قبل الجغرافية والتاريخ.. / باسل الرفايعة

 

باسل الرفايعة  ( الأردن ) الخميس 30/7/2015 م …

“انه انسانٌ وشاب، مِثْلَ شبابنا المغدورين في سبايكر” حزيران 2014. هكذا تقولُ عجوزٌ عراقيةٌ، وهي تبكي على معاذ الكساسبة الذي أحرقه همجُ داعش.

أنقلُ ذلك عن الصديق العراقيّ أبو حسين الحجَّاج. وأتساءلُ، هل يعرفُ الأردنيونُ عن أكثر من “سبايكر” احترقَ فيها شبابٌ عراقيون، معظمهم دون العشرين، كانوا يتهيأون للدفاع عن بلادهم التي تسيرُ في دروب الآلآم وحيدةً، وقد تنكَّر لها الجارُ وأخوةُ الدم.

كانَ معاذُ ابنَ قريةٍ أردنية، وأبناءُ القرى يذهبون إلى الجيش. تحتاجُ البعثاتُ الخارجية إلى حظواتٍ ومريدين.

الأمرُ نفسه في العراق، في سبايكر وغيرها. ثمة خطرٌ يدهمُ الرافدين، وماذا يفعلُ الشبابُ سوى أن يذهبوا الى الجيش أو المقاومة للذود عن البيوت والأمهات والشقيقات، وقد جاءهم من أقصى التاريخ همجٌ متسخون بالأكاذيب والموت. عراقيون بكل شيعتهم (تشيّعوا الآن لبلادهم ونخيلها ودموعها). عراقيون بكلّ كردهم، أذاقوا الدواعش الويلَ في عين العرب. عراقيون من عشائر سنيّة، رفضوا تسنُّن الشذاذ، فتقدمت الأرضُ على المذهب.

ماذا يعرفُ الأردنيون الذين أحرقَ قلوبهم فتىً واحدٌ عن عذابات الجيران. هل وقعوا في أكاذيب الاعلام العربيّ، أم أنَّ الانسانَ فينا يجفُّ ويضمحلُّ، وينحازُ لمساخرِ التاريخ، ولا يرى الموتى المحرومين حتى من كفنٍ وصلاةٍ وشاهد قبر.

لا أريدُ أن أعودَ الى سيرة صدام حسين، فهي سيرةٌ تغثُّ البالَ والقلبَ، وَلَكِنْ آنَ الأوانُ أنْ نكفَّ عن تذكُّر هذا المجرم، ونلتفتَ إلى آلالاف الشباب العراقيّ من أمثال معاذ الكساسبة. فهم يحاربون عدونا، وهم يموتون بشرفٍ، لئلا يتمدد الدواعشُ إلى حدودنا وبيوتنا. إنهم يدافعون عنا وعن العرب، فلا أقلّ أنْ نتوقفَ عن تمجيد الطغاة، ونشدّ على أيدي شباب العراق، وَنَحْنُ نعرفُ أكثر من غيرنا، كيفَ يحاربُ العراقيون بشجاعة الرجال وبأسهم. ودونكم مقبرة شهداء الجيش العراقي في المفرق في حرب 1948، فهي تشهدُ على بطولات وتضحيات جيراننا الذين تقاسمنا معهم الشهادة، قبل الجغرافية والتاريخ.

قد يعجبك ايضا