جمال الدّين الأفغاني و محمد عبده … صفحات مجهولة من تاريخ قادتنا النّهضويين الإسلاميين” / د. بهجت سليمان

نتيجة بحث الصور عن بهجت سليمان

د. بهجت سليمان* ( سورية ) الأربعاء 14/11/2018 م … 




* السفير السوري السابق في الأردن …

1▪ يحتاج الحديث في التّاريخ ”الأيديولوجيّ” إلى إضاءة عامّة للظرف التّاريخيّ الحاكم للمرحلة التّاريخيّة التي يجري عليها الحديث ، لا سيّما أنّ ”الدّين” بمظاهره السّياسيّة هو عنصر أساسيّ من عناصر ”الأيديولوجيا” التي يتناولها النّقد ، و ذلك من خلال التّطابقات و التّرابطات التّاريخيّة بين الأحداث المختلفة ، التي تضيف التّأكيدات على تعليلاتنا الفكريّة التّاريخيّة التي نقول بها ، فلا تبقى كلمات مرسلة على السّجيّة الاعتقاديّة ، رغم أنّه ما من سجيّة اعتقاديّة فكريّة فلسفيّة مُطَمْئِنَة و مستقرّة و فاعلة في الوعي التّاريخيّ ، ما لم تكن معلّلة تعليلاً تاريخيّاً واقعيّاً يأخذ بالوقائع التّاريخيّة من ناصيتها ، ليجعلها تنطق المسكوت عنه المغمور في مؤامرة التّناسي التّجاهل و الجهل و النّسيان .

2▪ أصبحت مصر ولاية عثمانيّة منذ عام ( 1517 )، و درج العثمانيّون على ما كان عليه حكم المماليك لمصر قبلهم ، إضافة إلى استحداث أساليب جديدة في الإخضاع و نهب الشّعب و جباية الضّرائب..

بدأ منذ عام ( 1600 ) نفوذ المماليك بالتّصاعد من جديد في مصر ، مع ازدياد درجة الاستقلال الذّاتيّ ، سياسيّاً و اقتصاديّاً ، عن ”الباب العالي” ، و بدأ ، في أثناء ذلك ، اقتصاد الدّولة بالتّدهور .

3▪ في بدايات القرن التّاسع عشر الميلادي بعد الحملة الفرنسية علي مصر ( 1789 ) ، تأثرت مصر بتيارات السياسة الأوربية ، ولقد بدا ذلك واضحاً في أطرف العالم الإسلامي ، وظهر بجلاء تهديدها بابتلاعه.

4▪ في تلك الأثناء أصبح يقيناً ضعف الدولة العثمانية وعجزها عن مواجهة الضغط الأوربي ، حيث سارع الغرب في ابتكار المشاريع لاقتسام أملاك ”الرّجل المريض” ..

هنا أصبحت الولايات العثمانيّة ، ومنها مصر، معرضة لمصير الإمبراطوريّة العثمانيّة الضعيفة و المفكّكة تحت ضغط الدّاخل و الخارج في وقت واحد ، و كان العالم منقسماً في مشاريع الاستعمار الحديث بين ( بريطانيا ) و ( فرنسا ) بشكل أساسيّ .

5▪ توافقت هذه الظّروف مع ظهور رجل قويّ في هذه الفوضَى التّاريخيّة هو (محمد علي باشا) الذي أدرك حقيقة الوضع السّيايسيّ في مصر ، حيث كان قائداً لحاميةٍ عسكريّة ”عثمانيّة” في (مصر) ؛ فاهتبل الفرصة لحكم مصر عن طريق قتاله للمماليك أعداء العثمانيين ، و كسب ثقة ”الباب العالي” ، فأطلقت يده في مصر .

6▪ أدرك ( محمد علي باشا ) حقيقة وضع مصر السياسي ، و اطمأن إلى غنى مصر بالموارد ، وأهمية مركزها الجغرافي ، على طريق التجارة القديم ، الذي رغب في إحيائه ..

وهو ما حكم سياسته الخارجية، من خلال علاقته بالدولة العثمانية ودول أوربا ؛ ومحاولاته الواعية و المدركة لأهمّيّة تجّنبُ الوقوع تحت سيطرة هذه الأخيرة.

7▪ و لئن اضطر (محمد علي باشا) إلى الامتثال لأوامر ”السلطان العثمانيّ” بنجدته على الولايات الثائرة عليه ، في ”البلاد العربيّة” و ”كريت” و ”اليونان” و غرب المتوسّط ، فإنّ ( الباشا ) قد استثمر هذا الوضع ، و هو ما أتاح له زيادة قوّته العسكرية ، والتّوسع و التّصرّف داخل ”الدولة العثمانية” ، بالحصول على ولاية البلاد العربيّة ، و (كريت) .

8▪ وجد (محمد علي باشا) الوضع مؤاتياً ، فطمح إلى تقوية نفسه ، باستقلال استراتيجيّ ، داخل الدّولة العثمانية ؛ مستغلاً موارد مصر، بالسيطرة على تلك الدولة، والعمل على تقويتها ، لتتمكن من مواجهة الضغط الاستعماري الأوربي .

9▪ في الحقيقة لم يكن من شروط هذا الوضع ، كما يمكن أن يُهيَّأ للقارئ ، أن يتمّ القضاء على ”آل عثمان” ، و يتولى هو ”السلطنة” ، بل كان يمكنه أن يُبقي على ”الأسرة العثمانية الحاكمة” ويوجه سياسة الدولة وجهة، تُجدِّد شبابها. كما أن ذلك لم يناقض سعيه لنوع من الاستقلال، داخل نطاقها.

