حكاية نجاح أردنية: سائد خوالدة.. من قرية مرصّع ( جرش ) إلى هارفرد

 سائد الخوالدة




السبت 14/10/2017 م …

الأردن العربي – آية التميمي – تساؤلات كثيرة كانت تراود ذهني وتشغلُ تلابيب فكري، في ظل مثل هذه الأحداث التي يمر بها ويعاني منها عالمنا العربي، وفي ظل انتشار الفساد والجهل، هل سيكون لأمتنا مستقبلٌ أكثر إشراقاً؟ هل سيكون الشباب العربي مسؤولاً عن التغيير والنهضة لهذه الأمة؟! هل وهل وهل.. أسئلة كثيرة لم تجد الإيجابيةُ لها مكاناً ضمن إجاباتي وتوقعاتي لها.

ولكن عندما أرى نماذج شبابية من عالمنا العربي تطور وتبتكر وتبدع أشعر بتفاؤل لا حدود له، وإيجابية قذفت كل ما هو سلبيٌّ وراءها وأكملت، في طريقٍ أظنهُ بات قريباً منا، مختالةً متباهية بشبابٍ محاربين، يحاربون في معركة أقل ما يُقال عنها أنها شرسة، معركة ضد التخلف والجهل، معركةٌ بين الظلام والنور، بين الحق والباطل، بين الخطأ والصواب، وبين الحياة وشبه الحياة المميتة، أما من كان المسؤول عن كل هذه الطاقة الإيجابية والكمية الكبيرة من التفاؤل، فهو أحد هذه النماذج الشبابية العظيمة، وها هي قصتهُ تُقص أمامكم لتلهمكم كما ألهمتني، وتستفيدوا منها كما أفادتني، وما سنستفيدُ منهُ في مقالاته أكبر وأكثر.

سائد الخوالدة من قرية مرصع في جرش، شاب طموح في مقتبل عمره، تخالهُ بكبر حجم إنجازه أنهُ قد تجاوز الثلاثين من عمره، ولكنهُ يبلغُ من العمر أربعة وعشرين عاماً، حصل على شهادة الثانوية العامة بمعدل يُؤهلهُ لدخول كلية الهندسة بتخصص هندسة الحاسوب، بدأ سائد سنتهُ الأولى في جامعة البلقاء التطبيقية بكل جد يثابر لينال معدلاً يمكّنهُ من الانتقال إلى الجامعة الأردنية حيثما كان يحلم، لكنهُ أدرك فيما بعد أنه قطع نصف الطريق فقرر استكمال سنواته القليلة في البلقاء، ما يميز قصة سائد أنه لم يركب قطار المملين الذي يركضون وراء شهادة جامعية من خلالها سينجحون في جني راتب محدود في نهاية كل شهر فقط، هو لم يختر هذا الطريق، بل كان من أصحاب الهمم العالية، الذين ركبوا قطار المجتهدين بكل قوة، حاملين معهم أحلامهم وطموحاتهم التي بلا حدود، مسارعين لطلب المزيد لأنفسهم، ولم يبخلوا يوماً بإفادة غيرهم. في ذلك الوقت بدأ سائد بتطوير لغته الإنجليزية من خلال الاحتكاك بالأجانب، ونتيجة لذلك أسس مبادرة “Beyond Borders” في الجامعة الأردنية، لتستهدف الطلبة الأجانب القادمين للأردن من أجل دراسة اللغة العربية، والطلبة الأردنيين المهتمين بالتواصل مع الأجانب، حيث تقوم المبادرة بتنظيم أنشطة وفعاليات مختلفة لتعريف الأجانب والعرب بعضهم ببعض، وتقليل الفجوة بين الثقافتين والمجتمعين، وقد حظيت مبادرتهُ بإقبال كبير وناجح.

