التعاون الدولي في الزلزال والاقتصاد / غازي أبو نحل

دافوس… التعاون في عالم منقسم / غازي أبو نحل – الأردن العربي | عربي الهوى , أردني الهوية

غازي أبو نحل* – الإثنين 27/2/2023 م …



* رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات: Nest Investments (Holdings) L.T.D
والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية …
كنا نتابع تداعيات الزلزال عبر الشاشات .
مشاهدٌ تكسر القلب. اراضٍ تشقّقت كأن سكيناً هائلاً سَلَخَ حاضرها عن تاريخها القديم. مدنٌ وبلدات مطحونة كأنها لم تكن. ابنية نفّذت حكم الاعدام بقاطنيها. تناثرت الشرفات. الشبابيك لم تعد. تخلّعت الأبواب. تجمعت الابنية كتلاً مذعورة مبعثرة اطبقت على انسان اعتقد انه اوجدها لتحميه فكانت له قبراً.
ما اصعب الكتابة عن الزلزال. يستحيل ان ترتقي الكلمات الى حجم المأساة. کل کلام قليل، كل وصف عاجز عن التعبير، كل ازهار الدنيا غير قادرة على ملاقاة نهر الجنازات المتدفق، حيث عداد الموت يرتفع بسرعة قياسية غير آبه بالسيل الجارف من الدموع .
استولى الزلزال على العالم. شاهدنا بتأثر قوافل المساعدات تكسر حواجز السياسة والعداء والحصار. رأينا باعجاب كبير شجاعة من توافدوا بحثًا عن احياء او لانتشال جثث. فرحنا كثيراً لانتشال طفل حي من تحت الركام، وابتهجنا باخراج مسِّن وزوجته من بين اشداق الجحيم، ثم لمحنا تفجعهما على احفاد تلحفوا الركام مستسلمين للقدر. سنعيش طويلاً مع حكايات الجروح في تركيا وسوريا. سنستمر لوقت طويل مع الحكايات الحزينة والمفجعة.
الاضرار البشرية والمادية لا تعد ولا تحصى. اذ لامست حصيلة الضحايا الخمسين الفاً في البلدين، وقد وصل عدد الجرحى الى نحو المائة ألف، وبلغ عدد المتضررين حدود الـ15 مليوناً في ترکیا و۱۱ ملیوناً في سوریا وتم اجلاء نحو ١٥٠ الفاً من المناطق المنكوبة…
ومن المتوقع أن يؤدي الزلزالان الى خسارة الاقتصاد التركي اكثر من ٨٤ مليار دولار أي حوالي ١٠% من الناتج المحلي الإجمالي، والى أضرار بنحو 70.8 مليار دولار للمباني السكنية وخسارة قدرها 10.4 مليار دولار في الدخل القومي، بالاضافة الى خسارة في القوى العاملة قد تكلف الاقتصاد التركي 2.9 مليار دولار. قد تؤدي الأضرار والخسائر الجسيمة إلى دفع عجز ميزانية الدولة إلى أكثر من 5.4% من حجم الناتج المحلي الإجمالي هذا العام ككلفة بإعادة اعمار المناطق المتضررة . كما تضررت البنية التحتية بما في ذلك الطرق والكهرباء والغاز الطبيعي وخطوط أنابيب النفط والاتصالات والمستشفيات والمدارس. الخسائر لحقت أيضاً قطاعات حيوية في تركيا أولها حركة الملاحة الجوية والشحن الجوي في ظل تضرر 4 من أصل 7 مطارات أهمها مطاري أنطاكيا وأديامان بالإضافة الى قطاع شركات التأمين حيث أن هناك 7 الى 8 ألف مبنى معظمها مؤمن قد تعرضت للدمار; وأشارت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في تقرير لها أن خسائر الممتلكات المؤمن عليها قد تصل إلى حوالي مليار دولار، بسبب التغطية التأمينية المنخفضة في المناطق المتضررة، فيما سيتم تغطية الغالبية العظمى من هذه الخسائر عن طريق إعادة التأمين، ورجحت الوكالة أن تكون تغطية التأمين في الأجزاء المتضررة من سوريا منخفضة كذلك، لا سيما بالنظر إلى الآثار الاقتصادية للتوترات العسكرية، مع الاشارة في هذا المجال إلى أنه تم إنشاء مجمع التأمين التركي ضد الكوارث (TCIP)  بعد زلزال إزميت عام 1999 لتغطية أضرار الزلزال التي لحقت بالمباني السكنية في المناطق الحضرية، ومع ذلك، فإنه لا يغطي الخسائر البشرية أو مطالبات المسؤولية أو الخسائر غير المباشرة، مثل توقف الأعمال. ويعتبر غطاء التأمين ضد الزلازل إلزامياً من الناحية الفنية في تركيا، غير أنه لا يتم تطبيقه في كثير من الأحيان في الممارسة العملية.