10▪ في غضون ذلك و في هذا المدّ العسكريّ لمحمد علي باشا بدرت منه محاولات تعليل قوّته بالاستقلال عن الدّولة العثمانيّة ..

و لقد مرّ مشروعه الدّاخليّ و الخارجيّ في إعادة تحديث االدّولة ، في ما يمكن أن ينقسم إلى مرحلتين : الأولى هي الوفاق مع السّلطان العثمانيّ ؛ و الثّانية هي النّزاع مع ”السّلطان” ، و المواجهة مع ”الدّول الأوربّيّة” .

 

11▪ بعد عام ( 1811 ) ، و تمكّن محمد علي باشا من القضاء على ”المماليك” ، كان جاهزاً لتلبية نداء ”السّلطان” ، و نداء ”حامي الحرمين” ، بعد أن استولى ”الوهّابيّون” منذ عام ( 1807 ) على ”شعيرة الحجّ” ؛ و لقد حقّق له هذا الأمر هدفين معاً ، و هما توطيد مركزه في ( مصر ) ، و رسوخ منزلته لدى ”السّلطان العثمانيّ” ، و هو ما يساعده في تحقيق طموحاته ، مستقبلاً ، فيزيده قوّة و ثقة في الانفصال أو أقلّه في ”الاستقلال” العمليّ عن ”الدّولة العثمانيّة” ، و هو ما كانت حملته على ”الجزيرة العربيّة” تمهّد له الطّريق و تساعده على تحقيق أهدافه، سواء بالانفصال عن الدولة العثمانية، أو الاستقلال بمصر خارج نطاق تلك الدولة، أو التوسع، داخل نطاقها، أو الاكتفاء بالحكم الوراثي، وتحقيق مركز متميز، في نطاقها. .

يضاف إلى ذلك ، أن بسط سلطانه على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، كان عاملاً مساعداً على تحقيق هدفه في إحياء طريق الشرق القديم، المار بمصر، فوق مياه ”البحر الأحمر” .

12▪ و إذا كان لا بدّ لكلّ مشروع سياسيّ اقتصاديّ واقعيّ من حامل فكريّ و أيديولوجيّ ، فلقد مثّل (رفاعة الطّهطاوي) [ رفاعة رافع الطّهطاوي ]           ( 1801 – 1873 ) [ من مدينة ( طهطا ) ، من محافظة ( سوهاج ) في صعيد (مصر) ، و الذي ينتهي نسبه إلى ( الحسين بن عليّ بن أبي طالب) ”السّبط” ] ، أوّل قائد للنّهضة العلميّة المعرفيّة في (مصر) و العالم العربيّ ، و الدّعامة المعرفيّة و الثّقافيّة لمشروع (محمد علي باشا) الحضاريّ ..

حيث كان (الباشا) قد أعدّه إعداداً ثقافيّاً و معرفيّاً حضاريّاً ، ليشكّل له الرّافعة الثّقافيّة الحضاريّة في مشروعه السّياسيّ ، فأعدّه علمياً في (فرنسا) منذ عام ( 1826 ) ، بعد تخرّجه من ”الأزهر” ، فأتقن في (فرنسا) العلوم السّياسيّة و فنون التّرجمة ، و عاد إلى (مصر) كأوّل رمز من رموز ”النهّضة العربيّة” و أوّل فاتح لعصر ”التّنوير” العربيّ ..

حتّى أنّه لُقِّبَ برائد التّنوير العربيّ في العصر الحديث لما أحدثه من أثر في تطوّر التّاريخ المصريّ و العربيّ الحديث ..

و على رغم أنّ ( الطّهطاوي ) قد جمع إلى موسوعيّته العلميّة ، تعمّقه في علوم ”الدّين” ، حتّى أنّه اختير إماماً مشرفاً في ”الأزهر” ، فإنّ التّاريخ العربيّ لم يجرؤ علي إنصافه ، بل و لا يريد إنصافه غامطاً له حقّ الرّيادة و شَرَفَ الفتح و الاكتشاف .

13▪ في هذه الفترة الحداثيّة المفارقة في تاريخ (مصر) و (المشرق العربيّ) ، و التي واكبت (الحداثة

( في ”الغرب” ، خطوةً فخطوةٍ ، ظهر (جمال الدّين الأفغانّي) ( 1838 – 1897 ) ، كشخصيّة داعية إسلاميّ ”مجدّداً”(!) في ”الدّين” ، وافداً إلى ”العروبة” و ”الدّين” ، مع ما اكتنف نشأته و تطوّره و قدومه إلى (مصر) من ألغاز و علامات استفهام ، ما زالت مطروحة حّتى يومنا هذا ، تحتاج إلى تفيسير و شرح زائد و تعليل . و أمّا أن يقول ”شُرَّاحُه” المريدون :

 [ إنّه المدعوّ (محمد جمال الدّين بن السّيّد صفتر الحسيني الأفغانيّ الأسد آبادي ، المولود لأسرة ”أفغانيّة” (و ”عريقة” !) ، و ينتهي نسبها إلى (الحسين بن عليّ) (رضي الله عنه)(!) ، و نشأ في (كابول) عاصمة ”الأفغان”، و تعلّم في بداية تلقّيه العلم الّلغتين العربيّة و الفارسيّة ..، إلى آخره ) ” ..]

فهذا أمر يدعو للتساؤل بلغة االسّامعين ، إذ كيف يكون ”الأفغانيّ” مولود ”لأسرة أفغانّية عريقة ،(و)ينتهي ”نسبها” [ أي نسب الأسرة !؟ ] إلى (الحسين بن علّي) .. ؟! أم أنّ ( الحسين ) ”السّبط” كان أفغانيّاً متخفيّاً بشرف العروبة ؟؟!

