الأردن العربي – الاثنين 14/11/2022 م …

من خالد الجيوسي:

اختارت وسائل الإعلام التركيّة الحكوميّة الالتزام بحالة التكتّم وحظر النشر، وعدم التطرّق لتفاصيل ومعلومات حقيقة ما جرى مع وقوع تفجير كبير في منطقة حيويّة مثل منطقة تقسيم السياحيّة الشهيرة، والتي تعج بالازدحامات البشريّة، وأسفر عنه حتى الآن وفق نائب الرئيس التركي 6 قتلى، و81 جريحاً، في حصيلةٍ قابلةٍ للزيادة، نتيجة وجود جرحى حالتهم حرجة وفق تصريحات وزير الصحّة التركي.

ورصدت “رأي اليوم” استمرار القنوات التركيّة في تغطيتها المُعتادة، ولم تقطع برامجها لتغطية الانفجار، حتى القنوات الإخباريّة منها، وهذا يتقاطع مع مطالب الحكومة التركيّة التي طلبت من الإعلام التركي التزام المسؤوليّة، وعدم الانصياع وراء شائعات مُغرضة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعرّضت هي الأخرى (مواقع التواصل) إلى الحظر، ما يعني أن قضيّة التفجير حسّاسة، ولا تُريد السلطات أن تسير في حيّز هي في غنى عنه، والحديث عن الشائعات تحديدًا.

المشهد من المنطقة التي تعرّضت للتفجير، تخضع المنطقة الآن للإغلاق الكامل، لا يدخل إليها أحد، أو يخرج منها، مُطوّقة برجال الأمن الذي يزداد أعدادهم، ووصل حد مُراقبة محطّات المترو، الثابت في كل هذا، أن التفجير وقع بسبب عمل إرهابي حسب تأكيدات جميع المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي، ولكن لا أحد يعرف كيف تم التفجير فلا تصريحات رسميّة بالخُصوص.

وتثور تساؤلات عن أسباب وتوقيت هذا التفجير، والجهة التي تقف خلفه، وكيف تم سواءً بتفجير قنبلة مزروعة، أو دخول انتحاري وسط المدنيين (جرى تداول صور لسيّدة تحمل حقيقة مشبوهة ظهرت قبل الانفجار)، والرئيس التركي تحدّث بنفسه عن ضُلوع سيّدة بالانفجار.

حاكم إسطنبول كان مُتحفّظاً في إعطاء معلومات حول التفجير، وقال بشكل لافت بأنه غير مُخوّل بالتصريح، وترك للأجهزة الأمنيّة التصريح حول الجهة التي تقف خلف التفجير، وبقيّة التفاصيل.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سارع بنفسه إلى عقد مؤتمر صحافي، تحدّث فيه عن قضايا عدّة منها جائحة كورونا، وقمّة مجموعة العشرين التي عقد المُؤتمر قبل التوجّه إليها في إندونيسيا، وتطرّق إلى التفجير، وكان لافتاً أنه كشف بنفسه عن حصيلة القتلى التي وصلت بحسبه إلى 6 قتلى، و53 جريحاً.

يبدو التفجير كبيرًا، وصوته كان عالياً، ومسموعاً على بُعد كيلو وفق شهود عيان، وضمن عمليّة مُحكمة التنفيذ، خاصَّةً بأن منطقة تقسيم ليست منطقة سياحيّة فحسب، بل منطقة فيها سفارات، وقنصليّات منها الروسيّة، والمركز الثقافي الفرنسي، وهذا الاختراق رغم وجود كل هذه النقاط الأمنيّة، يضع علامات استفهام، وتساؤلات، حول الرسائل التي أرادت الجهة المُستفيدة إيصالها، وتحديدًا للحزب الحاكم “العدالة والتنمية.

الرئيس أردوغان، ومع كثرة التأويلات التي ثارت وستُثار حول الجهة التي قد تقف خلف التفجير، كان مُتأنّياً في توجيه اتهامات لجهة مُعيّنة بحد ذاتها، لكنه بكل حال وجّه رسالته لمن وقف خلف التفجير، مؤكدًا أن العناصر التي تحاول النيل من الدولة التركيّة لن تُحقّق طُموحها، وسيفشل الإرهاب.

وصل في الأثناء كل من وزير الداخلية، والعدل إلى منطقة التفجير شارع الاستقلال لمُتابعة مجريات التحقيق في تفجير تقسيم، ووعد المسؤولون الأتراك بإجراء تحقيق سريع ودقيق، ما يعني أن نتائج التحقيق ستكون بين يديّ الأتراك والعالم عمّا قريب.

في إطار التحليل، تكثر التكهّنات في الأوساط التركيّة حول الجهة التي تقف خلف التفجير، فالأكراد طرف قد يكون مُستفيدًا، وداعش أو التنظيمات الإسلاميّة التي لا ترغب أن يكون هناك تقارباً بين حكومة أردوغان (مَوّلتها الأخيرة) والرئيس السوري بشار الأسد، جهة ثالثة ما مُتطرّفة، تُريد إحراج أردوغان وحزبه، وفشلهم في تحقيق الأمن، وفي منطقة يُفترض أنها تخضع للرقابة الأمنيّة، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسيّة مُنتصف العام 2023.

وتداول روّاد منصات اجتماعيّة، مقاطع من زوايا عديدة، ترصد لحظة الانفجار، وخوف المُتجوّلين بالقرب منه، وهربهم نحو مكانٍ آمن، ولكن المقاطع المُتداولة لم تُظهر كيفيّة وقوع الانفجار، وطريقته، لكنه نجح في إيقاع أكبر عدد مُمكن من القتلى والجرحى المدنيين الأبرياء.

السّاعات القليلة القادمة لعلّها ستكون حسّاسة، وسيترقّب معها الأتراك إعلان نتائج التحقيق، والأهم الجهة التي تقف خلفها، وما سيترتّب على هذا الاستهداف، وموقف حكومة أردوغان، وما إذا كان هذا التفجير، وسرعة كشف فاعليه، سيخدم شعبيّتها، أم سيزيد من العقبات أمامها للتربّع على عرش تركيا ومُواصلة ذلك منذ 20 عاماً، إلى جانب اقتصاد تراجعت فيه القدرة الشرائيّة، وازداد التضخّم لمُستويات غير مسبوقة.