لم تعد أمريكا مثلما كانت عليه / د. فايز رشيد




د. فايز رشيد ( الخميس ) 19/10/2017 م …

المستمع لخطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إبان مرحلة الانتخابات، وشعاره الذي رفعه «أمريكا أولاً»، اعتقد، وبلا أدنى شك، أن المرشح للرئاسة الأمريكية، سيقيم الدنيا ولن يقعدها في حالة فوزه! لكن العشرة أشهر من سنة رئاسته الأولى، حملت نتائج عكسية تماما لما وعد به.
فالتفاعل الدولي مع الطريقة التي يعالج بها الرئيس ترامب، ملفات دولية ساخنة، طريقة تدعو إلى السخرية والاستغراب الكبير، فرئيس دولة عظمى، يفترض به أن يعالج قضايا العالم، بروح الحرص وتجنب توتيرالعلاقات الدولية.
السخرية من كيفية معالجة الرئيس للقضايا الدولية، أوصلت لاري فلينت مالك مجلة «هاسلر» إلى وضع إعلان على صفحة كاملة، في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، يعد فيه بتقديم مكافأة مالية ضخمة تصل إلى عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود لعزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
طريقة ترامب الغريبة في السياسة أوصلت عددا كبيرا من أطباء علم النفس الأمريكيين، إلى جمع تواقيع 65 ألف طبيب نفسي يطالبون بإخضاع ترامب لفحص القوى العقلية. من جانبها، قالت صحيفة «ديلي نيوز» الأمريكية: إنه ونقلا عن التحليلات النفسية لترامب، وفقا لأشهر عالمة نفسية أمريكية هي الدكتورة جولي فوتريل، فإنه شخصية متغطرسة، نرجسية (تحب نفسها لدرجة الجنون)، دفاعية دائمًا، تؤمن بأشياء غير حقيقية، ولديها دائما شعور بالتآمر ضدها، مما يدفعها للهجوم بضراوة على المعتدين عليها. وتؤكد الصحيفة أن الهدف من التحليل النفسي لدونالد ترامب، ليس الإساءة إليه، ولكن لتحذير الأمريكيين وجميع المواطنين في العالم من تصرفاته، ومساعدتهم على معرفة حقيقة الشخص الذي يحكم أعظم دول العالم.
وللدلالة على صحة ما نقول: ما زلنا نذكر تھدیدات ترامب لكوریا الشمالیة، التي لم تعرھا كوریا اھتماماً یذكر، بل سارت قدماً في برنامجھا النووي وتجاربھا للصواریخ العابرة للقارات والقنابل الھیدروجینیة. وبالنتیجة لم نعد نسمع من ترامب شیئاً عن كوریا الشمالیة، فالمھمة انتھت بخطابات وتھدیدات حماسیة، على أمل أن تأخذھا كوریا مأخذ الجد! لقد تبين أن الرئيس الكوري الشمالي ليس «مجنوناً» مثلما صوّره ترامب، ولا يتوفر على نقص في قدراته العقلية والنفسية، رغم كل ما تنطوي عليه الحملة الإعلامية الشرسة وغير المسبوقة منذ عقود طويلة، التي تُشارك فيها أجهزة ووسائل إعلام عربية، بهدف شيطنة الرجل وبلاده، وتسويغ حملة الحصار وفرض العقوبات عليها، وهي «الأقسى في التاريخ»، مثلما وصفتها مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، المتصهينة نيكي هالي. بالفعل، منذ ان برزت واشنطن في بداية القرن العشرين، خصوصاً في منتصفه، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واندلاع الحرب الباردة وسقوط الامبراطوريتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية، خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، تحوّلت أمريكا إلى المقرر الأساسي في السياسة الدولية، متكئة على قوتها العسكرية الهائلة، واقتصادها القوي، والتحالفات التي أقامتها بالضغط على دول العالم من أجل هيمنتها واستعلائها. لقد تبجح الرئيس ترامب قائلا، بأن بيونغ يانغ ستواجه «النار والغضب» إذا ما هاجمت جزيرة غوام الامريكية، ووصف الرئيس الكوري الشمالي بأنه «مجنون وفاقد للإدراك» لكن واشنطن أدركت، أن الحرب الكلامية يمكن أن تساهم في توتير الأجواء، وفقدان السيطرة، في منطقة بحر الصين الجنوبي، التي هي قريبة من الصين، المعارضة للحلول العسكرية، وكذلك روسيا، التي لها مصالح حيوية فيها. والدولتان الأخيرتان، هما أيضاً قوتان نوويتان. هذا الأمر، جعل مسؤولين في إدارة ترامب يتحدثون عن «البدائل الدبلوماسية».