وفي عام 2013م بدأ بالسعي وراء أول طموح لديه، وهو السفر خارج الأردن في برنامج تبادل طلابي، إذ تقدم لبرنامج “Global Business Institute” التابع للسفارة الأمريكية، حيث اقترح مشروعاً لتحسين الأردن وجعله مكاناً أفضل عن طريق تأسيس منظومة لدعم الريادة والابتكار عند الشباب الأردني، ونتيجة لذلك وقع الاختيار على سائد ليكون من ضمن المجموعة التي تم قبولها من قبل السفارة الأمريكية في الأردن للسفر إلى أمريكا للدراسة في برنامج الريادة وإدارة الأعمال في جامعة إنديانا صيف ذلك العام. وبعد عودته إلى الأردن بدا عليه وصديقه الحماس الشديد لفكرة تأسيس مؤسسات ومبادرات في ظل وجود دعم من المؤسسات الدولية والسفارة الأمريكية، كونهم مشاركون ببرامج عالمية، وفعلاً كان سائد قد كان أحد المساهمين في تأسيس مركز “حكاية” لتنمية المجتمع المدني، والذي انبثق عنه راديو النجاح، حيث عمل به لمدة سنة كمساعد إداري ومسؤول تطوير بنية البرامج.

وفي ذات العام وجد شغفه تجاه البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وإيماناً منه بأهمية مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي والمساهمة به قرر أن يخوض غماره ويصبح باحثاً ليتسنى له تطوير التكنولوجيا الموجودة واختراع تكنولوجيا جديدة، فتطوع للعمل كباحث في جامعته، وفي ذات الوقت بدأ يقرأ في هذا المجال أكثر ليتوسع به، ويطور من قدراته في البحث العلمي، وقرر أن يتخصص بمجال تطوير تكنولوجيا الدماغ والأعصاب ومجال تطوير أجهزة تتيح استخدام الإشارات الصادرة من الدماغ للتحكم في الحاسوب أو الروبوت.

أما عام 2014، فقد كان عاماً مليئاً بالإنجازات، وأما عن طاقة ومثابرة سائد فكانت بلا حدود، في البداية تم اختياره ممثلاً لجامعته ليشارك بمنافسة على مستوى المملكة، منظمة من قبل وكالة ناسا الفضائية، وقام وصديقه بتقديم مشروع اسمهُ EEG signals to detect sleep””، حيث قدموا فكرة لتطوير مشروع لإمكانية التنبؤ بالحالة الصحية لرواد الفضاء في الفضاء الخارجي عن طريق إشارات دماغهم، وحققوا مركزاً متقدماً فيها، أما بالنسبة لدراسته، فقد تخرج الخوالدة بشهادة الهندسة بتقدير 3.94/ 4.000 مع مرتبة الشرف، وكان الأول على دفعته، وبعدها مباشرة ذهب إلى أمريكا حيث تم اختياره ليكون من بين 12 شخص من الوطن العربي تم اختيارهم من قبل الحكومة الأمريكية للسفر لغايات التدريب التكنولوجي، حيث عمل على عدد من المشاريع في عدة مجموعات بحثية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”MIT” ، وفي ذات الوقت تلقى محاضرات وجلسات تدريبية وورش عمل بين جامعة هارفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. بالإضافة لذلك، تم اختياره من قبل اليونيسكو ليكون الممثل الوحيد للشباب العربي في منتدى التكنولوجيا والإعلام العالمي، والذي عُقد في جزيرة بالي في إندونيسيا، وسافر بمنحة ممولة بشكل كامل من اليونسكو.

أما بعد انتهائه من التدريب في الولايات المتحدة الأمريكية ومع بداية عام 2015 توجه إلى تركيا، حيث تم اختياره من قبل المجلس التركي الأعلى للعلوم والتكنولوجيا ليقوم بإكمال دراساته العليا، التحق سائد ببرنامج الماجستير، وفي ذات الوقت عمل كباحث في تركيا وتحديداً في أنقرة في المركز الوطني للرنين المغناطيسي National Magnetic Resonance Research Center”” في Bilkent” University” لمدة ستة أشهر، وعمل أيضاً كمساعد هيئة تدريس في قسم الهندسة الإلكترونية والكهربائية في ذات الجامعة.