إنّ هذا يدعو للتساؤل ، بل للإستغراب !

و سوف نلقي نظرة موسّعة نسبيّاً على شخصيّة ”الأفغانيّ” و ”نشأته” و ”تاريخه” ، لكي نصل إلى ما نريد من ذلك .

فمن هو (جمال الدّين الأفغانّي) و لماذا جاء إلى (مصر) ؛ و من هو (محمد عبده) (1849 – 1905م) ؟

14▪ ( المازندرانيّ ) أو (الأفغانّي) – يقول الأستاذ (محمد بن حسن المبارك) في كتيّبه ”حقيقة جمال الدّين الأفغانيّ” :

” هو جمال الدين بن صفدر المازندراني المعروف بالأفغاني ولد عام 1254هـ 1838م ، و قد اختلف في نسبه و بلدته كما سيأتي ” .

15▪ ”عقيدته :

“ يعد جمال الدين الأسد آبادي من الشخصيات التي لايزال الغموض يكتنفها والسرية تحوط معظم تصرفاتها ، إذ كان الافغاني ذا علاقة مريبة باليهود و المتهودين من النصارى والمرتدين ، و صلة وثيقة بالمحافل الماسونية ، بل رئيساً لأحدها وهو محفل ”كوكب الشرق” في القاهرة ، و لذلك لم يعدم الافغاني من علماء الاسلام من يفتي بكفره و انحلاله ، فقد اتهم الأفغاني بالإلحاد و الخروج من ربقة الدين عدة مرات .. والذي يقرأ مؤلفات الأفغاني ورسائله التي كان يرسلها لتلامذته وأتباعه ، يرى من خلالها أنه كان صاحب عقيدة غير سوية ..

و كذلك رسائل تلامذته إليه مما ينضح بالغلو القبيح و الشرك الصريح ، فمن ذلك رسالة الشيخ” محمد عبده ” إلى أستاذه ” جمال الدين الأفغاني ” بتاريخ 5 جمادي الأولى سنة 1300 ، يقول فيها :

“ ( ليتني كنت أعلم ماذا أكتب لك ، وأنت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك ، صنعتنا بيدك وافضت على موادنا صورها الكمالية وانشأتنا في أحسن تقويم ، فيك عرفنا أنفسنا ، وبك عرفناك ، وبك عرفنا العالم أجمعين ، فعلمك بنا كما لا يخفاك علم من طريق الموجب ، وهو علمك بذاتك ، وثقتك بقدرتك وارادتك ، فعنك صدرنا وإليك إليك المآب .

“ أوتيت من لدنك حكمة أقلب بها القلوب واعقل العقول ، واتصرف بها في خواطر النفوس ، ومنحت منك عزمة أتعتع بها الثواب ، وأذل بها شوامخ الصعاب ، وأصدع بها حم المشاكل ، واثبت بها في الحق للحق حتى يرضى الحق ، وكنت أظن قدرتي بقدرتك غير محدودة ، ومكنتي لا مبتوتة ، ولا مقدورة ، فإذا أنا من الأيام كل يوم في شأن جديد ) .

إلى أن يقول :

“ ( فصورتك الظاهرة تجلت في قوتي الخيالية وامتد سلطانها على حسي المشترك ، وهي رسم الشهامة ، وشبح الحكمة وهيكل الكمال ، فإليها ردت جميع محسوساتي ، وفيها فنيت مجامع مشهوداتي ، وروح حكمتك التي احييت بها مواتنا ، وأنرت بها عقولنا ،ولطفت بها نفوسنا ، بل التي بطنت بها فينا ، فظهرت في اشخاصنا ، فكنا اعدادك ، وأنت الواحد وغيبك ، وأنت الشاهد ورسمك الفوتوغرافي الذي أقمته في قبلة صلاتي ، رقيبا على ما أقدم من أعمالي ، ومسيطر علي في أحوالي ، وما تحركت حركة ولا تكلمت ولا مضيت إلى غاية ولا انثنيت عن نهاية حتى تطابق في عملي أحكام أرواحك ؛ وهي ثلاثة فمضيت على حكمها سعيا في الخير ، واعلاء لكلمة الحق ، تأييدا لشوكة الحكمة ، وسلطان الفضيلة ، ولست في ذلك إلا آلة لتنفيذ الرأي .. ومالي من ذاتي إرادة حتى ينقلب مربعا غير أن قواي العلية تخلت عني في مكاتبتي إليك ، وخلت بيني وبين نفسي التزاما لحكم ان المعلول لا يعود على علته بالتأثير على أن ما يكون إلى المولى من رقائم عبده ليس ألا نوعا من التضرع والابتهال لا أحسب فيه ما يكشف خفاء أو يزيد جلاء ، ومع ذلك فإني لا أتوسل إليك في العفو عما تجده من قلق العبارة وما تراه مما يخالف سنن البلاغة بشفيع أقوى من عجز العقل عن إحداق نظره إليك وإطراق الفكر خشية منك بين يديك ، وأي شفيع أقوى من رحمتك بالضعفاء وحنوك لمغلوبي حياء ) .

ثم يقول أيضا :

“ ( أما ما يتعلق بنا فإني على بينة من أمر مولاي ، وان كان في قوة بيانه ما يشكك الملائكة في معبودهم والأنبياء في وحيهم ، ولكن ليس في استطاعته أن يشك نفسه في نفسه ، ولا أن يقنع عقله إلا على بالمحالات وإن كان في طوعه أن يقنع بها من أراد من الشرقيين والغربيين) .

