الوطن العربي حقل إنتاج الطاقة الأوروبية / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الإثنين 14/11/2022 م …




تقديم

انعقدت القمة الأولى للمناخ بإشراف الأمم المتحدة، سنة 1994، وتنعقد القمة السابعة والعشرون بمصر من السادس إلى الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2022، “لبحث وسائل الحد من تأثير النّشاط البشري على المناخ، وإقرار سُبُل مُواجهة ارتفاع معدلات الإنبعاثات التي تُحْدِثُ أضرارًا بالبيئة وبالمناخ…”

يشارك في القمة ممثلو دول العالم، وكذلك الشركات العابرة للقارات التي تدّعي اهتمامها بسلامة المُحيط، والتي تدفن نفاياتها السّامة في البلدان الفقيرة، ويتوجّب طرح العديد من التساؤلات بشأن زيادة الإنبعاثات من قِمّة إلى أُخْرى، وبشأن الأهداف الكامنة وراء رعاية بعض الشركات العابرة للقارات لقمّة المناخ التي تُنظّمها الأمم المتحدة…

تهتم الشركات بالطاقة الشمسية عندما تصبح مربحة، فقد تحسنت إنتاجية الألواح التي تنتج كهرباء شمسية غير محدودة خلال العقد الماضي، وكان من الممكن أن تلعب تطورات تقنيات الطاقة المتجددة، مثل تخزين الطاقة بالبطاريات، دورًا إيجابيًا في الحفاظ على البيئة، لكن لم يُعزز هذا التطور سوى ربحية الألواح الشمسية، ما يشجع الشركات متعددة الجنسيات على الاستثمار في هذه التكنولوجيا التي ترافقت مع حملة إعلانية لصالح “الرأسمالية الخضراء” أو “الغسيل الأخضر” ( greenwashing )، ما يُؤكّد أن اهتمام الشركات العابرة للقارات لا يتعلّق ب”إنقاذ البيئة” ولا إنقاذ الإنسانية، بل إن الهدف الوحيد هو جعل الاستثمارات مربحة إلى أقصى حدٍّ، في أسرع وقت ممكن، كما لم يتم استخدام الطاقة “النظيفة” لتطوير النقل العمومي أو ترشيد استهلاك الطاقة بالسكان الجماعي، بل تَطَوَّرَ استخدامها بهدف خفض إنفاق الشركات الرأسمالية الكبيرة، في مختلف مجالات النشاط الإقتصادي.

ظروف انعقاد قمة شرم الشيخ “كوب 27” لسنة 2022

لم تلتزم الدّول الصناعية – المسؤول الأول عن انبعاثات غاز ثاني أُكسيد الكربون – بتعهداتها في مؤتمرات المناخ السابقة، ومنها خفض التّلوث، وسبق أن تعهّدت الدّول الغنية، منذ سنة 2009، “بتقديم مائة مليار دولار سنويا لتمويل مشاريع التّكَيُّف مع المناخ، والحد من الإنبعاثات في البلدان النامية”، ولكن لم يتحقق أي من هذه الإلتزامات، وفق “منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية” التي تُمثّلُ الدّول الغنية…

تؤكّد البيانات المتوفرة أن مسؤولية الدّول الفقيرة عن الإنبعاثات ضعيفة جدًّا فلا تُولّد قارة إفريقيا التي تمثل حوالي 15% من العدد الإجمالي لسكّان العالم، سوى 4% من إجمالي الإنبعاثات، ومعظمها من المحروقات والمناجم التي تستغلها شركات عابرة للقارات، ولكنها تُسدّد ثمنًا باهظًا، يتمثل في ارتفاع الأمراض والخسائر البشرية والمادّية النّاتجة عن التّلوث، لذا تُطالب الدّول الفقيرة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت البَرّ والبحار والغابات والبشر…