أما القطاع الصناعي فتأثر بشكل جامح لا سيما في غازي عنتاب وكهرمان مرعش حيث تضررت أكثر من 1500 منشأة متوسطة وصغيرة. في هذا الاطار قال صندوق النقد الدولي أنّ الزلزال خلّف تأثيراً كبيراً على الاقتصاد التركي، ووصف خبراء الوضع بزلزال اقتصادي تصل ارتداداته لأهم القطاعات الحيوية.
الكتابة عن زلزال النكبة مهما قسا، لا يحجب الغوص في مواضيع اقتصادية اساسية تشكّل منطلقاً وإطاراً عاماً لمرحلة مقبلة.
في دبي، انتهت القمة العالمية للحكومات 2023 التي احتضنتها الإمارات من 13 إلى 15 شباط/ فبراير 2023 محققة نجاحاً منقطع النظير تنظيماً وحضوراً ونضجاً في مناقشة قضايا العالم وتسليط الضوء على أهم التحديات التي ستواجهها البشرية في العقد المقبل.
أضاءت القمة على تحديات كثيرة يواجهها العالم، أبرزها التغير المناخي واستدامة الموارد وخاصة في مجال الغذاء والطاقة وهما أبرز قضيتين تواجهان البشرية حتى الآن، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي والأمية التقنية والتعليم والشراكات الاقتصادية. ومن وحي القمة ينطلق في أذهاننا سؤال يحيرنا مفاده: هل الدول الصغيرة قادرة على مواجهة تلك التحديات الكبيرة وإيجاد الحلول المناسبة لها؟
القمة العالمية للحكومات التي استعرضت أكثر من 220 جلسة رئيسية وتفاعلية وحوارية تحدث فيها أكثر من 300 شخصية عالمية من الرؤساء والوزراء والخبراء والمفكرين وصناع المستقبل، أبرزت خمسة تحديات مستقبلية سوف يواجهها العالم، وهي تبعات التغير المناخي والتعليم والمسار التقني وبلورة شراكات اقتصادية جديدة تتفق مع المصالح الوطنية والمتغيرات العالمية الجيوسياسية، وربما هناك قضايا أخرى سوف تسفر عنها المرحلة المقبلة يجب الاستعداد والتهيؤ لها.
لقد أكدت القمة أن دولة الإمارات تتهيأ بخطط استباقية وجهود غير مسبوقة لمواجهة تحديات المستقبل، ففيما يتعلق بالتغير المناخي، أعلنت الإمارات 2023 عام الاستدامة، كما أعلنت جاهزيتها لاستضافة قمة المناخ كوب-28، وأكدت أن مبادرة الحياد المناخي تتماشى مع المبادئ العشر للخمسين، والذي أعلنت عنه الإمارات في عيدها الخمسين حيث استثمرت مليارات الدولارات في مجال الطاقة النظيفة.