 [ انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155 ]

” قال الشيخ فهد الرومي معلِّقاً على خطاب محمد عبده :

“ ( وهي عبارات ولا شك خطيرة توجب إعادة النظر في عقيدة الرجل عند من لا تخدعه الأسماء ، وقد استغرب السيد ( رشيد رضا ) نفسه هذه الرسالة من أستاذه حيث قال عند سياقه لها :

” ومن كتاب له إلى السيد جمال الدين عقب النفي من مصر إلى بيروت ، وهو أغرب كتبه ، بل هو شاذ فيما يصف به استاذه السيد مما يشبه كلام صوفية الحقائق والقائلين بوحدة الوجود التي كان ينكرها عليهم بالمعنى المشهور عنهم ، وفيه من الإغراق والغلو في السيد ما يستغرب صدوره عنه ، وإن كان من قبيل الشعريات وكذا ما يصف به نفسه بالتبع لاستاذه من الدعوى لم تُعهد منه البته” ) .

 [ انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص ١٥٥ ]

16▪ ” أ ـ الإلحاد ” :

ـ إذ قال عنه تلميذه النصراني سليم العنجوري في “شرح ديوان سحر هاروت”

عند ترجمته له : إنه سافر إلى الهند وهناك أخذ عن علماء البراهمة والإسلام أجل العلوم الشرقية والتاريخ ، وتبحر في لغة “السانسكريت” أم لغات الشرق .

وبرَّز في علم الأديان حتى أفضى به ذلك إلى الإلحاد والقول بقدمية العالم ، زاعماً أن الجراثيم الحيوية المنتشرة في الفضاء هي المكونة ـ بطرق وتحول طبيعيين ـ ما نراه من الأجرام التي تشغل الفضاء ويتجاذبها الجو ، وأن القول بوجود محرك أول حكيم وهمٌ نشأ من ترقي الإنسان في تنظيم المعبود على حسب ترقيه في المعقولات . انظر .

 [ تاريخ الأستاذ الإمام (1/43 ) ] ..

و هذه ـ بالضبط ـ هي عقيدة حكماء مصر القديمة ، التي تتبناها ( الماسونية ) من وراء حجاب ، و تُظهِرها في فترات متباعدة ـ و في مقاسات متعدِّدة ..

إذ أن فلسفة ( الكابالا ) اليهودية القائمة على إرثٍ فرعوني قديم ، تقوم على أساس أن الكون تشكَّل بنفسه وتطور تلقائياً بعوامل المصادفات العشوائية.

” يقول مؤلّفا كتاب “مفتاح حيرام” :

 ( كان المصريون القدماء يؤمنون بأن المادة كانت موجودة منذ الأزل، حيث أن الدنيا وجدت بولادة النظام من رحم الفوضى والعماء و الظلام ـ وهو نفس ما كان يعتقده السومريون أيضاً ـ ، وكان لهذه الهاوية قوة داخلية ثم أمرت هذه القوة الخالقة نفسها ببدء النظام..

ولم تكن هذه القدرة السرية الموجودة داخل المادة في هذه الفوضى على وعي بذاتها… كانت هذه القوة احتمالاً من الاحتمالات وقوة ظهرت من رحم الفوضى نتيجة مصادفات عمياء.

“ ويعلِّق مؤلفا كتاب “مفتاح حيرام” على تلك الفلسفة المصرية الوثنية بالتطرق إلى امتداداتها الحديثة قائلَين :

” ..والغريب أن هذا التعريف للخلق يتطابق تماماً مع النظرة الحالية في “نظرية الفوضى” من ناحية تطور الأنظمة المختلطة والمشوشة رياضياً مكررة نفسها رياضياً ونتيجة للنظام”.

”.. والمذهل في الأمر أن هذه الفلسفة المصرية الوثنية هي الفلسفة المطروحة في أيامنا الحالية من قبل أنصار “نظرية التطور” و”نظرية الفوضى” لا سيما في مجموع طروحات (دارون) ، إلاَّ أن (الافغاني) رجع الى المصادر القديمة .. فتأمل!

ـ كما اتهمه بعض علماء الأزهر بالإلحاد أيضاً ، ومنهم ( الشيخ عليش ،) مفتي المالكية .

“ بل حتى المستشرق البريطاني (ايلي كدوري) كان يعتبر الأفغاني ملحداً، ، ودليله على ذلك عبارةُ للأفغاني ـ خلال محاورةٍ له مع المستشرق الفرنسي (رينان) ـ يقول فيها ” لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين ” .

وكذلك كان “كدوري” يعتبر تلميذ الأفغاني “محمد عبده” ملحداً ، مستدلاً بقول الشيخ (محمد عبده) في رسالة لأستاذه بتاريخ 8 شعبان سنة 1300 هـ :

“ ( نحن الآن على سنتك القويمة لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين ، ولهذا لو رأيتنا لرأيت زهادا عبادا ركعا سجدا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون …) .

 [ انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص161 ] .

و الحاصل أن تلامذة الافغاني ساروا على نفس طريقة شيخهم ، وهي محاربة الدين باسم الدين ، كما قرَّر ذلك الشيخ ( محمد عبده شخصيا ) ، و بقلمه أيضاً

وقد اشتهرت عنه هذه التهمة ، و لعلَّ ذلك هوما جعله يكتب رسالته في الرد على ا لدهريين ـ مع أنه من أكابرهم ـ ليدفع عنه هذه التهمة.