ترفض الدّول الغنية،  بزعامة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، دعوات الدّول الفقيرة ومنظمات البيئة لتعويض خسائر وأضرار الدّول الفقيرة والأكثر عُرْضَةً لأضرار الناجمة عن النشاط الصناعي والزراعي للدول الغنية، المتسبب الأول في انبعاث الغازات وفي تغيير المناخ والأعاصير والكوارث، وأَصَرّت الدّول الغنية على رفضها خلال مؤتمر “غلاسغو” سنة 2021 إطلاق آلية لإنشاء وتمويل صندوق يهتم بتجميع وتسديد تعويضات مالية للدّول الأفْقَر والمُتضرّرة من نشاط الدّول الغنية التي تُراوغ وتقترح بديلها المتمثل في “زيادة إنتاج الوقود الأحفوري، لخفض أسعار الطاقة”…

تنعقد قمة المناخ “كوب 27” بشرم الشيخ في ظل هذا التناقض بين مصالح مجموعَتَيْن من الدّول، وفي ظل الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار المحروقات التي تستفيد منها شركات النفط “الغربية” بدرجة أولى، وفي ظل ارتفاع مُتَوقّع للإنبعاثات العالمية بنسبة 10,6% وارتفاع حجم الخسائر المرتبطة بالمناخ إلى 580 مليار دولار سنويّا، بين سنتي 2010 و 2030 وفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة، بنهاية تشرين الأول/اكتوبر 2022.

أزمة الطاقة في أوروبا:

ارتفعت أسعار للطاقة في أوروبا (وفي العالم) بعد اصطفاف قادتها وراء مواقف وممارسات الولايات المتحدة في الحرب التي تشنها بالوكالة ضدّ روسيا، عبر أوكرانيا، حيث أعلنت دول أوروبا حصار روسيا ومُقاطعتها، ما أدّى إلى خفض إمدادات روسيا من الغاز الطبيعي، ما يُهدّد إمدادات الطاقة التي تُستخدم لتوليد الكهرباء، ويتهدّد الإنكماش الإقتصادي أوروبا التي أقرت خطة لخفض استهلاك الغاز والنفط، وأَقَرّت حكومات ألمانيا وفرنسا وإسبانيا خفض درجة تسخين البيوت والمكاتب والمَحَلاّت خلال موسم شتاء 2022/2023، حيث يُتوقّع إقرار عمليات قطع الكهرباء، وعاد الحديث مُجدّدًا عن تشغيل مفاعلات الطاقة النووية وزيادة إنتاج طاقة الرياح والشمس، فيما تعهّد الإتحاد الأوروبي بالتوقف تدريجيا عن استيراد الغاز الروسي قبل حلول سنة 2027، ولذلك أصبح تنويع مصادر الطاقة وإنتاج الطاقات المتجدّدة أمرًا عاجلاً، بالتوازي مع محاولات توريد الغاز من بلدان أخرى، غير روسيا.

تزامنت أزمة الطاقة، وارتفاع أسعارها للمستهلك، مع موجة غلاء انطلقت منذ الربع الأخير من سنة 2021، أي قبل حرب أوكرانيا بخمسة أشهر، أدّت إلى إطلاق نقابات الأُجَراء إضرابات واحتجاجات عديدة من أجل زيادة قيمة الرّواتب لمواكبة أسعار الغذاء والطاقة التي ارتفعت بنسبة فاقت 60% والأسمدة بنسبة 41%، ما رَفَع معدّلات التضخم الرسمية (وهي أدْنَى من الواقع) إلى 10% في منطقة اليورو الأوروبية، وما يُهدّد بأزمة اقتصادية وسياسية في بلدان الإتحاد الأوروبي، وفق تحذيرات المكتب الأوروبي للإحصاء “يوروستات” بنهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2022…

لنا الشمس ولَهُم نُورُها

 تتوفر الشمس والرياح بالوطن العربي لكن الشركات الأجنبية تتحكم بتقنيات إنتاج الطاقة وتوليد الكهرباء، لتصبح الموارد الطبيعية كالشمس والرياح مادّة خام (مثل النفط والغاز ومجمل المعادن)، تُحوّلها الدّول الأوروبية (ألمانيا بشكل خاص) وشركاتها العابرة للقارات إلى مادّة مُصنّعة، أي طاقة رخيصة ونظيفة، قابلة للإستخدام، ذات قيمة زائدة مرتفعة، ما يُعَمِّق تبعية الدّول العربية في كافة المجالات، لِتستمر في تصدير المواد الخام بأسعار بَخْسَة وتستوردها مُصنّعة بسعر يضاهي عشرة أضعاف سعر المادة الأولية…