بالنسبة للملف الإيراني، فإن تھدیدات ترامب لإیران لا تختلف كثیراًعن تهديداته لكوريا الشمالية، ولكن الخطاب الذي ألقاه الرئیس الأمريكي حول الاتفاق النووي الإیراني، أسماه البعض «استراتیجیة أمريكیة جدیدة» تجاه إیران! فقد أعلن بكل وضوح أنه سيلغي الاتفاق النووي مع إيران، وسيقوم الكونغرس بفرض عقوبات صارمة عليها خلال ستين يوماً، كما إعلان الحرس الثوري الإیراني منظمة إرھابیة. لقد رفض ترامب أن یشھد بأن إیران لم تخالف الاتفاق النووي، كما فعلت جمیع الدول الموقعة على الاتفاق، ولكنه استدرك، أن ذلك لا یعني الانسحاب من الاتفاق، ولیس من المنتظر أن یفعل الكونغرس شیئاً، ولا أن ینفذ ترامب تھدیده بإعلان الحرس الثوري الإیراني منظمة إرھابیة، واكتفى بعقوبات على بعض قادة الحرس الثوري، قد لا تزید كثیراً عن منع السفر إلى الولایات المتحدة. وأخیراً فقد أكد ترامب، على أن أمريكا لن تسمح لإیران، بزعزعة الاستقرار في المنطقة والتدخل في شؤونھا الداخلیة، ولكن سلوك إیران الإقلیمي ظل على حاله. باختصار فإن خطاب ترامب لا یمثل استراتیجیة أمريكیة جدیدة تجاه إیران، إلا من الناحیة الكلامیة، كما إن إیران مستمرة في تجارب الصواریخ البالستیة، وتعتبرھا أداة دفاعیة ولا یمنعھا الاتفاق النووي من ذلك.
المؤيد الوحيد لإلغاء ترامب للاتفاق النووي الإيراني هو القيادة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو، لكن المحللين الإسرائيليين، يحذرون من رد فعل نتنياهو على الملف، ويرون أن الاتفاق ليس كافيا من ناحية إسرائيل، إلا أنه أفضل من عدمه. واعتبر أحد المحللين أن نتنياهو يلعب بالنار، فيما حذر آخرون من عناق ترامب ونتنياهو! هذا في الوقت الذي أبدى فيه الاتحاد الأوروبي، تصميمه على الحفاظ على الاتفاق النووي الايراني، في ما اعتبرت عدة عواصم أن هذه التسوية التاريخية ضرورية لإقناع كوريا الشمالية بالعودة الى طاولة المفاوضات. للعلم، نادراً ما كان هناك خلاف بين الموقفين الأمريكي والأوروبي، حول هذه القضية السياسية العالمية أو تلك! في عهد ترامب بدأت التعارضات بين الموقفين في البروز، سواء في ما يتعلق بالملفين، الكوري الشمالي أو الإيراني.
على صعيد آخر، اعتبرت مجلة» الإيكونوميست « البريطانية (11 يوليو 2017) أن السياسات التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط، تدفع بالمنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار، خاصة مع تباين المواقف التي يتخذها الرئيس الأمريكي تجاه حلفائه في المنطقة، وتغاضيه عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها عدد من زعمائها. كما علقت «الإيكونوميست» في تقرير نشرته، حول الأزمة الخليجية التي اندلعت منذ أشهر، حيث قطعت عدة بلدان عربية في مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر، علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. وقال تقرير المجلة البريطانية: «انسجم الرئيس الأمريكي مع الملك سلمان، لدرجة أنه تبنّى الأهداف السياسية للملك السعودي»، من بين هذه السياسات الموقف العدائي للمملكة السنية تجاه إيران الشيعية، منافستها الإقليمية الرئيسية، وهو الموقف الذي يتبناه ترامب. كما يبدو أنه يتشاطر وجهة النظر السعودية الأخيرة حيال قطر.
كان الرئيس الأمريكي قد أشاد بقرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر من قبل السعودية والبحرين والإمارات ومصر، وكذا الروابط البرية والبحرية والجوية. وقد أعطت دول الخليج للمواطنين القطريين 14 يومًا لمغادرة أراضيهم. ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن لقطر، ورغم كونها إمارة صغيرة، أهمية خاصة، فهي أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، ومركزاً للخطوط الجوية. كما أنها ترعى وتستضيف قناة «الجزيرة»، أكثر القنوات التلفزيونية الشرق أوسطية غير الخاضعة للرقابة. ولها علاقات جيدة مع إيران، التي تشترك معها في حقول غاز واسعة، وهي الوجه الأكثر شعبية للإسلام السياسي. كل هذا – بحسب التقرير – يجعل السعودية تمقتها.
وفي ما يتعلق بموقف ترامب من القضية الفلسطينية، فسياسته حولها غامضة، والشيء الواضح فيها هو تأييده اللامحدود لإسرائيل، حتى في مخططاتها الاستيطانية، التي لم يدنها ترامب مرة واحدة! كما موقفه من القدس المطابق تماما لوجهة النظر الصهيونية، إضافة إلى أنه لا يطرح حل الدولتين. في عهده جعل من الولايات المتحدة ببغاء تردد المواقف الإسرائيلية، كانسحاب أمريكا مؤخرا من اليونسكو، بسبب قرارها الأخير بعروبة الأماكن التاريخية في القدس وبضمنها المسجد الأقصى. خالف ترامب مواقفه أثناء المرحلة الانتخابية حول القضية الفلسطينية، كما خالف النهج الأمريكي المعتمد تجاهها. أيضا هناك تعارضات جدية بين المواقف الأمريكية والروسية، الأمر الذي أدى إلى برودة علاقات أمريكا مع كل من روسيا والصين. كل ذلك يجعلنا نقول: إن أمريكا بهتت في عهد الرئيس ترامب، وإنها لم تعد بصورة القوة العظمى، التي كانت عليها.

قد يعجبك ايضا