“ يقول شيخ الاسلام مصطفى صبري ـ عن محمد عبده ـ فلعله وصديقه أو شيخه جمال الدين أرادا أن يلعبا !!! في الإسلام دور ” لوثر ” و” كالفين ” زعيمي ” البروتستانت” في المسيحية ، فلم يتسنَّ لهما الأمر لتأسيس دين حديث للمسلمين ، وإنما اقتصر تأثير سعيهما على مساعدة الإلحاد المقنع بالنهوض والتجديد”

[ موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين 1/144 ] .

17▪ ” ب – القول بأن النبوة مكتسبة ” :

ـ و في بلاد الأناضول رماه علماء الأستانة بالإلحاد و المروق من الدين إثر محاضرة ألقاها في دار الفنون ذكر فيها أن النبوة صناعة مكتسبة .

ـ وحكى عنه شيخ الإسلام في الدولة العثمانية “حسن أفندي فهمي” أنه جعل النبوة صنعة وسوَّى بينها وبين الفسلفة ، فأمر شيخ الإسلام الوعاظ وأئمة المساجد أن يهاجموه حتى اضطر لمغادرة الأستانة .

و قال عنه تلميذه النصراني سليم عنجوري :

 ( ارتجل خطبة في الصناعات غالى فيها إلى حد أن أدمج النبوة في عداد الصناعات المعنوية فشغب عليه طلبة العلم وشددت عليه صحيفة النكير ) ” تاريخ الأستاذ الإمام 1/44″

18▪ ” ج ـ وحدة الوجود ” :

ـ كما وصف الشيخ رشيد رضا ـ تلميذ تلميذه محمد عبده ـ الأفغاني بأنه كان يميل إلى ”وحدة الوجود” ( الحُلول) التي تشتبه فيها كلام الصوفية بكلام الباطنية .

يقول (رشيد رضا) : ”كان يميل لوحدة الوجود التي يشتبه فيها كلامه مع كلام الصوفية الباطنية” [ هذا و لو أنّ ( رشيد رضا ) لا يستطيع التّمييز مابين ”الصّوفيّة” و ”الباطنيّة”] !

– انظر: “تاريخ الأستاذ الإمام”ـ (1/79 ) .

“ و يؤيد ما قاله (رشيد رضا) ما قاله تلميذ آخر للأفغاني وهو أديب إسحاق عندما قال فيه : (كان يميل للتصوف في بدء حياته ، فانقطع حينًا بمنزله يطلب الخلوة لكشف الطريقة وإدراك الحقيقة ، ثم خرج من خلوته مستقر الرأي على حكم العقل، وأصول الفلسفة القياسية).

19▪ -” د ـ القول بوحدة الأديان ” :

و اشتهر عنه القول بوحدة الأديان ، و لا نحتاج كثيرا من الأدلة لإثبات هذه التهمة لكونها من ثمرات الاعتقاد بوحدة الوجود ، كما أن صِلاته باليهود و المتهوّدين من النصارى و دولهم ، و كذلك صِلاته بغيرهم من أهل الملل تؤكد هذا الأمر ، وكذلك انتسابه وترؤسه للمحافل الماسونية التي تدعو الى ذلك بكل صراحة ووضوح ..

يقول “شيخ الاسلام” ـ في الدولة العثمانية ـ مصطفي صبري عن دعوة الأفغاني ومحمد عبده :

(( وأما الدعوة الإصلاحية المنسوبة الى محمد عبده فخلاصته أنه زعزع الأزهر عن جموده على الدين !! فقرب كثيراً من الأزهريين الى اللادينيين ولم يقرب اللادينيين الى الدين خطوة وهو الذي أدخل الماسونية في الأزهر بواسطة شيخه جمال الدين الأفغاني .. ))

( 1/133-134 ) .

و يقول تلميذه محمد عبده :

20▪ ” هـ – القول بنظرية النشوء و الارتقاء ” :

و اشتهر عنه القول بنظرية النشوء و الارتقاء ، و هي تهمة متفرعة عن التهمة الأولى ـ الإلحاد ـ ، يقول الشيخ رشيد رضا ـ عن الافغاني ـ :

( وكلامه في النشوء والترقي يشبه كلام داروين) . انظر: “تاريخ الأستاذ الإمام”ـ (1/79 ) .

□ سلوكيات جمال الدين الأفغاني :

ـ وذكر الشيخ يوسف النبهاني مفتي بيروت أنه : ( اجتمع به ـ أي بالافغاني ـ سنة 1287 هـ في مصر حين كان مجاورا بالأزهر ولازمه من قبل المغرب الى قرب العشاء فلم يصل المغرب)

ـ كما ذكر مثل ذلك عن تلميذه محمد عبده فقال :

( الذي أعلمه من حال الشيخ محمد عبده ، وكل من عرفه يعلمه كذلك ، أنه حينما كان في بيروت منفيا كان كثير المخالطة للنصارى والزيارة في بيوتهم والاختلاط مع نسائهم بدون تستر . هذا مما يعلمه كل من عرف حاله في هذه البلاد ، فضلا عن أسفاره المشهورة الى بلاد أوربا واختلاطه بنساء الأفرنج وارتكابه المنكرات من شرب الخمر وترك الصلوات . ولم يدَّعِ هو نفسه الصلاح ، ولا أحد توهمه فيه . فكيف يكون قدوة وإماما في دين الأسلام ، نعم هو إمام الفسَّـاق والمرّاق مثله ، ولذلك تراهم على شاكلته ، لا حج ولا صلاة ولا صيام ولا غيرها من شرائع الأسلام “

وقال بعد ذلك :

” دعاني رجل من أهل جبل لبنان سنة 1305 هـ وهي توافق 1888 مميلادية ـ الى بيته ، فتوجهت معه فوجدت هناك الشيخ محمد عبده . فتصاحبنا من الصباح الى المساء لم أفارقه نهارا كاملا . فصليت الظهر والعصر ولم يصل ظهرا ولا عصرا . ولم يكن به علة ولا عذر له ،إلاَّ خوفه من أنه إذا صلى بحضوري ، يقول أولئك الحاضرون الذين كان لا يصلي أمامهم أنه يرائي في هذه الصلاة لأجلي فغلب عليه شيطانه ، وأصر على عدم الصلاة ، وإلا فقد بلغني عنه أنه كان يصلي تارة ويترك أكثر ” .