يثير الاعتماد على الوقود الإحفوري لإنتاج الطاقة العديد من المشاكل البيئية (تلويث المُحيط) والاقتصاديّة، ومنها تعرّض تكلفة إنتاج الكهرباء لتقلّبات أسعار المشتقات النفطيّة، وهو ما يحصل حاليا، منذ انطلاق الحرب في أوكرانيا، رغم تلاعب الشركات بالمخزونات وبالأسعار، لكن أسعار برميل النفط الخام ارتفعت سنة 2021، أي قبل انطلاق الحرب، بنحو 68% على أساس سنوي، مقارنة بسنة 2020، سنة كوفيد-19، وبنسبة 60% تقريبًا، على أساس سنوي، خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2022، لترتفع تكاليف إنتاج الكهرباء وأسعار بيعها للمؤسسات وللمواطنين، كما يُشكل استيراد النفط بأسعار مرتفعة، عبئًا ثقيلاً على الدّول الفقيرة المُثْقَلَة بالدّيون (المغرب وتونس ومصر والسّودان وسوريا ولبنان والأردن…) والتي تحتاج إلى المزيد من العملات الأجنبية لتغطية حاجياتها من واردات السلع الأساسية…

تتمتع البلدان العربية بموقع يجعلها تستفيد بعدد قياسي من الأيام المُشمسة (مع قِلّة السّحُب) التي قد تصل إنتاجيتها من الطاقة إلى ثمانية كيلوات/ساعة بالمتر المُربّع الواحد (يُقاس ذلك بحسب درجة تعرض الموقع لأشعة الشمس)، وفق دراسة نشرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وقدّرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أنّ كلّ كيلومتر مربّع من أراضي الوطن العربي يتلقّى أشعة تُعادل الإنتاجية السنوية لأكثر من خمسة ملايين برميل من النفط الخام، ما يُشكّل مُحَفِّزًا للإستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي قد تُخفّض تكلفة إنتاج الطاقة بحوالي أربعة أضعاف حجم الإنفاق الحالي على توريد مُشتقات النّفط (كالبنزين والمواد المُكَرّرَة)، وتُخفّف الضّغوط على ميزان المَدْفُوعات، بل يمكن تصدير الطاقة الشمسية وجَنْي العملات الأجنبية أو مبادلتها بسلع أُخرى.

بدأت بعض البلدان العربية، مثل المغرب ومصر والسعودية والإمارات، الإستثمار في مشاريع الطاقة المتجدّدة (الشمس والرّياح) وهي مشاريع متواضعة الحجم والقيمة، لا تحمل من “العُرُوبة” سوى الشّكل أو الإسم، فهي تستخدم تقنيات أجنبية، ومعظمها تابع لشركات أجنبية، فيما غابت مثل هذه المشاريع بمعظم البلدان العربية، رغم توفُّر الشمس والرّياح، ورغم انخفاض سعر الطاقة النظيفة مُقارنة بالطاقة المُوَلّدة من النفط والفحم والغاز، بسبب شُح الموارد المالية، وخصوصًا بسبب غياب مشروع وطني يرمي إلى تحقيق الإستقلال الإقتصادي، كركيزة للسيادة الوطنية ولاستقلال القرار السياسي، وعلى سبيل المثال تُشرق الشمس على مدى حوالي 3600 ساعة سنويًّا بالجزائر التي تمتلك موارد مالية هامة، تُمكّنها من الإستثمار في الطاقة الشمسية، لكن إنتاج الطاقة المتجددة لا يتجاوز نسبة 1,8% من الإستهلاك الإجمالي للطاقة بالبلاد، ما يُعْتَبَرُ سوء تخطيط على المدى البعيد، فالنفط زائل، والشمس باقية.