جهود الإمارات في التصدي للتغير المناخي مشهود لها على مستوى العالم، بدليل أن الدولة أصبحت مكاناً مثالياً للعيش والعمل وبناء مدن المستقبل، بشهادة منظمات ومؤسسات علمية مرموقة، ولا شك في أن فوز الإمارات بتنظيم الحدث العالمي كوب 28 يعكس إيمان المجتمع الدولي بدور الدولة المحوري في دعم مبادرات الحفاظ على البيئة واستدامة المناخ ولا سيما ارتباطه بالأمن الغذائي.
كما تمثل المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 محركاً وطنيا يهدف إلى خفض الانبعاثات والحياد المناخي بحلول 2050، ما يجعل الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي.
ويمثل بناء شراكات اقتصادية واعدة تأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية تحدياً آخر لبناء مستقبل آمن للبشرية، ففي عالم تتصارع فيه القوى على المصالح الاقتصادية تحرص الإمارات على بناء شراكات اقتصادية جديدة وناجحة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. وتأخذ دولة الإمارات في الاعتبار المصالح الوطنية في مرحلة حرجة جداً من تاريخ العالم حيث تلعب العوامل الجيوسياسية دوراً مهماً في رسم خريطة العالم الاقتصادية.
التعليم والذكاء الاصطناعي والأمية التقنية كلها قضايا متشابكة تمثل تحدياً كبيراً لصناع القرار؛ فرسم السياسات التعليمية المستقبلية والاعتماد على الذكاء الاصطناعي ومحو الأمية التقنية ملف مهم على طاولة الحكومات في الدول المتقدمة. وتعتبر مشاركة الشباب في رسم المستقبل خطوة أولى نحو إيجاد الحلول المناسبة لهذا التحدي الكبير، أن الاستعداد الجيد لمناقشة هذا الملف الحيوي يمنحه فرصة كبيرة للبروز وإيجاد الحلول الناجعة.
دولة الإمارات باستضافتها للقمة العالمية للحكومات إنما تحث الجميع على تعزيز جهودها لرسم خارطة طريق واضح للجميع. كما تحث جميع الحكومات العالمية على اقتراح الحلول الناجعة لمواجهة تحديات المستقبل سعياً نحو خلق مستقبل أفضل للأجيال الجديدة. فتنسيق الجهود لحماية المناخ وإيجاد الحلول الناجعة للتحديات الأخرى إنما يمنح الإمارات ثقلاً دولياً في مجال الاستعداد للمستقبل وتحدياته وحث الدول لتعزيز جهودها لإيجاد الحلول لتحديات المستقبل الأمر الذي ينعش الآمال بمستقبل أفضل للبشرية جمعاء.
لقد عززت القمة العالمية للحكومات دور الإمارات الفاعل والمحوري على الساحة الدولية بإنجازاتها المبهرة، ولاعباً دولياً مؤثراً في القضايا الحيوية ومصدر الهام لكثير من الدول في العالم النامي ، وصورة مشرقة للتطور والسلام والاعتدال والتسامح.
تحديات مكافحة التضخم واستعادة النمو والتمويل من اجل تحقيق الاستدامة، شكلت الاطار العام للمنتدى السابع للمالية العامة في الدول العربية، الذي عقد عشية القمة العالمية للحكومات في دبي، حيث تركز البحث على التطورات الاقتصادية والمالية في المنطقة والعالم على ضوء التحديات التي فرضتها التداعيات الناجمة عن التضخم بفعل الحرب الروسية على اوكرانيا واستمرار تداعيات جائحة كورونا.