21▪ في الهند ( المرة الأولى ) :

بعد أن تم اعداد جمال الدين اعدادا متقنا من قبل الاستعمار البريطاني، تم ارساله الى الهند التي كانت تقبع في ذلك الوقت تحت الاحتلال الانجليزي ، فارتحل جمال الدين وهو في الثامنة عشرة من عمره الى الهند ، حيث احتضنه الاستعمار هنالك، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوربية و يتعلم فيها بعض العلوم الحديثة ، و هناك رأى أن يؤدي فريضة الحج ، فاغتنم تلك الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد ، ويتعرف احوالها ، وعادات أهلها ، حتى وافى مكة المكرمة سنة 1273 هـ ( 1857 م ) .

22▪ في أفغانستان :

ثم أرسل ـ في مهمة استعمارية ـ الى افغانستان، و ليكتسب ـ أيضاً ـ النسبة الافغانية ، و هنالك كلِّف بكتابة “تاريخ افغانستان ” إمعانا في التمويه.

وقضى جمال الدين ثمان سنوات قضاها في بلاد الأفغان كانت حافلة بأنواع الدسائس و المكائد بين امراء تلك البلاد ، مِما أجج الحرب بين كل من “”محمد أعظم ” ، و ” شير علي ” ابني الأمير حاكم افغانستان ” دوست محمد خان ” خلال تلك الفترة .

23▪ في الهند (المرة الثانية ):

ثم عاد الى الهند عام ( 1869) ، فلما وصل إلي التخوم الهندية تلقته الحكومة الانجليزية بالحفاوة والإكرام لترسله في مهمة جديدة إلى أرض الكنانة ، حيث قدم على ظهر باخرة بريطانية إلى ميناء السويس.

24▪ في مصر (المرة الأولى ) :

في أوائل سنة ( 1870 ) ( أواخر سنة 1286 هـ ) قدم الافغاني الى مصر لأول مرة ، و استقبل بكل حفارة وأقام بمصر أربعين يوماً ، ومُكَّن من التردّد على الأزهر ، فاتصل به كثير من الطلبة ، وقرأوا عليه شروحاً في المنطق و الفلسفة ، في بيته الذي نزل به بخان الخليلي ، ثم عزم على السفر الى ( الأِستانة ) ( اسطمبول ) .

25▪ في تركيا ( المرة الأولى ) :

وصل السيد جمال الدين إلي الأستانة ، فلقي من جمعية الاتحاد و الترقي حفاوة وإكراماً ، فلم تمض ستة أشهر حتى كان عضواً في مجلس المعارف ، و بدا واضحا لأهل العلم غرابة توجهاته ، مما جعله محل نقمة و سخط علماء الدولة ، لا سيما شيخ الإسلام ( حسن فهمي أفندي) .

وإثر محاضرة ألقاها في جمع حاشد في رمضان سنة 1287 هـ (ديسمبر سنة 1870 ميلادية ) في دار الفنون للحث على الصناعات ، قال فيها جمال الدين : أن النبوة صناعة مكتسبة ، رماه علماء (الأِستانة) بالإلحاد والمروق من الدين.

و ألَّف الشيخ (خليل فوزي الفيليباوي) إثر ذلك كتابا باللغة العربية عَنونَه بـ ..(السيوف القواطع) للرد على عقيدة الأفغاني ، وترجم الكتاب في تلك الفترة الى اللغة التركية ، مما حدا بالدولة العثمانية أن تصدر أمرا بإخراجه من البلاد .

26▪ الأفغاني و اسماعيل :

من الأمور التي لم يختلف فيها المؤرخون المحققون أن ( جمال الدين الأفغاني) كان رأساً كبيراً في الماسونية العالمية ، ولكونه من كبار الماسون العالميين فقد استقدمه رياض باشا ـ اليهودي الأصل ـ و رئيس الوزراء في عهد اسماعيل باشا ـ بأمرٍ من اسماعيل باشا “الماسوني” الى مصر ..

ومع كثرة البلاد التي طاف بها الأفغاني يمكن القول أنه لم يُحدث أثرا في أي من هذه البلاد ، كما أحدث في مصر التي أقام بها قرابة ثماني سنوات بدأت في مارس 1871 وامتدت حتى أغسطس 1879 .

حيث دخل السيد جمال الدين الافغاني مصر ـ للمرة الثانية ـ في مارس في أول المحرم سنة 1288 هـ ( مارس سنة 1871 ميلادية ) ، فأجرت عليه حكومة إسماعيل باشا راتباً مقداره ألف قرش كل شهر ، دون عمل ، و كان الطلبة يقرأون عليه في بيته في علم الكلام ، والحكمة النظرية ، من طبيعية وعقلية ، وعلوم الفلك ، والتصوف كنوع من التضليل .

وتولى رياض باشا رعايته فيها ، وأعد له سكنًا في حارة اليهود حيث يستطيع الافغاني انشاء جمعياته السرية . و بمساعدة من رياض باشا ضم الافغاني إليه عددًا كبيرًا من أصحاب النفوذ في مصر .