أين وصل مشروع “ديزيرتك” لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في الصحراء الكبرى لنقلها إلى أوروبا؟

أشارت دراسات أوروبية، بزعامة ألمانيا، في بداية القرن الواحد والعشرين، إلى تطور تقنيات إنتاج وتخزين الطاقة الشمسية ما يُيَسِّرُ عملية نقل الطاقة التي تُوَلِّدُها من الصحراء الكبرى إلى أوروبا لتستغل دول الإتحاد الأوروبي تلك الطاقة الكهربائية، وفي سنة 2008، انطلق مشروع “ديزرتيك” الأُوروبي (وهو مشروع ألماني بالأساس) لتوليد “الطاقة النظيفة” من الصحراء بجنوب بلدان المغرب العربي، وكذلك بصحراء مصر والخليج، بهدف نقلها إلى أوروبا، وعلى هذا الأساس أنْشأت شركات أوروبية تجمُّعًا لتنفيذ هذا المُخَطّط وإنشاء شبكة من محطات ضخمة للطاقة الشمسية التي تعتمد على التكنولوجيا الكهروضوئية.

اتّسم مشروع “ديزرتيك” بالعجرفة الإستعمارية في شكله ومضمونه، فهو مشروع أوروبي (بدفْعٍ ألماني ) دراسةً وتصميمًا وإنجازًا، بهدف حل مُشكلة أوروبية، على حساب البيئة الصحراوية الهَشّة وعلى حساب مُحيط الصحراء وسيادة البلدان، ولذلك لقي بعض المُعارضة من عديد المُثقّفين والإعلاميين والمناضلين العرب، بل حتى من بعض الحكومات العربية الرجعية الخاضعة للإمبريالية، مثل المغرب ومصر، لأن هذه البلدان المُحتاجة للكهرباء، لن تجني سوى هدر المياه الشحيحة التي يتطلبها غسيل الألواح الشمسية وتلوث المحيط والتُّرْبة والمياه، بالمواد الكيماوية الضرورية لصناعة الألواح وصيانتها وتنظيفها، وتعطّل المشروع لأن دول أوروبا تُريد عدم تسديد أي مقابل لنَهْبَ مواردنا، عبر محطات توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهي طاقة ذات جودة عالية، ومُنخفضة التكاليف (حوالي دولار أمريكي واحد لإنتاج كيلوات/ساعة من الكهرباء )، وتُمكن من إنتاج الهيدروجين الذي أصبح وقود المُستقبل، وأدّت هذه العقلية الإستعمارية الأوروبية إلى عرقلة مشروع ديزرتيك، وتراجع الإستثمار الأوروبي في مجال الطاقة الشمسية، وبالمقابل بدأت الصين اهتمامها بالطاقة الشمسية، سنة 2011، أي بعد أوروبا بأكثر من عِقْد، ومنذ ذلك التاريخ فاقت استثمارات الصين في الطاقة الشمسية الكهروضوئية خمسين مليار دولارا (من 2011 إلى 2021) أو ما يُعادل عشرة أضعاف استثمار كافة دول الإتحاد الأوروبي، ويوفر قطاع الطاقة الشمسية بالصين أكثر من ثلاثمائة وظيفة، وفق تقرير أصدرته وكالة الطاقة الدّولية (تموز/يوليو 2022 )، لتستحوذ الصين على نحو 80% من الإنتاج العالمي للألواح الشمسية التي يقل ثمنها بنسبة 35% عن الألواح المُصنّعة بأمريكا الشمالية وأوروبا، رغم العراقيل والرُّسُوم الجمركية الإضافية التي أقرّتها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لتعطيل صادرات الألواح الصينية.