في قراءة سريعة لابرز ما تم عرضه في هذا المنتدى، لاسيما بالنسبة الى المنطقة العربية، يتبين ان هذه المنطقة، كما مناطق كثيرة حول العالم، تشهد تحديات هائلة في الوقت الذي نواجه فيه أزمات. وإحدى القضايا الإقليمية الأكثر إلحاحا هي كيفية تعزيز صلابة الموارد العامة لحماية شعوبنا واقتصاداتنا ومناخنا. ففي الآفاق الاقتصادية، لا يزال النمو العالمي ضعيفا، لكنه ربما يشهد نقطة تحول في الوقت الحالي. فبعدما ارتفع بنسبة 3.4% في 2022، نراه يتراجع حاليا إلى 2.9% خلال 2023، ليسجل تحسنا طفيفا في 2024 حيث يصل إلى 3.1%.
 على الجانب الإيجابي، نشهد حاليا تراجع التضخم من 8,8 في 2022 إلى 6,6% هذا العام و4,3% في 2024 وإن كان سيظل متجاوزا مستويات ما قبل الجائحة في معظم البلدان. ومن العوامل المساعدة إعادة فتح الصين، وصلابة أسواق العمل والإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
بينما تبدو الصورة واعدة، لا تزال التطورات السلبية هي الكفة الراجحة في ميزان المخاطر. فمن الممكن تعطل مسيرة التعافي في الصين. وقد يظل التضخم متجاوزا للتوقعات، مما سيقتضي المزيد من التشديد النقدي، الذي قد يؤدي إلى عمليات إعادة تسعير مفاجئة في الأسواق المالية. وربما تتصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا مخلفة اقتصادا عالميا أكثر تفككا.
ومع تباطؤ الاقتصاد العالمي، يتوقع تراجع النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 5,4% في 2022 إلى 3,2% هذا العام، قبل أن يرتفع إلى %3,5 في 2024. وفي البلدان المصدرة للنفط، قد يؤدي تخفيض الإنتاج وفق اتفاقية أوبك إلى تراجع ايرادات النفط الكلية. وستتواصل التحديات في البلدان المستوردة للنفط.
التضخم في المنطقة قد يتجاوز 10%، وهو ما يزيد على المتوسط العالمي، وهناك مخاطر عدة تستدعي القلق في المنطقة أيضا. فالحرب الروسية في أوكرانيا والكوارث المناخية قد تؤدي إلى تفاقم عجز الغذاء في البلدان الأكثر عرضة للمخاطر كذلك الارتفاع المزمن في معدلات البطالة، لاسيما بين الشباب، مما يضعنا أمام خطر هائل يهدد الاستقرار الاجتماعي.
يشهد العالم عاماً آخر صعباً، لكن هناك اسباب للتفاؤل ترتكز على ثلاثة مبادئ يمكن للبلدان الاسترشاد بها في توظيف سياسات المالية العامة، أولها وضع اطار قوي لادارة سياسة المالية العامة والتعامل مع المخاطر. فتقلبات أسعار الطاقة والغذاء في المنطقة، التي تتطلب من الحكومات التدخل لحماية الفئات الضعيفة مع مواصلة خطط التنمية والاستثمارات، ويقتضي ذلك التخطيط الدقيق وتوافر الموارد اللازمة.
أما المبدأ الثاني، فيتمثل في التخطيط والاستثمار على المدى الطويل لمواجهة التحديات.
وقد أعلنت حكومات المنطقة عن احتياجات تمويلية بقيمة تتجاوز 750 مليار دولار لاتخاذ هذه التدابير وتعتمد تلبية هذه الاحتياجات على توفير بيئة مواتية للتمويل المناخي الخاص من خلال السياسات والحلول المالية السليمة.
والمبدأ الثالث هو تعزيز الإيرادات الضريبية، فمتوسط نسبة الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي، ما عدا الإيرادات المرتبطة بالهيدروكربونات، لا يزال 11% تقريبا، أي أقل من نصف الحصيلة الممكنة.

كما في حالة الزلزال كذلك في الاقتصاد يبقى التعاون الدولي ممراً اساسياً لتجاوز الصعوبات والازمات والتخفيف من الآثار السلبية على كل الصعد والمستويات.

قد يعجبك ايضا