في بيئات معينة. وقد قام بمسح في 14 دولة إسلامية لمعرفة الشروط التي تجعل الناس العاديين داعمين لجماعة إرهابية. وتمت الدراسة على عينة من 8 آلاف مسلم من 14 دولة، وهي عينة يفترض أنها تمثل 62 في المائة من مسلمي العالم، سئلوا حول رأيهم في استخدام الإرهاب للدفاع عن الإسلام. والدراسة اختبرت فروضا كثيرة. لكن التحليل يشير إلى عامل واحد: فقراء المدن. وجذور “الإرهاب الإسلامي” هي في الأحياء الأكثر اكتظاظا حول المدن الكبيرة في العالم الثالث. فالنازحون من الريف هربًا من الفقر كان يحدوهم الأمل في أن يجدوا حياة أفضل في المدن، ولما لم يجد كثير منهم فرص عمل بدأ طريقهم نحو دعم التنظيمات الإرهابية.

وفي فيلمه الممتع: “تيتة رهيبة” (بطولة محمد هنيدي وسميحة أيوب) يحذر السيناريست يوسف معاطي من العشوائيات التي خنقت القاهرة، وبخاصة لجهة إفراطها في استخدام السلاح: في الغضب وعند البهجة. ويرصد معاطي برشاقة كيف أصبحت حفلات الزفاف في كثير من المستويات والطبقات مرآة للظاهرة، وبخاصة حضور “السلاح” مقترنًا بالبهجة. وفي المقابل استعانت «تيتة رهيبة» ذات الجنسية الألمانية بكلبين لمواجهة فوضى العشوائيين والأسلحة البيضاء التي لا تفارقهم، ويحمل الكلبان الاسمين: “رعد” و”جوبلز”. و”الإرهاب الاجتماعي” الذي تمارسه الفئات الجديدة فقراء المدن بثقافتهم الأسطورية الشعبوية، التربة الخصبة لأن تترعرع في أذهانهم رؤية لتغيير العالم تقوم على استخدام العنف وكراهية الإجراءات وتقسيم البشر إلى “ملائكة” و”شياطين”. وفي مثل هذه الثقافة تصبح “المظلومية”.

الكتاب: دراما محمد رمضان والإرهاب: الملائكة والشياطين والعدالة الناجزة

المؤلف: ممدوح الشيخ

الحجم: 136 صفحة من القطع المتوسط

تاريخ النشر: أغسطس 2019

توزيع: مكتبات أخبار اليوم

قد يعجبك ايضا