27▪ الأفغاني و العمل السري :

مما يريب اللباحث في شخصية الافغاني وأهدافه – أيضاً – أن جلٌُّ نشاطاته كانت تتم بالخفاء حيث ما حل ، وأنَّى ارتحل ، و قد اتجه جمال الدين للانخراط في العمل السري ـ منذ دخل مصر ـ بعدة وسائل ، فمن ذلك :

أ – الانخراط في الماسونية :

سرعان ما اتصل الافغاني بالماسونية العالمية بالديار المصرية منذ حل في أرضها ، فانضم مباشرةً إلى المحفل الماسوني البريطاني .

وفي كلمة ألقاها في المحفل البريطاني عاب فيها عليهم عدم التدخل في السياسة، يقول فيها: ( دعوني أكون عاملاً ماسونياً نزيهاً متجنباً للرذائل، إذا لم يكن حرصاً على شرف شخصي؛ فتخوفاً من أن تعاب الماسونية بي، فيتخذني الأغيار سهماً للطعن بها وهي براء منه، وما ذنب الماسونية إلا أنها قبلتني بين أفرادها دون اختيار صحيح، وأبقت عليّ من غير تبصُّر؟! ) .

إلاَّ أنه استقال من المحفل الاسكتلندي البريطاني ـ كخطوة سياسية ـ ،إذ كيف يكون من سيتصدر الثورة ضد الاحتلال الانجليزي أمام الجماهير عضوا في محفل ماسوني بريطاني .

ـ و التحق بمحفل كوكب الشرق التابع لفرنسا ، و هو أول محفل إشتغل باللغة العربية ، وكان لايؤمه إلا المصريون فحسب أو من هم في حكمهم، وقد ترأسه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وبعض الشوام.

ـ ثم انتقل بعد ذلك ووجه الافغاني خطابا الى المحفل الماسوني الفرنسي، يطلب فيه الانضمام إليهم؛ قال فيه:

“يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة – جمال الدين الكابلي الذي مضى من عمره سبعة وثلاثون سنة – : بأني أرجو من إخوان الصفا وأستدعي من خلّان الوفا- أعني: أرباب المقدس الماسوني؛ الذي هو عن الخلل والزلل مصون!- أن يمنوا علي ويتفضلوا إلي بقبولي في ذلك المجمع المطهر! وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر، ولكم الفضل”( 13).

ـ وبعد ثلاث سنوات أصبح من أهم رجال المحفل الماسوني ، بل تم اختياره رئيساً له .

و سواءٌ ترأس الافغاني المحفل الاسكتلندي البريطاني أو المحفل الفرنسي ، فكلا المحفلين كانا يخدمان المخطط الانجليزي الفرنسي لتسليم مصر الى بريطانيا مقابل اعطاء المغرب لفرنسا .

ـ و استقال الافغاني من المحفل وأنشأ محفلا آخر تابعا للشرق الفرنسي الذي سرعان مابلغ أعضاؤه أكثر من 300 عضواً من نخبة المفكرين والناهضين المصريين . ولما كان هذا المحفل مطلق الحرية ، فقد دعاه محفل “كوكب الشرق”.

ب ـ الأفغاني والجمعيات السرية : وكذلك أنشأ الافغاني الجمعيات السرية ، ومن هذه الجمعيات السرية:

أَ ـ الحزب الوطني الحر ، والذي لم يمضِ على تأسيسه عام واحد حتى :

ـ أصبح أعضاؤه 20180 عضوًا ؟؟

ـ و أصبح له رصيد ضخم من المصارف ؟؟؟

بَ – جمعية مصر الفتاة وأنشأ جمعية “مصر الفتاة” ، وكان معظم أعضائها من شبان اليهود.

ـ و قد تبع تلاميذ الشيخ جمال الدين الافغاني شيخهم في الانضمام إلى الماسونية و الجمعيات السرية ، و منهم كثير من الأدباء و المفكرين ، و الزعماء السياسيين ، ومن أهمهم :

ـ * تلميذه محمد عبده ، و الذي ورث الماسونية الفكرية المتلبسة بلباس الدين .

ـ * سعد زغلول ، و الذي ورث الماسونية السياسية ، و الذي اختاره اللورد كرومر وزيراً للمعارف عام 1907 ثم انتخب وكيلاً للجمعية التشريعية المصرية.

و بعد الحرب العالمية الأولى كون سعد وفداً لمفاوضة الإنجليز حول استقلال مصر عن الأمبراطورية البريطانية فأطلق شرارة ثورة 1919.

ثم كون ” حزب الوفد ” المصري وفاز في الانتخابات البرلمانية عام 1924 . . وكون الوزارة وأصبح أيضاً رئيس البرلمان المصري ثم استقال من منصب رئيس الوزراء ثم انتخب رئيساً للنواب عام 1925 ، و توفي عام 1927.

و يعتبر سعد زغلول من أهم دعاة ”العلمانية” الماسونيّة في (مصر) .

و قد ألف الشيخ (محمد عبده) أكثر فصول الكتاب ، و دافع عنه ، و سار بذلك على خطى شيخه الأفغاني .

ـ و قد اتخذ الافغاني الأعوان والمساعدين من اليهود والنصارى المتهوّدين، فقد جعل من معاونيه ” يعقوب صروف النصراني ” صاحب الأموال ، و ” يعقوب صنوع أبو نظارة اليهودي ” ، والذي رثاه الافغاني في ”العروة الوثقى”، ” وسليم عنجوري النصراني ” الذي تسلم صحيفة ”مرآة الشرق”.

ـ و كانت سياسة حكومة اسماعيل باشا التي أفضت إلى تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها قد ولَّدت الكراهية المطلقة لدى الشعب المصري لنظام حكم اسماعيل باشا .

