كمال ميرزا يكتب: الموضوعية الوغدة!




كمال ميرزا ( الأردن ) – الإثنين 1/8/2022 م …

بداية تحية فخر واعتزاز ببطلتنا “ميسّر الدهامشة”؛ مروءتها وعزيمتها ومبادؤها تفوق أنظمة برمتها!

هناك نوع من الموضوعية أسمّيه “الموضوعية الوغدة”، وأصحاب هذه الموضوعية اسمهم “الموضوعيون الاوغاد”!

الأصول الاحترافية لمهنة الصحافة تقتضي من الصحفي تحرّي الموضوعية بكونها القيمة الجوهرية في عمل الصحافة.

ولكن أحيانا يكون تحرّي الموضوعية سلوكا وغدا أثره السلبي أسوأ من عدم تحرّي الموضوعية!

العنوان التالي مثال:

“لاعبة أردنية ترفض مواجهة نظيرتها الإسرائيلية في بطولة العالم”.

أولا، كان يجب وضع اسم “ميسّر” في العنوان، نحن لا نتحدّث هنا عن نكرة: اللاعبة الأردنية “ميسّر الدهامشة” ترفض مواجهة نظيرتها الإسرائيلية في بطولة العالم”.

ثانيا، نحن لا نتحدث هنا عن مجرد لاعبة، بل بطلة، بطلة بالمعنى الفعلي والرمزي للكلمة: البطلة الأردنية “ميسّر الدهامشة” ترفض مواجهة نظيرتها الإسرائيلية في بطولة العالم.

ثالثا، ، مَن قال أن بطلتنا “ميسّر الدهامشة” ترفض المواجهة، ما فعلته “ميسّر” قمة المواجهة والاشتباك: البطلة الأردنية “ميسر الدهامشة” تترفّع عن مواجهة نظيرتها الإسرائيلية في بطولة العالم.

رابعا، وهو الأهم، من قال أن لاعبة الكيان الصهيوني هي “نظير” لبطلتنا “ميسّر”: البطلة الأردنية “ميسّر الدهامشة” تترفّع عن مواجهة لاعبة للكيان الصهيوني في بطولة العالم..

هكذا يجب أن يكون العنوان!

سيقول الموضوعيون الأوغاد والإنسانيون الأوغد: حرام، ما ذنب اللاعبة “الإسرائيلية”؟ هي مجرد فتاة يافعة تمارس هوايتها المفضّلة، وتلاحق حلمها المشروع بالمشاركة في بطولة العالم وتحقيق النصر.. شأنها شأن أي فتاة في مثل عمرها في العالم!

هذا الكلام البرّاق الذي يبدو للوهلة الأولى وجيها ومقنعا، هو في حقيقة الأمر محض هراء، هراء ككل الخطاب الدعائي/العاطفي الذي يستخدمه مروّجو التطبيع، ومبرروا الخيانة والعمالة والتخاذل!

نعم، لاعبة الكيان بـ”شخصها الطبيعي”، أو بلغة عمون علم الاجتماع على المستوى الصغير (الميكرو)، هي “فتاة صغيرة” تمارس هوايتها هناك في بيتها، بين أهلها وأصدقائها وزملائها ومعارفها..

ولكن هناك في بطولة العالم هي لم تعد شخصا طبيعيا/ فتاة صغيرة، بل أصبحت “شخصية اعتبارية” تشارك بصفتها عضوة في منتخب، أو بلغة علم الاجتماع المستوى المتوسّط أو البيني أو المؤسسي.

وهي من خلال تجاوزها لشخصيتها الطبيعية/ الإنسانية، إلى شخصيتها الاعتبارية/ الوظيفية، ومشاركتها في حدث عالمي كعضوة في منتخب مثل المنتخب “الإسرائيلي، قد تحوّلت على المستوى الكبير (الماكرو) إلى “شخصية رمزية” تمثّل وتجسّد قيما وأفكارا بعينها: لاعبة صهيونية تمثّل وتجسّد قيم الكيان الصهيوني الذي تحمل اسمه وعلمه (تلك الخرقة المسمّاة علما)، وتمثّله بعنصريته ولصوصيته ودمويته وبطشه وعنفه!

حقارة “شخصيتك الرمزية”، لا تلغيها ولا تشفع لها وظيفية/ أداتية/ بيروقراطية شخصيتك الاعتبارية، أو إنسانية/ طيبة/ براءة شخصيتك الطبيعية!

الاختباء وراء إنسانية “الشخصية الطبيعية”، هذا هو فخ الدعاية والتطبيع الذي يسقط فيه الغالبية، وهذه طريقة التحليل العلمي للدعاية والخطاب التي لا يدركها غالبية “الخبراء” و”حملة الكراتين”!

وهذا التمييز بين “الطبيعي” و”الاعتباري” و”الرمزي” هي منهجية علمية “موضوعية” تسري على جميع الحالات وفي مختلف السياقات، ولا تقتصر على حالة بعينها أو سياق بعينه.

يمكنكم تطبيق هذه المنهجية على فنان مثلا (محمد رمضان إذا أحببتم)، أو زعيم دولة معيّن (من دون ذكر أسماء)!

بقي أن نقول أنه حتى الشخصية الطبيعية/ الإنسانية لهذه اللاعبة، وأهلها، وأصدقائها، وزملاىها.. الخ لا تشفع له..

فهؤلاء بشر يعيشون كمواطنين في كيان صهيوني..
ويحملون “جنسية” كيان صهيوني..
ويمارسون تفاصيل عيشهم اليومي على تراب شعب آخر، وعلى دماء وأشلاء شعب آخر، وعلى حساب حقوق شعب آخر..

ولا تستوي هنا حجة: وما ذنب هؤلاء “المساكين”؟ وما ذنب هذه الفتاة “المسكينة” التي وُلدت فوجدت نفسها “إسرائيلية”؟

ذنبهم جميعا أنهم “صهاينة” أدركوا ذلك أم لم يدركوا!

إذا أدركوا ذلك فذنبهم أنهم ما يزالون يحيون على تراب محتل وأرض سليبة، وما يزالون يحتفظون بـ “بمواطنتهم” في كيان صهيوني.

وإذا لم يدركوا فذنبهم جهلهم بكون الذي يدفع ثمن هذا الجهل شعب آخر وبشر آخرون وليس هم!

حتى اللاعبة الصهيونية، ذنبها في رقبة أهلها وأولياء أمرها وأجدادها الذين أتوا بها لهذه الأرض السليبة.. وكل الهراء الإنساني الذي يمكن أن يقال ويُوظّف هنا لا يلغي “حقيقة” واضحة ودامغة: هذه لاعبة تمثّل كيانا صهيونيا!

 

قد يعجبك ايضا