بعد ذلك انتقل إلى اسطنبول ليبدأ بالعمل كمساعد هيئة تدريس وباحث في مجال تكنولوجيا النانو وفي مجال تطوير تكنولوجيا الأعصاب والدماغ لمدة سنة، حيث عمل هناك على عدة مشايع أهمها مشروع في مجال تطوير تكنولوجيا النانو إذ قام بتصميم وتصنيع جهاز نانوتكنولوجي طبي غايته إتاحة زراعة خلايا سرطانية فيه، وتعريض هذه الخلايا لعدد مختلف من الأدوية، ثم فحص تأثير واستجابة هذه الخلايا للأدوية المختلفة، لتحديد ما إن كان هذا الدواء أو العلاج مناسباً أم لا.

هكذا أتم ّ سائد سنة ونصف من دراسته للماجستير في تركيا، لكنه كان يتمنى مكاناً أفضل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الطموح العالي الذي يمتلكهُ وعلى سعيه لاختيار الأفضل دائماً، وهذه صفة الأبطال الذين لا يرضون إلا بالأفضل والأكثر تميزاً لهم.

وفي منتصف عام 2016، تم اختياره من قبل مركز ماكس بلانك الألماني المتخصص في أبحاث الدماغ للعمل كباحث على مشروعين بحثيين، فلم يكمل دراسته في اسطنبول وسعى وراء حلمه في البحث والتطوير، فكان من بين المسؤولين عن دراسةٍ هي الأولى من نوعها باستخدام جهاز رنين مغناطيسي MRI Scanner قوته المغناطيسية عالية جداً، وغير موجود سوى بأماكن قليلة في العالم، وكانوا يقومون بتصوير للدماغ باستخدام الرنين المغناطيسي، بالإضافة إلى تسجيل إشارات الدماغ باستخدام مجسات دماغية، ثم يقومون بتحليل هذه الإشارات الدماغية و صور الرنين المغناطيسي لإيجاد علاقة بين الإشارات الصادرة من الدماغ وصور الرنين المغناطيسي الصادرة من أشخاص مصابين بأمراض نفسية معينة مثل الصرع، والوسواس القهري، وغيرها من الأمراض.

أما مشروعهُ البحثيّ الثاني، فتدور فكرته حول استخدام مجسات مايكرو ونانو إلكترونية لقياس التيار الكهربائي الناتج من خلايا عصبية مستخرجة من أدمغة فئران تجارب بعد تحفيزها باستخدام بعض المواد الكيميائية أو الصعقات الكهربائية لمعرفة مدى تأثرها بهما.

وخلال هذه السنة حصل سائد على أكثر من منحة دراسية لدراسة الماجستير في دول عدة، أهمها:

1. منحة من الحكومة البريطانية تسمى “”Chevening Scholarship”، للدراسة في “University Of Nottingham”.

22. منحة من الاتحاد الأوروبي للدراسة في أربع دول أوروبية، فرنسا وإيطاليا، وإسبانيا، وبريطانيا.

3. منحة مقدمة من الحكومة التركية للدراسة في تركيا.

4. منحتين مقدمتين من جامعتين في ألمانيا.

ولأنه كان مهتماً جداً بالدراسة في مجال تكنولوجيا الدماغ والأعصاب فقد اختار منحة الاتحاد الأوروبي، حيث كانت الأفضل والأنسب له، وفي شهر 9 من سنة 2016 بدأ بدراسة الماجستير في فرنسا، وبالإضافة لدراسته فقد عمل في ذات الوقت كباحث في المركز الفرنسي للبحوث العلمية، وعمل على مشروع هدفهُ وضع تصنيفات لسرطان الدماغ عند المصابين به باستخدام صور الرنين المغناطيسي حتى يتسنى معرفة حالة المريض ووصف العلاج المناسب له فقط باستخدام طريقة أوتوماتيكية تم تطويرها لهذه الغاية، وفي هذا المشروع يتم الاعتماد فقط على صور الرنين المغناطيسي.