عند ذلك أنشأ الافغاني الكثير من الأدوات الماسونية كالأحزاب السياسية و الحركات الوطنية المشبوهة ، و المجلات و الجرائد الساخنة التي سخرها لمحاربة البلاط الملكي .

وما أنشأه غير الماسون تمت فيما بعد سرقته ماسونيا من قبل جمال الدين الافغاني وتلامذته .

في هذه الأثناء زاد خطر الأفغاني لكونه كان على قائمة الهرم الماسوني ، الذي ترتبط به كثير من الحركات الوطنية ، فأسس الصحف المختلفة و شارك في الكتابة فيها ، كما بدأ في بث اطروحات سياسية كالحياة النيابية ، و البرلمان ، والمشاركة الشعبية ، و المجالس الوطنية ممَّا أسهم في تسخين الشارع المصري .

ـ ولم يتجه جمال الدين الى المشاركة السياسية العلنية ضد الانجليز و القصر الملكي إلا في سنة 1876 بعد تطبيق سياسات التدخل الانجليزية .

ثم بدأت خطورة جمال الدين تكبر شيئاً فشيئاً ، و في سنة 1878 كانت له الكلمة الفصل في الحياة السياسية عبر أدواته الاعلامية و السياسية من خلال تلاميذه الماسون الذين تسنموا المناصب العليا في الدولة .

و هناك من انخدع به ك ” أحمد عرابي ” باشا ، مِمَّا جرَّ ـ على ارض الكنانة ـ الكثير من الويلات ، و أنواع المضائق والأزمات .

بل وصل بالأفغاني الأمر أن فكر في اغتيال ” الخديوي إسماعيل ” أثناء مروره على كوبري قصر النيل ، فقد كان جمال الدين متفقًا على برنامج الحكم مع ابنه توفيق الذي كان الأفغاني قد نجح في ضمه إلى محفله الماسوني .

28▪ لا يكتب التّاريخ عادة كلّ شيء ؛ و أمّا إذا كتب فإنّه يكتب ما يميل المؤرّخ إلى إبرازه دون غيره من وقائع ، قد تبدو في نظر المؤرّخ عاديّة و عابرة بل و سخيفة ، بينما قد تكون بالنّسبة إلى قارئ أو قارئ متخصّص بالبحث أكثر أهمّيّة بما لا يُقاس ممّا قد نظر إليها المؤرّخ ..

و على ذلك ، نميل إلى أن نأخذ التّاريخ عن شتّى صنوف المؤرّخين و بخاصّة عندما يتقاطع تأريخهم مع الغالب من الرّوايات التّاريخيّة الأخرى المتناقلة بتوثيق أو من دون توثيق ، و هذا ما يُعرف في فنّ الكتابة بِ”التّحقيق” .

29▪ كانت معظم ” حداثاتنا ” مزيفة و عميلة للغرب الاستعماريّ ، و على الأخصّ منها تلك التي سمّيت حداثات إسلاميّة و نهضويّة حيث تلبّسها الزّيف و التّزييف و المؤامرة و التّآمر من أخمص قدميها و حتّى ذؤابات أعلى الرّأس ..

في الوقت التي وقّتَتْ لمواجهة حداثات نهضويّة تنويريّة حقيقيّة و إنسانيّة ، تماماً كما حصل في مواجهة ” تنوير ” ( الطّهطاوي ) العظيم بِ”نهضويّة” تابعين للاستعمار البريطانيّ و الفرنسيّ هما (جمال الدّين الأفغانّي) و ”ربيبه” (محمد عبده) !

و أعني فيما تنضم إليها (حداثات التّزوير) “حداثات” النهضة العربية الإسلامية “المزيفة” و تدعمها، تلك التي جاءت مع النهضويين”الإسلاميين مثل (جمال الدين الأفغاني) و (محمد عبده)، إذ أن تلك “النهضة” العربية الاسلامية “المبرمجة” على إيقاع الحاكمية السياسية الغربية، للنغمة العثمانية، إنما جاءت لتكون رداً مباشراً على حداثة ( رفاعة الطهطاوي ) كما في مشروع سياسي مناوئ مباشرة لتباشير مشروع (محمد علي باشا ) في المنطقة.

و في غياب المعرفة الفلسفية الحداثية و المعاصرة، في الثقافة العربية الإسلامية الرسمية، و بسبب هذا الغياب ، انداحت الأيديولوجيا “الإصلاحية” في الثقافة العربية الإسلامية، لتملأ “المكان السياسي” و المشروع الثقافي العربي، في خطاب إسلاموي كان له صفة التأصيل الرسمي ، أكثر مما كان له دور حقيقي في الحداثة و المعاصرة ، كاستجابة مزيفة لقوى التقدم في المكان.

30▪ و عندما يقرّر الكتّاب و المفكّرون أمراً ، لا يقيسونه بالآراء المصنوعة على عجل أو للتّشفّي ، و إنّما يحدو آراءهم بذلك ، ثقتهم بمعلوماتهم مع واسع اطّلاعاتهم التي لا تعود بعدها خاضعة للّرأي و المزاج و العواطف والحبّ و التّقدير ..

هذا و لا يحتجّ على ذلك ، سوى نأمة من نأمات التّبرّم الشّخصيّة للتّشكيك بالمعرفة و المعلومة و الحقيقة التّاريخيّة الثّابتة ، و ذلك إثباتاً و إعلاء من شأن ذوات غير مثقّفة أو عارفة أو باحثة أو متخصّصة .

و حيث تركنا حديثنا على أعنّته ، أعلاه ، و بخاصّة في بداياته ، للتّوثيق و التّنصيص الموسّع .

قد يعجبك ايضا