الصحراء العربية خزّان الطاقة الأوروبية النظيفة؟

تعد منطقة الوطن العربي إحدى أهم مناطق العالم التي يمكنها الإستفادة من موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكن  أكبر محطة عالمية للطاقة الشمسية توجد بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وليست بالوطن العربي، بينما اهتمت الصين بالطاقة النظيفة منذ حوالي العِقد، وسرعان ما مرّت إلى مرحلة التنفيذ وتخصيص الموارد الضرورية، لتصبح ست شركات صينية مُصنّفة ضمن أكبر عشر شركات عالمية لإنتاج الطاقة النظيفة ومُعدّاتها، سنة 2020. أما الشركات الأربعة الأخرى فهي أمريكية (شركتان) وكندية وكورية جنوبية…

خصصت دول الإتحاد الأوروبي نحو مائة مليار دولار لبحوث وإنتاج الطاقة الشمسية، سنة 2020، فيما خصصت الصين نحو 136 مليار دولارا، وقُدِّرَ سوق الطاقة الشمسية (لنفس السنة) بنحو 134 مليار دولارا، غير أن الإستثمارات العربية الإجمالية في قطاع الطاقة النظيفة لم تتجاوز عشرة مليارات دولارا، لغاية سنة 2020…

يمكن استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وللتدفئة وتسخين المياه، باعتماد التقنية الكهروضوئية التي تقوم خلاياها بتحويل نور الشمس إلى طاقة كهربائية، من خلال الألواح التي تُحول التيار الكهربائي المُستمر إلى تيار مُتردّد، وتوجد في أوروبا محطات كهروضوئية كبيرة، لكن موقع أوروبا لا يسمح باستقطاب أشعة الشمس بشكل مُستمر، ولذلك صمّمت الدّول الأوروبية، بقيادة ألمانيا، مشاريع لاستغلال طاقة الشمس والرياح بالوطن العربي الذي لا يفصله عن قارة أوروبا سوى البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، وشكلت مجمل هذه العوامل فرصة ثمينة لدول الإتحاد الأوروبي لاستغلال شمس ورياح الوطن العربي، بعيدًا عن منطق التعاون المُفيد للطّرَفَيْن، ولكن بمنطق استعماري، يهدف الإستغلال المجاني للموارد (بدون التزام بنقل التكنولوجيا، أو حصول العرب على حصة هامّة من الطاقة “النظيفة” )، والقيام بنشاط مُلَوّث وضار بالبيئة، للإستفادة من ضوء الشمس وتحويله إلى تيار كهربائي يُنير أوروبا ويُشغّل مصانعها، وترك النفايات ودمار البيئة للعرب، وحرمان المزارعين والرّعاة من موارد رزقهم.  

تُعتبر الطّاقة المُوَلّدة من أشعّة الشمس طاقة “نظيفة” لكن المناطق الصحراوية كثيرة الرياح والكثبان الرّملية والغُبار وكذلك الأمْلاح، ولذلك تتطلب التجهيزات استمرار المراقبة والرعاية الخاصة والصيانة والتنظيفً، ما يزيد من تكلفة الإنتاج، ومن هدر المياه المستخدمة للتسخين (وهي مياه ذات درجة عالية من المُلُوحة تُسبّب اهتراء مُعدّات التسخين) واستخدام مواد كيماوية للتنظيف وهو ما يُقلّل من الإنتاجية، ويضر بالبيئة…

نشرت وكالة الصحافة الفرنسية، يوم الأول من أيلول/سبتمبر 2021، تقريرًا عن ضُعف الإستثمار في “الطاقة الشمسية بشمال إفريقيا” (من موريتانيا إلى مصر)، وعن تشجيع البنك العالمي الدّول العربية على “التّعاون مع الإتحاد الأوروبي لاستغلال الطاقة الشمسية”، ونشر البنك العالمي، منتصف تشرين الأول/اكتوبر 2022، تقريرًا عن مكانة الطاقة الشمسية في ظل حرب أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة، ليدعو أوروبا والأنظمة العربية إلى الإسراع بتوقيع اتفاقيات استغلال الطاقة الشمسية (الموجودة بالوطن العربي) لتتمكّن أوروبا من الإستغناء عن الغاز الروسي قبل سنة 2030، ويُشيد التقرير بمشاريع “الطاقة النظيفة” بالهند، الدولة التي أصبحت نموذجًا للتوجّهات النيوليبرالية التي تسحق الفُقراء والعُمال وصغار الفلاّحين، كما أشاد بمحاولات مصر، التي يُساهم البنك العالمي في تمويلها، بالتعاون مع شركات أوروبية، وبدُوَيْلَة الإمارات التي تمتلك الموارد المالية، وبالخصوص لأنها تموذج يُحتذى للتحالف مع الكيان الصهيوني ضد شعب اليمن والجيران ونموذج لتمويل الإحتلال الصهيوني، عبر شراء أجهزة التجسس وتشغيل الشركات الأمنية الصهيونية، ومن المُقرّر أن تستقبل إمارة “أبوظبي”، أغنى الإمارات السبع التي تُشكل دويلة “الإمارات”، القمة العالمية لطاقة المستقبل، من 16 إلى 18 كانون الثاني/يناير 2023، وبالمناسبة سوف يُستقبَل الوفد الصّهيوني بكل حفاوة، كما حصل قبل إعلان التّطبيع العلني والرّسمي، فكان مكتب البعثة الصهيونية الدّائمة عبارة عن سفارة.