ومع بداية سنة 2017 بدأ العمل على مشرع لوكالة ناسا الفضائية، هدفه بناء نظام تكنولوجي يتيح المساعدة والإسعاف للأفراد المصابين في أماكن الكوارث الطبيعية كالبراكين والزلازل، أو الكوارث البشرية كالحروب وأماكن الانفجارات، حيث سيتم تصميم نظام متكامل لإدارة الكوارث كجزء من هذا المشروع، بالإضافة لمشروع آخر تابع لمعهد ماكس بلانك الألماني لأبحاث الروبوتات الطبية، وهو عبارة عن تصميم وتصنيع روبوت طبي ذي أبعاد صغيرة جداً، حيث سيقوم هذا الروبوت بتصوير ما بداخل جسم الإنسان حتى يتيح تشخيص الأمراض المختلفة دون اللجوء إلى الجراحة.

أما عن ما سيقوم به سائد خلال الفترة القادمة، ومشاريعه المستقبلية، فتبدأ بالسفر إلى أمريكا ليعمل على مشروع في جامعة كاليفورنيا، الغاية من هذا المشروع تحديد مراكز الدماغ المسؤولة عن إنتاج إشارات عصبية غير طبيعية عند المرضى النفسيين، وفي نهاية هذا العام سيعود إلى إسبانيا لإكمال الفصل الثالث من الماجستير، ثم سيبدأ بتحضير رسالة الماجستير حيث أنه ينتظر حالياً القبول من جامعة هارفرد الأمريكية للمباشرة بالرسالة، بعد أن تم قبوله في جامعات عالمية، من بينها جامعة أكسفورد في بريطانيا. ومن ثم سيسعى للحصول على الدكتوراة حيث يُفضل سائد ألا يتوقف، ويكملها بروحٍ مليئة بالشغف والطموح، وبحبٍ لا يفنى للتعلم والمعرفة، وبإصرارٍ عالٍ على بلوغ الهدف، وتحقيق ما يطمح به.

أما ما ينتظرنا نحن كشباب، مليئين بالأحلام التي تنتظر موعد بزوغها وتحققها بزهوٍ، وننتظر فرصنا التي سُلبت منا لأسباب لا داعي لذكرها! فنحن ننتظر أن تأتي تربة لتنبت بها أحلامنا ويعتنى بها، لسنا فاقدين للأمل ما دام هناك من يبذل جهوداً ليساعدنا ويوجه اهتمامه لقدراتنا على أن نُغير من أنفسنا أولاً ثم نتوسع بدوائر التغيير لنصل للتغيير المرجو، ألا وهو تغيير أمتنا والمساهمة بنهضتها وتقدمها وازدهاراها كما كانت مزدهرة في فترة ممن الفترات. وقد صرح سائد بأن الشيء الذي يؤمن به بأنه “إن كان هناك نهضة في وطننا العربي، فلن تحدث إلا عن طريق العلم والمعرفة “، وأكد أننا بحاجة لأشخاص يبدؤون بالاستثمار بأنفسهم وفي العلم.

ورغبةً منه في مساعدة الشباب وإيماناً منه بأن رسالته لن تصل إلا إذا قام بنشر ما لديه من خبرة وعلم ومعرفة، فقد قام بتوجيه اهتمامه نحو كتابة مجموعة من المقالات تحوي مواد مهمة ستفيد كل شاب يطمح لتطوير نفسه، وستعنى هذه المقالات بالمواضيع الآتية:

– كيفية الحصول على منح دراسية كاملة لدراسة الماجستير والدكتوراه، بالإضافة للحصول على تدريب في دول متقدمة في مجالك.

– كيفية مراسلة جامعات وشركات ومراكز بحثية، وعمل تسويق لقدراتك، بالإضافة للحصول على دعم مادي وفني إن كنت بحاجة.

– كيفية الدخول والانخراط في مجال البحث العلمي في تخصصك أو مجالك مع مواكبة تطورات العصر، وشرح بسيط عن بعض المجالات العلمية التي تعد الآن في أوج ازدهارها ومجدها.

– كيفية عمل شراكات مع عدة جهات للبدأ بعمل أبحاث في أي مكان أنت متواجد فيه.

– كتابة أوراق بحثية وتجهيزها لتكون مناسبة للنشر، والتأكد من أن محتواها قابل للنشر في مجلات أو مؤتمرات عالمية، وأيضاً عملية اختيار المجلة أو المؤتمر البحثي الذي سيتم نشر البحث فيه. 

* اية التميمي – صحفية أردنية

قد يعجبك ايضا