قدّرت دراسة أكاديمية أمريكية نُشرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 بمجلة “سينتفيك أمريكان” أن الشروط المَوْضُوعية مُتوفّرة لدى البلدان العربية لتتحوَّلَ من مخزن كبير للنفط والغاز إلى مُنتج ومُصدِّر للطاقة الشّمسية، وإنشاء شبكة عربية لنقل الكهرباء، على مساحة تمتَدُّ من العراق إلى موريتانيا، ما من شأنه إحداث تغييرات كبيرة في المنطقة، فضلاً عن توليد الهيدروجين والأمونيا بواسطة الطاقة الشمسية، وبيع الطاقة إلى أوروبا وجنوب آسيا، ووضع حدّ للمحاولات الأوروبية (الألمانية خصوصًا) التي تتسم بطابع استعماري مُتعجرف.

لا يمكن استغلال الطاقة الشمسية العربية دون الإستثمار في البحث لتطوير بطاريات تخزين الطاقة بهدف خفض كلفتها، وبالتالي كلفة الطاقة المتجدّدة، وهو المجال الذي سارعت بعض شركات صناعة السيارات الأمريكية واليابانية، مثل تسْلاَ ونِيسّان، للإستثمار في تطويره، كما يتطلب إنتاج الطاقة الشمسية الإستثمار في البحث العلمي وفي إنشاء البُنية التّحتية لشبكة نقل التيار الكهربائي، وأدّى تقاعس الأنظمة العربية إلى اهتمام دول الإتحاد الأوروبي، وخصوصًا ألمانيا، بمشاريع الطاقة “النظيفة” (الشمس والرياح) في العديد من البلدان العربية، من المغرب إلى الأردن وحتى في الدّول النّفطية مثل السعودية والإمارت، وقدّرت دراسة نشرتها غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية” احتياجات الدّول العربية من الطاقة بنحو 160 ألف ميغاوات بتكلفة تصل إلى نحو 200 مليار دولار لتغطية حاجة السوق سنة 2020، واعتمدت الشركات الألمانية على مثل هذه الدّراسات للإستثمار في تطوير تقنيات الطاقة المتجددة، كما اهتمت بخَفْض تكلفة إنتاج الكهرباء من ثماني سنتات دولار للكيلوات/ساعة اعتمادًا على النفط والغاز، إلى ثلاث سنتات، اعتمادًا على الطاقة الشمسية، وطورت ألمانيا التكنولوجيا المُلائمة لدرجات حرارة صحراوية مرتفعة وللعواصف الرّملية، وادّعت الشركات الألمانية تقديم المشورة للدول العربية في مجالات إنتاج الطّاقة والحد من الهَدْر وصيانة المُعدّات، والإستثمار في مشاريع مشتركة لإنتاج الطاقة النظيفة، ومنافسة المشاريع الصينية واليابانية…

زاد إنتاج الطاقة الشمسية في العديد من البلدان العربية، سنة 2021، بتقنيات واستثمارات وإشراف شركات أجنبية في مصر والمغرب والأردن والجزائر واليمن وتونس والسعودية وموريتانيا والكويت (بالترتيب)، كما ارتفع إنتاج الطاقة المتأتية من الرياح في مصر والإمارات والمغرب والأردن وعُمَان والجزائر والكويت، لكن إنتاج الطاقات المتجددة لا يزال ضعيفًا جدًّا، وبإدارة وإشراف الشركات الأجنبية التي تنتهز فُرصة قُرب بلدان المغرب العربي من أوروبا للتّزوّد بالطاقات المتجدّدة، بتكاليف منخفضة، بدعم من مُؤسّسات الإتحاد الأوروبي الذي أقرّ حوافز جديدة للشركات الأوروبية، بعد انطلاق الحرب في أوكرانيا، “لتوفير مصادر طاقة بديلة قادرة على ضمان الأمن الطاقي لأوروبا، ووضع حد للاعتماد على الغاز الروسي”، وفق مرصد شركات أوروبا “سي إي أُو” (أيلول/سبتمبر 2022)، ويُمثّل هذا “البديل ” للغاز الروسي امتدادًا للعلاقات الإستعمارية، ولو كان هذا الإستعمار مَطْلِيًّا باللّون الأخضر، كما يُمثّل نموذجًا للتبادل غير المتكافئ بين “المركز” (أوروبا) و”المُحيط” (المغرب العربي) ولتدفّق الثروات من الجنوب إلى الشمال، من الفُقراء إلى الأثرياء، كما يتطلب استغلال الطاقة الشمسية كميات كبيرة من للمياه لتسخينها في عملية الإنتاج، ثم لتبريد وتنظيف الألواح الشمسية، فيما يحتاج سُكّان المناطق الصحراوية للمياه في منازلهم وحقولهم، ويُشكل مشروع “ديزرتيك” نموذجًا لما ينتظر السكان المحليين من مصادرة الأراضي وتشريد المُزارعين ومُرَبِّي الماشية، ومن اعتداء على حقوق الفئات الضعيفة والهشة في المغرب العربي، ونموذجا لإدامة العلاقات الإستعمارية، من خلال إقامة محطات أوروبية ضخمة لتحويل ضوء الشمس (أو هبوب الرياح) إلى تيار كهربائي يُشغل مصانع أوروبا، فيما تُشكّل النفايات السّامّة حصة السكان المحليين.

نسبية “النظافة”

نشرت مجلة “ديسْكُفر” الأميركية تقريرًا يُبيّن حجم وضَرَرَ التلوث الناتج عن التخلّص من الألواح الشمسية التي انتهى عمرها الإفتراضي المُقدّر بثلاثين سنة (تقديرات سنة 2020)، والتي يُقدّر حجم نفاياتها الضّارّة بثمانين مليون طن سنة 2050، وصنّفَ التقرير هذه الألواح بأنها “ليست صديقة للبيئة” لأنها تحتوي على مواد سامّة، فضلا عن التلوث الناتج عن صيانتها، وتتحول هذه الألواح، عند استبدالها بأخرى جديدة، إلى نفايات ضارّة بالبيئة الصحراوية الهشّة، لأن الألواح الشمسية مُصنّعة من معادن غير قابلة للتدوير بسرعة، كما تحتوي على “خلايا”، وهي طبقات من السيليكون، وعلى طبقات من الألمنيوم والزجاج والمكونات الأخرى التي تحوّل ضوء الشمس إلى تيار كهربائي، منها ثلاثي فلوريد النيتروجين وسداسي فلوريد الكبريت، وهما من الغازات الدفيئة الضّارّة، وعندما ينتهي العُمر الإفتراضي للألواح يتم التّخلّص منها بدفنها في البلدان الفقيرة (بما فيها الألواح التي كانت بالأراضي الأوروبية، تمامًا مثل الحواسيب والهواتف المحمولة وغيرها من التجهيزات الإلكترونية) حيث تتسرّب المواد السامة والمُسَرْطَنَة إلى الأرض والمياه الجوفية، وتضر بصحة الإنسان وبمحيط البلدان الفقيرة…

قد يعجبك ايضا